العراق وتلكّؤ المشاريع... بين المقاول والمسؤول

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من المؤسف حقا أن يستمر نزيف هدر المال العام تحت حجج واهية، في ظل تراجع مخيف بل مهول للقانون، مع تصاعد وتيرة الفساد والرشا وتآمر المسؤولين على تقويم البنى التحتية والوفقية للعراقيين الذي حلموا ولا يزلوا يحلمون بتعويض الحرمان الذي عانوا منه عقودا بل قرونا متواصلة، حيث الفقر يعيث بالفقراء فقط وهم النسبة الكاسحة من الشعب، فيما يتمتع قلة من المحتالين والمرتشين والفاسدين بالنسبة الاعظم من اموال الشعب.

وحينما نترك التاريخ القديم وحتى المنظور ونبدأ مع نيسان 2003، وهي اللحظة المحورية التي بدأت معها تطلعات فقراء العراق الى الخلاص من الحرمان والفقر، وبدء العيش بكرامة في دولة مدنية تحمي الجميع بمؤسساتها الدستورية لاسيما القضائية منها، نجد أن حال الفقراء يزداد سوءا وأن النسبة القليلة من المحتالين الفاسدين هي التي تتمتع بالمال العام/ مقابل تدهور مستمر للخدمات: (الماء، الكهرباء، السكن، الصحة، التعليم......الخ).

ويتضح هذا المشهد المغيظ، المثير للحزن والألم، بقوة عندما نتابع تلكّؤ المشاريع الخدمية وغيرها في عموم مدن العراق، والسبب يضيع دائما بين المسؤول الحكومي المشرف على المشروع  وبين المقاول او الشركة المنفذّة، والمشكلة الاكبر ان القانون ضعيف وغير قادر على وضع حد لمثل هذه التجاوزات، بمعنى أن آلية تطبيق القوانين نفسها تعاني من الضعف، وعندما نواجه المقاول المسؤول عن تنفيذ المشروع الفلاني فإنه سرعان ما يلقي الكرة في ملعب المسؤول ويتهمه هو (ومن يعونه ويتبع له) بفرض أتاوات أو ضريبة (لا اساس قانوني لها) حيث يفرض استقطاع نسبة من المال المرصود لتنفيذ المشروع، وفي حال رفض المقال الاستجابة لهذا الطلب اللامشروع واللاقانوني، فإن المعرقلات التي سيواجهها ستكون كثيرة، وسوف تؤدي اما الى فقدانه لاستلام المشروع وتنفيذه، أو الى النتيجة الطبيعية التي تتمثل بتلكؤ تنفيذ المشروع بسبب نقص الاموال التي ذهبت الى جيب المسؤول وزمرته من المرتشين!!، وفي هذه الحالة يكون الخاسر الوحيد هو الشعب، ولهذا بقيت المشاريع معطلة وبقيت الخدمات بائسة تعاني نسب انجازها من التدني والهبوط، أما القانون فهو في مرحلة سبات تام ازاء محاسبة المسؤولين والمقاولين والشركات التي تسرق اموال الشعب تحت وضح النهار دون حسيب او رقيب او مساءلة، إلا اذا كانت ذرا للرماد في العيون!.

ما أوردناه آنفا من كلام تثبته الوقائع الكثيرة القائمة على الارض، حيث تحولت عشرات المدن والاحياء الى خرائب وكأنها مضروبة بزلزال، حيث الشوارع مليئة بالحفر والمجاري الظاهرية والرمال المتراكمة، فضلا عن فقدان الحدائق والساحات وما الى ذلك من تصاميم تجمّل المدن والاحياء السكنية، بالاضافة الى فقدان كبير لمعظم الخدمات الاساسية التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية.

المطلوب اذن تأسيس واطلاق وتطوير عملية حوكمة فعالة تبدأ عملها بدقة وتخصص وهمّة مخلصة وعالية، كي تقتص من جميع الموظفين الفاسدين، الصغار والكبار، المسؤولين عن تلكؤ المشاريع كافة، على أن يكون القضاء حاسما في هذا الامر ومحميا من لدن الدولة والحكومة، لكي تقوم بعملها القضائي على أسلم وجه بعيدا عن التدخلات وصفقات السكوت المتبادلة بين الفاسدين، بعكس هذا الاجراء المهم والجوهري، سيبقى العراق مرتعا للفساد، وسوف تزداد رقعة الفقر ونسبة الفقراء اضعافا، حتى يحين اليوم الذي ينتفض فيه الشعب بفقرائه ومحروميه، ليقتص من جميع الوحوش السراق اللذين لا لا تكتفي بطونهم ولا جيوبهم ابدا من السحت الحرام، ولن يكون هذا اليوم بعيدا، اذا لم تتحرك الجهات المعنية وتبدأ بعليا بأعمال حوكمة حقيقية ودقيقة تطال كل يد مسَّت او ستمس اموال الفقراء وثرواتهم الكبيرة، التي لم يتمتعوا بها كما يجب حتى هذه اللحظة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/كانون الثاني/2013 - 30/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م