البرد... شبح الشتاء الاكثر رعبا

 

شبكة النبأ: تعرض العالم إلى أسوأ موجة ثلوج وأمطار صاحبتها رياح عاصفة تسببت في قطع الطرقات، وحاصرت مئات آلاف السكان وسط انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر مع موجات صقيع متواصلة ادت الى نتائج سلبية كبيرة، ومع ان الانسان المعاصر او غيره لم يتفاجأ بمثل هذه الاعاصير والعواصف الثلجية، إلا أن كثافتها هذه المرة واستمرارها بموجات عالية ومتصاعدة ادت الى خسائر في الارواح والممتلكات، وتطلبت من الدول والمناطق التي طالتها ولا تزال هذه الموجات الثلجية العاتية، الكثير من الجهود الحثيثة من اجل التقليل من الخسائر ودرء المخاطر الكبيرة التي تتسبب بها على الانسان، علما أن مثل هذه الكوراث الطبيعية  تعمل على شل الحياة تماما حيث يستكين الجميع في اماكن سكناهم ويتحصنون في ديارهم، أما اولئك الذين يصادف وجودهم في الطرقات او وسائط النقل، فإنهم الاكثر عرضة الى الموت وكثيرا ما حوصرت آلاف السيارت وازيحت القطارات من سككها، وسقطت الطائرات، وغرقت السفن بسبب هذه العواصف وامواج البرد العاتية، ولا يزال الانسان يكافح الطبيعة منذ آلاف السنين من اجل ان يجعل الارض اكثر امنا وانسب مكانا للعيش والانتاج والتطور، الا ان هذا الامر يتعلق بمدى قدرة الحكومات والدول على امتلاك القدرة على تحييد الاعاصير وامواج الثلج وتقليل اضرارها الى ادنى حد ممكن، وتبقى الدول الغنية بطبيعة الحال هي الاكثر قدرة على التعامل مع مثل هذه الكوراث المدمرة، فيما تبقى الدول الاقل امكانيات عرضة للنتائج المدمرة لها.

الهند

فقد قالت جماعة اكشن ايد الخيرية لمكافحة الفقر ان شمال الهند شهد طقسا هو الاكثر برودة في 44 عاما اودى بحياة ما لا يقل عن مئة مشرد، وبلغت درجة الحرارة العظمى في العاصمة نيودلهي 9.8 درجة مئوية (50 درجة فهرنهايت) يوم الثلاثاء وهي الاقل منذ بدء التسجيل في 1969. واجبر الضباب السلطات على الغاء العديد من رحلات الطيران والقطارات، وقالت المنظمة انها أحصت 107 اشخاص ماتوا في الولايات الشمالية بسبب البرد والقت باللائمة على السلطات لعدم توفيرها المأوى على الرغم من أوامر المحكمة العليا، وقال سانديب كاتشرا الذي يعمل لصالح المنظمة "اكثر من 100 الف مشرد في دلهي فقط عرضة لطقس قارس البرودة. مات اكثر من 100 شخص في اوتار براديش وبعض الاشخاص في راجستان"، وسلم امبيكا تشودري وهو وزير في اوتار براديش بوجود ثلاث حالات وفاة بسبب البرد بالاضافة الى سوء التغذية لكن لم يتم التأكد رسميا بعد من اسباب الوفاة، وقال مفوض الاغاثة ال. فنكاتشوارلو الذي يشرف على التعويضات لاسر الضحايا في الولاية انه لم يتم توثيق حالات وفاة بسبب البرد خلال فصل الشتاء الحالي وان تشريح الجثث قد يستغرق وقتا طويلا. بحسب رويترز.

وقال راجندرا كومار جناماني وهو عالم في هيئة الارصاد الجوية ان الشتاء في شمال الهند اصبح أشد برودة في السنوات الاخيرة بسبب التلوث الناتج عن التصنيع وتغير انماط المحاصيل الزراعية، وقال "لا يمكننا ايقاف التغير في الطقس لكننا نحاول مراقبة وتكييف خدمات المطار والسكك الحديدية وفقا لذلك"، وقال كاتشرا ان المحكمة العليا طلبت من حكومات الولايات توفير مأوى للمشردين في فصل الشتاء لكن الامتثال كان ضعيفا مما ترك كثيرين ينامون على الارصفة. ومن الشائع رؤية أسر بكاملها تنام في شوارع نيودلهي في الشتاء، وقال مسؤولو الطقس ان من المتوقع ان تظل درجات الحرارة منخفضة خلال الايام القليلة القادمة.

الصين

كما قالت وسائل الاعلام الرسمية ان درجات الحرارة في الصين انخفضت الى أدنى مستوياتها في نحو ثلاثة عقود مما أدى الى تجمد مياه الساحل وتوقف 1000 سفينة في الثلج، ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن هيئة الارصاد الجوية الصينية انه منذ اواخر نوفمبر تشرين الثاني انخفضت درجات الحرارة في البلاد بمعدل ناقص 3.8 درجة مئوية في المتوسط وهو ما يقل بمقدار 1.3 درجة عن المتوسط السابق والاكثر برودة في 28 عاما، وقالت صحيفة تشاينا ديلي ان البرد القارس تسبب في تجمد البحر في خليج لايتشو باقليم شاندونغ في شرق البلاد مما ادى الى تقطع السبل بنحو 1000 سفينة، وقال تشينغ دونغ كبير خبراء الارصاد في مركز مراقبة البيئة في يانتاي مارين التابع لادارة المحيطات الحكومية للصحيفة ان المنطقة التي تجمدت في خليج لايتشو كانت مساحتها 291 كيلومترا مربعا، وتعطلت بشدة وسائل المواصلات في انحاء البلاد. بحسب رويترز.

وقالت صحيفة تشاينا ديلي ان أكثر من 140 رحلة جوية في مطار عاصمة اقليم هونان تأخرت بينما أجبر سقوط الثلوج بشدة السلطات على اغلاق بعض اجزاء الطريق السريع الذي يربط بين بكين وهونج كونج ومكاو، وانخفضت درجات الحرارة في الشمال الشرقي الى أدنى مستوى في 43 عاما الى ناقص 15.3 درجة مئوية وهو ما يقل بمقدار 3.7 درجة عن المتوسط المسجل السابق.

فرنسا وروسيا

فيما شهدت اوروبا في عيد الميلاد تفاوتا كبيرا في الحرارة التي تدنت الى 25 درجة مئوية تحت الصفر في موسكو وارتفعت الى اكثر من 24 درجة مئوية في فرنسا، ففي مدينة بياريتز الفرنسية بلغت درجة الحرارة الاحد 24,3 حسب الارصاد الجوية الفرنسية، اي اعلى ب12 درجة من معدلها العام وقريبة من ارقام قياسية سابقة سجلت في عيد الميلاد، وعلى شاطىء الباسك ايضا ارتدى السكان القمصان الصيفية والسراويل القصيرة وقاموا ينزهات تحت اشعة الشمس حتى ان بعضهم سبح في مياه البحر، وقال احد خبراء الارصاد الجوية باتريك غالوا "انه امر لا يحدث كل سنة"، موضحا انه "في هذه الفترة من السنة يكون الطقس باردا في هذه المناطق"، وادت الرطوبة في حوض المتوسط الى الحد من ارتفاع درجة الحرارة، وسجل في جنوب ايطاليا ايضا ارتفاع استثنائي في درجات الحرارة التي يتوقع ان تبلغ 22 درجة مئوية في صقلية يوم عيد الميلاد، والامر نفسه ينطبق على شمال فرنسا والنمسا حيث لم ترتفع الحرارة الى هذا الحد في عيد الميلاد منذ الحرب العالمية الثانية. وقد بلغت امس في براند (النمسا) التي تقع على ارتفاع اكثر من الف متر 17,7 درجة، وفي المانيا سجل ارتفاع قياسي في الحرارة الى 18,9 درجة مئوية في منطقة شفارتسفالد (الغابة السوداء) بينما شوهدت سيارات مكشوفة تتجول في ميونيخ، في المقابل سجلت امطار غزيرة في ويلز واسكتلندا وجنوب غرب انكلترا حيث تم انقاذ سيدة تعلقت باغصان على ضفة نهر خلال فيضان في اومبرلي، والارقام القياسية سجلت ايضا في روسيا لكن دون الصفر. بحسب فرانس برس.

وقال باتريك غالوا ان درجة الحرارة بلغت في موسكو 25 تحت الصفر. وقد شكل ذلك مصدر فرح للتلاميذ الذين سمحت بلدية موسكو ببقائهم في منازلهم الاثنين بسبب موجة الصقيع، لكن كان لهذا الانخفاض في الحرارة الى خمسين تحت الصفر في شرق سيبيريا نتائج مفجعة ايضا، فمند منتصف كانون الاول/ديسمبر توفي تسعون شخصا بسبب البرد في روسيا، كما قالت مصادر طبية لوكالة الانباء الروسية ريا نوفوستي، وتوفي 83 آخرون في اوكرانيا، كما تفيد آخر حصيلة رسمية، ودرجات الحرارة هذه اقل ب12 درجة من المعدل الموسمي حيث تاتي موجات الصقيع القاسية عادة في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، وتتوقع الارصاد الجوية الروسية تحسن الطقس في وقت لاحق، وقال ريجي كريبيه الخبير في الهيئة الفرنسية للارصاد الجوية ميتيو كونسولت لاذاعة فرانس اينفو ان هذاه الموجة من "البرد الشديد" هي الاقسى في السنوات السبعين الاخيرة، لكن الهواء البارج الذي يهب منذ اسابيع على اوروبا الشرقية يتراجع، وقال استاذ فيزياء المناخ في جامعة اوكسفورج تيم بالمر ان هذه الاوضاع القصوى تفسر بتدفق الهواء على ارتفاع ما بين ستة كيلومترات و15 كيلومترا بامواج قوية حفي هذه الفترة.

منطقة الشرق الاوسط

على الصعيد نفسه تتساقط الثلوج في دمشق ويشهد الاردن فيضانات ويتنقل الشرطيون على السكوتر المائي في لبنان جراء الامطار الغزيرة والرياح العاتية التي تهب على منطقة الشرق الاوسط، ما اسفر عن سقوط قتيلين على الاقل وفقدان 11 شخصا، ففي مصر، اعتبر 10 صيادين في عداد المفقودين بعد غرق زورقهم قبالة مرسى مطروح (شمال غرب) وزادت الاحوال الجوية السيئة من صعوبة عمليات البحث، واغلق مرفأ الاسكندرية منذ الاحد تفاديا للحوادث بسبب الرياح والامطار الغزيرة التي سببت انقطاعا في التيار الكهربائي واتلفت المزروعات في شمال البلاد. بحسب فرانس برس.

وفي لبنان قضى شخصان في حوادث سير جراء رداءة الطقس وقتل طفل يبلغ من العمر ستة أشهر بعد ان جرفته السيول نحو البحر في وسط البلاد، واقفلت المدارس في لبنان وفي الضفة الغربية مددت عطلة نهاية السنة، وصرح المهندس عبد الكريم دمج من مصلحة الارصاد الجوية في مطار بيروت لفرانس برس "لا زال لبنان تحت تأثير منخفض جوي وكتل هوائية باردة مصدرها القطب الشمالي، ما يجعل العاصفة الثلجية مستمرة"، واضاف "ليس لدينا دراسة دقيقة بعد، لكن لبنان لم يشهد مثل هذه العاصفة منذ عشر سنوات تقريبا" موضحا انه في بيروت بلغ معدل تساقط الامطار من ايلول/سبتمبر الماضي حتى صباح اليوم 636,4 ملم، اما السنة الماضية فكان 318,2 ملم في مثل هذا التاريخ. بحسب فرانس برس.

وفي صيدا (جنوب) تجولت قوات الامن على الطرقات التي غمرتها المياه على سكوترات مائية، والى الشرق، ساهم تساقط الثلوج بغزارة في اقفال جادات رئيسية في دمشق. وفي العاصمة كما في عدد من المحافظات يعاني السكان من البرد القارس وبخاصة في ظل ازمة المحروقات الخانقة التي تشهدها البلاد، وفي مخيم الزعتري الاردني حيث يقيم 62 الف لاجىء سوري دمرت الرياح العاتية مئات الخيم وساهمت رداءة الطقس في تأجيج حدة التوتر التي تحولت الى تدافع خلال عملية لتوزيع الاغذية اصيب خلالها عاملون في منظمات انسانية بجروح، وفي باقي انحاء الاردن قطعت الطريق الرئيسية بين عمان والزرقاء (شمال) بعد ان وصل مستوى المياه الى متر في بعض المناطق، وتبادل الاردنيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي الثلاثاء صورا ومقاطع فيديو لعدد من الشوارع الرئيسية التي غمرتها مياه الامطار وارتفع منسوبها الى ما يزيد عن نصف متر، مطلقين النكات ومتهمين الجهات المسؤولة بالتقصير، وارتفعت كميات المياه المخزنة في سدود المملكة خلال اليومين الماضيين الى 62 مليون متر مكعب من السعة الاجمالية للسدود البالغة 325 مليون متر مكعب، حسب مصادر في سلطة وادي الاردن، وتعتمد المملكة بشكل كبير على مياه الأمطار لتغطية احتياجاتها مع تزايد عدد سكانها البالغ 6,3 ملايين نسمة بنسبة 3,5 بالمئة سنويا، في حين يفوق العجز السنوي 500 مليون متر مكعب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/كانون الثاني/2013 - 29/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م