تيار أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة.. أي علاقة؟

نورالدين المباركي

من اليمن إلى المغرب يُطرح السؤال ذاته: أي علاقة بين تنظيم "أنصار الشريعة" الذي برز خلال الأشهر الأخيرة في بلدان الربيع العربي، وبين تنظيم القاعدة؟ هل "أنصار الشريعة" هم الواجهة العلنية والسياسية للتنظيم السري والعسكري للقاعدة؟ أم أن العلاقة بينهما لا تتجاوز الالتقاء حول الثوابت والمرجعيات للسلفية الجهادية عموما، دون أن تكون هناك أي علاقة تنظيمية بين الطرفين؟

والأسئلة ذاتها تطرح اليوم في تونس، لكن بشكل محتشم مقارنة مع اليمن وليبيا التي عرفت قبل أسابيع مقتل السفير الأمريكي، والمغرب التي تمكنت الجهات الأمنية هناك من تفكيك خلية تنسب نفسها لتيار " أنصار الشريعة"، والسبب أن "أنصار الشريعة" في تونس وإن نُسبت إليهم أعمال عنف وتهديد للحريات العامة والفردية فإنهم يؤكدون أن دورهم الرئيسي هو الدعوة، يقولون: "تونس أرض دعوة وليست أرض جهاد"، فضلا عن انخراطهم في أعمال تطوعية وخيرية وأنشطة اجتماعية في الأحياء و الجهات الفقيرة.

****

بالعودة إلى التقارير الإعلامية و آراء المختصين في الحركات الإسلامية الجهادية، نلاحظ عدم القدرة على المسك بالحلقة الرئيسية لتأكيد ارتباط أنصار الشريعة بتنظيم القاعدة وأيضا لنفي هذا الارتباط، مما جعل أغلب الآراء مبنية على استنتاجات تحليلية والاكتفاء بتقديم توصيفات للعلاقة بين التنظيمين، مثل أن أنصار الشريعة هم " الذراع الإيديولوجية للقاعدة " أو هم " الأداة الناعمة " أو " أنصار الشريعة والقاعدة وجهان لعملة واحدة".

وفي الحقيقة ثمة ما يفسر هذا الغموض، أولا إن التصريحات العلنية لبعض رموز أنصار الشريعة فيها نفي لأي ارتباط تنظيمي بالقاعدة (ويؤكدون على ذلك) فيما تاريخ هذه الرموز مرتبط بتنظيم القاعدة. ثانيا إن خيار رفع السلاح لدى أنصار الشريعة لا يحتل أولوية في نشاطها الميداني (على الأقل إلى حد الآن) مقارنة بما عُرفت به القاعدة قبل أكثر من عقد.

لكن بالرجوع إلى أهم المحطات في تجارب الحركات الإسلامية الجهادية نقف عند محطتين كبيرتين، المحطة الأولى هي " الجهاد ضد الأنظمة الحاكمة" التي يقول عنها أحد منظري القاعدة حازم مدني:" إن مفتاح الصراع الذي أطلق في تجارب المجاهدين ضد الأنظمة الحاكمة لم يلق صدى لأنه لم يخاطب الشعب في محسوساته ولا بد من وجود مفتاح صراع واضح يتفاعل مع الشعب.." أما المحطة الثانية أو "مفتاح الصراع" حسب حازم مدني فإنها " أن تنصب أولوية العمل الجهادي على نظام سياسي عالمي (التحالف الصليبي اليهودي) والذي تدور في فلكه ومنظومته كافة الأنظمة الأخرى " وهي المحطة التي قادها تنظيم القاعدة من خلال العمليات العسكرية النوعية أشهرها عملية 11 سبتمبر 2001 وتفجير السفارة الأمريكية في نيروبي وتفجيرات مدينة الخبر السعودية.. ومكنت هذه المحطة تنظيم القاعدة من فرض حضوره الإعلامي على الفضائيات وأيضا من اكتساب مساحة من التعاطف من الشباب في العالمين العربي والإسلامي لأنه يحارب أمريكا وإسرائيل.

غير أن هذه المحطة بدورها فقدت "صلوحيتها" عندما تكثفت المحاصرة الأمنية والمخابراتية لتنظيم القاعدة مما ساهم في عزلته و انحساره، وبرز هذا خلال السنوات الأخيرة، فكان لابد من محطة جديدة تكسر هذه العزلة وتتجاوز حالة الانحسار، هذه المحطة هي "أنصار الشريعة" التي تقوم على الاستفادة من مساحات التحرك والنشاط التي أوجدتها ثورات الربيع العربي (وهو ما يفسر بروز هذا التنظيم في بلدان الربيع العربي) وإعادة الروابط مع الشعب من خلال "مخاطبة أحاسيسه "(حازم المدني)، وهو ما يظهره التأكيد على الجانب الدعوي والمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية والقيام بأعمال خيري وتطوعية وتقديم المساعدات للفقراء والمحرومين.

وعليه يمكن القول إن تنظيم "أنصار الشريعة" هو حلقة جديدة في مسار الحركات الجهادية، تأتي بعد تجربة القاعدة في " صراعها ضد التحالف الصليبي – اليهودي"

*****

في تونس ورغم وجود تنظيم "أنصار الشريعة" منذ 2011 بقيادة سيف الله بن حسين المُكنى بـ" أبوعياض التونسي"، فإن متابعة هذا التنظيم من طرف المهتمين بالشأن السياسي لا تتم من ناحية ارتباطه بالقاعدة من عدمها، بل من ناحية التعاطي معه لدفعه للانخراط في مؤسسات المجتمع من أحزاب وجمعيات وهيئات منتخبة، وربما ما ساعد على دفاع النقاش في هذا الاتجاه وجود حكومة في تونس عمودها الفقري حركة النهضة الإسلامية التي تعتبر أن " السلفيين أخوة لم يأتوا من المريخ". لكن ذلك لم يمنع من التعرض إلى هذا التنظيم وارتباطه بفكر القاعدة وإيديولوجيتها.

سُئل أبوعياض القيادي في تيار أنصار الشريعة عن علاقته بتنظيم القاعدة فأجاب في حديث صحفي نشرته صحيفة تونسية:" أنا لم انتم إلى تنظيم القاعدة تنظيميا، وشاركت فقط في معركة الانسحاب من جلال أباد الأفغانية، ورغم ذلك حوكمت للقاعدة باطلا 20سنة سجنا غيابيا، ومع ذلك أقولها صراحة ولا أخشى في الله لوم لائم إني أحمل فكر القاعدة ومنهجها وأعتبر أن تنظيم القاعدة هم أهل الحق الذين يجب مناصرتهم في العالم.." ويضيف:" نحن نوالي القاعدة و نعتبرها سدا منيعا ضد الحرب الصليبية الصهيونية على بلاد المسلمين"

وهذه الإجابة لا تختلف في مضمونها عمّا قاله الناطق الرسمي باسم مجموعة أنصار الشريعة في اليمن قائد الذهب في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية:" نحن لسنا من القاعدة ولكننا نعتز بعلاقتنا بها"

ورغم هذا النفي العلني لارتباط أنصار الشريعة في تونس تنظيميا بالقاعدة فإن بعض الوقائع الأخرى تدفع للتساؤل عن تماسك هذا النفي، من ذلك بروزهم كطرف رئيسي في المطالبة بإطلاق سراح المساجين التونسيين الذين حاربوا في العراق مع تنظيم القاعدة في الفترة بين 2005 و2007 والقيام باعتصام أمام كل من وزارة الخارجية التونسية و السفارة العراقية في تونس. وأيضا المكانة التي يحظى بها يسري فاخر الطريقي (أبو قدامة التونسي) الذي أسر في العراق سنة 2006 وأعدم قبل أشهر لضلوعه في تفجير القبرين الشيعيين مرقد الإمامين الهادي والعسكري. هذا إلى جانب ما تداولته فضاءات التواصل الاجتماعي حول تليق أطفال في إحدى الرياض أناشيد تنظيم القاعدة التي تشيد بأسامة بن لادن و أيمن الظواهري و أبو يحي الليبي. ثم الشعارات الي رُفعت أمام السفارة الأمريكية يوم 14 سبتمبر 2012 " أوباما..أوباما.. كلنا أسامة " في إشارة إلى أسامة بن لادن.

قد لا تؤكد هذه الوقائع بشكل قطعي وجود رابط تنظيمي بين أنصار الشريعة في تونس والقاعدة، لكنها تؤكد أنهما من الدائرة ذاتها، أو علاقتهما مثل علاقة حركة طالبان بتنظيم القاعدة.

* صحفي تونسي

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/كانون الأول/2012 - 9/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م