نكتة الربيع العراقي!!

مهند الحسيني

أشد ما يضحكني هذه الأيام هي ما تتناوله وسائل اعلام العهر والعور العربي عن بوادر حلول الربيع العربي في العراق والذي حلت لعنته في ربوع العالم العربي (!)، وكأن من يسمع كلام مذيعي نشراتهم الاخبارية وتحليل (محلحليهم) يعتقد بان هناك كائن حقيقي يسمى (ربيع عربي) حل في هذا العالم البائس والغارق في وحول التعصب والهوس الطائفي،فهل بالفعل لازال عاقل لديه ذرة من التفكير السليم يؤمن بوجود هذا الربيع المزعوم ؟!،لاننا بصراحة لم نشاهد غير خريف سلفي – اخونجي عاصف ومغبر جعل الشعوب تترحم على الماضي!.

وبعيدا عن جدلية الخريف والربيع.. هناك مفارقة غريبة وهي ان وسائل الاعلام التي اشرت اليها لم تخبرنا لماذا تجاوز الربيع العربي أماراتهم وممالكهم القاحلة (التي تأن تحت الحكم القبلي وتسلط العائلة الواحدة) وهي احوج من غيرها لهذا الربيع ؟!

وعودا على ما يحصل في العراق، فانا مثل غيري من العراقيين ارى ان ما يحصل هو ليس بوادر لأزمة سياسية او بداية لثورة جماهيرية تدعو للإصلاح والوقوف بوجه الفساد والفاسدين كما يحاول البعض تسويق ما يحصل وفق مبدأ (كلمة حق يراد بها باطل)، بل هي دعوات طائفية صريحة ومن قبل اطراف انتهجت هذا النهج ومنذ اليوم الاول لسقوط نظام صدام، فهذه الاطراف مارست وعلى مدار سنوات سابقة جر الشارع العراقي للاحتقان وللاقتتال الطائفي لتحقيق رغبات شخصية ليس الا ولكن.. باسم الطائفية والفئوية.

وانا هنا لا اقف بالضد من ان يمارس العراقيون حقهم في التظاهر السلمي للمطالبة بحقوقهم المشروعة، فثقافة التظاهر السلمي تؤسس لمجتمع واع يعرف ماهي حقوقه وما عليه من واجبات، لكن للأسف ما يحدث اليوم ليس كذلك بل هو مجرد تنفيذ اعمى لأجندة خارجية مدفوعة الثمن تفوح منها رائحة الطائفية، والغاية منها:

- تكرار المشهد السوري المؤلم

- تقزيم العراق والتحكم في مقدراته وقراره السياسي لصالح دويلات مجهرية متخلفة لا زالت تعيش القرون الوسطى

- تحقيق الحلم التركي القديم الجديد وهو اعادة الروح للخرف العثماني المتحنط (اعادة امجاد الدولة العثمانية).

 ولا اجد اي حرج من تسمية اقطاب هذه الاجندة الظلامية، فالسعودية وقطر وتركيا هي صاحبة السبق فيها، كما ان حكام هذه الدول لم يخفوا مشاريعهم التخريبية ازاء العراق ارضا وشعبا واعلنوا مرارا وتكرارا عن نيتهم في اسقاط النظام الجديد وبلغة سافرة غير مهذبة، ناهيك عن ان هذه الدول والممالك الصغيرة كثيرا ما بشرت المنطقة بالعفن الطائفي وجعلته حقيقة بعد ان كان اسير الكتب الصفراء عن طريق جحوش المشايخ العميان ووعاظ السلاطين من هواة جمع الزوجات والدولار.

وبالنسبة لمن يقود هذه التظاهرات في الداخل ويتبرع بتنفيذ الاجندات الخارجية فهم كالعادة ايتام البعث واشباه صدام الذين لا زالوا يحلمون بالعودة لسدة الحكم وان كان عن طريق اشعال البلد وتخريبه وإراقة المزيد من الدماء، وان كان ثمن الكرسي هو تسليم مفاتيح العراق الى سلاطين الصحراء (!)، فمن يستقوى بالخارج على بني جلدته (معتبرا ان دول الجوار هي عمقه المذهبي الذي يستند عليه) ويحمل اعلام غير راية وطنه لا يحق له ان يتكلم عن الوطنية او يزايد بها على غيره، فكلنا يعلم ان فاقد الشيء لا يعطيه.

اما ان يرفع هؤلاء المصحف تارة، وتارة اخرى يتباكون على المعتقلات وفي مقام اخر يشكون ويضجون من تهميش (اهل السنة) وإضطهاد رموزهم فهذه شعارات اصبحت مستهلكة يعلوها الغبار، ولن تنطلي لا علينا ولا حتى على دول العالم الغربي ومؤسسات حقوق الانسان، فالجميع بات يعلم ان البلد يسير وفق شراكة حقيقية والمناصب الرفيعة لرموز (اهل السنة) تشهد بذلك، وهذا الوجود ليس وجودا شكليا او مجرد ديكور بل هو مؤثر في دائرة القرار العراقي.. فأتمنى ان يجدوا لتظاهراتهم اسبابا اكثر موضوعية، مع عدم نيتي بالدخول في تفاصيل الشعارات الطائفية التي رفعتها الحشود الهائجة والتي قيلت على المنابر وعلى لسان من هو داخل المنظومة الحكومية والنيابية، وعدم ذكري لهذه التفاصيل هو من باب الترفع.

ورسالة اخيرة اوجهها الى امراء الطوائف (سنة وشيعة وكورد):

طريق الانقلاب على الشرعية قد ولى وزمن بيان رقم واحد اصبح أشبه بمعجزة الانبياء، ان اردتم التغيير (كما تزعمون) فهو مشروع بحالة واحدة فقط.. عبر صناديق الاقتراع النزيهة، والشعب وحده هو من يختار حكومته مثله مثل كل الشعوب المتحضرة، وان تحججتم بإنعدام الوعي الشعبي فمسؤوليتكم هي توعيته واثبات نواياكم السليمة من خلال ترسيخ ثقافة المواطنة بعيدا عن التخندقات الضيقة، وعن طريق رفع مستوى المواطن المعيشي والخدماتي والفكري.. وان كنتم غير قادرين على تحمل هذه المسؤولية فاعتزلوا لعبة السياسة لأنها ليست لعبة للأطفال والمراهقين.

Muhannadalhusynni710@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/كانون الثاني/2013 - 23/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م