تجار دبي والريال الإيراني... تحديات وضغوط اقتصادية

 

شبكة النبأ: داخل مكتب مضاء بمصابيح النيون في قلب منطقة ديرة بالبلدة القديمة في دبي يصيح إيراني في منتصف العمر في أحد الهواتف الستة الموجودة على مكتبه وينقر على أرقام على آلته الحاسبة، وفي غضون دقائق قليلة يجري محادثات متعددة مع متصلين يريدون شراء أو بيع أو تحويل ريالات إيرانية. انه عمل محفوف بالتوتر ويصعب التنبؤ بمآلاته لاسيما في ظل الاضطرابات السياسية التي تحيط بإيران، وبرز تجار العملة غير الرسميين في دبي كحلقة وصل مهمة بين الاقتصاد الإيراني وباقي دول العالم إذ أنهم حافظوا على تدفق الأموال من وإلى البلاد بالرغم من أن حكومات أجنبية بل وإيران نفسها تعمل على تقييد هذا التدفق.

وبعد أن شددت الولايات المتحدة وأوروبا العقوبات المالية على إيران أواخر عام 2011 - مما حجبها عن النظام المصرفي الدولي - ازدهر نشاط تجار دبي، ونظرا لأن رجال الأعمال الذين يتعاملون مع إيران لم يعودوا يستطيعون تحويل أموالهم عبر القنوات المصرفية الطبيعية فقد لجأوا إلى هؤلاء التجار الذين تزايد نشاطهم أيضا بفضل المدخرين الإيرانيين الذين يريدون تحويل ثروتهم إلى خارج البلاد. بحسب رويترز.

وقال التاجر في مكتبه الكائن في ديرة في حديث خاطف بين سيل لا ينتهي من الاتصالات وأكواب الشاي "جن جنون التداول بعد تلك العقوبات". وقال إن حجم تعاملاته بلغ في أحد الأيام نحو مليار درهم إماراتي (270 مليون دولار)،  لكن في أكتوبر تشرين الأول الماضي ومع هبوط قيمة الريال عملت الحكومة الإيرانية على تقييد المعروض من العملة الصعبة. وكانت هذه ضربة شديدة لتجار دبي لأنها حدت من حجم الأموال التي يتعاملون فيها ولأنها صعبت عليهم تحديد الأسعار المقبولة لهم ولعملائهم، وقال التاجر الايراني "الآن الوضع مختلف. الحكومة تحدد الأسعار. كل شيء يتوقف." وطلب التاجر مثل تجار العملة الآخرين عدم نشر اسمه بسبب الحساسية السياسية لنشاطه، وذكر أنه في بعض الأيام لا يقوم بأي تعاملات. وفي أيام أخرى يتعامل في نحو عشرة ملايين درهم إلى 15 مليونا ومع العملاء محل الثقة فقط، غير أن تجار العملة في دبي يحافظون على علاقاتهم التجارية مع إيران إذ يتيحون قناة مهمة للإيرانيين للتعامل مع باقي دول العالم بخلاف القنوات التي تراقبها حكومتهم، وقال مهرداد عمادي الاقتصادي الإيراني المولد الذي يعمل لدى شركة بيتاماتريكس للاستشارات "دبي هي النقطة الحيوية التي يجري من خلالها تسهيل أغلب التعاملات المالية المتعلقة بإيران"، وأضاف "التجار غير الرسميين هم السبيل الوحيد لتوفير العملة لرجال الأعمال الإيرانيين العاديين لاستيراد السلع."

وهددت العقوبات المالية المفروضة بسبب برنامج إيران النووي وضع دبي كمركز رئيسي لتسوية التجارة والاستثمار لإيران.

وعلقت معظم البنوك العالمية تعاملاتها مع إيران خشية تضرر مصالحها في الولايات المتحدة. وفي مارس اذار 2012 قالت شبكة الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت" إنها ستقطع صلاتها بالمؤسسات المالية الرئيسية في إيران، وسارع تجار دبي إلى ملء هذا الفراغ من خلال نظام الحوالة وهو نظام تداول غير رسمي يعتمد على الثقة والعلاقات الشخصية بدأ استخدامه في الخليج وشبه القارة الهندية قبل عدة قرون وتم تعديله بنجاح ليلائم العصر الحديث، ويشارك تاجر ديرة في ملكية مكتب آخر للعملة في طهران لكن ليس بين المكتبين صلة رسمية. وهذه الترتيبات تمكنه من استقبال مدفوعات في دبي ودفع أموال في طهران، وقال التاجر متحدثا عن عملية بقيمة 700 ألف درهم قام بإتمامها في الأيام الأخيرة "إنها عملية صغيرة". وأرسل العميل بالفاكس تفاصيل حساب مصرفي إيراني طلب إيداع الريالات فيه فأرسل التاجر التفاصيل إلى مكتب طهران الذي أنجز التحويل من خلال شبكة إلكترونية على مستوى إيران، ولا يبدو أن نظام الحوالة ينتهك القواعد التنظيمية في الإمارات العربية المتحدة. ويمتلك التاجر مكتبه في دبي المرخص من السلطات الإماراتية مع شريك إماراتي. ويزود المكتب أيضا تجارا صغارا في أنحاء إيران بالدراهم التي يرحب بها الإيرانيون كعملة صعبة لأن الدرهم مربوط بالدولار الأمريكي، ولا توجد بيانات شاملة متاحة لعدد تجار الريال في دبي وحجم أعمالهم. لكن يعتقد البعض أن هذا العمل يلعب دورا رئيسيا في المحافظة على تجارة السلع بين الإمارات وإيران التي تقلصت بشدة بسبب العقوبات، وبلغت قيمة السلع المصدرة عبر الإمارات إلى إيران 3.6 مليار دولار في النصف الأول من 2012 بانخفاض نسبته 32 بالمئة عن مستواها قبل عام وفقا لحسابات رويترز من بيانات من السلطات الإماراتية. وبلغت واردات إيران من كل المصادر في نفس الفترة 26 مليار دولار وفقا لبيانات رسمية إيرانية، وفي سبتمبر أيلول الماضي اصبحت تجارة العملة في دبي مهددة ولكن ليس بسبب الحكومات الغربية بل السلطات الإيرانية.

فمع تضرر الاقتصاد الإيراني بالعقوبات تهافت عامة الإيرانيين على بيع ما لديهم من ريالات لشراء الدولار والذهب لحماية أنفسهم من انخفاض قيمة العملة. وبسبب ذلك فقد الريال ثلث قيمته في غضون عشرة أيام مسجلا أدنى مستوياته في التاريخ عند نحو 37500 ريال للدولار في السوق غير الرسمية، وتأتي معظم إيرادات إيران من العملة الصعبة من صادرات النفط التي تديرها الحكومة. ولكي تحافظ على احتياطيات النقد الأجنبي قلصت طهران المبالغ التي توفرها في السوق غير الرسمية من العملة الصعبة وبدأت توفير حصص من الدولارات للمستوردين المعتمدين بأسعار تحددها الدولة، وفي الوقت نفسه أطلقت طهران قوات الأمن ضد السوق غير الرسمية لتلقي القبض على 50 تاجرا للعملة في إيران وتجمد حساباتهم المصرفية بتهم التلاعب بالريال، وقال عمادي "الحكومة أرادت تخويف السوق لأنها لم تعد تحت سيطرتها." ويعتقد عمادي أن سعر الريال في السوق الرسمية الذي يبلغ حاليا نحو 32500 ريال للدولار كان سيهبط إلى نحو 45 ألفا لولا تدخل الحكومة.

وقالت السلطات إن تاجرا يدعى جمشيد بسم الله هو زعيم المتلاعبين. غير أن تجارا آخرين في طهران ودبي أبلغوا رويترز أنهم لم يسمعوا قط بهذا الاسم، ومصير بسم الله ليس معروفا. ولمح عدة تجار إلى أنه شخصية وهمية الهدف منها تذكير التجار في السوق غير الرسمية بأن الحكومة هي التي تسيطر على الوضع الآن، ودفعت هذه الحملة العديد من الأطراف في طهران التي تتعامل مع تجار دبي لوقف التعامل. وأولئك الذين يواصلون التعامل يواجهون خطر الاعتقال والسجن بالإضافة إلى الخسارة بسبب التذبذب في سعر السوق، وأصبح التفاوض على الصفقات أكثر صعوبة في غياب سعر صرف مرجعي يعتمد عليه. وتقدم السلطات الإيرانية الدولارات لمستوردي السلع الأساسية المسجلين بسعر يبلغ 25 ألف ريال للدولار تقريبا لكن المتعاملين الأفراد لا يثقون في هذا السعر لأن الدولة هي التي تحدده.

وبالرغم من الصعوبات يبدو أن الطلب على تجار العملة في دبي سيستمر إذ يحجم بعض رجال الأعمال الإيرانيين عن التعامل مع مركز الصرف الأجنبي الذي فتحته الحكومة لأنهم يعتقدون أن السلطات ستستخدم هذه التعاملات لتتبع نشاطهم وفرض ضرائب عليهم، وقال رجل أعمال غربي في دبي إن وزارة ايرانية تدين لشركته بملايين الدولارات مقابل خدمات قدمتها لها. وقال إنه يبحث استخدام تجار الحوالة وترتيبات المقايضة للحصول على مستحقاته، وأضاف أن الانسحاب من إيران بسبب مشكلات الدفع ليس خيارا مطروحا نظرا لحجم البلد وثروته النفطية، وتابع قائلا "نحن على صلة وثيقة بالإيرانيين ويجدر بنا أن نقف معهم في وقت حاجتهم. إذا لم نواصل دعمهم فلن يسامحونا أبدا وستذهب استثماراتنا أدراج الرياح."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/كانون الثاني/2013 - 3/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م