قراءة في كتاب: التربية والتحول الديمقراطي

دراسة تحليلية للتربية النقدية عند هنري جيرو

 

 

 

الكتاب: التربية والتحول الديمقراطي

الكاتب: سعيد إسماعيل

الناشر: الدار المصرية اللبنانية للنشر

قراءة: أ.د. علي أسعد وطفة. جامعة الكويت

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: يقول كانط: "ثمة اكتشافان يحق للإنسان أن يعتبرهما من أعقد الأمور: فن حكم الناس وفن تربيتهم". ومن المؤكد أن هذا التعقيد ينبثق من درجة التعقيد الهائلة التي نجدها في فلسفة التربية التي تشكل بذاتها حجر الزاوية في أية ممارسة تربوية على وجه الإطلاق.

فالتربية ليست مجرد ممارسات أو مهارات ساذجة، بل هي بناء فكري ينطلق من أعمق القضايا الفكرية والوجودية للإنسان والإنسانية وأكثرها شمولا، ويتجلى هذا البناء في صورة فكرية ذات طابع فلسفي يتقدم على غيره في توجيه مسار الحياة التربوية والإنسانية برمتها نحو آفاق إنسانية جديدة متجددة.

ومما لاشك فيه أن أزمة الفكر التربوي تتصاعد وتصبح أكثر تعقيدا وصعوبة مع تصاعد التطور الإنساني وتتنامى مع تناميه. فالفكر التربوي إنساني بطبعه يؤكد على أهمية النزعة الإنسانية في التربية والعمل والحياة، ولذا فإن أي تطور مضاد للطابع الإنساني يشكل صدمة كبيرة للفكر تدفعه للبحث عن توازنات جديدة في خضم الضياع الإنساني في متاهات الحضارة الإنسانية المتخمة بلهيب التشيؤ والاستلاب والاغتراب.

فالإنسان يتحول في متاهة الاغتراب الحداثي إلى حالة من التصلب والجمود التي تجرده من قيمته الإنسانية وتستلبه في جوهره الروحي. وفي خضم هذه الدورة الاستلابية لم يبق من الإنسان إلا هذه المحاولات الفكرية الفلسفية التي تريده بقيا على قيد الحياة. فالإنسان اليوم يستنزف في صراعه الأبدي مع الإنجازات المادية الكبرى التي استطاعت أن تضعه في معلبات التاريخ فاقدا قدرته على الحركة في معترك حياته الإنسانية بطابعها الروحي. فلم يبق في الإنسان إلا الجسد، وهو جسد ضائع تائه مشتت بين أضراس التكنولوجية التي أجهزت على الروح واغتالت أكثر القيم الإنسانية عظمة وتألقا وإشراقا.

وتلك هي حال مدارسنا ومؤسساتنا التربوية التي فقدت ومضها الإنساني وتحولت إلى طور التحول صورة مومياء بشرية قديمة تقذف في القلب مخاوف العصر وهواجسه الاغترابية. فالتقدم التقني أفقد التربية معناها الإنساني وزج بها في متاهات العطالة وأقفاص الجمود الإنساني. والتربية بما هي من تقهقر وانكسارات تهدم إحساسنا بالحقيقة الوجودية للإنسان وتزج به فيدوائر الاغتراب والتشيؤ وفقدان المعاني. وبالتالي فإن ما يجري في معترك الحياة التربوية أمور مهولة ومرعبة، فالإنسان في دائرة الفعاليات التربوية المنكسرة بالجمود والقصور يتحول إلى مادة تهشمها مطارق الحياة التربوية المدرسية فيتحول تدريجيا إلى حقّ أجوف مفرغ من المعاني والدلالات. وهكذا هي مسيرتنا مع التقدم والحداثة التي أفقدت الإنسان كل أشكال التوازنات الأخلاقية والإنسانية.

ولكن الفكر الأنسني النقدي يأبى دائما روح الهزيمة والانهزام، فرسالته ارتسمت على إيقاعات التصدي للمواجهة والتغلب على محن الحياة، وقد قدر له أن يوظف العقل النقدي لمواجهة أقدار التطور وملاحمه الحداثية المؤلمة. وفي خضم هذا التوظيف الفكري النقدي ينبري علماء الاجتماع التربوي لاستكشاف الواقع الاغترابي في دائرة العمل على مواجهة المحنة الحداثية بوعي نقدي منفتح ومتجدد يغذي نفوسنا بالأمل في تحقيق الكرامة الإنسانية وتحرير التربية من عوامل جمودها نحو صيرورة إنسانية خلاقة جديدة.

 في هذا الحقل الأنسني تدق أجراس سعيد إسماعيل عمرو فيغرد على أنغام الفكر النقدي عند هنري جيرو في كتابه الموسوم “في التربية والتحول الديمقراطي: دراسة تحليلية عند هنري جيرو. وعبر هذا الكتاب يضعنا عمرو في الأجواء النقدية لجيرو في صيرورة فكرية جديدة تأخذنا من دائرة الفكر التربوي التقليدي الجامد إلى تخوم فكرية جديدة تضج بالمعاني وتموج بالدلالات.

يقع هذا الكتاب في أربعة عشرة وأربعمائة صفحة من القطع الكبير، ويشتمل على ستة فصول ومقدمة وخاتمة يناقش فيها الكاتب القضايا النقدية في علم الاجتماع التربوي عند جيرو. والكتاب هو الأصل رسالة ماجستير دافع عنها الكاتب في كلية التربية بجامعة طنطا في جمهورية مصر العربية.

والكتاب يشتمل على عرض لفكر هنري جيرو (Henry Giroux)التربوي بوصفه واحدا من أهم المفكرين التربويين في الولايات المتحدة الأمريكية، كما يعمل على استعراض مختلف الرؤى والتصورات النقدية في هذا المجال. ومما لا شك فيه أن الكتاب يعمل على تعريف القراء العرب بأعمال هذا المفكر الأمريكي وتصوراته الفكرية النقدية في مجال علم الاجتماع التربوي. وفي هذا السياق يمكن القول بأن الكاتب يسهم في فتح نافذة عربية على الفكر التربوي النقدي في مجال علم الاجتماع التربوي في الغرب الأمريكي.

في الفصل الأول وعنوانه (شواغل الدراسة ماذا؟ ولماذا ؟) يبرر الكاتب خياره للكتابة عن هنري جيرو بوصفه واحدا من أبرز الكتاب الأمريكيين في مجال التربية النقدية في تسعينات القرن الماضي. ويقدم في هذا الفصل السيرة الذاتية للكاتب كما يعرف به وبكتاباته وببعض أفكاره النقدية ثم يقدمه ممثلا للفكر النقدي ومدافعا عن العدالة الاجتماعية لأجيال الشباب في الولايات المتحدة الأمريكية. كما يصف دوره الكبير في مقاومة التقاليد التربوية الأمريكية وترسيخ المنهج النقدي في العمل والممارسة التربويين.

في الفصل الثاني من الكتاب (التربية بين الاتجاه النقدي والاتجاه المحافظ في التربية ) يعرف الكاتب بطبيعة الاتجاه النقدي في التربية ويرسم ملامح هذا الاتجاه عبر أعمال جيرو. ويعتمد الكاتب في هذا السياق المنهج المقارن بين الاتجاهين الأساسيين في علم الاجتماع: النقدي والتقليدي.

في الفصل الثالث (المداخل النقدية في التربية وموقف جيرو منها ) يحاول الكاتب رسم خريطة للمداخل النقدية في التربية.، ويقدم شذرات متفرقة حول علم الاجتماع التربوي التقليدي والجديد في إسقاطات اسمية وزمنية وموضوعية معرفا برواد علم الاجتماع التقليدي، ورواد علم الاجتماع الجديد. وما هي توزيعات هذين العلمين وتقاطعاتهما في التاريخ والجغرافية؟

وفي الفصل الرابع (الأسس النظرية للتربية النقدية عند هنري جيرو ) يركز الكاتب على أبراز الفكرة أساسية لدى جيرو وقوامها: أن جيرو لا يرى في المدرسة مجرد وسيلة لمعاودة الإنتاج بل ينظر إليها على أنها موقع للمقاومة والصراع.

ومن الطبيعي أن يقدم الكاتب في هذا المجال بعض المفاهيم الأساسية للفلسفات الماركسية والبنيوية والماركسية الجديدة وأن يتأمل في مفهوم الأيديولوجيا ودلالاتها وتجلياتها الفكرية وأن يتناول موقف جيرو من هذه المفاهيم وأن يرسم تصوراته الفلسفية العامة في مختلف هذه المفاهيم.

ويكرس الكاتب الفصل الخامس (التربية النقدية عند هنري جيرو) للبحث عن الملامح والتحديات ومتطلبات النجاح في مكونات التربية النقدية عند جيرو. وفي هذا الفصل يركز الكاتب على رأي جيرو بأنه يمكن للمدرسة أن تكون مكانا للصراع، ويمكن للطلاب والمتعلمين أن يخوضوا هذا الصراع في داخل المدرسة من أجل تحقيق مصالحهم الطبقية. فالمدرسة كما يريد جيرو ليست مجرد أداة للسيطرة وليست مجرد جهاز للدولة بل يمكن أن تكون أداة للصراع الطبقي ويمكن لروادها تشكيل قوة طبقية وفكرية تنافح عن المصالح الطبقية للطبقات الواسعة في المجتمع.

وجيرو في هذا السياق يرى أن المدرسة يمكن أن تمارس دورا سياسيا بل أدوارا سياسيا وأن مهمتها تكمن في عمق الوظيفة الأخلاقية والسياسية والفكرية لروادها. وهذا يعني أنه يميز بين وظيفتي النقد والممكن. النقد الذي يوجه إلى المدرسة بوصفها أداة برجوازية والممكن الذي يتمثل في إمكانية تحويل المدرسة إلى حقل للصراع بين قوى سياسية واجتماعية مختلفة.

فالتعليم والتعلم في منظور جيرو صورة من صور الممارسة السياسية وتجل من تجلياتها الحيوية. والتربية النقدية هي تلك التي تمكن الطلاب من توجيه أسئلة نقدية حول القضايا السياسية والاجتماعية الملحة والجوهرية في المجتمع. وهذا يتأتى عبر التربية بالحوار والمشاركة والتفعيل الديمقراطي لمختلف أوجه الحياة المدرسية ونشاطاتها المختلفة.

فالتعليم حاجة سياسية ديمقراطية، ولا يمكن للديمقراطية أن تتحقق من غير ممارسة تربوية ديمقراطية تركز على قيم الحرية والعدل والمساواة والمشاركة وغير ذلك من القيم والفعاليات الديمقراطية في المجتمع.

يرى جيرو – أسوة بباولو فرايري- وغيرهم من المفكرين على أهمية الطابع السياسي للتربية وعلى أهمية النشاط التربوي بوصفه فعلا سياسيا يهدف إلى تحرير الإنسان والفرد والطبقة الاجتماعية. ويميز جيرو في هذا السياق بين مفهومي التربية السياسية التي تعني القضاء على مركزية السلطة في قاعة الصف وبين تسييس التربية التي ترمز إلى أجندة سياسية تقوم على الإرهاب التربوي الذي يحدد مضمون التعليم وشروطه وسدنته. وبعبارة أخرى ينادي جيرو بتربية للمواطنة تمكن الطلاب من المشاركة في بناء مجتمعهم وفهم آليات الاستبداد ومختلف أشكال القهر.

وباختصار التربية النقدية بالنسبة لجيرو تشكل محاولة لتحرير الإنسان من كل أشكال والقهر والسيطرة. وهي معنية أيضا بمواجهة تحديات الحداثة والليبرالية ومن ثم تحديات الليبرالية الجديدة والعولمة ومختلف أشكال التحديات المجتمعية والحضارية.

ومن ثم يستعرض هذا الفصل التحديات التربوية لليبرالية الجديدة التي تريد تحويل المدرسة إلى سوق تجارية وإلى مصادر تمويل وأن المدرسة لم تعد مصلحة عامة بل توظف في خدمة المؤسسات الاقتصادية والتجارية للعولمة. وهذا يعني باختصار رأسملة المدرسة وتحويلها إلى مجرد مؤسسة اقتصادية رأسمالية تدرب الطلاب على مهارات العمل وتقاناته فحسب،دون أي اهتمام بالتربية الإنسانية والأخلاقية، إذ يبدأ الإعداد المهني منذ مرحلة رياض الأطفال اليوم بعد أن كان هذا الإعداد يترك للسنوات الأخيرة في التعليم الجامعي. وفي هذا السياق يرى جيرو أن القيم المادية والتجارية تهدد الأهداف الديمقراطية للتعليم بصورة عامة.

ففي النموذج الرأسمالي تقاس كمية المعرفة بقدر ما تحققه من مكاسب اقتصادية و تجارية ولا ينظر إليها في ضوء ما تحققه من قيم وحريات وعدالة وديمقراطية. فالعمداء ورؤساء الجامعات ينظر إليهم في عصر الليبرالية الجديدة بوصفهم رجال أعمال يمكنهم عقد صفقات تجارية بحثا عن التمويل والربح والفائدة والاستثمار.

ويشير جيرو في هذا السياق إلى تنامي النزعات الأداتية والأيديولوجيات النفعية التي تنمو على حساب الجانب الإنساني والأخلاقي في المدرسة. ويبين في هذا السياق أن الأيديولوجيا الأداتية تقوم على أساس الفصل بين العمل والفكر وبين النظرية والتطبيق، وتضع معايير للمعرفة المدرسية من أجل السيطرة عليها وإدارتها، ومن ثم التقليل من قيمة العمل النقدي والفكري من جانب المعلمين والتلاميذ. ويؤكد جيرو في هذا السياق أن هذه الأداتية تسيطر على برامج إعداد وتأهيل المعلمين حيث يدرب المعلم على تقانة المهنة ويبعد عن كل أشكال التفكير النقدي.

وفيما يتعلق بالطلاب يبين جيرو أن الطلاب وفي ظل هذه النزعة الأداتية الخانقة يتعلمون كيف "يقومون بعمل كذا ؟" وما “أفضل الوسائل التي تحقق هذا أو ذاك ؟" أو "التمكن من أفضل الطرق التي تمكنهم من تدريس بعض المعارف المعطاة سابقا". والفكرة المركزية أن هذه المدارس والمؤسسات تقصي التفكير النقدي والفكر التأملي والجوانب الأخلاقية والإنسانية في قاعة الصف وعلى مقاعد الدراسة.

ومن غير شك فإن هذه الأداتية ترسخ فكرة “التربية المحكومة بالإدارة “التي تتمثل في تقيم المعرفة إلى أجزاء منفصلة ووضع معايير لها من أجل إدارتها واستهلاكها وقياسها عبر مقاييس تم تحديدها مسبقا وهذا ما يمكن أن نطلق عليه التلقين أو التعليم البنكي. وفي هذا النسق التربوي يقوم خبراء المناهج والتدريس والتقويم بالتفكير والتنظير والتخطيط بينما ينحصر دور المعلمين في التنفيذ والتطبيق.

وتبين المقارنة بين الاتجاه النقدي في التربية والأجندة التربوية لليبرالية الجديدة وجود تناقضات حيوية بين الاتجاهين :فالليبرالية الجديدة تنظر إلى المدارس بوصفها مؤسسات استثمار اقتصادي وربحي، وترى بأن وظيفة المدرسة يجب أن تركز على التدريب المهني وإعداد القوى العاملة دون التفكير في أولويات الإعداد للمواطنة والقيم الأخلاقية والسياسية في المجتمع. ومن ثم فإن هذه النزعة الليبرالية تنظر إلى المعرفة بوصفها أداة للاستثمار تتحدد قيمتها بما تحققه من مكاسب اقتصادية، كما أنها توجه البحث كليا لخدمة الاقتصاد الرأسمالي على حساب المشكلات والتحديات التي تواجه لمجتمع، وهي تعمل على فكرة العلاقة بين التعليم والديمقراطية وتعمل على اختزال دور المعلمين إلى ممارسات فنية، ومن ثم تقوم بإعلان الحرب على التربية النقدية ومؤسساتها درءا لعملية نهوض الوعي النقدي الديمقراطي لدى الطلاب والتلاميذ.

التربية النقدية إزاء تحديات ما بعد الحداثة:

في إطار الفصل الخامس يخصص الكاتب مدخلا لمناقشة تحديات ما بعد الحداثة في تفكير جيرو. والاتجاه العام لما بعد الحداثة على تنوعها يأخذ مسارات واضحة تتمثل في نهاية عصر النظريات الكبرى، ورفض اليقين المعرفي، ونزع القداسة عن المقدس، ورفض العلاقة القائمة بين الحداثة والعقلانية والعلم. وفي مواجهة هذه الحالة الحداثية الجديدة يرى جيرو بأنه يجب التعقل والاعتدال في النظر إلى معطياتها فيجب عدم المبالغة في تقدير منجزاتها كما يدعو إلى عدم رفضها على نحو كلي.

ويبين جيرو أن فهم هذه المرحلة بتضاريسها المختلفة يمكن المعلمين من فهم الظروف المختلفة وتحديد موقع التربية ولتعليم في ظل هذه الظروف. وغني عن البيان أن عملية التعليم برمتها تتأثر وتتحدد مساراتها وفقا لمعطيات الحداثة الجديدة: العلاقة مع المقدس، عالم اللايقين، عدم الثقة بالعلم، انهيار الأساطير، الثقافة الإليكترونية، غياب العقلانية.

والتحدي الأكبر الذي يبرزه جيرو يتمثل في اعتماد المدرسة على خطاب الحداثة (العلم، اليقين، المقدس العقلانية، الحتمية، النظريات الكبرى) في ظل تحولات ومتغيرات جديدة أفرزها عصر ما بعد الحداثة. وهنا يكمن التناقض الكبير ما بين حداثتين : فخطاب الحداثة يقتصر على النموذج الأوروبي للثقافة والحضارة الذي يتمثل في اليقين المعرفي والتقدم والثقة بالعلم، أما خطاب ما بعد الحداثة فيشكل قطيعة تاريخية مع كل معطيات الحداثة. وهذا التناقض يوقع المدرسة في دوامة من الصراع الحيوي والوجودي للحضارة التربوية المعاصرة.

وما يجري في المدرسة اليوم يعتمد على معطيات الحداثة (عقل أداتي، مناهج مدرسية متجانسة، اختبارات، تصنيفات، فكرة التقدم الخطي، الثقة بالعلم، النخبوية).

وهنا ومن أجل تجاوز هذه التناقضات التي تمثل نمطين مختلفين من الظروف والذهنيات والعقليات يرى جيرو أنه لا بد من إعادة النظر في كل مكونات النظام التعليمي وفلسفاته واتجاهاته ومناهجه في ضوء المستجدات ما بعد الحداثية.

وهنا ومن جديد يؤكد جيرو على دور رجالات التربية في بناء تصورات جديدة في الكيفيات التي يمكن فيها للتربية النقدية احتواء العصر الجديد بمناهج جديدة وطرائق وذهنيات متجددة تتيح للتربية أن تكون فاعلة في مسار الحياة الكونية برمتها. حيث يتوجب على المربين التعامل مع الوقائع والنظريات والأفكار الجديدة والأنظمة الجديدة بروح نقدية جديدة. وتبرز إحدى الأفكار العبقرية لجيرو في هذا السياق في تأكيده على أمر مزدوج الاتجاه: فهو يرى ضرورة إضفاء الطابع التربوي على السياسة وإضفاء الطابع السياسي على التربية.

وفي تأكيده على أهمية بناء تربية جديدة لعصر جديد يرى جيرو أنه يجب على التربية الجديدة أن تأخذ بعين الاعتبار العوامل والمتغيرات والظروف والاتجاهات والرغبات المتحولة للأجيال الجديدة أي للشباب الذي يتشكل في ظل الظروف التاريخية والاقتصادية الجديدة. إذ يجب على سبيل المثال فهم الكيفية التي تتشكل فيها هويات الشباب وعمليات إنتاج المعاني في إطار الثقافات المهجنة والصراعات النمطية الجديدة في عالم الميديا والصور والتقانة.

ويشير جيرو إلى الأهمية الكبيرة اليوم التي نحتلها الثقافة الإليكترونية الجديدة فيما بعد حالة الحداثة، ويبين أن هذه الثقافة تفرض تحديات كبيرة جدا على الافتراضات الطبيعة حول دور المعلمين والمؤسسات التي تبث الثقافة والمعرفة العلمية.

وفي إشارة منه يوضح جيرو أن التربية الليبرالية الجديدة تفرض نفسها بقوة في المرحلة الراهنة وهي تفرض برامجها وفلسفتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وهذا الواقع يتناقض كليا مع التربية النقدية التي تعمل على أنسنة التربية وعقلنتها وتوجيهها توجيها أخلاقيا ينسجم إلى حدّ كبير مع متطلبات العصر الجديد: تعلم ديمقراطي، نقدي، عقلاني، في خدمة الجميع، ضد التميز والتعصب، والاستئثار.

وباختصار فإن التربية النقدية هذه معنية في عصر ما بعد الحداثة بفهم المستجدات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية لهذه المرحلة، ثم وضع استراتيجيات فلسفية تربوية لاحتواء هذه التغيرات الجدية وتحقيق التوازن الخلاق ما بين العصر والإنسان الجديد في ظل تربية نقدية جديدة.

متطلبات التربية النقدية :

يرى جيرو أن التربية النقدية ليست مجرد نظرية بل هي مشروع عمل فاعل يهدف إلى المواجهة والتغيير. وتأسيسا على ها التصور يرى جيرو أن التربية يجب أن ترتسم في صورة المشروع الديمقراطي للمجتمع، وذلك من خلال التركيز على التربية السياسية والتربية على المواطنة والتربية الأخلاقية وذلك في مواجهة المشروع الليبرالي الجديد الذي يوظف المدرسة توظيفا أداتيا رأسماليا. ويمكن القول في هذا السياق أن جيرو يرى بأنه من الضروري أن يكون التعليم جزءا من عملية التغيير الاجتماعي نفسها على مبدأ أنه يجب على التربية ألا تقف على الحياد بل يجب أن تمارس فعلا حيويا في عملية تغيير المجتمع والانطلاق به نحو آفاق إنسانية خلاقة.

ومن جهة ثانية يركز جيرو على أهمية تحويل التعليم إلى ساحة للتفاعل الديمقراطي، وهذا يشكل تعبيرا حقيقيا عن الربط ما بين التربية والسياسة من جهة وما بين التربية ومشروع التغيير الاجتماعي من جهة أخرى. وعلى هذا الأساس يرفض جيرو فكرة خصخصة المدارس بوصفها عملية تحويل للعام إلى الخاص والجماهيري إلى الليبرالي، بمعنى أنه يرفض تحويل الساحة الثقافية الفكرية للمدرسة إلى ساحة تجارية تسودها قوانين السوق ورهاناته.

ولا ينكر جيرو في سياق تناوله لهذه القضية أن الساحة العامة للتربية النقدية تحتاج إلى مفكرين نقديين يمتلكون الوعي ويحملون في ذاتهم قدرة هائلة على التنوير تمكنهم من تحمل المسؤولية التاريخية للفكر النقدي في توجيه المجتمع نحو مسارات إنسانية أكثر عدلا وقيمة إنسانية.

المعلم الناقد المقاوم:

وفي مقام آخر يؤكد جيرو على أهمية إعادة صياغة دور المعلم وإعادة النظر في دوره والانتقال به من دور تقليدي ارتسم على مقاسات التربية الليبرالية إلى معلم نقدي يرتبط بمشروع وطني وإنساني للحياة والتغيير في المجتمع. فالمعلم أصبح ضمن منظور تمهين التعليم مجرد فاعل مهني متخصص في مجال المهارة التعليمية التي يتقنها دون غيرها، وتحول إلى حالة من الضياع في مدارات جزئية لا تحمل في ذاتها أي طاقة تنويرية ونقدية للحياة.

وهذا يعني أن المشروع النقدي للتربية يجب أن يؤكد على دور المعلم المتنور الفيلسوف الذي يحمل رسالة ورؤية فلسفية نقدية للعالم بما ينطوي عليه من تفاعلات كونية بالغة الأهمية والخطورة. وفي هذا السياق ينبه جيرو إلى محاولة الفصل بين المعلمين وخبراتهم الثقافية حيث يتحول المعلم إلى أداة تنفيذية أداتية لا معنى لها في مدارات الفكر والثقافة الإنسانية الحية. ويركز جيرو في طروحاته عن المعلم على أهمية بناء المعلم النقدي المسلح بثقافة المقاومة والرغبة في تغيير المجتمع إلى مجتمعات متنورة وفاعلة تاريخيا. وهذه المقاومة النقدية يجب أن تتجلى في قاعات الصف وفي الممارسة التربوية اليومية حيث يمكن للمعلم المقاوم الناقد أن يرسخ في نفوس طلاب كل القيم النقدية والممارسات الديموقراطية في الحياة المدرسية اليومية.

تحالف رجال التربية مع الحركات الاجتماعية التحررية:

 يركز جيرو في مشروعه المقاوم على نسق من التحالفات الاجتماعية التي تشكل فضاء فكريا تربويا للمقاومة والنضال ضد مختلف أشكال التربية التقليدية والليبرالية. ويتمركز هذا التوجه بإقامة تحالفات بين المعلمين والمنظمات اليسارية والقوى الاجتماعية وممثلي المجتمع المدني ومنظمات المحافظة على البيئة وحقوق الإنسان وحركات السلام. وهذا يمكن المعلمين من مواجهة الأنماط الليبرالية للتربية السائدة ودفعها إلى التراجع والانحسار. ويأتي هذا الإدراك من أهمية النظر إلى التربية بوصفها ساحة للصراع الاجتماعي بين المهمشين وبين أصحاب الهيمنة والسيطرة من الليبراليين. وهذا يعني أنه لا بد من استجماع هذا الدعم الاجتماعي الخارجي لدعم حركة النضال التربوي في داخل المدرسة.

وهكذا يبين جيرو في هذا الفصل أهمية الربط بين التربية والمشروع الديمقراطي لتأسيس تربية نقدية تحقق للمجتمع نماءه وازدهاره. وقد أراد جيرو لهذه التربية النقدية أن تواجه متطلبات المرحلة ما بعد الحداثية من أجل الصمود الإنساني في وجه الإغراق الرأسمالي للتربية بأمواج النزعات المادية الليبرالية الجديدة.

هذه المقاربات التي يقدمها جيرو تطرح نسقا من الأسئلة يتصدرها سؤال كيفية إعداد المعلم المقاوم؟ وأسئلة أخرى كثيرة تتمثل في الوسائل والكيفيات التي يمكن اعتمادها في مواجهة الطفرات الهائلة للتقانة والتكنولوجية التي غمرت المدرسة وأغرقتها في لجاج الأعماق؟ فجيرو لم يستطع أن يحدد لنا عبر أبحاثه ودراساته الأجندات العملية لمثل هذه الممارسة التربوية المناهضة!.

في الفصل السادس الذي اتخذ له عنوان: (تربية جيرو النقدية: إيحاءات للتربية المصرية) يحاول الكاتب أن يستخلص العبر من الفكر النقدي التربوي لدى جيرو وأن يستفيد منها في إضاءة جوانب في الحياة التربوية المصرية.

فالباحث في هذا الفصل يستنتج خمسة أفكار أساسية يستمد معينها من نظرية جيرو في رؤيته للنظام التربوي في مصر إذ يؤكد على أهمية فكرة الصراع لا الإجماع في الواقع التربوية المصري، وفكرة الانحياز لا الحياد، وفكرة الدور السياسي والأخلاقي للتربية، وفكرة التنمية والتحرير، وفكرة المقاومة التربوية لا فكرة معاودة الإنتاج. وفي ضوء هذه الأفكار الخمسة يريد الكاتب أن يقرأ الواقع التربوي في مصر وأن يحرضه على تغيير استراتيجياته وتصوراته. ومن ثم يقدم الكاتب نماذج تربوية في النظام التربوي المصري في ضوء نظرية جيرو محاولا تفسير معاني ودلالات التربية النقدية والصراع والمقاومة في التربية المصرية المعاصرة. وفي سياق هذ العرض للتربية المصرية يذكر المؤلف نسقا من السلبيات التي يعاني منها النظام التربوي في مصر: التسلط، التلقين، غياب الرسالة التربوية للمعلم، انحدار وعي المعلم، الدروس الخصوصية، التمييز التربوي القائم على التمييز الاجتماعي، نقص في السياسات، تحول المعلم إلى مجرد موظف بيروقراطي وظيفته إدارة الصف وضبطه... الخ.

وبالطبع فإن الكاتب يطلق نداء تربويا من أجل تغيير النظام التربوي على أساس النظرية النقدية في التربية ومن ثم تحويله إلى نظام مقاوم يرفض فيه مختلف مظاهر الحياة السلبية التقليدية في الحياة التربوية. ويصل الأمر بالكاتب إلى اقتراح يفيد بأهمية تشكيل حركة سياسية اجتماعية راديكالية تتولى مهمة ترسيخ التربية النقدية وتوجيه التربية في مصر إلى غايتها الإنسانية.

وفي النهاية يقترح الكاتب مشروعا وطنيا لبناء تربية نقدية ترتبط بين التربية والتحول السياسي في مصر. ويحدد لهذا المشروع مسارات أكاديمية وتربوية تحريرية كما يتضمن بناء نخبة من المفكرين التربويين النقديين المقاومين الذين يستطيعون نشر الوعي النقدي الثقافي في مجال التربية والسياسة من أجل التغيير والنهضة والتنمية في مصر العربية.

خلاصة نقدية:

يحمل هذا العمل التربوي في ذاته قيمة علمية وفكرية كبيرة جدا، ويجب علينا أن نوجه خالص الشكر إلى المؤلف الأستاذ سعيد إسماعيل عمرو وأن نحييه على هذا الجهد الإبداعي الكبير الذي أغنى فيه العقل التربوي العربي وأثراه وخصّبه بمعطيات الفكر التربوي النقدي العالمي؛ وما أحوجنا إلى مثل هذه العطاءات الفكرية في هذا الزمن الصعب الذي تغيب فيه كل أشكال الفكر النقدي في مجال التربية والفكر في مختلف تجلياتهما.

فمكتبتنا العربية ضحلة جدا في مستوياتها التربوية النقدية، والفكر التربوي العربي غارق ومستغرق في مستنقع الاجترار والتكرار والنمطية والانحدار وهي يحتاج اليوم إلى زلزال كبير يهز أركانه ويطهره من أدرانه التاريخية إذ تحول إلى كهوف تاريخية مظلمة لمستحثات فكرية تربوية مضى عليها الزمن وتجاوزها. فالغرب حقق ثورات هائلة في كل ميدان، إذ تعاقبت ثوراته الفكرية في مجال التربية والحياة والفكر، فهناك أجيال متلاحقة من المفكرين النقديين الغربيين منذ عصر النهضة في القرن الخامس عشر والسادس عشر، مرورا بعصر التنوير في القرن الثامن عشر، وصولا إلى مرحلة الحداثة في القرن التاسع عشر والعشرين، انتهاء بمرحلة ما بعد الحداثة في القرن الحادي والعشرين. أما نحن فما زلنا تفكيرنا التربوي يتمحور حول بقايا تاريخية متآكلة من تراثنا التربوي الذي لا يتجاوز حدود التلقين والتعليم البنكي الأصم، إذ ما زلنا نتبنى منهجية تربوية غارقة في القدم والانتظام والمعيارية هدفها بناء مهذبين للأطفال لا مربين ومعلمين ومفكرين.

فالفكر التربوي النقدي غائب في بلادنا حتى الثمالة، ومرتبك حتى العظم، وخائب حتى النخاع. وفكرنا التربوي السائد لا يعدو أن يكون أضغاث أحلام تربوية أكل عليها الزمان وشرب. وما زالت كوابيس المسافة الحضارية التي تفصلنا عن الغرب في مستويات طفراته الفكرية النقدية في مجال السياسة والتربية والحياة تدق مهاجعنا وتدك أحلامنا الوردية.

وفي هذا السياق يمكن القول: بأن أفكار جيرو جاءت لتهز الوجدان التربوي العربي، وجاء الكاتب ليعرفنا - في كتابه المميز هذا- بنمط من الإشعاع الحضاري النقدي الذي عرفته الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الثاني من القرن العشرين ممثلا بالفكر النقدي لجيرو وتدفقاته الفكرية في مجال التربية النقدية.

لقد أضاء الكاتب هذا الجانب النقدي في الفكر التربوي الأمريكي المعاصر، وأراد أن يهز ركود الفكر التربوي العربي وأن يحرك مفاصله الأساسية، بل جاء ليسقط صخرة صماء قوية في المياه الفكرية العربية الراكدة عسى أن يستيقظ التمساح العربي من غفوته التي تكاد تكون أبدية.

وباختصار الكتاب يشرق بومضات نقدية مهمة في الفكر التربوي النقدي، ويشكل نافذة يمكن للمربين العرب من معلمين ومفكرين إزكاء رئتهم التربوية ببعض الهواء المنعش الذي يحيي القلوب ويشحن العقول بطاقة نقدية ضرورية من أجل النهضة والتنمية في الفكر التربوي العربي.

لقد سررت أيّما سرور بالاطلاع على هذا الكتاب الذي أضاء مدخلا جديدا من مداخل التربية النقدية العالمية. وإنني من هذا الموقع أدعوا المهتمين للاطلاع على هذا الكتاب الجميل والاستضاءة بنور النظرية النقدية التي ينطوي عليها.

وكم كان جميلا ومثيرا أيضا أن يقوم الكاتب بقراءة الواقع التربوي في مصر العربية في ضوء هذه النظرية النقدية المقاومة، موظفا إياها في عملية أيقاظ الوعي التربوي بمثالب التربية القائمة في مصر، داعيا إلى تخصيبها بعطاءات الفكر النقدي، راسما مشروعا تربويا نقديا يمكن التربية في مصر والعالم العربي من تجاوز هذه العطالة التاريخية في الفكر والممارسة إلى آفاق حضارية وفكرية جديدة. فالتربية العربية تحتاج اليوم إلى دورة دموية جديدة في العقل التربوي تنهض به وتسمو إلى آفاق نقدية تنويرية، كما تحتاج إلى تثوير المؤسسات التربوية في أدائها ورسالتها للنهوض بالتربية والمجتمع والإنسان إلى مقامات الفعل الحضاري بكل ما يقتضيه هذا الفعل من فلسفات إنسانية تربوية نقدية متنورة.

وبقي علينا كي نكون في مستوى النقد الذي يتحراه الكاتب أن نرسم بعض الملاحظات التي تؤخذ على العمل وقد جلّت الأعمال التي تتخطى النقد العلمي وتتجاوز حدوده. وفي دائرة هذا النقد الموجه إلى العمل يمكننا القول : بأن الكاتب انكفأ إلى مستويات السرد والعرض الممل لأفكار جيرو، ولم نجد لديه فكرا نقديا يعالج فيه الشطحات الفكرية لنقديات جيرو المتطرفة الطوبائية والحالمة في كثير من الأحيان. وقد بلغ السرد درجة التكرار الممل لأفكار جيرو النقدية.

وما يؤخذ على الكاتب أنه كان وفيا لجيرو ووقع تحت سحر تأثيره إلى درجة أهمل فيها كثيرا من الرؤى والتصورات الفكرية لعمالقة لا يشق لهم غبار في ميدان التربية النقدية وعلم الاجتماع النقدي أمثال: بيير بورديو، وريموند بودون، وجورج سنيدر، واستابلية، وباولو فرايري، وإيفان أليتش، وغيرهم وهم من أبرز رواد المدرسة النقدية في علم الاجتماع التربوي النقدي المعاصر، وبقي الكاتب يدور في فلك جيرو ناسيا أن جيرو لم يكن إلا تلميذا من مئات تلامذة هؤلاء العمالقة الذين أسسوا للفكر النقدي في مجال التربية والاجتماع. وقد نسي الكاتب آلاف الدراسات والأبحاث النقدية التي غطت أوربا وأسيا وأمريكا التي تبحث في الصراع الطبقي على المدرسة، ونسي حتى أن نشير إلى التيارات الفكرية التي نادت بزوال المدرسة مثل الدعوة التي وجهها إيفان أليتش في كتابه (مجتمع بلا مدرسة).

لقد وجه الكاتب النقد إلى المفكرين النقديين الكلاسيكيين لأنهم ركزوا (كما يزعم) على فكرة أن فكرة وحيدة الاتجاه مفادها : أن المدرسة تنتج وتعيد إنتاج ما هو قائم فحسب دون التركيز على أهمية الصراع التربوية بين مكونات المجتمع في ساحة المدرسة. وهو في هذا السياق يؤكد على انفراد جيرو بنظرية الممكن والصراع. وهذا التصور ليس في مقام يعلو على النقد أبدا فأغلب الدراسات والأبحاث والنظريات النقدية ركزت – وعلى خلاف ما يذهب إليه الكاتب - على أهمية الصراع والنضال والمناضلين في العملية التربوي، ويكفي أن أذكر أنه في الستينات من القرن الماضي ظهر كتاب لجورج سنيدر في فرنسا عنوانه (الطبقة والمدرسة وصراع الطبقات) وهو يبحث فيها بحثا رشيقا عن الطابع الاجتماعي والصراع الطبقي في داخل المدرسة وخارجها. ومع احترامي الكبير لجيرو فإن الدعوة إلى بناء المدرسة المناضلة المقاومة هي دعوة ماركسية في الأصل وقد تطورت وأخذت أشكالها الجديدة في النظريات التربوية للماركسيات الجديدة لدى عدد كبير من المفكرين والدارسين، وقد كشفت مئات الدراسات الجارية في أوروبا وأمريكيا عن الطابع الطبقي لهذا الصراع وحددت أبعاده ومتاهاته.

وبقي علينا أن نوجه كلمة شكر إلى مؤلف هذا الكتاب وإلى الدار المصرية اللبنانية للنشر التي ما زالت تضيء علينا بأنوار المعرفة المتجددة لتتحفنا بروائع العطاءات الفكرية التربوي في عصر نحن أحوج ما نكون إلى فكر وضاء جلي نقدي مغامر يحرك المياه الآسنة في التفكير والممارسة التربوية العربية المعاصرة.

وإنني ومن هذا الموقع أشكر الزميل الأستاذ الدكتور علي عاشور الذي عهد إلي بالكتاب ومنحني فرصة الاطلاع على مضامينه وحثني على قراءته فمكنني جزاه الله خيرا من الترحل في جنباته واستكشاف معانيه الفكرية واستقراء مضامينه النقدية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/كانون الأول/2012 - 12/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م