والي تركي للسوريين

عريب الرنتاوي

عيّنت تركياً "والياً" للسوريين والمحافظات السورية "المحررة".. فيصل يلمظ، جلس في مكتبه في مدينة غازي عنتاب خلف يافطة كتب عليها "والي السوريين".. في خطوة تذكّر السوريين خصوصاً والعرب عموماً بعصور خلت، كانوا فيها تحت السيطرة العثمانية.. وفي إجراء يعزز المخاوف من "العثمانية الجديدة" التي لا يبدو أنها فارقت تماماً، تفكير بعض النخب الحاكمة في أنقرة.

تقول مصادر الحكومة التركية، أن الإجراء روتينياً إجرائياً، هدفه تسهيل إمداد اللاجئين والسوريين المقيمين على أرضهم (المحررة) بالمساعدات الإنسانية، وأن لا خلفية سياسية وراء إجراء من هذا النوع.. ولكن هيهات أن تجد من يصدق مثل هذه الرواية، ليس بسبب حداثة عهد "الحقبة العثمانية" في التاريخ العربي في الذاكرة الجمعية العربية فحسب، بل ولأن ثمة في السياسة التركية، ما يشي ويشير إلى انتعاش "الأحلام الامبراطورية/العثمانية" لأنقرة.

قبل أيام، كان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو يصرح بأن تركيا ملتزمة بالدفاع عن تركمان سوريا" وتأمين حقوقهم وسلامتهم.. وهذا أمر نقدره ونحترمه.. لكن أن يقدر الوزير التركي أعداد هؤلاء بأنها تناهز الخمسة ملايين ونصف المليون تركماني، فتلكم قصة أخرى، لا تنم عن جهل الوزير – لا سمح الله – وهو العالم بكل شيء تقريباً، بل تعكس نوايا خبيئة للهيمنة والتوسع واستلحاق سوريا وعدد من الأقطار العربية بدائرة نفوذ تركيا ومجالها الحيوي.

أعداد التركمان في سوريا لا تصل وفقاً لأحسن التقديرات، مائة وخمسين ألف مواطن، فكيف أمكن للسيد الوزير أن "يضربها" بأربعين ليخرج بنتيجة مفادها أن تركمان سوريا، يشكلون ربع سكانها؟.. والأدهى من كل هذا وذاك، أن الوزير يتعهد بإزالة الحدود مع هؤلاء، بل ومع جميع المناطق السورية المتاخمة، في إجراء "أخوي جداً"، يستلحق سوريا ويستتبعها، ويقضي عليها ككيان وطني، سيد حر ومستقل.

ثم من قال للسيد الوزير أن سوريا، قبل الأسد وبعده، تريد أن تلتحق بتركيا أو تتبعها، أو أن تتحول إلى جرمٍ يدور في فلكها.. نحن مع أطيب العلاقات السورية – التركية، بل والعربية – التركية، ولقد قاتلنا في سبيلها زمن القطيعة بين نظام دمشق ونظام أنقرة، قبل أن يظهر حزب العدالة والتنمية إلى الوجود، زمن الأزمة الكبرى بين البلدين، ولقد تلقينا ما يكفي من النقد و"المنع" من قبل النظام السوري نظير تلك المواقف.. ولكن شتان بين علاقات طيبة وحسن جوار وتعاون واحترام متبادل، وبين علاقة استتباع، تسمح لأنقرة بتنصيب "والٍ على السوريين".

قبل بضعة أسابيع، نسبت مصادر محلية للملك عبد الله الثاني تحذيره من تنامي نزعات التطرف لدى بعض دول الإقليم، وميل هذه الدول لدعم فريق من السوريين، وليس الشعب السوري بمجمله، وعلى أسس مذهبية صرفة.. مثل هذه التصريحات التركية، تعزز هذه المخاوف، وتستثير في الذاكرة، أسوأ صور ومراحل انحطاط العلاقات العربية – التركية.. وعلى أنقرة أن لا تطرب كثيراً لعبارات الثناء التي هبّت عليها من المجلس الوطني السوري لخطوتها هذه.. ولا أن تأنس لصيحات المصابين بالحنين و"النوستاليجا" للخلافة العثمانية.. هذا عهد ولّى إلى الأبد، ولن يعود، والعرب ليسوا فائضاَ بشرياً، وبلدانهم ليست"فضاءً جغرافياً" مفتوحاً، لكل من يرغب في الاستتباع والإستلحاق.

ولقد آن الأوان، لكي تستعيد السياسة الخارجية التركية بعضاً من ألقها الذي انتشر في سنوات ما بعد الحرب العراق (2003) وما قبل الأزمة السورية (2011)، إن هي أرادت أن تُرسي قواعد علاقات استراتيجية بعيدة الأمد، مع العرب، كل العرب، وليس مع السنّة منهم.. مع العرب بكل أطيافهم السياسية والفكرية، وليس مع الإخوان المسلمين وحدهم أو "أولاً".. ومع الدول والمجتمعات العربية كوحدات سيادية مستقلة، وليس مع نصف أكراد العراق وربع السنة وتركمان سوريا وإخوانها.. مع مصر بمسلميها وأقباطها وعلمانييها، وليس مع جماعة بعينها.. هذا ما ننتظره من دولة شقيقة وجارة كبرى كتركيا.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/كانون الثاني/2013 - 3/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م