أفغانستان... ثلاثية الفساد والقتل والدمار

 

شبكة النبأ: ما بين قسوة الحياة وأسلحة الحرب والدمار لايزال الشعب الأفغاني يعاني الكثير من الهموم والمشاكل ويتذوق طعم الموت بأشكال وألوان مختلفة بسبب استمرار العنف في هذه البلاد والذي أودى بحياة الكثير من المواطنين وفقا لبعض التقارير والإحصائيات، يضاف إليها باقي العوامل الأخرى مثل تفشي الفساد الذي أصبح هو الأخر سبب من أسباب الموت خصوصا في فصل الشتاء والبرودة القاسية حيث تعاني مئات العائلات الأفغانية في المخيمات المؤقتة المقامة على مشارف العاصمة الأفغانية من البرد القارس حيث يقومون بجمع البطانيات والفحم وغيرها من المواد اللازمة فيما تجهد السلطات لتجنب حدوث وفيات مثل تلك التي احدثها البرد في شتاء العام الماضي. ومع هبوط درجات الحرارة الى 10 درجات مئوية تحت الصفر في ليالي كابول الباردة، يواجه 35 الف لاجئ يعيشون في المخيمات التي تغطيها الثلوج معركة للبقاء على قيد الحياة في ظروف صعبة لا تحميهم منها سوى الأغطية البلاستيكية.

ورغم تلقي الحكومة الافغانية مساعدات بمليارات الدولارات منذ العام 2001، فقد توفي اكثر من 100 طفل العام الماضي خلال اقسى موسم شتاء تشهده البلاد خلال عقدين، فيما تقوم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة بجهود منسقة للحيلولة دون تكرار ذلك. وقال سيد الله (40 عاما) اثناء اصطفافه للحصول على مساعدات من بينها اغطية بلاستيكية وزيت طبخ مقوى بالفيتامينات وملابس دافئة للبالغين والاطفال، "العام الماضي كان الاسوأ، والطقس بدأ يسوء مرة اخرى". واضاف سيد الذي فقد العديد من اصابع يديه في انفجار لغم قبل عدة سنوات "اعيش في مكان متهدم مع زوجتي واطفالي الاربعة، وليس لدينا تدفئة أو طعام كاف". وتابع "فررنا الى كابول من ولاية لوغار بسبب العنف، ولا احصل على اي دخل باستثناء ما اجنيه من العمل الشاق. نحتاج الى مساعدة لتخطي فصل الشتاء".

وتقول مفوضية اللاجئين انها مولت ونظمت توزيع المساعدات لأكثر من 32 الف عائلة "مشردة داخل البلاد" في جميع انحاء افغانستان منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كما سيتلقى 240 الف افغاني مساعدات شتوية من خلال برنامجها. وتم تاكيد وفاة طفلين جراء البرد هذا العام احدهما في الثالثة من العمر والاخر رضيع في مخيم شاراحي قمبار للاجئين غرب كابول.

واثارت وفيات الشتاء الماضي غضبا بسبب فشل الحكومة في حماية السكان حتى في كابول. وقام الجيش الاميركي وعدد من المنظمات الدولي والخيرية بتوصيل المساعدات الى تلك المخيمات. وصرح دوغلاء ديسالفو المسؤول في احد مراكز التوزيع التابعة للمفوضية الدولية ان "الفقر والنزاع ونقص التنمية هي المشاكل التي تعرض العديد من الناس للخطر". واضاف "نستطيع تقديم المساعدة، ولكن الناس لا زالوا يفتقرون الى الوسائل الصحية المناسبة والحماية من الاحوال الجوية ويجب معالجة ذلك". وقال "نحن نعمل مع الحكومة وغيرها من الجهات بشكل مكثف للاستعداد لاقسى فترات الشتاء التي لم تات بعد". وترغب الحكومة في اخلاء المخيمات ال55 الموجودة في كابول وعودة اللاجئين الى ولاياتهم الاصلية، الا ان الكثير يقولون ان تلك المناطق خطرة للغاية بسبب تمرد طالبان المسلح ضد الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة.

من جهته كشف الرئيس الافغاني حميد كرزاي الذي اقر بان حكومته فاسدة، عن توجيهات ترمي الى اصلاح ممارسة السلطات في هذا المجال. وقال الرئيس الافغاني في بيان "على الرغم من النجاحات الكبرى، فاننا نواجه مشاكل تتعلق بالحوكمة ومكافحة الفساد وتعزيز دولة القانون والاكتفاء الذاتي اقتصاديا". واضاف ان "المسؤولين الكبار في الحكومة يجب ان يتوقفوا عن دعم المجرمين والذين ينتهكون القانون والمسؤولين الفاسدين ايا كان الموقع الحكومي (الذي يشغلونه) او سلطة هؤلاء الاشخاص". وطلب حميد كرزاي ايضا من المحكمة العليا "العمل على كل حالات الفساد الاداري وسرقة الاراضي واقفالها" في غضون "الاشهر الستة المقبلة".

وقد دخل اكثر من اربعين مليار دولار من المساعدات المدنية الدولية الى افغانستان منذ وصول تحالف الاطلسي في نهاية العام 2001، بحسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وعلى الرغم من بعض النجاحات وخصوصا في مجالات الصحة والتربية، فان تاثيرات هذه المساعدات ليست ابدا على قدر المبالغ التي انفقت. وافغانستان التي نهبت بشكل كبير وخصوصا من قبل كوادرها الذين يستفيدون من الافلات من العقاب القضائي، تعاني في تمويل اي نوع من الخدمات العامة ولا تزال تعتمد اكثر على المجتمع الدولي.

وفي تموز/يوليو، اشترط مؤتمر طوكيو للجهات المانحة للمساعدة المدنية والتنمية في افغانستان، لمنح 16 مليار دولار على مدى اربعة اعوام احراز تقدم واضح في مجال الشفافية وحقوق الانسان وخصوصا حقوق النساء. ويشير احد التوجيهات التي نشرها كرزاي الى ان "كل المؤسسات الحكومية تلقت تعليمات بتجنب التوقيع بصورة جدية على عقود بناء وعقود لوجستية او (اخرى) تتعلق بخدمات مع مسؤولين كبار واناس يحظون بدعمها". بحسب فرنس برس.

وبحسب هذه التوجيهات، فان اي عمل مخالف سيعتبر "بمثابة جريمة" وستتم "ملاحقة" منفذيه. ويريد الرئيس الافغاني من جهة اخرى ان يلزم الوزارات الرئيسية بالتنسيق مع المؤسسات الدينية والمدنية "بهدف الدفع نحو الوحدة الوطنية والمصالحة والاخوة" و"منع اي دعاية مضرة" وخصوصا ب"النظام الاجتماعي"

اكثر من الف جندي

في السياق ذاته قتل اكثر من الف جندي افغاني في المعارك خلال 2012 في اثقل حصيلة منذ بداية الحرب على طالبان في حين يتولى الجيش الوطني مزيدا من المسؤوليات قبل انسحاب قوات الحلف الاطلسي في 2014، على ما افاد مسؤول افغاني. وقال الجنرال محمد ظاهر عظيمي الناطق باسم وزارة الدفاع ان "خلال الاشهر التسعة الماضية قتل 906 جنود، وفي المجموع قتل 1056 جنديا خلال 2012" مؤكدا ان "الحصيلة اسوأ مقارنة بالسنوات الاخيرة".

وقدرة الجيش الذي يتطور بسرعة من اجل احتواء المقاتلين الاسلاميين، اساسية لتفادي حرب اهلية شاملة في افغانستان بعد انسحاب الجنود المئة الف في قوات ايساف الدولية نهاية 2014.

واكد الجنرال عظيمي ان الجيش يتولى مسؤولية ضمان الامن في 75 في المئة من اراضي البلاد لكنه في حاجة الى تجهيزات افضل وخصوصا حماية من الالغام للحد من خسائره. وقرر الحلف الاطلسي تدريب اكبر عدد من الجنود والشرطيين الافغان ال350 الفا بحلول نهاية 2014 كي يضمنوا استقرار أفغانستان. بحسب فرنس برس.

والانشقاق وانخفاض نسبة الذين يعاودون الانخراط في الجيش هما المشكلتان الرئيسيتان اللتين تشغلان القادة العسكريين الافغان والاطلسيين. وقد تسببت "الهجمات من الداخل" التي يشنها عناصر من قوات الامن الافغانية على جنود الحلف الاطلسي والمدربين الغربيين بسقوط ستين قتيلا ، وادت الى نسف الثقة بين ايساف والعسكر الافغان بشكل خطير. واطاح تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة في 2001 بحكم طالبان التي تخوض من حينها حركة تمرد للاطاحة بنظام الرئيس حميد كرزاي.

ما بين الانسحاب والإشادة

على صعيد متصل اشاد الامين العام للحلف الاطلسي اندرس فوغ راسموسن ووزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا بقرار الرئيس الافغاني حميد كرزاي نقل السلطات الامنية الى القوات الافغانية في مجموعة رابعة من الولايات الافغانية. وقال راسموسن في بيان "اثر هذا القرار ستتسلم قوات الامن الافغانية مسؤولية الامن في 23 من اصل 34 ولاية في البلاد حيث يعيش 87% من السكان".

وتابع راسموسن في بيانه "انها مرحلة مهمة نحو تحقيق هدفنا المشترك بتسلم الافغان كامل مسؤولية امنهم. كما رحب راسموسن ب"شجاعة وحزم" القوات الافغانية التي "تزداد كفاءاتها وثقتها بنفسها" معتبرا انها "باتت تقود القسم الاكبر من العمليات ومسؤولة عن غالبية التدريب وباتت تحظى اكثر فاكثر بثقة الشعب الافغاني".

من جهته اعتبر وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا في بيان ان قرار كرزاي يشكل "اشارة جديدة للتقدم الذي تحققه الحكومة الافغانية" مضيفا "في المستقبل ستنحصر مهمتنا بالمضي قدما بشكل يتيح للافغان ضمان امنهم وحكم انفسهم بانفسهم". وكان الحلف الاطلسي قرر نقل كافة المسؤوليات الامنية الى القوات الافغانية بحلول منتصف العام 2013 ليصبح دوره محصورا بالدعم حتى الانسحاب الكامل للقوات الدولية البالغ عددها نحو مئة الف جندي بنهاية العام 2014.

الى جانب ذلك ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال ان وزارة الدفاع الاميركية قررت بناء على اوامر من البيت الابيض خفض عدد الجنود الذين ستبقيهم في افغانستان بعد انسحاب القوات القتالية من هذا البلد بحلول نهاية 2014. وقالت الصحيفة ان الخطط الجاري اعدادها في البنتاغون حاليا تتضمن الابقاء على قوة قوامها ثلاثة الاف او ستة الاف او تسعة الاف جندي على الاكثر.

وستكون مهمة هؤلاء الجنود، اضافة الى شن ضربات على المتمردين عند الاقتضاء، تدريب قوات الجيش والشرطة الافغانية التي ستتولى المسؤوليات الامنية كاملة في البلاد. وكان وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا اعلن ان القوة الاميركية المصغرة التي ستبقى في افغانستان ستركز عملها على منع تنظيم القاعدة من اعادة بناء معاقل له في هذا البلد بعدما كانت حركة طالبان وفرت لاسامة بن لادن وتنظيمه كل التسهيلات خلال توليها السلطة في افغانستان بين 1996 و2001. وبحسب الصحيفة فان الجنرال الاميركي جون آلن قائد القوات الاميركية والاطلسية في افغانستان كان يفكر بالابقاء بعد 2014 على قوة يتراوح عديدها بين ستة الاف و15 الف جندي. بحسب فرنس برس.

وحاليا تتباحث الولايات المتحدة مع حلفائها بشأن القوة المصغرة التي ستبقى في افغانستان بعد اتمام انسحاب القوات القتالية في 2014، وتجري هذه المباحثات على قاعدة ان الحصة الاميركية من المشاركة في القوة المصغرة ستكون بنسبة الثلثين، بحسب الصحيفة. واضافت وول ستريت جورنال انه في ظل بقاء هذا العدد الصغير من الجنود الاميركيين في افغانستان فان وزارة الخارجية الاميركية ستضطر الى تقليص عدد البعثات الدبلوماسية التي كانت تعتزم نشرها في انحاء واسعة من هذا البلد. وتابعت انه بموجب الخطط الجديدة سيكون للطائرات الاميركية بدون طيار دور مركزي في رصد وضرب المتمردين بعد انسحاب غالبية الطائرات والمقاتلات التي يقودها طيارون.

الحرب الأهلية

من جانب اخر قال نواب أفغان ان كارثة وحربا أهلية ستقع اذا مضت واشنطن قدما في تنفيذ اقتراح بسحب كل قواتها من البلاد بعد عام 2014. وقال البيت الابيض انه يبحث ما يطلق عليه "الخيار صفر" الذي يتضمن انسحابا كاملا رغم توصيات في وقت سابق من قائد القوات الغربية في افغانستان بالاحتفاظ بجنود هناك لمساعدة الحكومة.

وقال نعيم لالاي النائب البارز من اقليم قندهار مهد حركة طالبان "إذا سحب الامريكيون كل قواتهم بدون خطة فان الحرب الاهلية التي دارت رحاها في التسعينات ستتكرر." وقال "الانسحاب الكامل سيمهد الطريق لطالبان للسيطرة عسكريا." وعندما انسحب السوفيت من أفغانستان في عام 1989 بعد حرب استمرت عقدا من الزمن نضبت المساعدات المالية وانهارت الحكومةالشيوعية الافغانية مما ادى الى اقتتال داخلي بين امراء الحرب. ومهدت الحرب الاهلية الطريق امام صعود طالبان الى السلطة.

وقال ميرويس ياسيني العضو النافد في البرلمان الافغاني "اذا غادرت القوات الامريكية افغانستان دون تدريب قوات الامن الافغانية بطريقة مناسبة وتزويدها بالمعدات فانها ستكون كارثة." وقالت عضوة البرلمان شكرية باريكزاي ان الانسحاب الكامل بعد عام 2014 سيكون معناه ان الولايات المتحدة "قبلت الهزيمة". وقالت طالبان انها مازالت تبحث ان كانت سترد على بيان البيت الابيض وقال المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد "هذا محض تكهنات ولن نعلق في الوقت الراهن." وجددت الحركة دعوتها لانسحاب فوري للقوات الاجنبية من أفغانستان. بحسب رويترز.

وقال نائب مستشار الامن القومي الامريكي بن رودس ان الانسحاب الكامل "خيار سنبحثه" وأوضح انه ليس من المتوقع اتخاذ قرار بشأن حجم القوات بعد 2014 قبل عدة اشهر وانه سيتخذ استنادا الى هدفين امنيين امريكيين في افغانستان هما حرمان القاعدة من ملاذ امن وضمان تدريب وتجهيز القوات الافغانية حتى تتمكن هي لا القوات الاجنبية من تأمين البلاد. وقال مسؤولون في واشنطن في تصريحات غير رسمية ان البيت الابيض يسعى الى وجود بعد عام 2014 لقوات يتراوح قوامها بين 3000 و9000 جندي وهو ما يقل كثيرا عن قوات تتراوح بين 6000 و15000 جندي طبقا لما ذكره الجنرال الامريكي جون الين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/كانون الثاني/2013 - 2/ربيع الأول/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م