الجدول الزمني للمتفاءل

بيل غيتس

عادة ما يتم استخدام كلمتي " التفاؤل " و " الواقعية" من اجل وصف نظرتين مختلفتين للحياة ولكني اعتقد ان التقييم الواقعي للظرف البشري يجبرنا على اتخاذ نظرة عالمية متفاءلة. انا متفاءل على وجه الخصوص بإمكانيات الابتكار التقني في تحسين حياة افقر الناس في العالم وهذا سبب قيامي بالعمل الذي اقوم به.

بالرغم من ذلك فإن الواقعية خففت من تفاؤلي بشأن جانب يتعلق بالتقنية والتنمية العالمية وهذا الجانب هو فكرة ان الهواتف النقالة سوف تعمل ثورة في حياة الناس في البلدان النامية. لقد اعتقد الكثير من الناس قبل عقد من الزمان ان انتشار اجهزة الهواتف النقالة في افريقيا تعني قفزة سريعة للتمكين الرقمي وهذا لم يحصل فالتمكين الرقمي يعتبر عملية طويلة ومستمرة ووجود تقنية الهواتف النقالة بحد ذاتها لا تغير على الفور كيف يحاول الفقراء تلبية احتياجاتهم الرئيسة.

لكن الان وبعد سنوات من الاستثمار فإن هناك عملية جارية للتمكين الرقمي حيث يعود ذلك الى عدة عوامل بما في ذلك زيادة تغطية الشبكات والمزيد من الاجهزة البارعة والزيادة في قائمة التطبيقات وبينما تزداد قدرة الناس على الوصول لتقنية رقمية افضل وارخص فإننا نصل في نهاية المطاف لنقطة تحول وهي ان فوائد توفير خدمات رقمية مثل الخدمات المصرفية والرعاية الصحية تتفوق على التكلفة وعندئذ ستكون الشركات راغبة في عمل الاستثمارات المطلوبة من اجل عمل انظمة جديدة ويكون العملاء قادرين على قبول تكلفة التحول وذلك عن طريق تبني سلوك جديد.

لو نظرنا الى مثال م –بيسا وهي خدمة مصرفية عبر الهاتف النقال في كينيا تسمح للناس بإرسال الاموال من خلال هواتفهم النقالة لوجدنا ان م –بيسا احتاجت للاستثمار في بناء محلات يستطيع الناس ان يذهبوا اليها لتحويل النقود التي يكسبوها لنقود رقمية ( ولنقود مرة اخرى). ان هذه البنية التحتية على ارض الواقع سوف تكون ضرورية وذلك حتى يأتي اليوم الذي تصبح الاقتصادات بدون مبالغ نقدية بالكامل وهذا سوف يأخذ عقودا من الزمان.

بدون نقاط صرف نفود في كل مكان فإن م – بيسا ستكون مثلها مثل الطرق التقليدية في نقل الاموال وفي الوقت نفسه فلقد كان من المستحيل اقناع محلات التجزئة في ان يصبحوا نقاط صرف نقود ما لم يكن هناك عدد كافي من زبائن م – بيسا من اجل ان تكون العملية مربحة بالنسبة لهم.

ان مثل هذا النوع من الاستدامة الذاتية هو بالضبط ما قمنا بعمله في مايكروسفت في السنوات الاولى من الحاسوب الشخصي فلم يكن اي شخص يريد جهاز ما لم يكن هناك برنامج حاسوب "سوفتوير" ولم يكن هناك احد يريد ان يبتكر برامج حاسوب بدون اجهزة. لقد اقنعت مايكروسفت شركات مكونات الحاسوب الرئيسة "الهادروير " وشركات برامج الحاسوب "سوفتوير" بالرهان على الحجم المستقبلي عن طريق اظهار كيف ان منهجنا سوف يغير القواعد.

ان هناك العديد من البرامج الناجحة على نطاق صغير باستخدام الهواتف النقالة ولكن من الصعوبة بمكان العثور على امثلة على برامج على نطاق كبير ويمكن استدامتها ذاتيا وتحركها التقنية الرقمية مثل م –بيسا نظرا لان الاجزاء الرئيسة لم يتم وضعها في مكانها الصحيح وذلك من اجل تمكين العمل المطلوب من التحرك قدما خارج حدود التجارب التي يتم التحكم بها.

ان الرعاية الصحية الرقمية او م هيلث هي احدى المجالات التي ظهرت بشكل بطيء وذلك نظرا لأنه من الصعوبة بمكان عمل منهج ممتاز واقناع جميع الناس في النظام الصحي انه يجب استخدامه. لو كان بعض العاملين في القطاع الصحي يستخدمون الهواتف النقالة في ارسال المعلومات الى قاعدة بيانات مركزية لكن الاخرين لا يرون ان هناك اية قيمة لعمل ذلك فإن ذلك يعني ان النظام الرقمي غير مكتمل وهكذا يعاني من نفس العيوب التي يعاني منها النظام الورقي الحالي.

ان افضل مشروع واعد رأيته فيما يتعلق بمشروع م هيلث هو مشروع يركز على صحة الام والطفل في غانا حيث يقوم العاملون الصحيون في المجتمع والذين لديهم هواتف بزيارة القرى ويقدمون نماذج رقمية فيها معلومات هامة عن النساء اللواتي اصبحن حوامل مؤخرا ومن ثم يقوم النظام بإرسال رسائل صحية للنساء الحوامل من مثل رسائل تذكير اسبوعية تتعلق بالرعاية في مرحلة ما قبل الولادة. ان النظام يرسل ايضا معلومات لوزارة الصحة مما يعطي صناع السياسات صورة دقيقة ومفصلة عن الاوضاع الصحية في البلاد.

ان اولئك العاملين في مجال الايدز والسل والملاريا وتخطيط الاسرة وغيرها من القضايا الصحية العالمية يمكن ان يستخدموا المنهج نفسه بحيث تتشارك جميع اجزاء النظام الصحي في البلاد في المعلومات والرد بشكل مناسب وفي الوقت المناسب. ان هذا حلم ولكن هذا الحلم يصبح حقيقة فقط لو قام العاملون على الارض بتسجيل المعلومات وقام وزراء الصحة بالتصرف على ضوء تلك المعلومات وقام المرضى باستخدام المعلومات المرسلة على هواتفهم.

لقد ادركت ان الامور قد بدأت تحصل على ارض الواقع عندما بدأ شركاءنا في شركة موتيك بالحديث عن نفقات الشبكات الباهظة وتبسيط واجهة المستخدم. لقد كان التطبيق يستخدم حقا في الميدان وكان هناك تحديات صعبة مما يعني ان النظام كان مفيدا للناس لدرجة انهم يبذلون الجهود من اجل حل المشاكل حال نشوئها بدلا من العودة فقط للنظام القديم. ان المقاربة الرقمية يتم استخدامها الان في مناطق اخرى بما في ذلك شمال الهند.

لقد قال الناس قبل عقد من الزمان ان هذا سوف يحصل سريعا ولكن هذا لم يحصل لان الاجزاء لم تكن متوفرة والان تم البدء بوضع تلك الاجزاء في مكانها الصحيح. سوف يستغرق وضع تطبيقات معينة في الكثير من الاماكن عقدا من الزمان ولكن الزخم سوف يكبر وسوف نتعلم من تجربتنا وعلى المدى الطويل ستكون النتائج بمثابة نقطة تحول كما كنا نأمل ان لم يكن اكثر وفي نهاية المطاف عندما يشعر الناس بانه تم تمكينهم بشكل حقيقي فسوف يبدأون باستخدام التقنية الرقمية من اجل الابتكار بالنيابة عنهم وعمل الحلول التي لم ينظر فيها المجتمع الحالي لتطوير برامج الحاسوب.

* مؤسس شركة مايكروسوفت

http://www.project-syndicate.org/

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 10/كانون الثاني/2013 - 27/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م