الحرب الاهلية... عن تاريخنا وتاريخ الاخرين

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: ما يحدث في سوريا وصفه الاخضر الابراهيمي الموفد الدولي العربي المشترك بانه حرب اهلية... وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم وللحفاظ على ماء الوجه بسبب الدعم الذي قدمته امارته الى المسلحين وكذلك تركيا والسعودية، رفض هذا التوصيف، وقال بل هي حرب إبادة يشنها النظام السوري على شعبه.

ومايحدث الان في العراق، يحذر الجميع منه، على اعتباره انه قد يكون المدخل لحرب اهلية طاحنة اشد قسوة من الاقتتال الطائفي في العامين 2006 و 2007. فقد رأى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إن الأرضية العراقية مهيأة لاندلاع حرب طائفية بين (الشيعة والسنة) كما حدث في عام 2006، بل بدرجة أخطر، مشيرا الى ان (منع هذه الحرب يكاد تكون مستحيلا).

وقال المتحدث باسم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني أزاد جندياني (نحن ننظر إلى الأوضاع الحالية في العراق بقلق بالغ ولا نخفي أننا نحس بمخاطرها بوضوح، وما يدعو للأسف أن الصراعات في العراق وصلت إلى هذا المستوى الخطير، وكما أعلنا سابقا ينبغي تصحيح مسار الحكم في العراق استنادا إلى الدستور والاتفاقات الموقعة سابقاً).

واشار الى ان (الأجواء مهيأة لاندلاع حرب طائفية بين السنة والشيعة وبسبب المتغيرات التي تشهدها المنطقة فإن إفرازات حرب كهذه ستكون أكثر خطورة وسبل حلها ومنعها تكاد تكون مستحيلة، لذا فنحن نرى أنه ينبغي منع حدوث هذه الحرب بأي شكل من الأشكال).

لا يهمنا الحديث عن المصالح التي يمكن ان يجنيها الاكراد من مثل هذه الحرب اذا وقعت، بل ساحصر الحديث عن تاريخ الحروب الاهلية التي وقعت في انحاء متفرقة من العالم.

لعل اشهر تلك الحروب الاهلية التي حازت شهرة عالمية هي الحرب الاهلية الامريكية، والحرب الاخرى التي يتذكرها العرب ولازالت اثارها موجودة حتى الان بصور واشكال متعددة هي الحرب الاهلية اللبنانية.

والحرب الأهلية كما في تعريف الموسوعة الحرة ويكيبيديا،هي الحرب الداخلية في بلد ما التي يكون أطرافها جماعات مختلفة من السكان. كل فرد فيها يرى في عدوه وفي من يريد أن يبقى على الحياد خائنا لا يمكن التعايش معه ولا العمل معه في نفس التقسيم الترابي. ولكن بتعدد وتنوع الأسباب المقدمة لنشوء الحروب الاهلية يبقى الحل الأكثر نجاعة لها على مدى العصور التفاوض السلمي.

يكون الهدف لدى الأطراف السيطرة على مقاليد الأمور وممارسة السيادة. أما أسباب الحرب، فقد تكون سياسية أو طبقية أو دينية أو عرقية أو إقليمية أو مزيج من هذه العوامل.

وتتصف الحروب الأهلية بالضراوة والعنف وبالنتائج الاقتصادية والاجتماعية المدمرة على المدى القريب، والمؤثرة بعمق على المدى البعيد، لأنها تشمل مناطق آهلة بالسكان وتكون خاضعة لهجمات متقطعة وغير منتظرة، وتفرق بين الأهل والجيران فتشل الحياة الاقتصادية وتمزق النسيج الاجتماعي، ويحتاج المجتمع إلى عدة عقود من الزمن لإعادة البناء والتوازن والوئام.

قوانين جنيف الدولية تضع أربعة شروط لتعريف الحرب الاهلية، ذلك أن يسيطر كل من الاطراف المتنازعة على رقعة جغرافية معينة وعلى أن يتمتع بسلطة على الذين يسكنون في هذه المنطقة، ثالثًا أن ينظر الى المسلحين باعتبارهم مقاتلين واخيرًا أن تلجأ الحكومة الى استخدام جيشها لقمع المتمردين.

كثيرا ما تشكل الحروب الأهلية فرصة لتدخل الدول الكبرى أو المجاورة في مجريات الأمور الداخلية للدولة المعرضة لمثل تلك الحروب. ذلك أن وقوع مثل تلك الحروب يضعف كثيرا من سيادة الدولة ويزيل التماسك الداخلي في وجه التدخل الخارجي، كما أن احتمالات التغير في موازين القوى داخليا قد يؤثر على الدول المجاورة سلبا وإيجابا فترى بعض الدول في انتصار فريق على فريق تهديدا لأمنها، أو للتوازن في تلك المنطقة من العالم أو على صعيد أوسع. وقد تلجأ الحكومة إلى معاملة الفريق الثائر كطرف في حرب عادية وذلك بغية الالتزام بقواعد الحرب، كحماية الأسرى وتجنب محاكمتهم كخونة وعدم اللجوء إلى الأخذ بالثأر. إلا أن ذلك يفترض سيطرة الثوار على إقليم جغرافي محدد وقيام سلطة تمارس مهام السيادة على تلك الرقعة، وأن تكون القوات الثائرة خاضعة لنظام عسكري وتطبق القواعد المرعية في القانون الدولي.

وهناك عدة حروب اهلية جرت في القرن العشرين، منها:

الحرب الأهلية الروسية 1917 -1921

الحرب الأهلية في فلندا 1918

الحرب الأهلية الأيرلندية 1922-1923

الحرب الأهلية الصينية 1928-1937, 1945-1949

الحرب الأهلية الفيتنامية 1930-1975

الحرب الأهلية الإسبانية، 1936-1939

الحرب الأهلية اليونانية، 1946-1949

الحرب الأهلية البارجوية 1947

الحرب الأهلية في كوستاريكا, 1948

الحرب الأهلية الكورية، 1950-1953

الحرب الأهلية الاندونسية، 1965-1966

الحرب الأهلية النيجرية، 1967-1970*

الحرب الأهلية الباكستانية، 1971

الحرب الأهلية اللبنانية، 1975 - 1990

الحرب الأهلية الموزمبيقية 1975-1992

الحرب الأهلية اليوغسلافية 1991- 2001

الحرب الأهلية الأفغانية 1992-2001

يناقش الدكتور فرديريك معتوق في كتابه (جذور الحرب الأهلية، لبنان- قبرص- الصومال- البوسنة) الحرب الأهلية واسباب اندلاعها.. وقد اختار اربعة بلدان كنموذج تطبيقي للافكار المطروحة في كتابه.

يرى البعض من الباحثين ان المصالح الاقتصادية هي المحرك الحقيقي للنزاعات الأهلية، كما في النموذجين الأميركي واللبناني. لكن فردريك معتوق يكشف أن الخلاف في المصالح الاقتصادية لا يصبح فعلياً متفجراً إلا بعد اقترانه بالخلاف الإيديولوجي. وتتميز الحرب الأهلية عموماً بأنها تقوم على ما يسميه المؤلف (إيديولوجيا طوباوية من الفتنة الارتقائية). فهي ترتكز على وعد الجماهير ببلاد جديدة (كالوعد باسبانيا الجديدة، أو لبنان الجديد، أو صربيا الكبرى..).

من خلال التجارب العالمية تلاقت الحروب الأهلية كلها على هدم الدولة بغية مصادرة احتكارها السلطة، وأخطر ما في الأمر أن كسر الدولة يمهد الطريق لكسر المجتمع المدني، وتالياً هدمه بغية تجبير ديناميته وقواه الفاعلة في اتجاه مشروع فئوي تمردي، وهو ما يتم تمريره تدريجياً وليس دفعة واحدة. ومن باب كسر احتكار الدولة السلطة والعنف تدخل الفئات المسلحة المتنازعة. فمباشرة الحرب الأهلية تحتاج الى تسويغ لرفض احتكار الدولة العنف والسلاح وهو ما يتمثل بإنشاء الميليشيات. كل هذا يؤدي الى تأسيس منطق للعنف هو غير منطق الدولة.   

ولكي تتواصل الحرب الأهلية لا بد من نبذ مبدأ التسامح أو العيش المشترك من الحياة العامة، وهذا لا يتم إلا من خلال إلغاء الحياة العامة نفسها واستبدالها بالحياة الذاتية بالمعنى البيولوجي للكلمة. ويتمثل ذلك في شكل واضح خلال الحرب الأهلية حيث يصبح الهم الأساسي الاختباء من القصف ومحاذرة القنص والسيارات المفخخة وتأمين الطعام يومياً. 

وطالما بقيت الحرب الأهلية مرتكزة على الخلاف الإيديولوجي فهي تستند الى وسيلة إعلام، وهي ابنة عم المدفع في الصراع الأهلي. وبالفعل ليس مصادفة أن تحصي إحدى الصحف في مطلع الحرب اللبنانية 47 ميليشيا ضالعة في القتال، وأن تحصي وزارة الإعلام، أن هناك 47 محطة تلفزيونية تعمل في لبنان.

وفي هذا المجال يعتبر المؤلف أن التلفزيون ابتلع الذاكرة الشعبية وافرز بديلاً منها ذاكرة يومية، مشرذمة وآنية، ساهمت في طمس الوعي عند الناس وأضعفت الحس النقدي عندهم. وطغى على ذاكرتهم ما شاهدوه البارحة على الشاشة الصغيرة. لذلك يلجأ الصرب الى التلفزيون وكذلك الكروات ويستخدم كل منهم الأفلام الوثائقية لتسويد صفحة الآخر. هكذا فعل كل قادة الحروب الأهلية.

يعتبر المؤلف أن اللبننة أخرجت لتكون أحد نماذج الحروب الأهلية الأساسية في العالم الثالث، في حين أن الصوملة تتجه لأن تكون النموذج الأكثر بؤساً للحروب الأهلية في العالم الرابع. فإذا كانت البلقنة والقبرصة واللبننة تعني في أحد أبعادها السيطرة على الدولة أو على جزء منها، فإن الصوملة تعني القضاء على الدولة والعودة الى رحم العشيرة الأم، حيث لا مكان إلا لتغذية صراع العصبيات القبلية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/كانون الثاني/2013 - 25/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م