الأطفال مقاتلي القاعدة... حاضر مرير ومستقبل ضائع

 

شبكة النبأ: في أحد الأحياء الفقيرة في شرق العراق، يمارس أمير (6 سنوات) لعبة كرة القدم مع أصدقائه بالقرب من مستنقعات مياه الصرف الصحي دون أن يعرف حقيقةً قد تؤثر عليه طوال حياته. فقد كان والده الذي قُتل قبل أربعة أشهر من ولادته أحد القادة البارزين في تنظيم القاعدة، ومثل عشرات الأولاد لمتمرّدين في محافظة ديالى، لم يتم تسجيل ولادة أمير ولذلك هو الآن من دون وثائق ولا يتمتع بحقوق المواطنة. كما أنه لا يستطيع الحصول على الخدمات الحكومية وتخشى والدته من ألا يكون له أي مستقبل.

وكانت محافظة ديالى واحدة من أكثر المناطق خطورةً في العراق خلال الحرب الأهلية في عامي 2006 و2007، وواحدة من العديد من المحافظات شمال وغرب بغداد التي سقطت تحت سيطرة تنظيم القاعدة. وخلال تلك الفترة، قدّمت بعض العائلات بناتهم للزواج لأن المسلحين أجبروهم على القيام بذلك. واعتبر البعض هذا على أنه تعبير عن الامتنان لمقاتلين أجانب يُنظر إليهم على أنهم يدافعون عن الأراضي العراقية ضدّ الاحتلال. ولم يتم قط تسجيل هذه الزيجات في المحكمة، ولكنها تمت وفقاً للشريعة الإسلامية التي لا تتطلب سوى إمام مسجد واثنين من الشهود لإتمامها. (يتطلب القانون العراقي تسجيل الولادة بالإضافة إلى شهادة الزواج)، ووفقاً لنشطاء في المجتمع المدني وأعضاء في البرلمان، وقع أكثر من سبعين طفلاً في هذا المأزق في محافظة ديالى، وهي واحدة من أكثر المحافظات تضرراً. ولا توجد إحصاءات حول هذا الموضوع على المستوى المحلي. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

ترتدي أم أمير (28 عاماً) الأسود كرمز لحزنها. وتقول أن عائلتها أرغمتها على الزواج من جهادي سوري يقاتل ما كان يسميه بقوات الاحتلال: "لم يكن القرار عائداً لي في اختيار زوجي"، وكان زوجها يدير خلية تتألف من أكثر من 10 أشخاصاً قبل أن يُقتل في مواجهات مع الجيش الأمريكي عام 2006. كما كان يُعتبر "أميراً" في تنظيم القاعدة لأنه قتل أكثر من 10 أشخاص، وقد انتقل أمير ووالدته عدة مرات من مكان إلى آخر تجنباً لعمليات انتقامية من جانب أسر الضحايا الذين أوقعهم والده، وهم يعيشون الآن في منزل صغير مصنوع من الطين والقصدير وقصب النخيل ويتألف من غرفة واحدة ومطبخ، وقالت أم أمير في حديث لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "إنه كلعنة حلّت على حياتي. وما زال الألم يعيش معي حتى بعد وفاته. سأعاني الآن في تربية أمير الذي لا وجود له حتى في العالم الحقيقي، لأنه بدون هوية".

ويحاول بعض أعضاء البرلمان تغيير هذا الوضع، من خلال الضغط لإصدار قانون من شأنه أن يمنح أطفال المسلحين وجوداً مشروعاً كمواطنين عراقيين. وقال حسن سليمان، وهو عضو في "العراقية"، أكبر كتلة سياسية يدعمها السنّة في العراق، في محافظة ديالى: "إنهم ضحايا تنظيم القاعدة". وأضاف أن العديد من النساء أُرغمن على هذه الزيجات؛ وقد بقي بعضهن وحيدات بعد مقتل أو هرب أزواجهن، وتابع: "نحن نحاول حل هذه المشكلة لأنه سيُنظر إلى هؤلاء الأطفال على أنهم تهديد في المستقبل." وقال أن المشرعين سيواصلون متابعة هذا الموضوع في البرلمان إلى أن "نصل إلى نوع من الحل بالنسبة لهم"، واقترح دور الأيتام كأحد الخيارات، ورفض الشيعة، الطائفة المهيمنة في البرلمان، فكرة المواطنة، بحجة أن تنظيم القاعدة - وهو جماعة سنية – قد ارتكب العديد من الجرائم وقتل العديد من العراقيين الأبرياء. وقال حكيم الزاملي، أحد قادة التيار الصدري الشيعي وعضو في لجنة الشؤون الأمنية في البرلمان: "لا يمكن أن نسمح بحدوث ذلك، فأيادي القاعدة ملطّخة بدماء العراقيين. لذا لا يمكننا أن نعطيهم شيئاً"، وقال أبو يوسف، أحد مقاتلي تنظيم القاعدة الذي فضّل الإفصاح عن لقبه فقط لأسباب أمنية: "القاعدة نفسها تعترف بهذه المشكلة". وأضاف أن التنظيم أصدر فتوى منذ بضعة أشهر يأمر فيها أعضاءه غير المطلوبين بعد من الحكومة أن يتزوّجوا من زوجات مقاتلين هاربين أو مسجونين بغية دعم أبنائهم مالياً. وأضاف أبو يوسف "من المهم المحافظة على سلامة الأسر وتربية أبنائهم لأننا سنحتاج إليهم في المستقبل. يجب أن نربي أجيالنا [جيداً] لكي تستمر رسالتنا إلى العالم. فقد بدأت للتو حربنا ضد الكفار وسلطتنا تتزايد".

وعلى الرغم من هذا النوع من الخطابات، ما زال بعض شرائح المجتمع ترى هؤلاء الأطفال نتاجاً لما أصبح يعرف بـ "الاغتصاب غير العنيف"، وهم لن يعيشوا سوى حياة العوز، وقالت حنين الصالحي، وهي ناشطة مدنية في ديالى: "أصبح عدد من تلك الأرامل بائعات للهوى، لأنهن يردن كسب المال. فالمجتمع يرفض أطفالهن... وحتى لو بدأت المحاكم بتسجيلهم وإعطائهم الهويات، لن تتغير الأمور بالنسبة لهم. فالناس تخلّوا عن هؤلاء النساء وأسرهن يخجلون بهن حتى ولو كانوا هم سبب هذه الزيجات السيئة منذ البداية"، وهكذا، بقي الأطفال الذين وصلوا إلى عمر يسمح لهم بالالتحاق بالمدرسة في الشوارع بدل أن يكونوا في الصفوف المدرسية. كما أنهم لا يحصلون على أية رعاية صحية ولن يحظوا بفرص عمل في المستقبل.

وقالت عليا طالب، وهي باحثة وناشطة في المجتمع المدني، وتدير مجلة نرجس، أن هذا النوع من نمط الحياة سيزرع بذور مشاكل مستقبلية في العراق. "سيكون لدينا جيل أمي ... وإبقاؤهم على هذه الحال يشكل تهديداً كبيراً لمستقبل المجتمع، لأنهم قد يصبحوا مجرمين وإرهابيين وتجار مخدرات وقتلة". وتابعت قائلة: "سيشكّلون نواةً لتنظيم القاعدة، ليس لأنهم يريدون ذلك ولكن لأن المجتمع والحكومة تخلوا عنهم، دون إعطائهم أي خيار آخر"، وأكدت طالب أنها تلقّت وعوداً من وزارة التربية والتعليم بمناقشة هذه القضية في البرلمان، ولكن حتى الآن، لم تؤد المداولات إلى أي شيء، "وأنا لا أعتقد أنها ستجدي نفعاً."

في غضون ذلك، يستمر هؤلاء الأطفال بالعيش في الظل. تقوم زينب (7 سنوات) بجمع الزجاجات البلاستيكية من صندوق للقمامة في ضواحي بعقوبة عاصمة محافظة ديالى. كان ولد زينب، وهو زعيم سعودي في القاعدة، قد قُتل خلال اشتباكات مع الجيش الأميركي في عام 2005. وقد تمكّنت والدتها من الحصول على هوية مزورة لها لكنها تخشى كثيراً أن يُكشف أمرها. ولا تعرف زينب هوية والدها أو مصيره، وهي تعتقد أنه مسافر، لذا لا تسأل عنه أبداً.

وقد قالت والدة زينب: "كل ما رأيته في حياتي كان المدافع والحرب. ليس لدي أمل في أي شيء. أفضّل أن أموت ولكنني لا أستطيع ترك زينب وحدها".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/كانون الأول/2012 - 11/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م