أين يُستشهد الإخوان؟

عريب الرنتاوي

دعا المرشد العام للإخوان المسلمين أنصاره للاستعداد للتضحية والشهادة دفاعاً عن مكتسبات ثورة الخامس والعشرين من يناير.. وإذ تزامنت دعوته هذه مع استعدادات واسعة تجريها المعارضة للاحتفال بدخول الثورة المصرية عامها الثالث، فقد بات متعذراً الفصل بين الدعوة "للشهادة" و"المليونيات" المنتظرة، سيما وأن المرشد في رسالته ذاتها، كان وصف المعارضة بـ"المتربصين".

أين سيستشهد "الإخوان"؟.. وفي أية معركة أو "غزوة"؟.. ومن هو العدو هذه المرة؟.. وعن أية مكتسبات للثورة يتحدثون خارج إطار وصولهم للسلطة؟.. وهل يعقل أن ينصب اهتمام الخطاب الإخواني على "حفظ المعاهدات المبرمة" مع "العدو اليهودي" وفقاً لتعبيراتهم، وأن يتركز سعيهم الحثيث للهدنة والتهدئة على جبهة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، في الوقت الذي تقرع فيه طبول "الشهادة" ضد "المتربصين"؟.. هل يعقل أن ينظر للمعارضة كـ"عدو" في الوقت الذي ينبري فيه عصام العريان لدعوة يهود مصر للعودة إليها من إسرائيل، بعد أن حمّل الزعيم جمال عبد الناصر وزر تشريدهم ونفيهم إلى "الأرض الموعودة"؟.

أسئلة وتساؤلات، وعشرات غيرها تنهال كالسيل الذي لا ينقطع، في مواجهة خطاب الإخوان وممارساتهم خلال العام الفائت فقط، إذ تكشفت حقائق وانكشفت نوايا، كان من الصعب انكشافها قبل "الربيع العربي"، وعندما كان "الإخوان" في ذروة الترويج والتثمير لـ"مظلوميتهم".

من وجهة نظر إخوانية، ليس للثورة المصرية المجيدة من مكتسبات سوى وصول الإخوان للسلطة.. ومجرد بقائهم فيها، وهيمنتهم عليها، هو المعيار الأول والأخير لنجاح الثورة وانتصارها.. وهم في سبيل هذه الغاية يبدون أتم الاستعداد للعودة بمصر سنوات وعقود إلى الوراء، بل ولاستعادة خطاب النظام المخلوع وأدواته.. وليس لديهم ما يمنع من الانقلاب على فحوى خطابهم السياسي والإيديولوجي السابق... السلطة تَجُبُّ ما قبلها، وهي الغاية التي تبرر أية وسيلة للوصول إليها والاحتفاظ بها.

هم الذين جاءوا للسلطة بعد نجاح كفاحات الشعب المصري في كسر قانون الاجتماعات العامة والتظاهر، يريدون الانقلاب على هذا القانون، الذي لم يجرؤ نظام مبارك على استرجاعه، بعد أن حطمته نضالات "كفاية" وغيرها من الحركات المدنية والديمقراطية المصرية... هم الذي جاءوا للسلطة بعد نجاح المصريين في كسر احتكار السلطة للإعلام وحرية الرأي والتعبير والإبداع، يريدون استعادة هذا الاحتكار، ولكن بعد حصر "ملكيته" بين أيديهم "المتوضئة".. المحاكم مشغولة بالقضايا "الإخوانية" ضد الإعلام والصحفيين والفنانين والمثقفين.. و"المس بالذات الرئاسية" بات أشد هولاً مما كان عليه في مصر زمن "فرعونها" السابق، بل وأشد وطأة مما هو معمول به في دول وممالك ما قبل الربيع العربي.. أنهم يسعون في سد كل السبل التي جاءت بهم للسلطة، حتى لا تأتي بغيرهم إليها، ومع ذلك يحدثونك عن "مكتسبات الثورة".

مثل هذا السلوك الشمولي - الاستبدادي، لا يثير قلق مختلف التيارات في مصر فحسب، بل وفي المنطقة بأسرها.. لكأنه يُراد لثورات الربيع العربي، أن تسقط الاستبداد فتأتي بالشمولية.. ولقد شهدنا في تونس، حيث الإسلام السياسي الأكثر تنوراً وتنويراً، شهدنا الغنوشي يطالب بجلد منتقدي صهره وزير الخارجية، بالجلد (80 جلدة)، في محاولة لاستحضار "الأفغنة" و"الطلبنة" و"الوهبنة-إن جاز التعبير" في أبشع صورها، لبلد أشعل شرارة الثورة والحرية والكرامة في العالم برمته.

ثم عن أي "متربصين" يتحدث فضيلة المرشد؟.. عن رفاقه في ميدان التحرير، الذين سبقوه وسبقوا أنصاره إليها؟.. وبم يختلف هذا الخطاب عمّا كانت تُنعت به الجماعة ذاتها، وفي مصر بالذات، من أوصاف ونعوت واتهامات؟.. أو بما تنعت به الآن في عدد من الدول العربية.. ألم تقل دولة الإمارات أنها ألقت القبض على "خلية نائمة" للإخوان ونجحت في تفكيكها؟.. ألستم الفئة الضالة في عرف كثير من الأنظمة العربية؟.. ألستم تنظيماً ذي أجندات خارجية مشبوهة في نظر معظم الحكام العرب؟.. لماذا تنعتون غيركم من قوى الثورة والتغيير، بذات النعوت التي تلصق بكم، وتجدون ونجد أنفسنا معكم، مكرهين على التصدي لها وتفنيدها؟.. أم أن ما ينطبق عليكم لا ينطبق على غيركم، وانكم وحدكم "أصحاب "الحق الإلهي" في التفريق بين الخطأ والصواب.. الحلال والحرام.. وأنكم وحدكم "الشرعية"، وحيثما تكونون تكون.. من أعطاكم هذا الحق، ومن منحكم هذه الميزة.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 9/كانون الثاني/2013 - 26/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م