قضايا فنية: إبداعات خلابة تتناقل عبر الأزمان والثقافات

 

شبكة النبأ: تمزج قضايا الثقافة العالمية معظم تغييرات العالم على اغلب المجالات كونها رسالة تقدم آفاقا فنية وثقافية وحتى السياسية، لذا فأنها تعلب دورًا رئيسيًا في تلاقح الثقافات والموضوعات والأفكار بين مختلف الشعوب، حيث تتجسد إعمال الفنانين وإبداعاتهم الحياة بمختلف جوانبها فهي ترصد كل محتوياتها من صراعات ونزاعات وأفراح وأحزان بشكل ينقل المتلقي الى حياة آخرى،  فيذهب به من الحياة الواقع الى حياة الخيال، لاسيما فن الرسم، ويتميز به الفنانون عن غيرهم بالقدرة الإبداعية الهائلة لتخلدهم، كما يحصلون على أرقام قياسية او يفوزون بالجوائز العالمية، وعليه فان القضايا الفنية العالمية تحوي ميدان الابتكار الفني لصنع الإبداعات الخلابة التي تتناقل عبر الأزمان والثقافات.

سلفادور دالي

فقد بيعت لوحة لسلفادور دالي انجزها في اطار مشروع سينمائي لفريتز لانغ بسعر مليوني يورو في مزاد علني نظمته دار "ارتكوريال" في باريس على ما افادت دار المزادات، وتعود اللوحة الى العام 1941 وهي صغيرة الحجم (22,5 سنتمترا ب30,3 سنتمترا) وبعنوان "الة خياطة مع مظلات في منظر سوريالي" (زيتية وغواش). وقد اشتراها جامع اوروبي بسعر مليوني يورو. وكان سعرها مقدرا بين 1,6 مليونا ومليوني يورو عى ما افادت دار المزادات، وقد انجز دالي هذه اللوحة خلال اقامته في الولايات المتحدة من في اطار فيلم "مون تايد" (1942) لفريتز لانغ، واثر خلاف بين استديوهات فوكس وفريتز لانغ، حل مكان الاخير ارتشي مايو ولم تستخدم رسوم دالي في نهاية المطاف. وسيعاود الرسام ابتكاراته للسينما العام 1945 مع فيلم "سبيل باوند" لالفرد هيتشكوك من بطولة غريغوري بيك وانغريد برغمان. وتعاون دالي ايضا مع والت ديزني على فيلم الرسوم المتحركة "فنتازيا" (1940). بحسب فرانس برس.

ولم يبع في المزاد تمثال نصفي برونزي انجزه دالي العام 1933 ونقحه العام 1977. وكان سعره مقدرا بين 450 و600 الف يورو وهو من بين ثماني نسخ احداها معروض في اطار معرض استعادي مكرس للرسام يقام في مركز بومبيدو في باريس.

رفائيل

فيما حقق مخطط رسم للفنان الإيطالي رفائيل رقما قياسيا، في دار سوذبيز بلندن، فقد بيعت اللوحة، وهي من الحجم الصغير، بسعر 29،7 مليون جنيه استرليني، وكانت 7 دقائق كافية لتضاعف العطاءات سعر اللوحة التقديري، وتعد لوحة "رأس الحواري" المرسومة بالطبشور من ضمن مجموعة تشاتسوورث هاوس، موطن دوق دفنشاير، وفي سنة 2009، بيعت لوحة لرفائيل وهي "رأس الملهمة" بسعر 29،2 مليون جنيه استرليني في دار كريستيز، وبالنظر إلى تذبذب سعر الصرف، فإن لوحة كريستيز قد تفوقت على "رأس الحواري" بالدولار، ولكن بما أن اللوحتين بيعتا بالجنيه الاسترليني، فإن سوذبيز اللندنية تؤكد أحقيتها بالرقم القياسي. بحسب البي بي سي.

ويقول غرغوري روبنستاين، مسؤول الرسومات في دار سوذبيز: " إذا كنت محظوظا في مسارك المهني، فإن تصادف عملا مثل هذا"ن "فقد جاء عدد من أكبر هواة الفن الليلة إلى المزاد اعترافا بعبقرية رفائيل وجمال هذه اللوحة الخارق". ويعتقد أن العطاء الأعلى والفائز باللوحة جاء عبر الهاتف من روسيان وتحتوي مجموعة تشاتسوورث على نحو 3 الاف رسم قديم، من بينها أعمال للرسامين روبنز، وفا ديك، ورومبرانت.

ادفارد مونك

على الصعيد نفسه ادفارد مونك فنان يحظى باستحسان كبير في الخارج ولوحاته تجذب اللصوص، الا ان بلاده مقصرة في تقديره وتجهد من اجل اقامة متحف يرقى الى مستوى اعماله، وكان مونك صاحب لوحة "الصرخة" التي تحولت الى ايقونة فعلية، ليحتفل العام 2013 بمرور 150 عاما على ولادته الا ان عجز بلدية اوسلو عن توفير اطار للكنز الذي وهبها اياه الفنان يلقي بظلاله على هذه المناسبة، فعند وفاته العام 1944، وهب مونك بلدية العاصمة مجموعة ضخمة تضم 1100 لوحة وثلاثة الاف رسم و18 الف غرافور. وهي كنز لا يقدر بثمن، لا يفيه المتحف الصغير الذي بني بكلفة بخسة في حي فقير، حقها الفعلي.

ويقول مدير المتحف شتاين اولاف هنريكسن "حان الوقت للحصول على مبنى اكثر حداثة يسمح باستقبال افضل للجمهور وعرض اعمال مونك في اطر وآفاق اوسع بالنسبة لنا وله"، وفي حين تحظى فكرة التطوير هذه بالاجماع الا ان خلافات حادة ظهرت حول موقع هذه المجموعة المستقبلي، فبعد الاتفاق في العام 2008 على مبدأ تشييد مبنى جديد قرب دار الاوبرا على ضفاف فيورد اوسلو وقع الانقسام في البلدية بعد ثلاث سنوات على ذلك عندما سحب اليمين الشعبوي دعمه فجأة للمشروع، قد زاد من الحرج ان شركة هندسة معمارية اسبانية اختيرت مع مشروعها الذي يحمل اسم "لامبدا" ويقوم على تشييد مبنى مائل ذو هندسة حديثة للغايةن منذ ذلك الحين دخل المشروع في طريق مسدود. فما من حل يرضي الجميع: لا المفهوم الذي قدمه الاسبان ولا الانتقال الى المبنى المركزي لكن القديم الذي تشغله راهنا الغاليري الوطنية ولا البقاء في الحي الحالي البعيد عن الوسط لكن مع ترميم المبنى.

والكلفة هي نفسها تقريبا بالنسبة لكل الحلول المطروحة وتصل الى حدود 1,6 مليار كورونة سويدية (حوالى 215 مليون يورو) الا ان الخلافات تشمل عدد الزوار المتوقعين والروزنامة وشكل اوسلو المستقبلي، هذا الشلل، الذي يقلل من شأن الفنان النروجي الاشهر في العالم ، يتناقض مع شعبيته الهائلة في العالم. بحسب فرانس برس.

وقد زار مليون شخص معرضا كرس له في باريس وفرانكفورت ولندن قبل فترة قصيرة. وقد بيعت نسخة عن لوحة "الصرخة" الوحيدة التي لا تزال في ايدي افراد بسعر قياسي وصل الى حوالى 120 مليون دولار هذه السنة في نيويورك.

ومع ان متحف مونك في اوسلو يملك نسختين من "الصرخة" الا انه يواجه صعوبة في جذب الزوار مع 126 الف زائر سنويا. لكن لا يتوقع ان يزداد هذا العدد بشكل كبير في حال الانتقال الى مبنى جديد، ويقول هنريكسن "لا اعتقد ان النروجيين ادركوا فعلا قيمة عمل ادفارد مونك. فهنا اهميته الثقافية والاقتصادية غير مقدرة كما يجب"، اما عائلة رائد المدرسة التعبيرية فقد بدأت تفقد صبرها. وتقول قريبته اليزابث مونك الينغسن "هذه فضيحة واهانة"، وتوضح "نظرا الى الكنز الذي بين ايديهم انه فعلا لامر مخزي الا يتمكن مسؤولون محليون من الاتفاق على حل. عندما قرروا الترشح لاستضافة دورة الالعاب الاولمبية الشتوية اتفقوا في غضون خمس دقائق"، ومع ان صورته موضوعة على الاوراق النقدية من فئة الف كورونة وهي الاكبر في البلاد، ليست هي المرة الاولى التي يعاني منها مونك من سوء المعاملة في وطنه، فقد هدمت بلدية اوسلو المنزل الذي وهبها اياه وحول الموقع جزئيا الى موقف للسيارات، وفي النروج وحدهم اللصوص "يستلطفون" اعمال الرسام: فقد سرقت نسختان من "الصرخة" في العام 1994 و2004. وقد تم العثور عليهما.

بيار سولاج

من جهة أخرى الرسام الفرنسي بيار سولاج الذي يحتفل الاثنين ببلوغه الثالثة والتسعين حاز فرصة نادرا ما يحصل عليها زملاؤه، تتمثل بزياره ورشة المتحف الذي سيضم اعتبارا من العام 2014 اعماله السوداء المضيئة في مدينة روديز (وسط فرنسا) مسقط رأسه، ويريده الا يكون بمثابة "ضريح" له، سولاج صاحب القامة الطويلة التي لم تنجح سنوات عمره المديدة من النيل من استقامتها، مشهور في العالم باسره بحبه للاسود، وقد جال اخيرا في ورشة المتحف قيد الانشاء على بعد كيلومترات قليلة من دير كونك الذي تعتبر زجاجياته احد اعماله البارزة، ويقول الرسام الذي يعتبر مؤلفا للون جديد تقريبا يسمى "اوتر نوار" (ما وراء الاسود) "هذا المتحف يجب الا يكون ضريحا لسولاج!"، وقد اشترط ايضا ان يكرس المتحف (ستة الاف متر موزعة على ثلاثة مستويات من بينها الفا متر مربع مخصصة للعرض) ) "500 متر مربع للمعارض الموقتة"، وقد رافقه في جولته رامون فيفالتا احد المهندسين المعمارين الكاتالونيين المكلفين تشييد المبنى الذي اطلع الرسام الكبير كيف ان المتحف الذي يدشن في ربيع العام 2014، يتماهى مع النتوء الصخري التي تنتصب فوقه روديز قرب خاصرة سلسلة جبال ماسيف سنترال، وقد تبرع سولاج في مرحلة اولى ب500 من اعماله وهي لوحات تغطي خصوصا الفترة الممتدة من 1946 الى 1978 فضلا عن النماذج الفنية لزجاجيات دير كونك القريب واعمال الليتوغرافيا التي قام بها.

واضاف اليها اخيرا 14 لوحة تعود 13 منها الى مرحلة الشباب فضلا عن لوحة كبيرة انجزها العام 1986 بتقينة "ما وراء الاسود" وهي تلعب على انعكاس النور على مساحات سوداء مختلفة، والرسام الذي يحتفي الاثنين بعيد ميدلاه الثالث والتسعين ابن روديز الواقعة في منطقة افيرون التي يعشقها السياح الاوروبيون المحبون للطبيعة، يدرك جذوره لكنه يؤكد على انه انسان حر. ويوضح "انا انتمي الى هذا المكان لان اذواقي كلها تشكلت هنا لكني غادرت روديز في سن الثامنة عشرة وقد اعادتني اليها زجاجيات كونك (1986 الى 1994)، وللرسام شهرة عالمية وهو فخور بانتشار لوحاته في العالم. ويقول "لدي اعمال موزعة في العالم باسره من آسيا واميركا الى استراليا مرورا باوروبا وقد اكون الرسام الوحيد الذي تعرض اعماله في متحف ارميتاج في سان بطرسبرغ وهو لا يزال على قيد الحياة". بحسب فرانس برس.

ولا يزال الرسام يحتفظ بالحماسة نفسها للحديث عن عمله وحبه للون الاسود موضحا "منذ معرضي الاول في العام 1974 كانت اللوحات قاتمة مع هيمنة اللون الاسود، عندما كنت طفلا كنت اغمس ريشتي في المحبرة اكثر من الالوان الاخرى لطالما كان الاسود رفيقي الدائم"، ويعتبر سولاج ان الاسود "لون قوي وفعال :ضعوا الاسود الى جانب لون قاتم فيبدو اقل قتامة!"، ويختم قائلا "عندنا الاسود هو الحداد لكنه ايضا لون البزة التي نرتديها خلال الاحتفالات. الاسود يمثل بساطة ثوب الراهبة وروعة فستان الامبراطورة سيسي وهي ترقص".

صالة عرض تتحدى الدكتاتورية

ففي مشهد فريد من نوعه، يضم مبنى مهجور يطل على إحدى مدن الصفيح في باكستان صالة عرض ضخمة تحدت الدكتاتورية والتطرف على مدى ثلاثين سنة بهدف مناصرة الفن التقدمي، تأسست صالة عرض روهتاس سنة 1981 في ظل الحكم العسكري للجنرال ضياء الحق، بينما كانت باكستان تشهد برنامجا لأسلمة البلاد يفرض قيودا تعجيزية على الثقافة والترفيه.

فقد رأى المهندس نعيم باشا ومجموعة من أصدقائه أن الفنانين الباكستانيين بحاجة إلى فسحة للتعبير عن أنفسهم بحرية، ويقول باشا "كان الفن التجريدي يعتبر مخالفا للشريعة الاسلامية. أما فن الخط واللوحات الطبيعية ورسوم الأوجه فكانت مسموحة"، ويضيف "لكننا تصرفنا كما يحلو لنا، وعرضنا صورا عارية ولوحات تجريدية...".الا ان الالتزام بهدف صالة العرض القاضي بترويج الفن التقدمي كان يعني تحدي الوكالات الاستخباراتية النافذة التابعة للجنرال ضياء الحق... واستغلال المنافسات في ظل الحرب الباردة، فقد كان الدبلوماسيون يتسابقون لتلقي دعوات لحضور معارض في صالة عرض روهتاس، ويقول باشا إن "السفير الأميركي كان يحرص على الحضور قبل السفير السوفياتي، والسفير السوفياتي كان يحاول أن يسبقه لأن كليهما أراد أن يبين أنه يدعم الفن"، ويضيف أن "ضياء الحق كان يوحي دائما بأنه رحب الصدر ويفضل عدم التدخل... على الأقل هذا هو الانطباع الذي أراد أن يخلفه لدى الدبلوماسيين، لذلك لم يزعجونا"، لكن الشرطة السرية تدخلت بعد أن نشرت إحدى الصحف صورة للسفير السوفياتي وهو يقف في أحد المعارض بالقرب من صورة لدمية لعرض الأزياء ترتدي زي جنرال وتخرج أفعى من كمها"، وبعد أن علم باشا بالأمر من صديق له في الاستخبارات، هرع إلى صالة العرض لإزالة الصور التي ذكرت الصحيفة في مقالها أنها بيعت كلها، ويروي باشا "قرابة الساعة الحادية عشرة، أتى الشرطيون وسألوا أين الصور. فأجبتهم +رأيتموها في الصحيفة، لقد بيعت+. لكن عادة، تبقى الصورة معلقة على الحائط لمدة شهر كامل بعد بيعها"، ساهمت صالة عرض روهتاس في إطلاق الكثير من الأسماء الكبيرة في الفن الباكستاني الحديث، ويشير باشا إلى أن الرقابة التي فرضها الجنرال شكلت مصدر وحي للفنانين، ويشرح أن "الفاشية تساهم في بروز الفن الجيد"، مضيفا أن "الفنانين نهضوا لمكافحة ذلك القمع، وما نراه اليوم في الفن الباكستاني ناجم عن القانون العسكري في الثمانينات"، ويقول الفنان قدوس ميرزا إن صالة عرض روهتاس شجعت الفنانين على أن يتبعوا حدسهم الابداعي بحرية بعيدا عن القيود السياسية وعن الضغوط التجارية أيضا، ويضيف أن "المنحوتات والبصمات الرقمية لم تكن تجذب الشراة أي أنها لم تكن مفيدة من الناحية التجارية، لكن روهتاس دعمتها". بحسب فرانس برس.

ويتابع "أعتقد أن دورها كان مهما لأنها دعمت الفنانين الشبان والفنانين الذين لم يجدوا فرصة للتعبير عن أنفسهم في مكان آخر"، أما باشا فيوضح أن الطلب على الفن المعاصر في أوساط جامعي التحف في باكستان يرتفع، خصوصا في صفوف الشبان، لكن المعارض تبيع 25 % من التحف المعروضة في الصالة كحد أقصى، ويضيف باشا الذي يمول صالة العرض بفضل عمله في الهندسة أنه فخور لأنه حافظ على التزامه بترويج الفن التقدمي وابتعد عن التحف الفنية التجارية"، ومع أن زمن القمع قد ولى، لا تزال باكستان دولة محافظة يسعى المتطرفون الدينيون فيها إلى فرض قيود على الثقافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7/كانون الثاني/2013 - 24/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م