شبكة النبأ: شكل الصراع الدموي
المتصاعد في سوريا، كارثة إنسانية جديدة ومأساة حقوقية راح ضحيتها
الآلاف من الفلسطينيين في سوريا، الذين فروا من منازلهم، سباقا مع
الزمن والطقس والحرب، فقد تسببت عمليات العنف والدمار التي تعرض لها
النازحون في إصابة مظاهر الحياة بالشلل، وفاقمت موجة البرد الشديد من
تدهور الوضع الإنساني بشكل كبير في دمشق تحديدا، وتجسد حالة تدهور
الوضع الإنساني في مخيم اليرموك مشهدا لمأساة إنسانية لا مبالاة لها،
ويخفي هذا المشهد واقعاً قاسياً، يكشف الصعوبات التي يعانيها هؤلاء
اللاجئون بعد الموجة الجديدة من النزوح الى لبنان، وتتعدد الصعوبات من
صعوبة الحصول على عمل، الى الكلفة المعيشية المرتفعة والظروف القاسية
في المخيمات، في حين طالبت الحكومة الفلسطينية بتمكين اللاجئين
الفلسطينيين في سوريا من العودة الى الارض الفلسطينية بسبب الصراع
الدائر هناك، ومن الجدير بالذكر انه يقطن في سوريا ما يقرب من 500 الف
لاجئ من أصول فلسطينية يقيمون في عشرة مخيمات أكبرها مخيم اليرموك
الواقع بجنوب العاصمة دمشق.
مأساة إنسانية
في سياق متصل أسفل عمود إضاءة في الشارع يحتمي طفل بغطاء خفيف لا
يغطي قدميه مما يجعلهما عرضة لبرد ديسمبر القارس وهم نائم على جانب
رصيف في حي راق بدمشق، ويقول ناشط الذي وضع على الانترنت صورة الطفل -الذي
يبدو بالكاد في سن المراهقة- انه من مخيم اليرموك القريب من وسط
المدينة والذي اصبح احدث ساحة معارك بالنسبة للجماعات المسلحة وهدفا
لمدفعية الرئيس بشار الاسد، وتستضيف سوريا زهاء 500 ألف لاجيء فلسطيني
يعيش معظمهم في اليرموك وهم أبناء وأحفاد اللاجئين الذين استقبلتهم
سوريا عقب قيام إسرائيل عام 1948. ويسكن اغلبهم في المخيم المكتظ
بالمباني السكنية.
وقال السكان الفارون انهم فروا في غالبيتهم على الاقدام بعدما دمرت
منازلهم جراء القصف، واستقل عدة الاف سيارات اجرة وحافلات الى الحدود
اللبنانية على بعد50 كيلومترا. وكان لاخرين اصدقاء واسر قدمت الدعم
لهم. لكن بعد 21 شهرا من الصراع اصبح الكثيرون بلا مال ولا يملكون أي
خيار آخر، ويتحدث سكان دمشق عن وجود مئات الاسر في الشوارع الواسعة
بمنطقة وسط دمشق الراقية وهم ينظرون في ذهول بينما يجلسون في الحدائق
وعلى الارصفة، وابلغت امرأة تعيش هناك ان الفلسطينيين في حالة من
الذهول بشأن مصيرهم وقالت "كنت احاول ركوب سيارة اجرة عندما شاهدت مسنا
في حالة ذهول على الرصيف." ورفضت المرأة نشر اسمها خوفا من انتقام
المسؤولين، وكان الرجل الذي يرتدي سترة زرقاء يحاول تغطية جسمه بأوراق
صحيفة للاحتماء من البرد. وقالت المرأة "لم يتمكن من تغطية قدميه لانه
لم يكن لديه أوراق صحف كافية. وضع يداه حول رأسه التماسا للدفء"، وقالت
ساكنة اخرى ان النازحين اقاموا تجمعات فلسطينية حول احياء ومناطق وسط
المدينة الواقع تحت سيطرة حكومية شديدة والذي لا تتعرض للقصف خلافا
للضواحي الواقعة على اطراف العاصمة المخترقة من جانب قوات المتمردة.
بحسب رويترز.
واضافت "هذه حديقة في الجهة المقابلة تماما لفندق فور سيزونز اصبحت
مأوى للعديد من الاسر"، وتابعة قائلة "كنت امر من هنا وسألني طفل في
العاشرة او الحادية عشرة عما اذا كان هناك اي عمل يمكن ان يقوم به"،
واخذها الصبي الى الحديقة الصغيرة حيث كان شقيقة البالغ من العمر 18
شهرا ينام تحت شجرة في صندوق من الورق المقوى، وقالت "ما حدث في
اليرموك كان مفاجئا لدرجة ان المواطنين اتخذوا قرار الفرار في جزء من
الثانية، "لم يأخذوا شيئا معهم" وجاء في تعليق على صورة الصبي النائم
في الشارع انها التقطت في حي ابو رمانة الراقي. وتوجد بالقرب منه ساحة
الامويين وهي في دمشق مثل ميدان الطرف الاغر في لندن وساحة تايمز سكوير
في نيويورك، وينام هذا الصبي مع الاف آخرين مثله في العراء بالمدينة
حيث تهوي درجات الحرارة اثناء الليل لتقترب من درجة التجمد في الشتاء.
وكان الجو صحوا اليوم لكن الامطار في طريقها للهطول.
نزوح ثاني
ففي احد منازل مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت، تقول ام
خليل وهي تحمل طفلها "الفلسطيني يتحمل دائما، لكن الاطفال لا يفهمون
معنى التحمل (...) وان تعجز عن ان توفر لهم الحليب او الحفاضات، او ان
يعيشوا حياة صعبة"، مثل الكثيرين من مواطنيها، عرفت ام خليل هجرات
متعاقبة. عائلتها قدمت الى سوريا من شمال فلسطين في العام 1948 ضمن
موجات الهجرة الضخمة التي اعقبت اعلان قيام اسرائيل. واضطرت هي في
الايام الاخيرة الى مغادرة منزلها في مخيم اليرموك في جنوب دمشق، جراء
الغارات الجوية والاشتباكات بين متمردي نظام الرئيس بشار الاسد
والموالين له.
وعبر الى لبنان في الايام الاخيرة نحو 2,800 نازح فلسطيني من مخيم
اليرموك، واقامت ام خليل في منزل مستأجر في مخيم شاتيلا للاجئين
الفلسطينيين في بيروت، حال ام خليل كحال ام محمد، التي تشكو من ارتفاع
كلفة المعيشة في العاصمة اللبنانية "ليس لدينا اي شيء على الاطلاق
(...) المعيشة هنا صعبة جدا جدا". تضيف "بيوتنا كلها راحت في اليرموك.
الناس هنا اعطونا فرشة وغطاء وبعض الاغراض"، في منزل صغير شبه مظلم
يستأجره في شاتيلا، يقول احمد (60 عاما) "نحن الفلسطينيون نتنقل طوال
الوقت. اعتدنا على التهجير". وفي هذا المنزل الذي انتقل اليه مع عائلته
يضطر احمد الى "الاقتصاد في استهلاك الكهرباء"، بعدما كان يعيش "في وضع
جيد" في دمشق، ومع تسرب مياه الامطار الى داخل المنازل في المخيم حيث
تتبلل الفرش الصغيرة، يتخوف احمد من شتاء صعب على عائلته المؤلفة من
سبعة افراد، لا سيما وانها لا تملك سوى اربعة اغطية، كانت اميرة تبيع
مثل الاغطية الشتوية في مخيم درعا للاجئين بجنوب سوريا، الذي غادرته
قبل شهر بعدما وزعت كل بضاعتها على العائلات الباقية في المخيم، الاكثر
تضررا جراء النزاع المستمر في البلاد منذ 21 شهرا. بحسب فرانس برس.
وتقول وهي تحمل ابنتها الرضيعة التي لا يزيد عمرها عن ثلاثة اشهر "عندما
سقطت قذيفتان الى جانب المنزل، قررت الرحيل. قمت بذلك من اجل الاطفال،
من اجل ابنتي الصغيرة التي لم اتمكن من توفير الحليب لها مدة 15 يوما"،
وفي المنزل المؤلف من غرفتين والذي يبلغ بدل ايجاره الشهري 300 دولار
ويأوي العائلة التي تضم اربعة ابناء، يقول سالم زوج اميرة "التهجير؟ هو
حياتنا منذ العام 1948"، ويحاول سالم بصعوبة توفير مقومات الحياة
لعائلته وبدل الايجار، في ظل تكلفة معيشية اكثر ارتفاعا في لبنان،
وصعوبة الحصول على عمل دائم، ما يدفعه الى مزاولة وظائف موقتة لبضعة
ايام شهريا، لكن الفلسطينيين ما زالوا مجمعين، رغم الدمار واعمال العنف،
على العودة الى سوريا "قبل العودة طبعا الى فلسطين".
مخيم اليرموك
على الصعيد نفسه عاد الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الى مخيم
اليرموك، في جنوب دمشق، الذي بدأ ينفض عنه آثار الغارات الجوية
والاشتباكات بين الاطراف المتخاصمة، وقال الفلسطيني محمود ناصر "هذا
يوم جميل لأن الناس تمسكت بمخيمها، وتمكنت من تجاوز مخاطر شتات جديد"،
اضاف "إرادة أبناء المخيم القوية ظهرت من خلال البقاء في المخيم
والعودة إليه، ومن ثم تسيير تظاهرات تدعو للعودة والصمود" فيه، لان
"أهل اليرموك يعرفون ان مخيمهم هو عاصمة الشتات ولا احد يقامر
بالغائه"، واوضحت صحافية في فرانس برس تواجدت على دوار البطيخة الواقع
على المدخل الرئيسي للمخيم، انه يمكن سماع بعض الطلقات النارية
المتقطعة من وقت الى آخر في محيطه، واشارت الصحافية الى انه تم وضع
حجارة على الطريق لمنع دخول السيارات الى المخيم، لكن باصا صغيرا يحمل
عددا من العائدين واغراضهم تمكن من الدخول عبر طريق فرعي، وقال احد
الركاب "نعود لاننا اكتفينا من الذل، خسرنا ارضنا (فلسطين) ولا نريد ان
نفقد منازلنا ونقيم في خيم كما فعل اهلنا"، وعاودت محال تجارية عدة لا
سيما تلك التي تبيع المواد الغذائية، فتح ابوابها اليوم. بحسب فرانس
برس.
العودة الى الأرض الفلسطينية
الى ذلك طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتمكين اللاجئين
الفلسطينيين في سوريا من العودة الى الارض الفلسطينية بسبب الصراع
الدائر هناك، وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "طلب الرئيس
محمود عباس من الأمين العام للامم المتحدة والمجتمع الدولي تمكين ابناء
شعبنا في سوريا من دخول الارض الفلسطينية نتيجة ما تتعرض له المخيمات
من ويلات الصراع الدموي في سوريا. بحسب رويترز.
وقال مصدر عند الحدود اللبنانية إن أكثر من ألف لاجئ فلسطيني يعيشون
في سوريا عبروا الى لبنان، وتحتاج عودة اللاجئين الفلسطينيين الى الضفة
الغربية الى موافقة اسرائيل بسبب سيطرتها على المعابر الدولية التي
تربط الاراضي الفلسطينية بالعالم الخارجي. |