أزمة نقص الخبز... كارثة جديدة في سوريا

 

شبكة النبأ: لا تزال معظم المواد الغذائية الأساسية متاحة، ولكن ليس بالضرورة بأسعار معقولة، وعندما زار بشار العقاد مدينة الرقة، التي تسيطر عليها الحكومة، في شمال سوريا مؤخراً، لم يقدم له موظفو الفندق وجبة الإفطار لأنهم لم يتمكنوا من العثور على خبز في أي مكان في المدينة، وقال العقاد أن السكان في قرية مجاورة بدؤوا يصنعون خبزهم في مخبز تقليدي لأول مرة منذ 16 عاماً في الوقت الذي ارتفع فيه سعر الخبز من 25 ليرة لكل كيلوغرام ونصف من الخبز المدعوم من الحكومة السورية إلى 150 ليرة في المخابز الخاصة. وتجدر الإشارة إلى أن الخبز يعد عنصراً رئيسياً في النظام الغذائي السوري، ويؤكل مع كل وجبة تقريباً، وأضاف العقاد قائلاً: "لقد أصبح الخبز مكلفاً لأنه أصبح نادراً. قالوا لنا أن كل شخص سيحصل على رغيف واحد من الخبز كل ثلاثة أيام. لقد أصبح الوضع الآن مخيفاً للغاية...إذا استمر الوضع الأمني على هذا المنوال، لن يجد الناس الخبز. وهذه هي البداية"، ولا تنتاب هذه المخاوف العقاد فقط، إذ أفاد برنامج الأغذية العالمي مؤخراً أنه يشعر بالقلق إزاء انعدام الأمن الغذائي المتزايد في سوريا، لأن أحداث العنف ألحقت أضراراً بخطوط الإمداد والمخابز، وأدت إلى زيادة الطلب في مناطق لجوء النازحين الذين يفرون من العنف. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.

مع ذلك، لا يزال البرنامج غير قادر على زيادة المساعدات لعدد متزايد من المحتاجين بسبب نقص التمويل وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق لإجراء تقييمات ومحدودية عدد الشركاء المنفذين، وكانت الحكومة قد عينت الهلال الأحمر العربي السوري منسقاً للمساعدات الإنسانية في البلاد وفرضت توجيه معظم المساعدات من خلاله. ويقول الهلال الأحمر العربي السوري أنه يستطيع زيادة عدد المنظمات المحلية التي تعمل معه على الأرض؛ لكن وكالات الأمم المتحدة تشكو من أن العمل يفوق قدراتها، وقد أكدت كيت نيوتن نائبة المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في سوريا أنه "في ظل غياب شركاء آخرين على الأرض وتقييمات محدثة للوضع الإنساني، لن نتمكن من توسيع نطاق المعونة على الفور".

ويحاول برنامج الأغذية العالمي بناء قدرات الهلال الأحمر العربي السوري، وقد عقد شراكة مع إحدى الجمعيات الخيرية المحلية في مدينة حمص بوسط سوريا، ويعمل حالياً على استكشاف إمكانية توسيع شراكاته، ولكن حتى من دون توسيع نطاق المساعدات، يبقى التمويل حجر عثرة، إذ توجد فجوة تصل إلى ثلاثة أشهر بين تلقي برنامج الأغذية العالمي للتمويل وإمكانية توزيع الحصص الغذائية على الأرض، وذلك بسبب الوقت الذي يستغرقه شراء ونقل المواد الغذائية. وعلقت نيوتن عل ذلك بقولها أن "الإمدادات قليلة جداً"، وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي بالفعل إلى خفض الحصص الغذائية من حوالي 1,300 كيلو كالوري للشخص الواحد في اليوم في شهر مايو الماضي إلى حوالي 1,000 كيلو كالوري بهدف الوصول إلى عدد أكبر من الناس بنفس الأموال المتاحة لديه. يحتاج البرنامج إلى 15,000 طن من الغذاء شهرياً - بتكلفة تبلغ 22 مليون دولار - لتوصيل المساعدات إلى 1.5 مليون شخص، أو حوالي 134 مليون دولار لتنفيذ برامجه في النصف الأول من عام 2013، وجدير بالذكر أن الغالبية العظمى من المستفيدين (حوالي 85 بالمائة) هم من النازحين بسبب العنف، ''إذا استمر الوضع الأمني على هذا المنوال، لن يجد الناس الخبز. وهذه هي البداية''، وأفادت نيوتن أن "خط الامداد الخاص بشهر يناير على ما يرام، لكنه سيصبح فارغاً تماماً بعد فبراير. نحن بحاجة لملء خطوط الإمداد الآن، لأن شهري يناير وفبراير هما أبرد شهور السنة في سوريا".

وتمتلك سوريا الآن مخزوناً من القمح يكفي لمدة سنة ونصف، وفقاً لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، التي تتوقع أن يرفع محصول هذا الشتاء المخزون إلى أربعة ملايين طن. لكن بعض المراقبين يتساءلون إن كانت الحكومة ترسم صورة وردية للوضع الحالي، ولا توجد بيانات مستقلة تذكر عن نجاح محصول هذا العام، لكن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) تقول أن هناك عدة أسباب تدفعها إلى توقع أن يكون أقل من المتوسط، من بينها ضعف الأمطار؛ وانعدام الأمن، الذي منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم؛ ونقص الوقود والعمالة، الذي أدى إلى عدم حصاد بعض الأراضي الزراعية على الإطلاق. وكانت منظمة الفاو قد توقعت في سبتمبر الماضي أن يصل إنتاج الحبوب إلى 3.5 مليون طن في عام 2012، مسجلاً بذلك انخفاضاً عن الـ4.7 مليون طن المسجلة في عام 2011.

كما يهدد تفاقم نقص الوقود موسم الزراعة الجديد الذي ينتهي في ديسمبر/يناير. وقال المزارعون لأحد عمال الإغاثة مؤخراً أثناء زيارته للمناطق الزراعية في شمال شرقي سوريا: "انسوا الوقود الضروري لتدفئة منازلنا؛ فقط أعطونا الديزل لري حقولنا"، بالإضافة إلى ذلك، تعتمد سوريا عادة على الواردات لتغطية ما يقرب من نصف احتياجاتها الغذائية المحلية، وتتوقع منظمة الفاو أن تحتاج دمشق لاستيراد أكثر من خمسة ملايين طن من الحبوب لأغراض الغذاء وإطعام الحيوانات خلال الفترة من يوليو 2012 إلى يونيو 2013 - بزيادة تزيد عن الثلث بالمقارنة مع واردات العام الماضي. ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام، أثرت العقوبات على قدرة سوريا على شراء الحبوب من الأسواق العالمية، على الرغم من إعلان الدول الصديقة أنها رفعت مستوى تجارتها مع سوريا للمساعدة في سد هذه الفجوة.

ولم تعترف الحكومة بعد بنقص القمح في البلاد. وقد نقلت وسائل الاعلام المحلية مؤخراً عن قدري جميل، نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية، قوله أن "أزمة الخبز" في البلاد ترجع إلى إغلاق العديد من المطاحن - بما في ذلك 23 مطحنة في مدينة حلب المتنازع عليها شمال البلاد - والصعوبات التي تواجه نقل الطحين من منطقة إلى أخرى، وأضاف أن البلاد تنتج في الأحوال العادية ما بين 8,000 و9,000 طن من الطحين يومياً وأن الإنتاج انخفض بنسبة 40 بالمائة. وأوضح أن سوريا طلبت مساعدة الدول الصديقة لأول مرة في تاريخها لأنها قد تضطر لاستيراد ما يصل إلى 100,000 طن من الطحين شهرياً.

النساء اللائي لم يعدن قادرات على تحمل نفقات طعامهن يبحثن عن على مساعدة من الهلال الأحمر العربي السوري، وقد أصبح النقص ملموساً بالفعل. ففي نهاية شهر نوفمبر، كان من الصعب العثور على الدقيق حتى في محلات السوبرماركت في دمشق، رغم أنها من أقل المناطق تضرراً في البلاد. أما في حلب، فيعتمد الناس إلى حد كبير على المخابز الخاصة وسط نقص حاد في الخبز هناك. وقد تنقطع الإمدادات عن أحياء بأكملها لعدة أيام عندما تقع اشتباكات عنيفة، ويُقال أن مجموعات الثوار والمسؤولين الحكوميين بدؤوا يعقدون صفقات لضمان حصول الناس على احتياجاتهم الأساسية الضرورية للبقاء على قيد الحياة. وفي الشهر الماضي، أعلن المجلس الثوري المدني في بلدة الباب الشمالية وضواحيها على صفحة الفيسبوك الخاصة به أنه وقع اتفاقاً مع محافظ حلب لمقايضة القمح المخزن في الصوامع التي يسيطر عليها الثوار مقابل الدقيق والمازوت والغاز من المناطق الحكومية، وتفيد تقارير برنامج الأغذية العالمي أن المواد الغذائية الأساسية بصورة عامة لا تزال متاحة في الأسواق (مع بعض الاستثناءات الواضحة لفترات مؤقتة في مناطق محددة)، لكنها ليست دائماً في متناول اليد. ومع تزايد البطالة، يقع المزيد من السوريين في براثن الفقر، وتزداد الطوابير طولاً أمام المحلات التجارية المدعومة من قبل الحكومة، وحتى الأسر التي لم تتأثر بشكل مباشر جراء أعمال العنف تلجأ إلى تسول الغذاء من مكاتب منظمات الإغاثة، كما زادت أسعار دقيق القمح والسكر بنسبة 15 و8 بالمائة على التوالي في الربع الأخير من عام 2012، بالمقارنة مع الربع الثالث، وفقاً لأحدث نشرات رصد الأمن الغذائي الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي. كما ارتفع سعر الخبز في حلب، في حال توفره، بنسبة 50 بالمائة عن سعره في المحافظات الأخرى، بعد أن وصل إلي 250 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد. وحتى في دمشق، ارتفعت أسعار البيض والفواكه والخضروات الطازجة بشكل كبير.

وتقوم وزارة الزراعة حالياً، بالاشتراك مع برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الفاو، بإجراء تقييم سريع لانعدام الأمن الغذائي في البلاد، ويحاول برنامج الأغذية العالمي المحافظة على نظام غذائي متوازن من الناحيتين الثقافية والغذائية في سلة الغذاء السورية - فقام بتوفير البرغل والمعكرونة والأرز، بدلاً من الالتزام بنوع رئيسي واحد فقط، وذلك تمشياً مع النظام الغذائي المتنوع في سوريا - ولكن النازحين يكافحون من أجل استكمال الأساسيات التي يتلقونها ضمن حزم المساعدات، وكانت المجتمعات المضيفة توفر للنازحين أطعمة إضافية مثل الزيتون أو الحلاوة الطحينية، لكنها لم تعد قادرة على القيام بذلك، لأنهم أصبحوا يجدون صعوبة في إعالة أنفسهم، وفي مدرسة مزدحمة في دمشق تستضيف النازحين من مناطق العنف في الضواحي، تطعم الأمهات أطفالهن السلامي والجبن المعبأ، وقالت نعمة حرستاني بينما كانت تجلس في حجرة الدراسة التي أصبحت بمثابة غرفة نومها، ويحيط بها أطفالها: "لا أعرف ما كان سيحدث لي بدون المساعدة التي أتلقاها من هذا المركز. لدي خمسة أطفال لا أستطيع إطعامهم"، وتشعر منظمة الصحة العالمية بالفعل بالقلق إزاء سوء التغذية الذي قد يصبح مشكلة. فقد "أدت الاضطرابات الطويلة الأمد إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، والظروف المعيشية غير الصحية، والاكتظاظ، وعدم القدرة على الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية أو محدودية الوصول إليها، وانخفاض تغطية التحصين للأطفال دون سن الخامسة،" كما أشارت المنظمة في تقرير صدر مؤخراً، مضيفة أنه "يمكن أن تتسبب عن هذه العوامل مجتمعة بآثار خطيرة على الحالة التغذوية للأطفال دون سن الخامسة، والنساء الحوامل والمرضعات"، ويقول الهلال الأحمر العربي السوري أنه لاحظ بالفعل انخفاضاً كبيراً في جودة الاستهلاك الغذائي للسوريين، وقد استطاعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من خلال الهلال الأحمر العربي السوري، توصيل الغذاء إلى مليون شخص منذ بداية العام. كما تشارك مجموعات أصغر حجماً، مثل خدمة اللاجئين اليسوعية والمنظمة غير الحكومية المحلية الأمانة السورية للتنمية، في تقديم المساعدات، ولكنها لا توزع سوى عدة آلاف من الوجبات الغذائية، وكما قال أحد عمال الإغاثة، "الاحتياجات هائلة وآخذة في التزايد،" وببساطة لا يوجد ما يكفي لتلبية كافة الاحتياجات، بدورها، قالت نيوتن: "ليست لدينا حصص غذائية تكفي الجميع". ولذا قررت وكالات الإغاثة منح الأولوية للنازحين، لكنها "وإن لو فعلت ذلك، لا توجد حصص كافية لهم جميعاً".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/كانون الأول/2012 - 8/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م