شبكة النبأ: الامانة العامة لمجلس
الوزراء العراقي عدّت ما يجري من دعوة بعض مجالس المحافظات الى العصيان
المدني وتعطيل عمل الدوائر والمرافق العامة وايقاف الخدمات بأنه
(مخالفة للدستور والقوانين النافذة).
وقالت في بيان لها أنه: (في الوقت الذي كفل الدستور والتشريعات
النافذة حرية التعبير عن الرأي وحرية الإجتماع والتظاهر السلمي إلا ان
هذه الحريات ينبغي ان تمارس في اطار المشروعية وبما لا يخل بالنظام
العام والاداب، وان لا تكون سبباً في اثارة الفوضى والفتن وتعطيل
المرافق العامة ومصالح الناس , وان لا تجري الا بعلم السلطات المختصة
وبترخيص منها). واضافت:(ان على الدوائر والمصالح الحكومية في المحافظات
الإمتناع عن تنفيذ هذه القرارات والاوامر غير المشروعة , والا تعرضوا
للمساءلة القانونية).
شن أمير عشائر الدليم علي حاتم السليمان، هجوما على رئيس الوزراء
نوري المالكي بسبب موقفه من المتظاهرين في الانبار.ويقول المالكي إن ما
يحدث في الانبار ليس تظاهرات بل عصيانا وانه يتعين عليهم إيقافه وعدم
قطع الطرق الدولية في المحافظة. وقال السليمان (إن المالكي ليس إلها
وانه إذا استخدم القوة ضد المحتجين في الانبار فنحن حاضرون).
وانتقد عضو اللجنة القانونية النيابية لطيف مصطفى أمين بيان الامانة
العامة لمجلس الوزراء الذي هددت فيه الدوائر الحكومية في المحافظات
بإخضاعها للمساءلة القانونية في حال مشاركتها في العصيان المدني تضامنا
مع التظاهرات والاعتصامات.
وقال: (إن بيان الامانة العامة بخصوص العصيان المدني مخالف للدستور
وتجاوز على صلاحياته، وينبغي على مجلس النواب القيام بدوره الرقابي
ومحاسبة الامين العام لمجلس الوزراء واستجوابه ان كان بمستوى وزير ونال
الثقة من البرلمان، وان كان دون ذلك فينبغي استجواب ومحاسبة الحكومة
ورئيس الوزراء دستوريا، لأن الحكومة هي مسؤولة امام البرلمان وتتحمل
تبعات الاعمال غير القانونية والخروقات الدستورية للدوائر الحكومية دون
الوزارات).
وقد نشأ جدل بين مؤيد ومعارض للعصيان المدني:
بيّن الناشط القانوني حسن شعبان ان الدستور نص بشكل صريح على حق
التظاهر السلمي دون تحديد وقت له، فيما لم يشر الى العصيان المدني،
واكد ان التظاهرات والاحتجاجات السلمية لا تتضمن قطع الطرق والاخلال
بمصالح الغير.
من جهته يقول النائب عن القائمة العراقية زياد الذرب ان الدستور لم
ينص على العصيان المدني لكنه يؤكد ان العصيان المدني في بعض المحافظات
هي من صلاحيات مجالس المحافظات والحكومات المحلية لايصال مطالب
المواطنين، وان على الحكومة الاتحادية النظر بها وفي ما نصت عليه
المادة 115 من الدستور التي حددت بموجبه صلاحيات مجالس المحافظات
والحكومات المحلية، مشيرا الى انه اذا ماكان الدستور قد أغفل ذكر
العصيان المدني فان تنفيذه ليس مخالفة دستورية طالما انه يمارس للضغط
على الحكومة وتنفيذ مطالب الناس لذلك تلجأ الحكومات المحلية الى اقرار
العصيان.
ويعترض النائب عن إئتلاف دولة القانون علي شلاه بشدة على ما يطرح
بشأن تخويل الحكومات المحلية اقرار العصيان المدني، مشدداً ان الموظف
الذي يترك عمله مخالفاً للقانون سيتحمل تبعات هذا الامر، داعياً
السيسايين الى عدم الافتاء بطروحات غير قانونية.
ما هو العصيان المدني وماهي شروطه؟
يعرف بير هيرنجرين العصيان المدني في كتابه (طريق المقاومة.. ممارسة
العصيان المدني) بأنه: نشاط شعبي متحضر يعتمد أساساً على مبدأ اللاعنف.
وأنشطة العصيان المدني هي عبارة عن تحدٍ لأمر ما أو لقرار ما حتى
ولو كانت غير مقيدة بالقانون.
هدف النشاط المباشر هو أن يحافظ على ظاهرة معينة أو أن يغير ظاهرة
معينة في المجتمع.
النتائج أو التبعات الشخصية هي جزء مهم من النشاط ولا ينظر إليها
على أنها نتيجة سلبية.
ويجب الانتباه، إلى أن العصيان المدني تقوم أنشطته على التحدي، فلا
تقيده قوانين النظام، أوقراراته، وإن كان أحياناً يتم عبر القوانين.
ومن ثم لا يستطيع النظام أن يفرض على حركة العصيان نشاطاً بعينه أو
يمنعها من نشاط، أو يفرض عليها ميداناً بعينه.
قول جون راؤول في كتابه نظرية العدالة: (ليس من الصعب أن تبرر حالة
العصيان المدني في نظام غير عادل لا يتبع رأي الأغلبية، ولكن حينما
يكون النظام عادلاً إلى حد ما تبرز مشكلة ألا وهي أن من يقوم بالعصيان
المدني يصبح من الأقلية وتغدو عملية العصيان المدني وكأنها موجهة ضد
رأي الأغلبية في المجتمع).
كان أول من استعمل مصطلح العصيان المدني وأشار إلى فكرته هو الكاتب
الأمريكي هنري دايفيد ثوراو في مقاله الشهير (العصيان المدني) المنشور
في سنة 1849. وقد كتب مقاله الشهير هذا عقب امتناعه عن دفع ضرائب الحرب
احتجاجاً على العبودية والقمع والاضطهاد والحرب التي كانت تخوضها
الولايات المتحدة ضد المكسيك. ولم يكن الامتناع عن دفع الضرائب بالفكرة
الجديدة وإنما استعملها مناهضو الاسترقاق وآخرون غيرهم. وكذلك لجأ كارل
ماركس إلى هذه الفكرة حين حاول أن ينظم حملة لإقناع الأوربيين بعدم دفع
الضرائب خلال الثورة التي اجتاحت أوروبا عام 1848م.
في ما يتعلق باخلاقيات العصيان المدني، يجب أن يمثل العصيان المدني
حافزاً أخلاقياً للمواطنين ليكون جديراً بثقتهم. وتبدو هذه الثقة
مستحيلة إذا هددت حركة المقاومة باستعمال العنف، مما يخلق عند الناس
حالة ذهنية من الهلع تحول بينهم وبين الاستجابة للحافز الأخلاقي، وبهذا
يصبح العصيان مصدراً للخوف بدلاً من الثقة. فالعصيان إذا ما كان
مصحوباً بالعنف فانه يعزز قوة الخصم.
ويجب الانتباه إلى أن العصيان المدني لا يكون مؤثراً أو فعالاً إلا
بمبررات أخلاقيةً نابعة من عدالة المهمة التي قام من أجلها. فمثلا حين
يتعارض القانون المدني مع القيم الأخلاقية والدينية للمجتمع، أو يقوم
النظام بمنع الحقوق الدستورية للمواطنين مثل حق التجمع السلمي وحق
التظاهر أو حرية الاعتقاد الديني، أو فرض ضرائب على أفراد المجتمع
واستخدامها في حروب ظالمة أو سرقتها لصالح أسرة النظام وحزبه؛ يجد
العصيان المدني مبررات قوية لقيامه بأنشطته.
عندما نستقري الواقع السياسي لكل شعوب العالم لا نجد شعبا من الشعوب
يقبل بشكل دائم عن حكومته أو إدارتها أو إجراءاتها، بل العكس تماما،
ليس ذلك فقط في الحكومات التي صادرت إرادة شعوبها وحكمت قبضتها على
السلطة، بل في الحكومات المنتخبة من قبل الشعب نفسه أيضا!. وإذا كانت
الشعوب في الأنظمة الدكتاتورية تفضل السكوت على الكلام حيث يكون السكوت
من ذهب؛ لان نتائج التعبير عن الرأي محددة سلفا، فان الشعوب في الأنظمة
الديمقراطية هي الأكثر قدرة في التعبير عن إرادتها وهو حق يكفله
الدستور والقوانين.
ولكن حق التعبير بالرفض لابد أن يكون في إطاره القانوني؛ لان ما
يكفله القانون يكفل أدواته السلمية بالضرورة، فإذا كان الدستور يضمن حق
التظاهر والاحتجاج للمواطنين فانه أيضا يقول لهم إن هذا الحق يجب أن
تعبروا عنه بالوسائل السلمية لا بالوسائل العنيفة، فمادام التظاهر مثلا
يتم بوسائله السلمية فهو محمي دستوريا وقانونيا، ولكن إذا تم التعبير
عنه بأي وسيلة من وسائل العنف يفقد التظاهر دستوريته وقانونيته ويقع
تحت المسائلة القانونية باعتباره فعل أو نشاط غير قانوني، ويُسأل
المتظاهرون عنه في المحاكم.
والعصيان المدني له شروطه ومحدداته فإذا تحققت في العصيان صح وصفه
بـ(العصيان المدني) وإذا تخلفت كان عصيانا غير مدني.
الشرط الأول للعصيان المدني هو أن يكون سلميا بمعنى أن يمتنع
(العاصون) عن استخدام العنف والعمل المسلح أو التهديد بأيهما، حيث
يتوجب على الممارس للعصيان المدني أن يكون هادئا مالكا لزمام نفسه حتى
يتحقق هدفه، فعندما يمسك به رجال الأمن والشرطة، لابد أن يكون مطيعا
لهم تماما، يبتسم في وجوههم على الدوام، ولو سبوه أو شتموه؛ يجادلهم
بالتي هي أحسن، أو يسكت؛ فان السكوت ابلغ من الكلام. إذا اقتادته مفرزة
الشرطة إلى المعتقلات ومراكز الشرطة، لا يقاوم؛ لان المقاومة عنف
والعنف ينافي جوهر العصيان المدني.
والعصيان المدني هو أن يعاهد ممارس اللاعنف نفسه وضميره ووطنه أن
يتحمل المسؤولية بمفرده، وكأنه وحده في الساحة، ثم يحاول أن يقنع
الآخرين بقضيته، فإذا استخدم العاصون العنف كالاعتداء على دوائر الدولة
أو مؤسساتها، أو ضربوا رجال الشرطة والأمن، أو عطلوا مرفق من مرافق
الحياة المتعلقة بحياة مواطنين مباشرة كتعطيل محطات الطاقة، أو ثقب
أنابيب المياه فان العصيان المدني يخرج عن كونه عصيانا سلميا ويدخل في
دائرة أعمال التخريب والعدوان ويقع تحت طائلة المسائلة القانونية مما
يستلزم تصدي القوى الأمنية له.
والشرط الثاني هو أن العصيان المدني نشاط استثنائي يهدف إلى تحقيق
غاية ما يطالب بها العاصون وهو ينتهي حال وعد السلطة بتلبية المطالب
كلها أو جزء منها، فهو مقيد بفترة زمنية معينة ولا يجب أن يتحول إلى
نشاط دائم يخل بأمن الدولة ومواطنيها.
والشرط الثالث هو أن يكون العصيان المدني عمل هادف ومنضبط غير فوضوي
حيث لابد أن يتضمن مجموعة من المطالب المحددة والمفهومة، ويفضل أن تكون
مكتوبة حتى يتمكن المسئولون من الاطلاع عليها، ويمكن أن تنشر هذه
المطالب في وسائل الإعلام من اجل الزيادة في الضغط على الحكومة، كما
يجب أن تكون قيادة العصيان المدني واضحة ومشخصة تعلن عن نفسها أمام
الرأي العام، وهي التي تتفاوض بالنيابة عن ممثليها وباسمهم، فإذا كان
العصيان فوضويا وليس له أهداف واضحة أو أن قيادته غير مشخصة فلا يصح
وصفه بالعصيان المدني.
والشرط الرابع أن يكون هدف العصيان تحقيق مطالب مشروعة وواقعية،
فإذا كانت مطالب العاصين غير مشروعة أو غير واقعية فلا يسمى العصيان
مدنيا كما لو طالبوا السلطة بتقديم أحد المسئولين إلى القضاء دون تقديم
أدلة تدينه. |