العراق... فتنة مذهبية وانقسامات سياسية

 

شبكة النبأ: منذ بداية عام 2012 يخرج العراق من أزمة ليدخل في أخرى بسبب الخلافات والانقسامات السياسية والطائفية المستمرة، التي اتسعت في الفترة الأخيرة بشكل مضطرد، إذ يهدد الصراع السياسية بإحياء التوتر الطائفي الذي دفع البلاد إلى حافة الحرب الأهلية الشاملة في الفترة من 2005 إلى 2007، فمازال مسلسل الازمات السياسية المتواصلة بين المالكي وخصومه السياسيين الذين يتهمونه باحتكار السلطة والتصرف بشكل ديكتاتوري يجسد حلقات متواصلة من الطائفية السياسية، ويعيش العراق منذ أشهر على وقع أزمة سياسية على خلفية اتهام طارق الهاشمي، بالتورط في عمليات إرهابية، لتندلع اليوم أزمة مشابهة لها، باعتقال عدد من افراد حماية وزير المالية وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الارهاب، ادت الى موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، ويرى بعض المحللين بأن التطورات المتتالية الخطيرة على الساحة العراقية تكشف الكثير من الإشكاليات السياسية عميقة الجذور، والتي تأججت بفعل تمسك الكتل السياسية وقادتها كلٌ برأيه وموقفه الذي يستند الى مصالح الكتلة او الحزب، هو ما قد يسهم بنشوب حرب أهلية جديدة قد تكون نتائجها كارثية على امن واستقرار هذه البلاد، لاسيما أن الحسابات الإقليمية والدولية لا تزال تتحرك بصورة واضحة في الساحة السياسية وتترك تأثيراتها عليها بوضوح كبير.

في حين يرى بعض المراقبين بان سياسة النأي بالنفس ستمنع الخلافات السياسية من الانزلاق بالبلاد الى صراع طائفي، وكما يبدو بأن العراق يحتاج الى أيديولوجيا سياسية توافقية توحد جميع الكيانات، لكي تستوعب ما ترتب على التحول السياسي الذي حدث عام 2003 في هذه البلاد.

مواجهة الفتنة

فقد دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى مواجهة فتنة طائفية جديدة "يراد للعراق ان يعود اليها"، مطالبا السياسيين بالتنافس انما دون محاولة كسب اصوات "مغمسة بالدم"، وقال المالكي في "المؤتمر التاسيسي الاول لتيار شباب العراق" في بغداد "لنقف صفا واحدا في مواجهة هذه الفتنة التي يراد للعراق ان يعود اليها"، مضيفا "لا تعودوا لاشعال الفتنة الطائفية من جديد"، وتابع المالكي الذي يحكم البلاد منذ 2006 "انسيتم يوم كنا نجمع الجثث من الشوارع؟ انسيتم يوم كنا نجمع الرؤوس المقطعة من الشوارع؟ انسيتم يا دعاة الطائفية من الجانبين يوم اضطررتم الى الهرب؟"، وفيما طالب زعماء العشائر بمواجهة الفتنة "كما واجهتهم الارهاب". بحسب فرانس برس.

دعا رئيس الوزراء الشيعي خصومه السياسيين الى التنافس "لكن دون اثارة فتنة طائفية كى تكسب صوتا هنا او صوتا هناك مغمسا بدم الابرياء"، وتاتي تصريحات المالكي هذه بعد يوم من تصريحات مماثلة حذر فيها "محاولات البعض العزف على الوتر الطائفي" على خلفية اعتقال عدد من افراد حماية وزير المالية رافع العيساوي، الشخصية السنية النافذة في ائتلاف "العراقية".

احتجاج ضد المالكي

على الصعيد ذاته أغلق عشرات الآلاف من السنة طريق التجارة الرئيسي في العراق المؤدي إلى سوريا والأردن في رابع يوم من المظاهرات المناهضة لرئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي، ويعد الاستعراض الكبير للقوة تصعيدا في الاحتجاجات التي اندلعت الأسبوع الماضي بعدما اعتقلت قوات الأمن حراس وزير المالية السني رافع العيساوي الأمر الذي يهدد بإدخال العراق في مزيد من الاضطراب السياسي، وهتف المحتجون في محافظة الأنبار معقل السنة قائلين "الشعب يريد إسقاط النظام"، ولوح المحتجون بالعلم العراقي القديم الذي تغير بعد الاطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في 2003 وجلسوا على الطريق ليسدوا طريق التجارة الرئيسي بين العراق وكل من الأردن وسوريا، ونظم احتجاج آخر أصغر في مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين التي تسكنها أغلبية سنية والمتاخمة للأنبار، وجاء اعتقال حراس العيساوي بعد ساعات من نقل الرئيس جلال الطالباني إلى المانيا للعلاج بعد إصابته بجلطة دماغية يمكن ان تنهي نفوذه على السياسة العراقية. بحسب رويترز.

والطالباني كردي توسط في السابق بين السنة والشيعة والأكراد، وأعادت تلك الواقعة إلى الأذهان محاولة المالكي اعتقال طارق الهاشمي النائب السني للرئيس العراقي الذي اتهم بإدارة فرق اغتيال بعد انسحاب القوات الأمريكية في ديسمبر كانون الأول 2011، وقال العيساوي للمتظاهرين إن دوافع اعتقال حراسه سياسية وإن المالكي يسعى متعمدا لإشعال صراع، وكبرت الحشود عندما قال العيساوي إن مثل هذه العقلية ينبغي ألا تحكم البلاد، وعبر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وهو منافس آخر للمالكي عن دعمه للاحتجاجات وقال في بيان إنه يرفض ما وصفها بسياسات المالكي الطائفية.

ثلاث هدايا في أقل من شهر

لم يتوقع خصوم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الساعون إلى إقالته أو تقويض نفوذه الحصول على ثلاث هدايا دفعة واحدة، فقد تلقى خلال أسابيع قليلة ضربات متتالية، في وقت يسعى إلى تشكيل حكومة غالبية سياسية يقصي منها من يصفهم بـ «معرقلي مسيرته» ويمهد لحسم للفوز في الانتخابات المقبلة.

الضربة أو الهدية الأولى تمثلت في إعلان الحكومة إعادة التفاوض على صفقة الأسلحة الروسية بقيمة 4,2 بليون دولار، بعد أن ثارت حولها الشبهات، وتحمل توقيعه شخصياً، وقال الناطق باسم الحكومة علي الدباغ في بيان إن "مجلس الأمن الوطني قرر خلال اجتماعه إعادة التفاوض في شكل كامل مع جمهورية روسيا الاتحادية على شراء السلاح. وتم تكليف لجنة جديدة شكلت لهذا الغرض لدرء الشبهات عن صفقات الأسلحة التي ستبرم فالقائد العام للقوات المسلحة (المالكي) حريص على سلامة المؤسسة العسكرية وسلامة العقود".

وعكس التضارب في تصريحات المسؤولين الحكوميين حول الصفقة تخبطاً، خصوصاً تأكيد وزير الدفاع بالوكالة سعدون الدليمي سلامة الصفقة، بعد ساعات مع إعلان الناطق باسم رئيس الوزراء علي الموسوي وجود شبهات حولها، ومن ثم مطالبة الدباغ بالتحقيق فيها لـ «تبرئة نفسه» بعد أن طرح في وسائل إعلام محلية متورطاً فيها، مع العلم أن المسؤولين الثلاثة رافقوا المالكي في زيارته إلى روسيا.

وجاءت الضربة الثانية، بالتزامن مع قضية صفقة الأسلحة ،إذ رضخت الحكومة للضغط الشعبي فتراجعت عن إلغاء "بطاقة الغذاء" أو "البطاقة التموينية"، وعلى رغم أن المدافعين عن المالكي وأعضاء حزبه وكتلته، اعتبروا التراجع عن القرار إشارة إلى استجابة رئيس الوزراء الضغوط الشعبية، وعدم الإصرار على "الخطأ"، فإن واقع الحال يشير إلى اضطراب آخر في مستوى آليات اتخاذ القرار، وصفقة الأسلحة وقضية "التموينية" تزامنتا مع الجدل المستمر في قرار الحكومة إقالة محافظ المصرف المركزي سنان الشبيبي واتهامه بالفساد والتلاعب بالعملة،

وقضية الشبيبي طرحت تساؤلات كثيرة في الأوساط السياسية، خصوصاً أن أي إجراء قانون أو تحقيق لم يتم حتى الآن، وهو يحظى بدعم غير محدود من قوى سياسية فاعلة، بعضها مقرب من المالكي أو متحالف معه. الهدايا الثلاث تلقتها الجبهة السياسية المعارضة للمالكي من دون أن تتوقعها فسارعت إلى رفض قرار إلغاء "البطاقة التموينية"، على رغم أن وزراءها صوتوا مع القرار. ومن ثم طالبته بتحقيق شامل في صفقة الأسلحة. واعتبرت إقالة الشبيبي وتعيين بديل له بـ "الوكالة" من الأدلة على سعي المالكي للاستحواذ على "الدولة" والسيطرة على الهيئات التي يصفها الدستور بـ"المستقلة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/كانون الأول/2012 - 16/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م