الجليد... ذوبان متسارع وأخطار قادمة

 

شبكة النبأ: أخطار جديدة ومتزايدة ربما ستسهم بتغير واقع الحياة على الكرة الأرضية التي تأثرت كثيرا بمشكلة التغيرات المناخية التي أصبحت اليوم مصدر قلق لدى جميع العلماء الذين أكدوا على ان هذه الظاهرة قد استفحلت بشكل خطير قد تصعب معالجته بسبب وجود العديد من المسببات التي ساعدت على تفاقم هذه الظاهرة والتي تعددت صورها وتنوعت ومنها مشكلة ذوبان وتناقص الجليد بالقطب الشمالي وغيره من المناطق الاخرى والتي ستسهم بارتفاع مستوى مياه البحر التي ستؤثر بدورها على العديد من المدن، وفي هذا السياق يشير تحليل جديد لقياسات درجات الحرارة إلى أن سرعة ارتفاع حرارة الرقعة الجليدية الواقعة غرب القطب الجنوبي آخذة في التزايد بشكل مضاعف أكثر مما كان متوقعا من قبل. وقال باحثون أمريكيون إنهم لاحظوا أول علامة على تزايد ارتفاع حرارة تلك الرقعة خلال أشهر الصيف في نصف الكرة الأرضية الجنوبي. وأعرب الباحثون، في الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر جيوساينس للأبحاث الجيولوجية، عن قلقهم من أن تزايد معدلات ذوبان الجليد نتيجة للارتفاع في درجات الحرارة يمكن أن يساهم في ارتفاع منسوب مياه البحر.

وعمل العلماء على جمع البيانات من محطة بيرد للأبحاث التي أنشأتها الولايات المتحدة قريبا من مركز الرقعة الجليدية بالقطب الجنوبي في منتصف خمسينيات القرن الماضي. ولم يتمكن العلماء في السابق من التوصل إلى أي نتائج من البيانات التي تجمعها المحطة، حيث كانت تلك السجلات غير مكتملة. واعتمدت طريقة العمل الجديدة على نموذج حاسوبي مناخي، وأسلوب جديد للتحليل الرقمي، كانت مهمته استكمال ما ينقص من ملحوظات يجري التوصل إليها. "ما نراه الآن يعتبر أحد أقوى العلامات على الاحتباس الحراري للأرض"

وتشير النتائج إلى أنه بين عامي 1958 و2010، جرى رصد ارتفاع في درجات الحرارة يبلغ معدله السنوي 2.4 درجة مئوية. وقال آندرو موناغان، أحد العلماء المشاركين في هذه الدراسة من المركز الوطني الأمريكي لأبحاث الغلاف الجوي: "ما نراه الآن يعتبر أحد أقوى العلامات على الاحتباس الحراري للأرض". وأضاف موناغان قائلا: "إن تلك هي المرة الأولى التي نتمكن فيها من الجزم بأن هناك ارتفاعا يحدث في درجات الحرارة خلال فصل الصيف".

وقد يكون من الطبيعي أن نتوقع أن تكون فصول الصيف القادمة أكثر دفئا في القطب الجنوبي من بقية العام. إلا أن تلك المنطقة تتميز بالبرودة القارسة، ومن النادر جدا أن ترتفع درجات الحرارة هناك لتبلغ معدلات أعلى عن درجة التجمد. وقال ديفيد برومويتش، الأستاذ بجامعة ولاية أوهايو، الذي شارك أيضا في هذه الدراسة، إن نتائجها تعتبر خطوة هامة.

وأضاف برومويتش: "إن حقيقة ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف تعني أن ثمة احتمالا لذوبان هذه الرقعة الجليدية، ليس فقط من الجزء السفلي منها كما هو معلوم لدينا الآن، بل قد يشمل ذلك المناطق العليا منها أيضا في المستقبل". وكانت دراسة قد نشرت في مجلة "نيتشر" تشير إلى أن المحيط هو السبب وراء ارتفاع درجات حرارة الرقعة الجليدية من القطب الجنوبي، إلا أن هذه الدراسة الآن تظهر أن المناخ الجوي يلعب دورا إضافيا في ذلك أيضا.

وقال العلماء إن هذا الارتفاع في درجات الحرارة حدث من جراء التغيرات التي تطرأ على الرياح والأنماط الجوية من قبل المحيط الهادئ. وأضاف موناغان: "نلحظ وجود تأثير ديناميكي متزايد ينتج عن التغير المناخي الذي يحدث في مكان ما من الكرة الأرضية، مما يزيد من سرعة انتقال الحرارة إلى الرقعة الجليدية من القطب الجنوبي". إلا أنه لم يستطع أن يجزم إن كانت الأنشطة البشرية هي السبب وراء ما توصل إليه فريقه من هذا الارتفاع في درجات الحرارة. وقال موناغان معلقا: "إن هذا الجزء من البحث لم يجر حتى الآن، وأعتقد أن ذلك أمر محتمل. إلا أنني لا يمكنني أن أجزم به".

وقد أكد برومويتش هذه النظرية أيضا، مشيرا إلى الحاجة إلى إجراء دراسة في المستقبل بهذا الخصوص. وقال: "تكمن مهمتنا الآن في دراسة إسهام التغيرات الطبيعية في حدوث ذلك". وتابع قائلا: "يتميز هذا المكان بمناخ كثير التغيرات، يحدث بعضها بسبب الممارسات الإنسانية. وأعتقد أنه من السذاجة أن نجيب على هذا التساؤل الآن". وأيا ما كان مصدر تلك التغيرات المناخية، فإن الباحثين يساورهم القلق من أن يؤدي ذلك الارتفاع في درجات الحرارة إلى حدوث مزيد من الذوبان الجليدي الذي قد يحدث تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على منسوب مياه البحار على مستوى الكرة الأرضية، حيث تتمثل التأثيرات المباشرة في فيضان مياه الجليد الذائب إلى البحار. إلا أن العلماء يستبعدون حدوث ذلك على مدى عدة عقود قادمة، لأنه يحتمل أن تترشح كميات كبيرة من تلك المياه مرة أخرى تحت الطبقة الجليدية وتتجمد مرة أخرى.

أما التأثير غير المباشر فيتمثل في إعادة تكوين الجرف الثلجي الذي يطفو على أطراف الرقعة الجليدية. ويقول العلماء إن ذلك هو ما حدث عام 2002 في شبه الجزيرة القطبية الجنوبية، عندما انهار الجرف الجليدي لارسن بي كله خلال شهر واحد، حيث إن الجليد الذائب، طبقا لموناغان، تسرب في الشقوق وملأها. وتابع موناغان قائلا: "وكما يحدث للطرق في فصل الشتاء من تشققات، فإن المياه ستتجمد لتزداد كثافتها، ومن ثم سيزداد اتساع تلك الشقوق".

وأعرب موناغان عن قلقه من أن أمرا مماثلا لذلك يمكن أن يحدث في الرقعة الجليدية بالقطب الجنوبي. وقال: "ما لاحظناه بعد انهيار جرف لارسن أن الأنهار الجليدية التي كانت مدعومة بالطبقات الجليدية ازدادت سرعتها بشكل كبير، لترتفع إلى ما يقرب من ثمانية أضعاف. بحسب بي بي سي.

ويمثل ذلك مصدر قلق إزاء تزايد معدلات ذوبان الجليد في الغرب من القطب الجنوبي، إذا ما أخذ في الاعتبار أن هذا الارتفاع في درجات الحرارة يستمر كل صيف". ويقول العلماء في هذه الدراسة إنهم على يقين من أن البيانات التي جرى جمعها من محطة بيرد تعكس ما يحدث في تلك المنطقة، إذ إن تلك المحطة العلمية تقع على هضبة واسعة، كما أن الأوضاع الجوية هناك تتميز بطابع موحد.

وقال باحثون ان درجات الحرارة المرتفعة في منطقة القطب الشمالي قبالة النرويج اعلى منها في فترة الدفء الطبيعية خلال الحقبة الاسكندنافية وهو ما يلقي الضوء على ذوبان سيفتح المنطقة امام كل شيء بدءا من التنقيب عن النفط الى الملاحة. وانخفض مستوى الجليد في المحيط المتجمد الشمالي الى مستوى قياسي منذ بدء عمليات المراقبة بالاقمار الصناعية في السبعينات. وفي السنوات الماضية تم اكتشاف كائنات بحرية رخوية قبالة ارخبيل سفالبارد النرويجي للمرة الاولى منذ الحقبة الإسكندنافية قبل نحو الف عام.

وكتب الباحثون في دورية (جيولوجي) ان الدراسة توصلت الى ان درجات الحرارة الصيفية في منطقة سفالبارد حاليا اعلى منها في أي وقت مضى خلال الالف وثمانمئة عام الماضية بما في ذلك الحقبة الدافئة في العصور الوسطى في الفترة من عام 950 الى 1200. وقال رئيس كتاب الدراسة وليام داندريا باحث المناخ في مرصد لامونت دوهيرتي للارض التابع لجامعة كولومبيا ان درجات الحرارة الصيفية كانت اعلى بمقدار درجتين الى 2.5 درجة مئوية منذ 1987 مقارنة بالفترة الدافئة في العصور الوسطى. بحسب رويترز.

وقالت جامعة كولومبيا في بيان ان المشككين في ان البشر هم السبب الرئيسي في ارتفاع درجة حرارة الأرض يشيرون احيانا الى ارتفاع درجات الحرارة خلال حقبة العصور الوسطى على انه دليل على ان التقلبات الطبيعية يمكن أن تحدث تغيرات مناخية كبيرة. وقال داندريا "حرارة السنوات الخمس والعشرين الماضية او نحو ذلك أعلى من الرقم القياسي المسجل للعصور الوسطى." وتم ربط ارتفاع درجات الحرارة في هذه الفترة بالتغيرات في الطاقة الناتجة عن الشمس وثورة البراكين. واضاف داندريا "من الثابت إلى حد كبير ... أن ارتفاع درجات الحرارة الحديث ناجم بدرجة كبيرة عن دور الانسان في الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الجو."

مستوى قياسي

من جهة اخرى قال المركز الوطني الامريكي لبيانات الثلوج والجليد يوم الاثنين ان جليد البحر القطبي الشمالي تراجع الى 4.10 مليون كيلومتر مربع وهو الاكثر انخفاضا منذ بدأت الاقمار الصناعية تقيس الجليد في 1979. وقال والت مئير العالم بمركز البيانات "من المدهش بعض الشيء ان ينخفض جليد المحيط القطبي الشمالي في 2012 في اغسطس عن الرقم القياسي الذي سجله في 2007 في سبتمبر." وأضاف "نتجه على الأرجح الى تجاوز الرقم القياسي للانخفاض بكمية واضحة هذا العالم.

ويثير انكماش الجليد في القطب الشمالي قلق العلماء والمختصين بالشؤون البيئية لان القطب الشمالي يعمل كتكييف هواء للعالم ويساعد على اعتدال المناخ العالمي. ومع ذوبان اجزاء من جليد القطب الشمالي سجلت درجات الحرارة أرقاما قياسية هذا العام في معظم أجزاء نصف الكرة الشمالي وخاصة في انحاء الولايات المتحدة التي اصابها الجفاف. ويلقي معظم العلماء باللوم على ارتفاع درجات الحرارة في العالم في تراجع جليد القطب الشمالي. وهناك قلق من تزايد كميات المياه في البحار المفتوحة مما يعني التأثير سلبا على قدرة القطب الشمالي على المساهمة في اعتدال مناخ كوكب الأرض".

الى جانب ذلك انفصل جبل جليدي ضخم يتخطى حجمه بمرتين مساحة باريس أو مانهاتن عن كتلة جليدية في غرينلاند، بحسب ما أظهرت صور التقطها قمر اصطناعي تابع لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا). وتبين الصور التي كشف عنها جبل الجليد الضخم وهو تنفصل عن كتلة بيترمان الجليدية الواقعة على ساحل غرينلاند الشمالي الغربي. وكانت جزيرة جليدية أكبر حجما بمرتين قد انفصلت عن الكتلة نفسها في العام 2010.

وقالت الناسا إنها تمكنت من رؤية التفسخ في الجليد منذ العام 2011 وقد رصد القمر الاصطناعي "أكوا" الموضوع في مدار قطبي. وأوضح عالم المحيطات أندرياس موينشو أن ذوبان الجليد الرئيسي يحصل على عمق 600 متر تحت سطح البحر حيث يكون الجبل الجليدي على اتصال بالقاعدة الصخرية وحيث تكون مياه البحر أكثر سخونة منها على السطح. وأضاف أن "الجزء الأكبر من ذوبان الجليد يحصل في المياه ويتسبب به المحيط. لكن هذه الظاهرة المهمة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة". بحسب فرنس برس.

وتابع "خلافا لما يعتقد، فإن انفصال الكتل الجليدية لا يخلف أثرا مباشرا كبيرا على منسوب المحيط، لأن الصفيحة الجليدية التي تتراوح سماكتها بين 100 و150 مترا مطمورة في مياه محيطية بالقرب من نقطة التجمد". ويقول أندرياس موينشو إن مياه المحيط الأطلسي المسؤولة عن ذوبان الكتلة الجليدية تشهد ارتفاعا في الحرارة، بحسب أرقام تعود إلى العام 2003.

مهمة تحت جليد

الى جانب ذلك قال علماء إن خطة بريطانية للحفر اسفل بحيرة جليدية في القطب الجنوبي قد تظهر مدى تسارع خطر ارتفاع منسوب مياه البحار نتيجة للتغير المناخي. وقد تشمل الرواسب في قاعة بحيرة الزوورث - الواقعة على عمق مئات الامتار تحت مستوى سطح البحر والتي تغطيها طبقات سميكة من الجليد - قواقع بحرية عتيقة قد تكشف النقاب عن أحدث مرة حدثت فيها تصدعات في تكوينات الكتلة الجليدية.

ويقول خبراء إن الغلاف الجليدي في غرب الدائرة القطبية الجنوبية على سطح بحيرة الزوورث يحتوي على كميات هائلة من الجليد تكفي لرفع منسوب مياه البحار بواقع ثلاثة الى خمسة امتار اذا حدث انهيار وذوبان لهذه الطبقات الجليدية بفعل التغير المناخي وهو الامر الذي يمثل خطرا داهما يحيق بمناطق واطئة عديدة مثل بنجلادش وفلوريدا وبوينس ايرس وشنغهاي. وتوجد 360 بحيرة معروفة تحت الجليد في المنطقة القطبية الجنوبية وهي البحيرات التي تكونت بفعل حرارة الارض التي أذابت الطبقة السفلى من الكتل الجليدية.

وقال مارتن سيجرت من جامعة بريستول والمراقب الرئيسي للمهمة البريطانية "احدى طرق اكتشاف (مخاطر الانهيار) هي معرفة تاريخ أحدث انهيار جليدي. أخيرا اصبحنا على اهبة الاستعداد للضغط على زر التشغيل." ويجري الاعداد للمهمة البريطانية منذ 16 عاما وستبحث في تنوع صور الحياة وهي القضية التي يتنافس فيها علماء من روسيا والولايات المتحدة. بحسب رويترز.

وقال سيجرت إنه ما من أحد يعرف عمر طبقات الجليد في غرب الدائرة القطبية الجنوبية وربما تكون قد انهارت خلال حقب سحيقة بسبب زيادة حرارة الجو منذ 125 الف عام او قبل ذلك عندما كانت مستويات المسطحات المائية اعلى كثيرا مما هي عليه الآن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/كانون الثاني/2013 - 27/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م