كوسوفو... مجازفة اقتصادية مبالغ بها

 

شبكة النبأ: عندما قرر البريطاني كريستوفر جيلبرت وارتر ألباني الذي درس في لندن البدء في الحفر لاستخراج الرخام في كوسوفو مسقط رأس ألباني كانا على دراية بأنهما أمام مجازفة.

وطرق ألباني وجيلبرت الذي يشتهر في بريطانيا في مجال الترفيه مئات الأبواب دون مبالغة بحثا عن مستثمرين يتحلون بالجرأة.

ونجح الاثنان في نهاية المطاف في إقناع 12 مستثمرا بأن المجازفة التي ينطوي عليها الاستثمار في هذه الدولة الناشئة بمنطقة البلقان مبالغ فيها وأن صورة الجريمة والفساد لا تطابق الواقع.

وكوسوفو من أفقر المناطق في أوروبا وهي بحاجة ماسة للاستثمار الخارجي بينما تحاول الانطلاق بعد استقلالها عن صربيا في عام 2008 .

وبحلول سبتمبر أيلول أصبحت شركة فوكس ماربل القابضة التي يملكها جيلبرت وألباني مدرجة في سوق الشركات الصغيرة ببورصة لندن للأوراق المالية وأنفقت مليون يورو (1.32 مليون دولار) في تجهيز خمسة مناجم للعمل.

ويعتبر التعدين محركا محتملا للنمو في كوسوفو وهي دولة صغيرة تتمتع بثروات معدنية وأقل عدد من السكان في أوروبا لكنها اكتسبت سمعة سيئة بأنها أرض للعصابات والكسب غير المشروع.

لكن حلم فوكس ماربل تذروه الرياح الآن حيث ألغيت التراخيص التي حصلت عليها الشركة لقطع وبيع الرخام في كوسوفو وأصبحت استثمارات بملايين اليورو معلقة.

وسواء كانت الشركة ضحية لمسؤولين غلبتهم الحماسة أو شيء آخر أكثر شرا فإن فوكس ماربل تحولت من رائدة في مجال الاستثمار إلى صرخة تحذير بشأن مخاطر بدء مشروعات في البلد الذي يعيش فيه 1.7 مليون شخص والذي تصل مساحته إلى نصف مساحة ويلز تقريبا.

وقال جيلبرت لرويترز "قضينا عامين في إقناع الناس بأن المجازفة في البلاد ليست مدعاة للقلق والان يقول لي الجميع ألم نقل لك؟!"

وفي ديسمبر كانون الأول ألغت مفوضية التعدين والمعادن في كوسوفو أربعة من التراخيص الخمسة التي حصلت عليها فوكس ماربل لأن الشركة لم تلتزم ببدء العمل في إطار زمني متفق عليه.

وقال أحمد تمافا رئيس مجلس إدارة المفوضية لرويترز "قد يستغرق بدء العمل سنوات. ما أدرانا؟ يجب ألا تصبح مواردنا رهينة."

وقال جيلبرت إن الشركة كانت بحاجة لمزيد من الوقت لجمع الأموال لكنها أنفقت كثيرا بالفعل على الآلات والضرائب وإعداد المناجم.

وأشار جيلبرت إلى قانون في كوسوفو ينص على أن مفوضية التعدين والمعادن ملتزمة بإبلاغ الشركة كتابة ومنحها ما بين شهرين وأربعة شهور لحل الأمر. وأضاف أنه لم يحدث أي من هذا مع الشركة بينما قال تمافا إن الشركة أبلغت "شفهيا."

وردا على سؤال حول الدافع وراء القرار اختار جيلبرت الذي جاء إلى بريشتينا في محاولة لإنقاذ التراخيص كلماته بعناية.

وقال إن سلطات التعدين تصرفت بما يخالف القانون وأضاف أن الأمر ربما ينطوي على ما هو أكثر. وتحتوي المناجم على موارد قدر جيلبرت وألباني قيمتها بمليارات اليورو. وأضاف "إنه وضع غريب للغاية بالنسبة لشركة تنفق الأموال في كوسوفو. لا نعلم إذا كانت سياسة واقعية تقف وراءهذا ولكن من الواضح أن أمرا ما يدور."

وردا على سؤال بشأن مزاعم التدخل السياسي في قضية الرخام قال وزير الاقتصاد والتنمية في كوسوفو باسم بكاي "لست على علم بأي شيء بهذا المعنى."

وقال إيان كليف سفير بريطانيا في كوسوفو إن الحكومة البريطانية "قلقة للغاية" وفي رد مكتوب على أسئلة لرويترز قال إنه سمع بأمر مزاعم التدخل السياسي.

وأنفق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ما يقدر بنحو أربعة مليارات يورو في سبيل تحقيق الاستقرار في كوسوفو وتشجيع الحكم الرشيد والنمو منذ أن تدخل حلف شمال الأطلسي الحرب في عام 1999 لوقف القتل وطرد القوات الصربية للمدنيين وقتال متمردين من الأغلبية العرقية الألبانية في كوسوفو. بحسب رويترز.

ومع انحسار التوتر العرقي تخلت قوى غربية رسميا عن سلطات "إشرافية" في كوسوفو هذا العام لكن مهمة للشرطة والعدالة تابعة للاتحاد احتفظن ببعض السلطة التنفيذية للتحقيق في قضايا الجريمة المنظمة والفساد وجرائم الحرب.

وما زال نحو ستة آلاف جندي من حلف شمال الأطلسي في كوسوفو خاصة في الشمال حيث لا تزال أقلية صربية صغيرة ترفض الاعتراف بكوسوفو دولة ذات سيادة.

وتصر الحكومة على أنها تغير المفاهيم. وهناك أمور إيجابية منها إطار العمل التشريعي لكوسوفو والذي تمت صياغته وفقا لمعايير الاتحاد الأوروبي كما أن أعمال البناء تزدهر وتدفع النمو الاقتصادي السنوي ليصل في المتوسط إلى خمسة في المئة على مدى السنوات الخمس المنصرمة كما زاد الاستثمار الأجنبي المباشر 14 في المئة ووصل إلى 379 مليون يورو في عام 2011 وارتفع مركز كوسوفو من 126 إلى 98 في استطلاع رأي حول تسهيل الأعمال أجراه البنك الدولي في أكتوبر تشرين الأول.

وقال فالدرين لوكا رئيس وكالة تعزيز الاستثمار في كوسوفو وهي جزء من وزارة التجارة "واجهت كوسوفو تحديا بسبب صورة سيئة لصقت بها عدوانا بسبب الماضي." وأضاف "عندما يأتي المستثمرون محملون بتوقعات بنسب جريمة عالية وفساد فإنهم يرون بلدا جميلا وشعبا ودودا وبيئة أعمال صديقة.. يرى الأجانب الجانب المظلم من كوسوفو فقط وهذا هو ما يضرنا."

لكن أنباء أخرى غير سارة جاءت في نوفمبر تشرين الثاني حيث قالت شركة نمساوية إنها أوقفت طباعة جوازات سفر بيومترية في الوقت الحالي بسبب عدم دفع رسوم بقيمة 1.4 مليون يورو.

وكانت ناتالي فليجا وهي ألمانية وشريكة محلية للشركة في كوسوفو قد اعتقلت في اتهامات بالاختلاس الأموال لكنها تقول إنها أنفقت على الرشاوى لحفنة من المسؤولين في وزارةالداخلية.

وتنفي الشركة النمساوية تقديمها أي رشاوى. وتلقت كوسوفو ضربة ثقيلة العام الماضي بسبب انهيار بيع أكثر الشركات ربحا في البلاد وهي شركة بي.تي.كيه الحكومية للاتصالات بعد توجيه اتهامات بالفساد لعدد من مسؤولي الشركة.

وقال افني زوجياني مؤسس منظمة كوهو (استيقظوا) غير الحكومية لمحاربة الفساد إن من الصعب للغاية الاستثمار في كوسوفو بدون اتصالات سياسية أواستعداد لدفع رشاوى. وأضاف "عندما نتحدث عن المشروعات الصغيرة والمتوسط التي تقدر بملايين الدولارات فإنها تمضي بالرشاوى."

وقال ألباني إنه وجيلبرت عانيا لكسر الصورة النمطية عن كوسوفو وأضاف "عندما ذهبنا إلى إيطاليا لشراء الآلات سألوا لماذا تأتون بخطاب توصية؟ أين حقيبة أموالكم؟"

ويشير مستثمرون ومسؤولون غربيون في كوسوفو إلى انقطاع متكرر للكهرباء وإدارة متخلفة وتهرب ضريبي واسع النطاق وارتفاع معدلات الفائدة على قروض البنوك حيث يصل بعضها إلى 25 في المئة لأن البنوك تتحفظ بسبب انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي.

وتحتل كوسوفو المركز 105 في مؤشر مدركات الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية على قدم المساواة مع بوليفيا وجامبيا ومالي.

وقال كليف السفير البريطاني في كوسوفو "قضيت وقتا كثيرا في إقناع الشركات والمؤسسات المالية البريطانية بأن المجازفة في البلاد أقل مما يعتقدون لذا فإنهم سيدعمون الاستثمار هنا.."

واستند جيلبرت وألباني اللذان استلهما تقريرا للوكالة الأمريكية للتنمية الدولي لعام 2005 يثني على جودة ولون الرخام في كوسوفو.

ويقدر الاثنان أن المناجم الخمسة التي فازت فوكس ماربل بتراخيص استغلالها ومن بينها منجم ريد روك قرب قرية استرازوب في جنوب غرب كوسوفو تحتوي على نحو 240 مليون متر مكعب من الرخام بقيمة مليارات اليورو.

ويقول جيلبرت وألباني إن رخام كوسوفو استخدم في بناء البيت الأبيض ودار الأوبرا في فيينا.

وفي استرازوب يتذكر القرويون استخراج الرخام أيام يوغوسلافيا الاشتراكية ويقولون إن أسلافهم حكوا قصصا حول استخراجه عندما كانت كوسوفو جزءا من الامبراطورية العثمانية.

وما زالت توجد إشارات على أعمال استخراج صغيرة وتقليدية. وسيكون أي مشروع تعدين جديد هبة للاقتصاد المحلي الذي يكافح مثل كوسوفو لاستيعاب باحثين جدد عن عمل ينتهي بهم الحال غالبا بالهجرة من أجل العمل.

وتوقف التعدين في كوسوفو خلال الانفصال العنيف عن يوغوسلافيا في التسعينيات من القرن الماضي ولم يستأنف إلا على نطاق صغير على مدى السنوات القليلة المنصرمة. وفي الشمال توقفت أعمال مجمع تريبكا العملاقة في كوسوفو للحديد والزنك بسبب نزاعات حول ملكية المجمع.

وقدمت فوكس ماربل شكوى لمفوضية التعدين والمعادن في كوسوفو وأصر جيلبرت على أنه لن يفقد الأمل "لن نذهب إلى أي مكان.. هذا أمر خطير بالنسبة لفوكس ماربل لكنه مأساة بالنسبة لكوسوفو."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/كانون الثاني/2013 - 29/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م