شبكة النبأ: ما بين رقابة السلطة و
رصاصات القتل المتنوعة لاتزال حرية الإعلام تواجه الكثير من التحديات
والمشاكل والصعوبات، التي تفاقمت بشكل مخيف في الفترة السابقة بسب
اتساع رقعة المشاكل والحروب والثورات التي تتطلب تغطية إعلامية خاصة،
وبحسب بعض المراقبين فأن العمل الصحفي لايزال من اخطر الإعمال وأصعبها
في العديد من دول العالم وخصوصا في المناطق الساخنة التي تشهد بعض
النزعات العسكرية التي أودت بحياة العديد من الصحفيين والإعلاميين
العاملين في هذا المجال بسبب عدم توفير الحماية الكافية لهم، كما تشير
بعض التقارير الخاصة والتي اعتبرت ان عام 2012 كان من أسوء الأعوام في
تاريخ الصحافة، يضاف الى ذلك الهيمنة المطلقة من السلطات الحاكمة والتي
تعمل على تحديد حرية الرأي وممارسة دور الرقيب بشكل مستمر على الكثير
من وسائل الإعلام وهو ما يعد مخالفة صريحة للعديد من القوانين والأنظمة
الدولية، وفي هذا الشأن فقد اعلن المعهد الدولي للصحافة ومقره فيينا ان
العام 2012 كان عاما اسود للمراسلين الصحافيين مع مقتل عدد قياسي منهم
بلغ 132 اثناء ممارسة مهامهم.
وقال المعهد في بيان "انه اكبر عدد من الصحافيين القتلى منذ بدء
المعهد الدولي التسجيل المنتظم لمقتل الصحافيين اي منذ العام 1997".
وتابع "ان الرقم القياسي الاخير يعود الى 2009 مع مقتل 110 صحافيين من
بينهم 32 في مجزرة ماغينداناو الشنيعة في الفيليبين". وفي 2011 قتل 102
مراسلا صحافيا في اثناء مزاولة مهنتهم.
واعتبر مدير المعهد اليسون بيثيل ماكنزي "ان مقتل هذا العدد من
الصحافيين عام 2012 يفوق كل تصور". فالى جانب "الدول التي عادة ما تكون
خطيرة للصحافيين ولا سيما باكستان والصومال والفيليبين وهندوراس
والمكسيك والبرازيل" قتل "في سوريا وحدها 31 صحافيا وثمانية مخبرين
صحافيين" في المواجهات بين نظام الرئيس بشار الاسد والجماعات المسلحة.
وحل الصومال ثانيا بين البلدان الاكثر خطرا على الصحافيين، حيث قتل
فيه 16 صحافيا. ومن الدول الاخرى الخطيرة على اصحاب هذه المهنة تبرز
باكستان (8 صحافيين قتلى) والبرازيل (5) وكولومبيا وهندورسا (3 في كل
منهما) والمكسيك (7). وعلى مستوى القيود او العقبات امام حرية الصحافة
اشار المعهد بدرجات متفاوتة الى عدد من الدول منها الولايات المتحدة
والارجنتين وكوبا والاكوادور والصين والنيبال ومصر واسرائيل وبيلاروس
وبريطانيا العظمى واليونان وروسيا وغيرها.
وخصص المعهد فصلا برمته لتركيا حيث سجن 70 صحافيا في 2012 وهو "عدد
قياسي عالمي" بحسبه. كما اشار الى "تقدم نسبي" في بورما وغرانادا. في
18 كانون الاول/ديسمبر قدمت منظمتا مراسلون بلا حدود ولجنة حماية
الصحافيين حصيلتين مختلفتين لعام 2012 حيث اكدت الاولى مقتل 88 صحافيا
في اثناء مزاولة المهنة و67 بحسب الثانية.
من جانب اخر قال الاتحاد الدولي للصحفيين ان الخسائر الفادحة كانت
نتيجة "التقاعس الممنهج من جانب الحكومات والامم المتحدة عن الوفاء
بالتزاماتها الدولية بحماية حق الصحفيين الأساسي في الحياة وإنفاذه".
وقال رئيس الاتحاد جيم بوملحة في بيان "عدد القتلى في 2012 اتهام اخر
للحكومات التي تدعي حماية الصحفيين لكنها تقاعست دائما عن منع قتلهم."
وقال الاتحاد الدولي للصحفيين الذي يمثل اكثر من 600 ألف صحفي في
134 دولة انه في الكثير من الحالات استهدف الصحفيين عمدا بسبب عملهم
وبهدف إسكاتهم. وأضاف الاتحاد انه يعول على نتائج تطبيق خطة عمل جديدة
للامم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين. وتتضمن الخطة مساعدة الدول على وضع
قوانين تعزز حرية التعبير وحملات توعية بحرية الاعلام والأخطار التي
يتعرض لها الصحفيون وإرشادات بشان الحفاظ على سلامة الصحفيين. بحسب
رويترز.
وعدد وفيات الصحفيين الذي أورده الاتحاد الدولي للصحفيين أكبر من
العدد الذي نشرته منظمة صحفيين بلا حدود ومقرها بارس في 19 ديسمبر
كانون الاول. وكانت المنظمة قالت ان 88 صحفيا قتلوا أثناء أداء عملهم
في 2012 وهو اكبر عدد يسقط في عام واحد منذ بدء متابعة تلك الحالات قبل
17 عاما.
من جهته قال كريستوف ديلوار الامين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود
ان "الرقم المرتفع للقتلى من الصحافيين العام 2012 يعود بشكل اساسي الى
النزاع في سوريا والفوضى القائمة في الصومال وعنف طالبان في باكستان".
وسجل العدد الاكبر من القتلى بين الصحافيين وبفارق كبير في سوريا فبلغ
عددهم 28 بحسب لجنة حماية الصحافيين و17 بحسب مراسلون بلا حدود. وهناك
اربعة صحافيين اجانب قتلوا في سوريا هم الفرنسيان ريمي اولشيك المصور
المستقل وجيل جاكييه مراسل تلفزيون فرانس-2، والاميركية ماري كولفين
التي كانت تراسل صنداي تايمز الانكليزية، والصحافية اليابانية ميكا
ياماموتو التي كانت تعمل في وكالة الانباء اليابانية.
ويتزامن نشر هذه الارقام مع الافراج عن الصحافي الاميركي ريتشارد
انغيل من شبكة ان بي سي نيوز الاميركية بعد مرور خمسة ايام على خطفه في
سوريا مع فريقه الصحافي. وافادت منظمة مراسلون بلا حدود ان عدد "المواطنين
الصحافيين" (الذين يعملون مكان الصحافيين المحترفين في مناطق حرب بشكل
اساسي) و"المواطنين النت" (الذين لديهم مدونات على الانترنت) الذين
قتلوا العام 2012 ارتفع الى 47 في حين لم يكن سوى خمسة العام 2011.
ووصفت مراسلون بلا حدود سوريا بانها كانت العام 2012 "مقبرة للعاملين
في الاعلام".
واضافت هذه المنظمة في كلامها عن سوريا ان "صحافيين تعرضوا لمضايقات
من مجموعات مسلحة معارضة للنظام لا تقبل الانتقادات بسهولة وتسارع الى
اتهام الصحافيين الذين لا ينقلون اخبارها كما يريدون بالجواسيس".
وتابعت ان "العنف الاقصى الذي يواجهه الصحافيون والمواطنون الصحافيون
مصحوبا بالعقبات التقنية المعروفة، يجعل من مهمة جمع المعلومات ونشرها
عملية صعبة للغاية في هذا البلد". بحسب فرنس برس.
وتوضح مراسلون بلا حدود ان القتلى من الصحافيين في الصومال ذهبوا
ضحية الميليشيات المسلحة واحيانا ضحية الادارات المحلية. وقتل عشرة
صحافيين في باكستان المجاورة لافغانستان والتي تقيم علاقات متوترة مع
الهند. كما سجل عدد الصحافيين الذين سجنوا لاسباب لها علاقة بعملهم
رقما قياسيا العام 2012 بحيث بلغ 193 على الاقل. واعتبرت تركيا "اكبر
سجن في العالم" للصحافيين حيث فيها 72 صحافيا مسجونا بينهم 42 بسبب
عملهم الصحافي. وغالبا ما تحصل الاعتقالات "باسم مكافحة الارهاب".
خرق قوانين الحرب
الى جانب ذلك اتهمت منظمة هيومن رايتس واتش المدافعة عن حقوق
الانسان اسرائيل "بخرق قوانين الحرب" باستهدافها صحافيين ومقرات
اعلامية في غزة خلال عمليتها العسكرية الاسرائيلية لكن الدولة العبرية
رفضت ذلك. وقامت اسرائيل بشن مئات من الضربات الجوية استهدف بعضها
مباني تضم مكاتب اعلامية وقصفت سيارة فيها مصوران يعملان لحساب قناة
تلفزيونية مقربة من حركة حماس مما ادى الى مقتلهما.
وقالت هيومن رايتس ووتش في تقرير ان "الهجمات الاسرائيلية الاربعة
ضد الصحافيين والمنشات الاعلامية في غزة خلال القتال شكلت خرقا لقوانين
الحرب عبر استهدافها المدنيين والاغراض المدنية التي لم تكن تقدم اي
مساهمة واضحة للعمليات العسكرية الفلسطينية". واضافت ان "الحكومة
الاسرائيلية اكدت ان كل هجمة من الاربعة كانت هدفا عسكريا مشروعا لكنها
لم تقدم اي معلومات محددة لدعم ادعاءاتها". وقالت اسرائيل انها شنت "ضربات
جراحية" استهدفت فقط منشات تستخدمها الجماعات المسلحة واعضائها.
واتهمت سارة ليا ويتسن مديرة هيومن رايتس ووتش في الشرق الاوسط
الدولة العبرية بانها "تعامت بشكل خطيرة وغير قانوني عن الفرق بين
المدنيين الذين يدعون او يدعمون الهجمات العسكرية وبين اولئك الذين
يشاركون بها مباشرة". واكدت المنظمة انها لم تجد اي ادلة على ان
المواقع الاعلامية او الصحافيين الذين تم استهدافهم "اهداف عسكرية
مشروعة"، مشيرة الى ان اسرائيل فشلت في تقديم اي ادلة على ذلك. واضافت
ويتسن ان "قول اسرائيل ان صحافيا كان مقاتلا او ان محطة تلفزيونية كانت
مركزا للقيادة لا يجعلها كذلك".
وتابعت ان "الصحافيين الذين يثنون على حماس والمحطات التي ترحب
بالهجمات على اسرائيل قد تكون وسائل دعائية لكن ذلك لا يجعلها اهدافا
مشروعة بموجب قوانين الحرب". ويحمي القانون الدولي العاملين في وسائل
الاعلام بصفتهم مدنيين بمنأى عن المهاجمة الا في حال مشاركتهم مباشرة
في القتال.
من جهته، رفض الجيش الاسرائيلي التقرير ودافع عن سلوكه خلال العملية.
وقال الجيش في بيان انه "يتصرف وفقا لقوانين النزاعات المسلحة على
الرغم من الانتهاكات المستمرة والمتعمدة على هذه القوانين من قبل
المنظمات الارهابية في قطاع غزة". واضاف البيان ان "تفاصيل الاحداث
المذكورة في التقرير هي قيد التحقيق حاليا وعند انتهاء العملية سيكون
بالامكان توفير اجابات شاملة". بحسب فرانس برس.
ويؤكد التقرير ان الهجمات الاسرائيلية ادت الى مقتل مصوري فيديو
فلسطينيين اثنين وجرح عشرة من العاملين في مجال الاعلام وتدمير اربعة
مكاتب اعلامية. ولحقت اضرار بمكاتب اربع شركات خاصة وقتل طفل رضيع في
غارة استهدفت مبنى فيه مكاتب اعلامية.
الحرية المقيدة
في السياق ذاته عادت صحيفة شرق الاصلاحية التي منعت من الصدور في
نهاية ايلول/سبتمبر لنشرها رسما اعتبر مهينا للمحاربين القدامى، الى
الصدور بعد قرار قضائي. واثر نشرها الرسم امرت لجنة مراقبة الصحف
بإغلاق "شرق" ابرز صحيفة ايرانية اصلاحية، معلنة رفع شكوى قضائية
ضدها.وردت محكمة الصحافة في طهران الشكوى باعتبار ان الرسم لم يتضمن اي
اهانة بحق المحاربين القدامى.
وكان الرسم يظهر رجالا يقفون في طابور وعلى اعينهم عصابة سوداء تذكر
بتلك التي كان يضعها الجنود خلال الحرب بين العراق وايران (1980-1988).
وكان اغلاق الصحيفة اثار احتجاجات داخل السلطة المحافظة اذ انتقد
الرئيس محمود احمدي نجاد علنا وزير الثقافة في هذا الخصوص خلال مؤتمر
صحافي. واغلقت هذه الصحيفة مرارا في الماضي وعادت الى الاكشاك في 2010
بعد حظرها لثلاث سنوات اثر نشر مقابلة لشاعرة تعيش في الخارج ويشتبه
بانها من مثليات الجنس.
وشرق من بين حوالى ست صحف اصلاحية تنشر في ايران منها صحيفة بهر
التي استأنفت مؤخرا صدورها بعد حظرها لسنوات. واعتقل عدد من الصحافيين
معظمهم من المقربين من الاصلاحيين في السنوات الماضية في ايران في حين
اغلقت صحف عدة بقرار من القضاء الذي يسيطر عليه المحافظون.
على صعيد متصل تجمع مئات الاشخاص امام مكاتب صحيفة اسبوعية صينية في
جنوب الصين للمطالبة بحرية الصحافة في تحرك قلما تشهد الصين له مثيلا.
وتجمع المحتجون امام مقر صحيفة "ساذرن ويكلي" في قوانتشو كما افادت
تقارير صحافية على الانترنت ورفعوا لافتة طالبوا فيها ب"حرية الصحافة"
و"الديموقراطية". وياتي الاحتجاج في مدينة قوانتشو الجنوبية بعد ان منع
الرقباء نشر مقال في الصحيفة الليبرالية يدعو الى حماية حقوق المواطن
في الصين، في اطار الدستور.
وتتلقى كافة وسائل الاعلام الصينية توجيهات من اقسام الدعاية
الحكومية التي تمنع بصورة متكررة نشر ما يعتبره الحزب الشيوعي الحاكم
اخبارا "سلبية"، وان كان هذا لا يمنع بعض الصحف من نشر مقالات نقدية.
واثار فرض رقابة على صحيفة "ساذرن ويكلي" احتجاج مستخدمي الانترنت بمن
فيهم العاملين في الصحيفة.
وافادت بعض التقارير التي نشرت على الانترنت ان العاملين في الصحيفة
بدأوا اضرابا بعد ان قام كبار محرري الصحيفة بمصادرة حسابات تويتر من
الصحافيين الذين يغذونها بصورة يومية. ودعت رسالة كتبها الصحافيون الى
استقالة المسؤول المحلي عن الدعاية تويو دشن الذي قيل انه استبدل رسالة
راس السنة بمقال مخفف اللهجة. بحسب فرانس برس.
وكان ذلك رد فعل غير اعتيادي على قرار السلطات وتم التعبير عن
المطلب ذاته برسالة مفتوحة ثانية وقعها العشرات من العاملين في
الصحيفة. وعلى الاثر وقع عدد كبير من الاكاديميين من مختلف انحاء الصين
رسالة ثالثة تدعو الى اقالة تويو فورا والى المزيد من حرية الصحافة.
وردا على سؤال بشأن مقال "ساذرن وويكلي" خلال المؤتمر الصحافي
الاعتيادي ، قالت متحدثة باسم الحكومة في بكين "لا توجد رقابة على
الاعلام في الصين". |