منذ ان سمعنا بالخبر الذي نقلته لنا وسائل الاعلام المتعلق بدخول
الرئيس العراقي جلال طالباني مستشفى مدينة الطب في بغداد، والكثير من
المواطنين العراقيين يخيّم عليهم الحزن والترقب فيما يتعلق بمصير
رئيسيهم الذي لايمثل، من وجهة نظري، هذا الشخص والكيان الوجودي الذي
يرقد الان على الفراش في المانيا، وانما يمثل شيئا أكثر من هذا الانسان
الذي يحب ان يسميه الناس بــ مام جلال اكثر من فخامة الرئيس.
الـــ مام جلال ببساطة هو الشخصية السياسية القيادية الوحيدة في
العراق في الوقت الحالي ممن يمتلك القدرة على ان يكون وسيطا بين
الاطراف السياسية المتصارعة ممن لا تقبل ان تجلس مع بعضها البعض ولا أن
تتحاور فيما بينها من غير شروط مسبقة مهما تم دعوتها للاجتماع من قبل
رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، اذ يمتلك مام جلال امكانية ان يكون
طرفا محايدا يمكن ان تشعر معه تلك الاطراف بالامان وبقدرته على ان يكون
موضوعيا في التعامل مع المشكلات المطروحة.
ولذا اجادت القناة الفرنسية الى حد كبير حينما صاغت احد اهم اخبارها
المتعلقة بالشرق الاوسط بعبارة " العراق بلا وسيطه الكبير وهو على
اعتاب ازمة كبيرة تلوح في الافق" قاصدة بذلك الازمة الحالية التي
اندلعت عقب اعتقال حماية وزير المالية رافع العيساوي ومارافق ذلك من
تصريحات اطلقها العيساوي ومن وقفوا معه.
القارئ الكريم وخصوصا العراقي منهم يُدرك تماما ماتمر به الحكومة
العراقية بل مجمل التجربة والعملية السياسية في العراق من مصاعب
ومشكلات يمكن ان تقف عقبة في طريق استقراره الامني وتطوره الاقتصادي
وحتى استباب مجمل الاوضاع السياسية الشاملة فيه، اذ في العراق سرعان
ماتستغل الجماعات المسلحة المشكلات اليومية وتسمم الاجواء وتوتر الفضاء
السياسي من اجل تنفيذ عملياتها الارهابية المجرمة الذي لايذهب ضحيتها
السياسي الذي يساهم في صنع المشكلات وانما المواطن البريء الذي لم ينل
من السياسة اية مغانم.
وهنا تكمن خطورة الغياب المؤقت لــ " مام " جلال في الفترة الحالية
خصوصا بعد تأزم العلاقة بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان وتدهورها
على نحو غير مسبوق مما يتطلب وجود رمز حقيقي وطني يتدخل بين الاطراف
المتصارعة او " بمعنى ادق " الاطراف المختلفة فيما بينها حول تفسير
مواد الدستور العراقي الذي اعتقد بكل صراحة ان الفقرات الواردة فيه،
التي كُتبت على نحو يقبل اكثر من تفسير واحد يتمسك به كل طراف، هي سبب
كل المشكلات والازمات الحالية التي تعصف بسفينة الحكومة العراقية.
فسلطة طالباني، على حد تعبير صحيفة نيويورك تايمز الامريكية، يكمن
في قدرته الفريدة " على التوسط بين الاحزاب والتيارات السياسية
المختلفة في العراق" وهو تأثير، كما تلاحظه الصحيفة بدقة وموضوعية، "
يفوق الصلاحيات المحدودة لمنصب الرئاسة الذي يشغله طالباني".
واذا اضفنا الى هذا التقييم السياسي الموضوعي لطالباني وصفا آخر
شهيراً بحق الاخير من قبل المرجع الشيعي السيد على السيستاني حينما
وصفه بانه " صمام امان العراق" فاننا بسهولة نصل الى أهمية هذا الرمز
الوطني العراقي الاصيل الذي يرقد الان في غيبوبة نتمنى ان لاتطول علينا
خصوصا مع هذا الكم الهائل من الازمات والمشكلات التي تصنعها الكتل
السياسية في العراق.
[email protected] |