حرية الانترنت... آفاق تعاني التضييق

 

شبكة النبأ: جعل الانترنت من العالم اجمع اشبه بقرية صغيرة، يلتقي فيها كل من يرغب الدخول من عموم ارجاء العالم، واصبحت وسيطا ناقلا للافكار وتلاقح الثقافات والعلوم بفضل ما يقدمه من خدمات واسعة النطاق وعلى اكثر من صعيد سواء كان سياسيا او اقتصاديا او اجتماعيا، مما اعطى مساحة كبيرة للحريات الاخرى مثل التعبير والصحافة والتواصل الاجتماعي والحصول على المعلومات وهذا يعني انه من الحقوق الاساسية، لكنه يمكن ان يستخدم كأداة تخريب وانتهاك للحريات والحقوق من خلال الجرائم والاحتيال والقرصنة وسرقة المعلومات وتهديد الأمن وغيرها الكثير من الأدوات السليبة، إذ تسعى اغلب حكومات العالم لتقييد الوصول إلى الإنترنت، من خلال فرض قيود عن طريق سن قوانين تتحكم بحريات استخدامه، كما هو الحال في بعض الدول مثل الصين والإمارات خاصةً في الاونة الاخيرة.  

حيث يواجه مستخدمو الانترنت إجراءات رقابية واسعة النطاق بالفعل خاصة فيما يتعلق بالموضوعات التي تتسم بالحساسية السياسية، ويقول العديد من مستخدمي الانترنت في تلك البلدان القمعية إن القيود تهدف بوضوح إلى مزيد من التكميم للنقاش على الانترنت والذي كثيرا ما يكون لاذعا وصاخبا ومجهول المصدر. ولا يوفر مناخ الانترنت فيها فرصة كبيرة للنقاش المفتوح، حيث تستعمل الحكومات الاستبدادية القوانين العامة المتعلقة بالإهانة، والإلحاد، وتسريب أسرار الدولة وغير ذلك لمعاقبة المعارضين على الإنترنت، في المقابل يسعى بعض المسئولين الى تقديم جهود رامية في تشجيع الوصول الشامل وغير الخاضع للرقابة إلى الإنترنت حول العالم.

معاهدة الإنترنت العالمية

فقد انهارت محاولة بعض الحكومات الوطنية الرامية إلى وضع سياسة عالمية لمراقبة شبكة الإنترنت بعدما قالت دول غربية عديدة إن خطة الحل الوسط منحت سلطات واسعة للأمم المتحدة ومسؤولين آخرين، وتحدث مندوبون من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وبلدان أخرى في مؤتمر للأمم المتحدة في دبي لرفض التعديلات على معاهدة تنظم المكالمات الهاتفية الدولية وحركة البيانات، وقال تيري كرامر سفير الولايات المتحدة في مؤتمر الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة "بقلب مثقل وشعور بفرص ضائعة يجب على الولايات المتحدة أن تعلن انها غير قادرة على التوقيع على الاتفاق بالشكل الحالي"، وستوقع دول أخرى على المعاهدة لكن عدم وجود عدد كبير من أكبر اقتصادات يعني أن الوثيقة التي خففت بالفعل لتناسب الكثير من دول الغرب لن يكون لها قوة عملية تذكر، وقال مندوب من أمريكا الجنوبية طلب عدم نشر اسمه "ستجلب بعض المخاوف القانونية بين الدول التي وقعت والتي لم توقع على المعاهدة"، وعلى الرغم من أن خبراء التكنولوجيا الذين دقوا جرس الإنذار بشأن الإجراءات فضلوا عدم التوصل لاتفاق على ابرام اتفاق يضفي شرعية على مزيد من الرقابة الحكومية فقد يزيد الفشل في التوصل إلى اتفاق من فرصة أن يعمل الإنترنت بشكل مختلف للغاية في مختلف مناطق العالم، وقال المندوب أندري موخانوف وهو مسؤول دولي كبير في وزارة الاتصالات والاعلام الروسية "ربما نتوصل إلى شبكة إنترنت مجزأة في المستقبل... قد يكون ذلك سلبيا على الجميع وآمل أن يتوصل الزملاء الأمريكيون والأوروبيون إلى موقف بناء"، وقال مندوبون من الولايات المتحدة ودول أخرى رافضة انهم سيواصلون الضغط في المحافل الدولية الأخرى لدعم ما يسمونه "نموذجا متعدد الأطراف" والذي من خلاله تضع مجموعات القطاع الخاص المعايير وتلعب دورا كبيرا في التطوير. بحسب رويترز.

وشعرت الدول التي تسعى إلى توسيع دور الاتحاد الدولي للاتصالات بغصة لعدم التوصل إلى توافق في الآراء، وقال طارق العوضي من دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس وفد الدول العربية إن مجموعته "خدعت" من قبل الكتلة الأمريكية بعد أن وافقت على حل وسط ينقل قضايا الإنترنت من المعاهدة الرئيسية وفي قرار غير ملزم قال الاتحاد الدولي للاتصالات انه يجب أن يكون جزءا من نموذج متعدد الأطراف، وقال العوضي "للأسف خرقت تلك البلدان حزمة الحل الوسط ودمرته تماما...قدمنا كل شيء ولن نحصل على شيء"، وقال العوضي إن المعاهدة ينبغي أن تشمل جميع أشكال الاتصالات بما في ذلك الصوت عبر بروتوكول الإنترنت وخدمات المراسلة الفورية على شبكة الإنترنت. وأضاف "انهم يستخدمون شبكة الاتصالات وخدمات الاتصالات"، وقال كرامر للصحفيين إن الولايات المتحدة تفاوضت بحسن نية وإن كانت هناك العديد من القضايا التي جعلت من المستحيل التوصل لاتفاق بما في ذلك قرار الاعتراف بدور الاتحاد الدولي للاتصالات، وقال إن جزءا بشأن الحد من رسائل البريد الإلكتروني غير المرغوب فيها على سبيل المثال فتح الباب نحو رقابة حكومية وحجب رسائل سياسية أو دينية، وكان التحول هزيمة للأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات حمدون توريه الذي توقع في السابق أن يخرج المؤتمر بتنظيم "خفيف" للإنترنت، لكنه قال إن الاجتماع الذي عقد على مدار 12 يوما "نجح في جذب انتباه الرأي العام بشكل لم يسبق له مثيل إلى وجهات نظر مختلفة ومهمة تحكم الاتصالات العالمية"، ومن الدول التي قالت أنها لا تستطيع التوقيع على الأقل دون استشارة المسؤولين في عواصمها معظم دول أوروبا الغربية فضلا عن كندا والفلبين وبولندا ومصر وكينيا وجمهورية التشيك، وجاء رفض الكتلة الأمريكية المنسق بعد تصويت اقر اقتراحا أفريقيا لإضافة جملة في المعاهدة تتعلق بحقوق الإنسان، وقال سايمون تولر رئيس وفد المملكة المتحدة بعد الموافقة على الاقتراح الأفريقي "لا نفضل أي قرار بشأن شبكة الإنترنت على الإطلاق وأنا قلق للغاية من أن اللغة المعتمدة تفتح الباب امام قضايا الإنترنت والمحتوى."           

الإمارات

فيما اعتقلت السلطات الإماراتية أربعة أشخاص على الأقل فيما قال نشطاء مدافعون عن حقوق الإنسان إنه ربما يكون جزءا من حملة ضد المعارضة على الانترنت وتشديد لقانون الانترنت في البلاد، ولم يتسن الحصول على تعليق من مسؤولين بوزارة الداخلية، ولم تبد الامارات تسامحا مع المعارضة حيث اعتقلت أكثر من 60 إسلاميا إماراتيا هذا العام، واتهمت السلطات هؤلاء المعتقلين الذين ينتمون لجماعة إسلامية تدعى الإصلاح بالارتباط بجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في الامارات وبالتآمر للاطاحة بالحكومة، وشددت الامارات القوانين الخاصة بالانترنت وفرضت عقوبات بالسجن على كل من يسخر من حكام البلاد أو مؤسسات الدولة على الشبكة الدولية، وقال نشطاء مدافعون عن حقوق الانسان إن أربعة أشخاص بينهم الدبلوماسي السابق ناجي النعيمي اعتقلوا بعد تعديل القانون، واضاف النشطاء ان بعض هؤلاء أبدوا تعاطفا مع المعتقلين الإسلاميين أو دعوا إلى إصلاحات أو انتقدوا الأجهزة الأمنية على الانترنت لكنهم لا ينتمون إلى جماعة الإصلاح، وأنعشت مواقع التواصل الاجتماعي الالكترونية مثل تويتر وفيسبوك المناقشات العامة في الامارات التي تتحكم في الإعلام الرسمي وتقيد حرية التعبير. ومن بين المستخدمين أعضاء بالأسرة الحاكمة ووزراء ومؤيدون ومعارضون للحكومة، وشاركت الامارات والسعودية والبحرين في رعاية مقترح لتوسيع الرقابة الحكومية على الانترنت في قمة عالمية للاتصالات. بحسب رويترز.

وكان الاقتراح الذي رفض تقريبا بعد معارضة قوية من كتلة تقودها الولايات المتحدة وتضم الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان واستراليا يهدف لإضافة فقرات إلى معاهدة معدلة بشأن الاتصالات من شأنها أن تمنح الدول سلطة مراقبة وحجب محتوى إلكتروني، وفي البحرين اعتقل عدد من النشطاء أو سجنوا فيما يتصل بتهم بينها تشويه الملك أو نشر أنباء كاذبة على تويتر. وتشهد المملكة اضطرابات منذ اندلعت احتجاجات مطالبة بالديمقراطية تقودها الأغلبية الشيعية العام الماضي.

الصين

من جهتها كشفت الصين النقاب عن قيود أكثر صرامة على الانترنت وقننت حذف التعليقات او الصفحات التي تعتبر أنها تحتوي على معلومات "غير قانونية" وتتطلب الإجراءات الجديدة من مقدمي الخدمة تسليم هذه المعلومات للسلطات من اجل العقاب، وتشير القواعد الى أن القيادة الجديدة برئاسة زعيم الحزب الشيوعي شي جين بينغ ستواصل محاولات إسكات الحديث الصاخب على الانترنت في البلاد التي يوفر فيها الفضاء الالكتروني فرصة نادرة للنقاش، وتتطلب القواعد الجديدة التي أعلنتها وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا) من مستخدمي الانترنت التسجيل باسمائهم الحقيقية عند الاشتراك لدى مقدمي الخدمة على الرغم من أن هذا يحدث بالفعل، وتتابع السلطات الصينية وشركات الانترنت مثل سينا كورب ما يقوله الناس على الانترنت عن كثب منذ فترة طويلة وتفرضان رقابة عليه لكن الحكومة اتخذت الآن إجراءات مثل تقنين حذف التعليقات، وتتطلب القواعد من مقدمي الخدمة "الوقف الفوري لنقل المعلومات غير القانونية عند رصدها واتخاذ الإجراءات اللازمة بما في ذلك حذف المعلومات وحفظ السجلات قبل إبلاغ السلطات المشرفة". بحسب رويترز.

وتأتي القيود بعد سلسلة من فضائح الفساد بين مسؤولين صغار كشفها مستخدمون للانترنت وهو أمر كانت الحكومة قد قالت إنها تحاول تشجيعه، وتقول الحكومة إن تشديد الرقابة على الانترنت ضروري حتى لا يوجه الناس اتهامات مجهلة عبر الانترنت وينشرون المواد الإباحية ويبثون الذعر بشائعات لا أساس لها وأشارت الى أن دولا أخرى كثيرة وضعت هذه القواعد بالفعل.

على الصعيد آخر قالت وسائل إعلام رسمية في الصين إن الصين قد تلزم مستخدمي الانترنت بالتسجيل بأسمائهم الحقيقية عند التقدم بطلب لشركات الانترنت في توسيع لسياسة معمول بها بالفعل في مواقع التدوين المصغر سعيا للحد مما يصفه المسؤولون بالشائعات والسوقية، وذكرت صحيفة حكومية أن القانون الذي جرت مناقشته يعني أن الصينيين سيضطرون إلى تقديم بطاقات هويتهم الحكومية عند توقيع عقود الهاتف الأرضي أو استخدام الانترنت من الهاتف المحمول، وقالت صحيفة الشعب الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني في صفحتها الأولى "يجب أن يواكب القانون تطوير الانترنت لحماية مصالح الناس" وذلك في تكرار لدعوات مماثلة تناولتها وسائل الاعلام الرسمية خلال الأسبوع المنصرم، وأضافت "بهذه الطريقة فقط يمكن للانترنت لدينا أن تكون صحية بشكل أكبر وأكثر تهذيبا وأمنا"، وأضاف البعض أن القانون قد يمنع أيضا المواطنين من فضح الفساد على الانترنت إذا خافوا من انتقام المسؤولين منهم. بحسب رويترز.

ولم يتضح كيف ستكون القواعد الجديدة مختلفة عن القيود المطبقة لأن وسائل الاعلام الرسمية لا تعلن سوى تفاصيل غامضة واضطر عملاء بالفعل إلى تقديم أوراق هوية عند توقيع عقود مع شركات الانترنت، وقال مستخدم ساخط لموقع ويبو للتدوين المصغر على الانترنت "ستكون أكبر خطوة إلى الوراء منذ عام 1989" في إشارة إلى احتجاجات نادت بالديمقراطية خرجت في الصين في ذلك العام وقمعها الجيش في حملة دامية.

طاجيكستان

الى ذلك حجبت الحكومة في طاجيكستان اكثر من مئة موقع محلي وأجنبي فيما قال مصدر في الحكومة إنه تجربة لإسكات المنتقدين قبل الانتخابات التي تجرى العام القادم والتي يرشح فيها الرئيس امام علي رحمانوف نفسه مرة أخرى، ويحكم رحمانوف (60 عاما) طاجيكستان التي يسكنها 7.5 مليون نسمة منذ 20 عاما. وأشرف على تعديلات دستورية مكنته من السعي لترشحه لولاية جديدة مدتها سبع سنوات في نوفمبر تشرين الثاني 2013، وما زالت شبكة الانترنت المنبر الرئيسي الذي يمكن ان يعبر فيه الطاجيك عن غضبهم وينتقدون سياسات الحكومة في وقت ما زال فيه توزيع الصحف المحلية محدودا كما ان الدولة تفرض رقابة شديدة على التلفزيون، وحجب الجهاز المسؤول عن الاتصالات في طاجيكستان 131 موقعا لإجراء "أعمال فنية وأخرى متعلقة بالصيانة"، وقالت تاتيانا خولموردوفا نائبة رئيس الجهاز لرويترز "على الأغلب هذه الأعمال ستنتهي خلال اسبوع." ورفضت أن تذكر سبب هذه الأعمال التي تغطي بعض المواقع التي لها خوادم خارج البلاد. بحسب رويترز.

ومن المواقع التي تم حجبها مواقع روسية للتواصل الاجتماعي تلقى رواجا كبيرا وكذلك موقع إخباري طاجيكي وعدد من المدونات المحلية، وقال مصدر كبير في الحكومة طلب عدم نشر اسمه "أمرت الحكومة جهاز الاتصالات باختبار إمكانية حجب عشرات المواقع دفعة واحدة في حالة وجود مثل هذه الحاجة.، وأضاف "الأمر برمته يتعلق بنوفمبر 2013" في إشارة واضحة لانتخابات الرئاسة، ومن المواقع الأخرى التي تم حجبها موقع أوكراني لكرة القدم وموقع طاجيكي لموسيقى الراب ومواقع محلية لتبادل ملفات الفيديو وموقع للصور الفاضحة، وتماثل هذه الإجراءات مع مواقع الانترنت إجراءات اتخذتها جمهوريات سوفيتية سابقة يتوجس فيها حكامها من الدور الذي قامت به وسائل التواصل الاجتماعي في ثورات العالم العربي والاحتجاجات في روسيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/كانون الثاني/2013 - 23/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م