الاقتصاد الأمريكي... انتعاش متذبذب وتفاؤل قلق

 

شبكة النبأ: بعدما كان الاقتصاد الأمريكي قاب قوسين أو أدنى من السقوط ببراثن ازمة الهاوية المالية، تم الاتفاق اخيرا بين الادارة الديمقراطية والمعارضة الجمهورية في الولايات المتحدة على زيادة النظام الضريبي -النقطة العالقة الرئيسية- بينهما لتفادي خطة التقشف القسرية المعروفة بالهاوية المالية، فقد بدأت الاسواق المالية العام الجديد بانطلاقة قوية, إذ ازدادت التوقعات بتعافي الاقتصاد الأكبر في العالم وتحقيق معدلات أعلى للنمو، فيما يتوقع المحللون بأن يكون الاتفاق الحالي مجرد محطة في مسيرة صعبة تنتظر الاقتصاد الأمريكي، إذ أن التقدم نحو مرحلة زيادة الضرائب والحد من الإنفاق الحكومي في الوقت عينه قد يعني السير باتجاه الركود الاقتصادي من جديد، كما أعربت تقارير اقتصادية عن خشيتها من تراجع النمو الاقتصادي في النصف الأول للعام 2013، والذي يمكنه أن يمهد لتحسن متوقع بعدها بحيث يمكن أن تؤدي إلى ثلاثة أمور: انتهاء "حقبة" الضرائب التي فرضها بوش على أصحاب الدخل المرتفع، وانتهاء اقتطاع الضرائب من الرواتب الأساسية، بالإضافة إلى فرض ضرائب إضافية على أصحاب الدخل المرتفع لتخصص في الرعاية الصحية.

ويعد هذا الاتفاق انتصار ساحقا للرئيس أوباما على خصومه من الجمهوريين بعد استطاع انعاش الاقتصاد الامريكي مجدداً واخرجه من الازمة، وكما عهد على الاقتصاد الأمريكي اذ كان يتغير من رئيس إلى اخر ومن ديمقراطي إلى جمهوري حيث تتسم فترة حكم الديمقراطيين بالاستقرار والرخاء الاقتصادي، اما الجمهوريين فكثيرا ما تحدث انهيارات اقتصادية في فترات حكمهم، وعلى الرغم من حالة التفاؤل الكبيرة لدى اغلب الأمريكيين بعد تجنب الهاوية المالية، الا انها مصحوبة  بحذر من احتمال الحدوث انكماش اقتصادي جديد قبل الوصول تعافي تام، وعليه فان التحديات المستقبلية للاقتصاد الأمريكي ليست بعيدة عن دائرة الخطر في الفترة المقبلة.

تجنب الهاوية المالية

فقد اقر الكونغرس الاميركي قانونا جنب الولايات المتحدة تدابير تقشف صارمة عرفت باسم "الهاوية المالية" ليحقق الرئيس باراك اوباما بذلك انتصارا بفرض ضريبة اعلى على الميسورين ولكنه اجل لبضعة اسابيع ملفات اخرى شائكة، وبدت الاسواق مرتاحة لاتفاق اللحظة الاخيرة وسجلت ارتفاعا مع بدء العام الجديد، ورحب اوباما باقرار القانون، مؤكدا انه حقق بذلك احد وعوده الانتخابية بجعل النظام الضريبي اكثر عدالة، وفي تحذير لخصومه الجمهوريين الذين قد يسعون الى تعويض خسائرهم بعدما اضطروا الى القبول بزيادة الضرائب على الطبقات الميسورة، اكد اوباما انه سيرفض التفاوض معهم على شروط زيادة السقف القانوني للمديونية، وهو ما يتوجب القيام به في الربع الاول من العام 2013، مقابل زيادة سقف الديون الحكومية، وقال اوباما في تصريح مقتضب ادلى به للصحافيين قبيل الحادية عشرة والنصف "ان احدى ركائز حملتي الانتخابية كان تغيير مادة في قانون الضرائب تميل كثيرا لصالح الاثرياء على حساب الطبقة المتوسطة".

وايد قسم من الجمهوريين القانون على الرغم من رفضهم المبدئي لاي زيادة ضريبية، لان البديل كان سيؤدي الى ما يعرف ب"الهاوية المالية" التي تنص على زيادة الضرائب على مجمل المكلفين الاميركيين تقريبا واقتطاعات كبيرة في نفقات الحكومة الفدرالية وخصوصا من ميزانية الدفاع، وقطع اوباما اجازته في ارخبيل هاواي في المحيط الهادئ غداة عيد الميلاد لادارة هذه الازمة التاسعة له مع الجمهوريين في الكونغرس، وقبل مغادرته البيت الابيض للعودة واكمال اجازته مع عائلته، قال اوباما "ان ما آمله خلال السنة الجديدة هو أن نركز على ان نرى مدى قدرتنا على التوصل معا الى رزمة مماثلة لهذه ولكن من دون كل هذه المبالغة ومن دون الوصول الى الهاوية، والا نخيف الناس بهذا القدر". بحسب فرانس برس.

واضاف اوباما محذرا "في الوقت الذي ساتفاوض فيه حول أمور عدة، فانا لن اخوض نقاشا آخر مع هذا الكونغرس حول ما اذا كان ينبغي او لا ينبغي عليهم دفع الفواتير التي راكموها من خلال القوانين التي مرروها"، مذكرا بما حصل في صيف 2011 عندما كان هذا النقاش وراء قرار وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد اند بورز خفض درجة تصنيف الولايات المتحدة، وبعد شهرين من اعادة انتخابه لولاية ثانية واخيرة من اربع سنوات، حصل اوباما على ما كان يسعى اليه، وهو انتهاء اجل الهبات الضريبية الموروثة من عهد سلفه الجمهوري جورج بوش، لكن كان على اوباما ان يخفض سقف مطالبه، وقد ابدى بعض الديموقراطيين خيبة املهم لانه دافع خلال حملته عن زيادة الضرائب على الاسر التي يزيد دخلها عن 250 الف دولار سنويا وليس عن 450 الف دولار.

انطلاقة قوية

فيما قال اسحق صديقي المحلل لدى مؤسسة "اي تي اكس كابيتال" ان "الانفراج ضخم بعد الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين الديموقراطيين والجمهوريين والذي سمح بتفادي +الهاوية المالية+"، وهي مصطلح يعني زيادة تلقائية في الضرائب وخفضا كبيرا في النفقات العامة كانت، في حال دخلت حيز التنفيذ، لتعيد الاقتصاد الاميركي، الذي لا يزال في مرحلة التعافي، الى بؤرة الانكماش، وانتظر المسؤولون السياسيون الاميركيون اللحظة الاخيرة لتفادي علاج التقشف الذي كان سيطبق في بداية 2013 بسبب عدم الاتفاق. وهذا الاستحقاق شغل بال المستثمرين لاسابيع عدة ولو ان معظمهم كان يتوقع مخرجا ملائما، والاتفاق الذي تم ينص على زيادة الضرائب على الاسر التي يفوق دخلها السنوي 450 الف دولار. الا انه يترك في المقابل مسائل عدة دون تسوية ويرجىء مسألة الاقتطاعات التلقائية في النفقات العامة ولا سيما النفقات العسكرية، ورأى جان لوي مورييه الخبير الاقتصادي في شركة "اوريل بي جي سي" للوساطة انه وبالنظر الى ما تقدم فان الاتفاق "يبقى منقوصا وقد يحصل توتر جديد لدى المستثمرين ما ان تستأنف المفاوضات حول سقف الدين العام والاقتطاعات المالية"، واضاف مورييه "لكن المستثمرين يرحبون خصوصا اليوم بارادة التسوية التي ابداها الحزبان السياسيان الكبيران. نرى ان بامكانهما تقريب مواقفهما وهو الامر الذي كان حتى قبل وقت قصير امرا غير متوقع. انه امر مطمئن جدا للاسواق"، ودلالة على ذلك فان اجمالي الاسهم المالية التي اعتبرت متعثرة استفادت من هذا الاتفاق المالي، وهذه التسوية لتفادي "الهاوية المالية" تندرج في اطار مشجع للمستثمرين، وتؤكد عدة ارقام جيدة "استقرار وتيرة النمو في الصين وبشكل أعم في الدول الناشئة"، بحسب ما اعلن خبراء الاستراتيجية في بنك "كريدي ميوتشول-سي آي سي". بحسب فرانس برس.

وتواصل توسع النشاط الصناعي في الصين خصوصا في كانون الاول/ديسمبر وفق الوتيرة التي كانت سائدة في تشرين الثاني/نوفمبر. ويتوقع الخبراء بالتالي تسارعا في النمو الاقتصادي لهذا البلد في الفصل الرابع بعد سبعة فصول من التباطؤ.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/كانون الثاني/2013 - 22/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م