الاقتصاد المصري... قواعد صندوق النقد وسياسة الاخوان

 

شبكة النبأ: أزمة خطيرة يواجهها الاقتصاد المصري الذي تأثر كثيرا بالإحداث السياسية المتقلبة التي أعقبت ثورة 25يناير التي أسهمت بإسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، ويرى بعض الخبراء ان هذه الأزمة ربما ستسهم بانهياره بشكل تام بسبب سوء الإدارة التي يتبعها الرئيس الجديد محمد مرسي الذي ينتمي الى جماعة الإخوان المسلمين، والذي انشغل بصياغة بعض القوانين والقرارات الخاصة التي تخدم مصالحة ومصالح الجماعة، وهو ما أثر بشكل سلبي على اقتصاد مصر التي أصبحت تعج بالكثير من الأزمات والإضرابات اليومية، وتشير بعض التقارير المصرية الرسمية إلى أن الأوضاع الاقتصادية للبلاد تهدد بتفاقم أزمة عجز الموازنة العامة للدولة لتصل إلى ما بين 185 إلى 200 مليار جنيه (نحو 33 مليار دولار) خلال العام المالي الحالي. ونقل تقرير نشر على موقع التلفزيون المصري على لسان وزير المالية المصري، ممتاز السعيد قوله: " إن إيرادات الدولة الحالية يمكنها تغطية 60 في المائة فقط من الإنفاق العام للدولة، الأمر الذي سيرفع عجز الميزانية إلى 200 مليار جنية إذا ما استمرت الأوضاع الحالية دون تغيير." وجاء في التقرير أن وزارة المالية المصرية، ذكرت في بيان سابق، أن الكثير من السلع الأساسية لم تشملها أي زيادات ضريبية على الإطلاق، مثل الدقيق المدعم والسكر والأرز والسلع الغذائية بوجه عام والأدوية. بحسب CNN.

وبينت أن ضريبة المبيعات على الأسمدة بقيت كما هي، لكنها نقلت إلى جدول آخر، وكذلك المياه الغازية كما هي، وتم فقط تغيير أسلوب المحاسبة الضريبية مع استمرار تمتعها بخصم الضريبة على مدخلات إنتاجها. ونوه التقرير أن الزيادة في ضريبة السجائر بلغت ٧٥ قرشا لعلبة الإنتاج المحلي و١٢٥ قرشا للإنتاج المستورد.

من جهة أخرى لن يجد الرئيس المصري محمد مرسي وقتا للاستمتاع بانتصاره في إقرار دستور جديد إذ ربما كلفه ذلك القرار التأييد الأوسع لإجراءات التقشف العاجلة التي تحتاجها البلاد لإصلاح الاقتصاد المتداعي. وبتسريع وتيرة طرح الدستور للاستفتاء العام الذي قالت المعارضة إنه تسبب في انقسام شعبي ربما يكون مرسي قد بدد فرص الوصول لتوافق على زيادة الضرائب وخفض الإنفاق وهي إجراءات ضرورية للغاية لتقليص عجز الميزانية المتضخم.

وتظهر أرقام غير رسمية من جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي أن أغلبية نسبتها 64 في المئة من الناخبين وافقت على الدستور لكن معارضين يقولون إن مرسي خسر معركة الاستفتاء في أجزاء كبيرة من العاصمة في حين أثار استياء ليبراليين ومسيحيين وآخرين يساورهم القلق بشأن الدستور الذي كتبته جمعية هيمن عليها الإسلاميون. ويقول معارضون إن هذه الإنقسامات ستؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في بلد يعاني اقتصاده من صعوبات منذ الإطاحة بحسني مبارك قبل نحو عامين مما أدى إلى إحجام المستثمرين والسياح وهما مصدران مهمان للدخل القومي في البلاد.

وبدون الحصول على تأييد واسع النطاق فسيكون من الصعب على حكومة مرسي تنفيذ الاصلاحات اللازمة للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. وربما يواجه حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين معركة شرسة في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في غضون شهرين. وقال الخبير الاقتصادي عمرو عدلي "تطبيق إجراءات تقشفية في ظل نظام سياسي منفتح ووجود ملايين المواطنين الذين لهم حق الاقتراع يحتاج إجماعا بين النخبة السياسية."

إلا إنه وبالرغم من القبول الكبير حتى الآن بالحاجة العاجلة لإصلاح الاقتصاد المتعثر يقول عدلي إن الأسلوب الذي اتبعه مرسي في اقرار الدستور وأغضب معارضيه سيشجع خصومه على الاستفادة من أي رد فعل شعبي مناهض للتقشف بدلا من المساهمة في إقناع الناس بالإصلاحات. وأضاف عدلي وهو رئيس وحدة العدالة الاجتماعية والاقتصادية لدى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "يتعامل خصومه السياسيون بالفعل بأسلوب انتهازي للغاية مع هذه الأمور. "لن يكون هناك أي أمل في إنهاء العنف في الشوارع أو الإنقسامات السياسية الحادة."

ووحدت المعارضة المصرية التي هزمها الإسلاميون في جميع الاستفتاءات والانتخابات منذ الإطاحة بمبارك في فبراير شباط 2011 صفوفها بعدما وسع مرسي سلطاته في إعلان دستوري أصدره في 22 نوفمبر تشرين الثاني الماضي قدما في اقرار الدستور الجديد.

وقال أحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار وعضو جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة "ما فعله مرسي وحدنا" مضيفا أنه يتوقع تحالف المعارضة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ومن شأن ذلك أن يمنح المعارضة فرصة أفضل كثيرا في الانتخابات البرلمانية في مواجهة القوى الإسلامية المنظمة التي شكلت شبكة قوية في شتى أنحاء البلاد على امتداد عقود لم يستطع الليبراليون أو غيرهم مضاهاتها.

ويتفق سعيد مع ضرورة اتخاذ خطوات لإصلاح الاقتصاد المصري إلا أنه يقول إن مرسي لم يسع لمناقشتها مع معارضيه رغم أنها شأن وطني. وقال صندوق النقد الدولي مرارا إنه لابد من التوصل لتوافق سياسي واسع النطاق على الإصلاحات حتى يوافق على القرض لمصر. وتساءل سعيد "من ذا الذي لا يوافق على الإصلاحات الاقتصادية؟" لكنه استدرك الى القول "لم يستشرنا أحد فيما يتعلق بتأييد تلك السياسات أم لا. لا ندري ما سيحدث في البلاد."

ويواجه مرسي الآن احتمال وجود معارضة تسعى لتسجيل نقاط سياسية من أي زيادات ضريبية وإجراءات لخفض الإنفاق وبصفة خاصة أي خطوات لتقليص دعم الوقود في بلد اعتاد فيه الأغنياء والفقراء على الطاقة الرخيصة. وقد يجد الإسلاميون بسبب ذلك صعوبة في الفوز بالأصوات في الانتخابات البرلمانية. ورغم أن المعارضة أقنعت عشرات الآلاف من المصريين بالخروج إلى الشوارع في بعض الأحيان فإن الإسلاميين فعلوا ذلك في مناسبات أكثر ولهم سجل قوي في الفوز بالأصوات في الانتخابات البرلمانية.

لكن الانقسامات السياسية في البلاد نالت بالفعل من الإصلاحات الاقتصادية المبدئية للرئيس. فقبل الاستفتاء بوقت قصير أقر مرسي زيادات في ضريبة المبيعات على سلع وخدمات مثل المشروبات الكحولية والسجائر ومكالمات الهاتف المحمول وتراخيص السيارات لكنه سحبها في خلال ساعات بعد انتقادات من معارضيه ووسائل الإعلام. وكانت النتيجة الفورية لعدول مرسي عن قراره هي إرجاء موافقة صندوق النقد الدولي على القرض.

وقال الصندوق إنه أرجأ اجتماعه الذي كان مقررا في منتصف ديسمبر كانون الأول للموافقة على القرض وقالت الحكومة المصرية إن الموافقة ربما تتم في يناير كانون الثاني. وقال فريد إسماعيل القيادي في حزب الحرية والعدالة إن مصر لا يمكن وصفها بأنها منقسمة في الوقت الذي وافق فيه ثلثا الناخبين الذين ذهبو للاستفتاء على الدستور لكنه قال إن جميع الأطراف تحتاج إلى التباحث بشأن المشكلات الاقتصادية. وأضاف "لدينا تحديات اجتماعية واقتصادية وحان الوقت أن يطرح الناس مبادرات والدخول في حوار وطني." وتابع قائلا إن إقرار الدستور يعني أنه تم التغلب على عقبة رئيسية أمام استقرار البلاد.

إلا أن سقف التوقعات مازال مرتفعا في الدولة التي اندلعت فيها الانتفاضة في 2011 مطالبة بالعدالة الاجتماعية وتحسين مستويات المعيشة بقدر ما كانت تطالب بالحريات السياسية. وقالت سالي أحمد قطب (19 عاما) وهي طالبة أثناء ذهابها للتصويت برفض الدستور "قمنا بالثورة من أجل تسهيل المعيشة وخفض الأسعار لا رفعها" في إشارة إلى خطط مرسي الضريبية. وأضافت "سيؤدي ذلك إلى ثورة جياع."

وتضرر الاقتصاد المصري بشدة بعدما كان وجهة مفضلة لمستثمري الأسواق الناشئة. وارتفع عجز الميزانية إلى 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية التي انتهت في يونيو حزيران 2012 ومن المتوقع أن يتجاوز العجز عشرة في المئة في السنة المالية الحالية. وقال عدلي إن العجز يمكن أن يصل إلى 13 في المئة ما لم يتم اتخاذ اجراء سريع. ومن بين الإجراءات التقشفية المزمعة خطوات لخفض كميات البنزين المدعوم المتاحة لقائدي السيارات وهي إجراءات لا تحظى بقبول شعبي.

وفي غضون ذلك تستنزف مصر احيتاطياتها من النقد الأجنبي بواقع نحو 600 مليون دولار شهريا مما أدى إلى انخفاض تلك الاحتياطيات إلى حوالي 15 مليار دولار وهو أقل من نصف مستواها قبل تنحي مبارك. ولا يزال بعض المصريين على استعداد لمنح مرسي فرصة. وكثير من الذين صوتوا بالموافقة على الدستور فعلوا ذلك باعتباره استفتاء على الاستقرار حتى وإن كان لديهم بعض التحفظات. لكن مرسي لن يحظى بحرية كبيرة للحركة حتى من المؤيدين.

وقال محمد محسن وهو موظف مؤيد للإسلاميين وصوت بالموافقة في الاستفتاء "مثلما ثار الناس على مبارك فيمكن أن يثورا على مرسي. "فلنمنحه شهرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة لحل مشكلاتنا ثم نرى." وتقول الحكومة إنها دخلت بالفعل في "حوار وطني" مع قوى سياسية ونقابات وآخرين لحشد الدعم الشعبي لخطة اقتصادية تؤكد على أنها لن تضر بالفقراء. بحسب رويترز.

وقال سايمون وليامز الخبير الاقتصادي لدى إتش.اس.بي.سي في دبي في مذكرة بعد الجولة الأولى من الاستفتاء "من المستبعد أن يهدئ إقرار الدستور الخلافات الحالية إلا أنه يشكل خطوة كبيرة في مخاض التحول السياسي في مصر." وأضاف أنه يمكن الآن استئناف التقدم سريعا في برنامج صندوق النقد الدولي. لكنه تابع قائلا "قد يكون تفادي اتخاذ اجراءات اقتصادية مثيرة للاستياء الشعبي أمرا يصعب مقاومة جاذبيته خصوصا قبل انتخابات برلمانية."

أرجاء طلب القرض

في السياق ذاته أعلن صندوق النقد الدولي ان مصر طلبت منه إرجاء طلبها الحصول على قرض بقيمة 4,8 مليارات دولار تم الاتفاق عليه في تشرين الثاني/نوفمبر بسبب الازمة السياسية التي تهز البلاد. واكدت السلطات المصرية هذا الامر موضحة انها طلبت تاجيل الطلب بسبب الاوضاع السياسية وحتى الانتهاء من الحوار المجتمعي حول قانون التعديلات الضريبية.

وافادت متحدثة باسم الصندوق في بيان "في ضوء الاحداث الجارية ميدانيا طلبت السلطات المصرية ارجاء طلبها ابرام اتفاق" مساعدة مع صندوق النقد الدولي. واضافت المتحدثة ان "الصندوق يبقى على اتصال وثيق بالسلطات وعلى استعداد لمواصلة دعم مصر في الفترة الانتقالية الحالية والتشاور مع السلطات حول استئناف المحادثات حول اتفاق المساعدة".

ويرمي الاتفاق الى مساعدة الحكومة المصرية على سد العجز في العام المالي 2013-2014 فيما تسعى البلاد الى اعادة بناء اقتصاد تدهور بعد الثورة التي اطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك عام 2011.

واكد رئيس الوزراء المصري هشام قنديل في مؤتمر صحفي ان حكومته طلبت رسميا تأجيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لمدة شهر بسبب الاوضاع السياسية الراهنة ولحين الانتهاء من الحوار المجتمعي حول قانون التعديلات الضريبية. وقال قنديل "الحكومة طلبت رسميا تأجيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولى لمدة شهر بسبب الأوضاع السياسية التى تعيشها ا لبلاد وعرض قانون التعديلات الضريبية للحوار المجتمعي". بحسب فرنس برس.

واضاف ان "التعديلات التي أجريت على قانون الضرائب، والتي قرر الرئيس محمد مرسي إيقاف العمل بها حتى يتم طرحها في حوار مجتمعي واسع هي جزء من البرنامج الوطني للاصلاح الاقتصادي والمالي". وكان مرسي اقر قانون التعديلات الضريبية، الذي يؤدي الى رفع اسعار سلع وخدمات عدة، ونشر في الجريدة الرسمية في السادس من كانون الاول/ديسمبر الجاري من دون الاعلان عنه. ويعتبر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إشارة للمستثمرين والمانحين بشأن الخطط الاقتصادية للحكومة ودافعا أساسيا لتدفق مزيد من الأموال إلى الاقتصاد لتخفيف عجز حاد في الموازنة

عشرة آلاف دولار

الى جانب ذلك حظرت مصر على المسافرين من وإلى البلاد حمل مبلغ يزيد عن عشرة آلاف دولار إذ يخشى المسؤولون تزايد الضغوط على العملة المحلية وإقبال المصريين على سحب مدخراتهم من البنوك. وأكد المتحدث باسم الرئاسة ياسر علي صدور القرار الذي يسري على الدولار الامريكي او ما يعادله بعملات أجنبية أخرى. كما يحظر القرار ارسال النقد الأجنبي عن طريق البريد. وقال علي إن أي مبالغ تزيد عن عشرة الاف دولار ينبغي تحويلها بوسائل الكترونية.

وفي السابق كان ينبغي على المسافرين مجرد ابلاغ السلطات إذا كان بحوزتهم مبلغ يزيد عن عشرة آلاف دولار. ويحظر البنك المركزي بالفعل على المصريين تحويل ما يزيد عن 100 ألف دولار إلى خارج البلاد وذلك منذ الانتفاضة ما لم يقدموا ما يفيد بأنهم في حاجة ماسة إلى تلك الأموال.

ووصل العديد من الأثرياء المصريين إلى الحدود القصوى ولم يعد بإمكانهم إرسال أموال إلى الخارج. وقال مصرفيون ان المودعين يسحبون مبالغ اكبر من حساباتهم منذ أصدر الرئيس محمد مرسي إعلانا دستوريا يمنحه سلطات واسعة وما أعقب ذلك من اضطرابات سياسية في البلاد. وقال مسؤول بإدارة الخزينة في بنك بالقاهرة "منذ الاشتباكات في 28 نوفمبر وبعد الإعلان عن إرجاء قرض الصندوق لمدة شهر بدأت بعض عمليات تحويل الأموال إلى دولارات من خلال تعاملات نقدية بشكل رئيسي." وأضاف أن التدهور غير المتوقع للجنيه المصري أقلق المودعين أيضا إذ أن البنك المركزي سمح للعملة بالانخفاض نحو واحد بالمئة على مدى الشهر الماضي. وقال البنك المركزي في سعيه لدحض ما وصفه بالشائعات إنه يتخذ كل الإجراءات اللازمة لضمان الودائع في البنوك المصرية سواء كانت بالعملة المحلية أو العملات الأجنبية.

وقال أيمن أسامة وهو أب لولدين صغيرين إنه سحب ما يعادل 16 ألف دولار من حسابه هذا ويخطط لسحب المزيد في الأيام القادمة. وقال "سمعت أن البنك المركزي سيسيطر على جميع الودائع في البنوك لدفع رواتب موظفي الحكومة نظرا للتدهور الحالي في الوضع الاقتصادي." وأضاف "لن أضع مزيدا من الأموال في البنك وكذلك العديد من الناس الذين أعرفهم." بحسب رويترز.

وفي مذكرة نشرت خفض محمد ابو باشا من المجموعة المالية هيرميس توقعاته للعملة إلى 6.60 جنيه للدولار بنهاية 2013 من توقعات سابقة عند 6.40 جنيه. وكتب ابو باشا يقول "استمرار تأخر اتفاق صندوق النقد سيؤدي بالتأكيد إلى انخفاض غير منظم في قيمة العملة .. وهو ما يرجح أن يدفع السعر إلى سبعة جنيهات للدولار."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/كانون الأول/2012 - 15/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م