لماذا رفض الفلسطينيون القرار الدولي رقم 181؟

علي الأسدي

في يوم صدور قرار الأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر\تشرين الثاني الماضي بمنح فلسطين صفة مراقب، كتب في موقعه الإلكتروني أوردي أفنيري، وهو أحد الضباط السابقين الذين شاركوا في حرب تحرير الأراضي الفلسطينية من سكانها تمهيدا لإقامة دولة اسرائيل، تلك الحرب التي يعتبرها حربا من أجل الاستقلال، كتب الكلمات التالية:

 "هذا هو يوم فرحة. فرحة للشعب الفلسطيني. فرحة لكل الذين يأملون أن يحل السلام يوماً بين دولة اسرائيل والعالم العربي. وبكل تواضعٍ أقول: هذه هي فرحتي الشخصية أيضا."

ومع أني لم اجد في قوله أي شيء من التواضع، لكنه لو كان متواضعا حقا لاعتذر من اولئك الذين اجبرهم على مغادرة بيوتهم ووطنهم، والى الضحايا الذين سحقتهم دبابات المناضلين من اجل الاستقلال في دير ياسين وتترا، والى أولئك الأحياء الذين طردهم من وطنهم الى المجهول ويعيشون الآن أغرابا لاجئين في أنحاء الدنيا، يأكلون ويشربون حسرتهم على وطن لا يستطيعون حتى تقبيل ترابه.

فهل يفعل بطل الاستقلال ذلك.. ويعتذر عما اقترفه بحقهم..؟؟

و يكتب الضابط الاسرائيلي ايضأ قائلا: "في خضم معارك حرب عام 1948، الحرب التي بدأها الفلسطينيون على أثر قرار التقسيم، توصّلتُ إلى القناعة أن هناك شعباً فلسطينيّاً وأن إقامة دولة فلسطينية هو شرطٌ مسبقٌ للسلام".

ماذا يمكن أن يقول قارئ تلك الكلمات عندما يعرف أن كاتبها شارك بفخر في حرب العصابات ضد الفلسطينيين لطردهم من وطنهم ويعتبرها حربا من اجل الاستقلال. الضابط الاسرائيلي هذا لم يشعر بالحرج عندما يقول أنه اقتنع أخيرا بأن هناك شعبا فلطسينيا في مكان ما في الجوار، وهو يعرف أن الشعب الذي اقتنع الآن بوجوده يتعرض منذ سبعة وثمانين عاما لحرب ابادة يخوضها أمثاله من العسكريين الاسرائيليين. ومنذ عام 1925 يتعرض الفلسطينيين داخل اسرائيل وفي الضفة الغربية وغزة الى القتل والاذلال اليومي والتهجير وسرقة الأراضي وتدمير البيوت والممتلكات الفلسطينية. يا له من اكتشاف هائل، اكتشاف قد يستحق عليه احدى جوائز نوبل للقتلة بدم بارد، ولا غرابة فقد منحت الجائزة قبله لبطل حرب الاستقلال اسحاق رابين.

وليس ذلك فحسب، فان بطل حرب الاستقلال ذاك يكذب علينا بادعائه بأن حرب عام 1948 قد بدأها الفلسطينيون على اثر قرار التقسيم.

أهناك تزييف للحقائق التاريخية أكثر من ذلك..؟

ان حرب الاستقلال المزعوم لم تبدأ عام 1948، ولم يبدأها الفلسطينيون، بل بدأتها عصابات المستوطنين الصهاينة منذ عام 1925، عندما بدأت موجات المهاجرين اليهود الأجانب بالدخول الى فلسطين للاستيطان فيها على حساب سكانها الشرعيين. ولقد بدأت تلك الحرب الاستعمارية بناء على تخطيط مسبق من قبل الصهيونية العالمية التي شكلت لهذا الهدف منظمات ارهابية يهودية مسلحة قامت منذ ذلك التاريخ ( 1925) وليس من عام 1948 بتنظيم عمليات اعتداء على السكان العرب وارهابهم ليتركوا بيوتهم وأراضيهم.

وعندما اكتشف الفلسطينيون التواطؤ البريطاني مع الاستيطان ثاروا احتجاجا على ذلك وطالبوهم بوقف الهجرة الى فلسطين، لكن البريطانيين بدلا من ذلك اعتقلوا قادة الاحتجاجات ونفوهم الى خارج البلاد ايغالا في ارهاب الفلسطينيين وتنفيذا للسياسة البريطانية الموالية للصهيونية.

فالحرب اذن لم يبدأها الفلسطينيون، بل عصابات المستوطنين الذين دربتهم الحركة الصهيونية لخوض العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين لاستعمار فلسطين وطرد سكانها منها. وها آنذا أذكر بطل الاستقلال ببعض الحقائق التاريخية التي يجهلها ربما. لكني قبل أن أفعل أطلب منه أن يقول لنا عن أي فلسطين يناضل، أهي فلسطين اليوم التي هي في طريقها للتجزئة الى كانتونات لا تكاد ترى بالعين المجردة على خريطة العالم، أم فلسطين الفلسطينيين التي ابتلعت دولته اكثر من 80% منها..؟

أيعرف بطل الاستقلال المزعوم أنه مع بداية الوصاية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية كانت نسبة اليهود من مجموع السكان في فلسطين 5،8% خمسة بالمائة وثمانية أعشار الواحد. لكن التزايد المستمر بكثافة لعدد المهاجرين اليهود من اوربا رفع نسبتهم الى حوالي ثلث مجموع السكان، وذلك تهيئة لفبركة قرار التقسيم الذي يعرفون ويعلمون بصدوره في عام 1947. ورغم أن عدد اليهود أقل كثيرا من عدد السكان الفلسطينيين فقد جاء القرار الأممي رقم 181 في 29 نوفمبر\ تشرين الثاني لعام 1947 في صالح الأقلية اليهودية على حساب الأكثرية الفلسطينية، وهذا ما دفع الفلسطينيين لرفض القرار.

فكيف حصل ذلك..؟

لقد منح القرار اسرائيل 56% من مساحة فلسطين التي ضمت أفضل الأراضي فيها، وكان واضحا أن القرار قد آخذ في الاعتبار المناطق المفضلة من جانب الصهاينة لتكون جزء من دولة اسرائيل. فمنذ بدء نشاطات الحركة الصهيونية في فلسطين في عشرينيات القرن الماضي بدأت بنفس الوقت كشفا جيولوجيا شاملا لكل فلسطين، وأعدت بذلك خرائط مفصلة أشرت فيها على الأراضي الزراعية الأكثر خصوبة، وأدق التفاصيل عن مصادر المياه والمنافذ الحدودية الحالية والمستقبلية بما يمنحها الهيمنة على المياه العذبة، وأن تكون مهيمنة أيضا بصورة كاملة على الموانئ والشواطئ البحرية الفلسطينية والجرف القاري.

لقد تضمن الكشف الذي أجرته المنظمة الصهيونية حتى عدد الأشجار واصنافها والمواقع السكنية الأفضل، كما حددوا أي القرى والمدن التي سيطرد منها الفلسطينيين لتكون جزء من اسرائيل. وكذلك المناطق الحضرية الأكثر عمرانا، كما اختاروا أفضل 400 قرية من مجموع الف قرية مملوكة للفلسطينيين تقع في أفضل المناطق جغرافيا اضافة الى انها الاكثر خصوبة. وقد تم طرد أصحابها منها بالفعل في عمليات عسكرية قبل صدور القرار الدولي وبناء على الخريطة الصهيونية المفصلة أعلاه صيغ واتخذ القرار رقم 181 لسنة 1947.

ومنذ صدور القرار رقم 181 في 29 نوفمبر\ تشرين ثاني عام 1947 وحتى 14 أيار\مايو عام 1948 ليلة اعلان الدولة الاسرائيلية كثفت الحركة المسلحة لليهود من الاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية، وفي 9\4\1948 قبل 33 يوما من وضع قرار التقسيم موضع التنفيذ تم طرد 250 ألف فلسطيني من مساكنهم.

 لقد تم ذلك قبل أن يدخل أي جندي عربي الى فلسطين لانقاذ الفلسطينيين والذين لم يغيروا من الواقع الذي فرضته الصهيونية شيئا حتى بعد دخول الجيوش العربية فلسطين، لأن الجيوش التي أرسلت لمحاربة اسرائيل لم تكن لها أوامر بالمشاركة في الحرب بسبب تواطؤ دولهم مع سادتهم الانكليز. أغلب الحكومات العربية كانت تابعة وليست حرة، وهي لذلك كانت مشاركة في مؤامرة تقسيم فلسطين بأمر من سادتهم الانكليز. الجيش العراقي الذي كانت له عدة آلاف من الجنود أمرته حكومته بعدم مهاجمة اسرائيل، بل فقط حماية الضفة الغربية المحاذية للاردن المرتبطة بها.

 لكن الجيش العراقي تجاهل الأوامر الصادرة له وشارك في الحرب، وقد تمكن من انقاذ 15 قرية في وادي عارة من سيطرة اسرائيل عليها، وقد استمرت تلك القرى تحت سيطرته حتى عام 1949. لكن عبد الكريم قاسم لم يعي ربما أن حكومته لا حول لها ولا قوة، وانها مجبرة على قبول قرار التقسيم وان اعلنت انها لم توافق عليه، وان ارسال وحدات عسكرية الى فلسطين كان فقط استجابة لضغط الجماهير وللظهور بمظهر المدافع عن الحق العربي الفلسطيني.

وهو ما أثبته الواقع بعد شهور من بداية الحرب عندما قررت الأردن التخلي طواعية عن الضفة الغربية الى اسرائيل، قيل فيما بعد أنه تم بموجب اتفاق ثنائي بينهما، ولا علم لي بالاتفاقات الثنائية الأخرى بين دول عربية واسرائيل. المهم في الأمر أن للعراق ما يفتخر به أمام شعبه وشعب فلسطين. لقد انسحبت القوات العراقية من فلسطين الى الوطن وكأن شيئا لم يكن. الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم كان قائد العمليات العسكرية حينها في فلسطين، وقد استشهد على أيدي البعثيين من عملاء أل سي أي أي الذين كانوا وراء انقلاب عام 1963. لا يعرف اذا كان مقتل عبد الكريم قاسم هو الثمن الذي دفعه مقابل تحرير القرى الخمسة عشر من أيدي القوات الاسرائيلية.

وبناء على ما ذكر أعلاه هل كان رفض قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947من قبل الفلسطينيين والدول العربية صحيحا أم خاطئ..؟

لقد رفض العرب الفلسطينيون قرار التقسيم رقم 181، كما رفضه الاسرائيليون ايضا، لكن شتان بين الرفضين، فاسرائيل كانت لها شروطها للموافقة سنعرفها بعد قليل. لقد رفضوا القرار لكنهم رقصوا طربا، لقد اعتبروه نصرا عظيما للحركة الصهيونية، وهو بالفعل انتصارا عظيما، لكنه بنفس الوقت جريمة عظيمة بفظاعتها بحق أمن واستقرار ووحدة دولة وشعب فلسطين.

 لكن لنرى لماذا لم يكن رفض القرار خاطئ..؟

رفض العرب الفلسطينيون للقرار كان بسبب الغبن الذي عوملوا فيه وهم أصحاب الأرض الشرعيون. فقد اكتشفوا منذ اللحظة التي تم فيها تداول القرار في دهاليز الأمم المتحدة أن القرار في صالح اسرائيل وعلى حسابهم. ويمكن تلخيص ما عناه الغبن من وجهة النظر العربية. وهي:

أولا، لقد جعل القرار الأراضي الأفضل نوعية ضمن القسم المفترض أن يكون الدولة الاسرائيلية. وهذا تم بالتواطؤ بين الحركة الصهيونية و الأمريكان والانكليز على صيغته بكل تفاصيلها.

ثانيا: التوزيع الجغرافي للمناطق التي ستشملها الدولة الفلسطينية كان مجحفا ولا يمكن أن يقبل به العرب الفلسطينيون. فالقرار كان واضحا في محاباته للصهاينة بجعل الدولة الفلسطينية المقترحة شبه جزيرة محاطة بكيان الدولة اليهودية العدوة.

ثالثا: أن قرار التقسيم المقترح قد وضع الأساس لمشاكل صعبة الحل مع اسرائيل أمام الدولة الفلسطينية الجديدة التي ستقام بناء عليه.

رابعا: وضع القرار قطاعا الضفة الغربية وغزة تحت ادارة الأمم المتحدة لا ضمن دولة فلسطينية موحدة دون أن يعطي تفسيرا لذلك القرار، مما برر تصاعد المخاوف حول عائدية القطاعين مستقبلا. وقد أكدت تلك المخاوف واقعيتها لاحقا عندما ضمت الضفة الغربية للأردن وغزة لمصر.

خامسا: جعل قطاع غزة كمنطقة جغرافية معزولة تماما عن الدولة الفلسطينية المقترحة.

 سادسا: اقتناع الفلسطينيين والعرب عموما بأن الأمم المتحدة قد أخذت بوجهة النظر الاسرائيلية عند صياغة القرار رقم 181، وانها قد اعتمدت الخريطة المفصلة التي وضعتها اسرائيل لفلسطين والتي تنوي تنفيذها على الأرض. تلك الخريطة التي خططت الى المستحيل لاقامة دولة فلسطينية موحدة جغرافيا وشعبيا واقتصاديا وسياسيا. فكيف يمكن لأي مواطن حر فلسطينيا كان أم عربيا أو حتى أجنبيا أن يوافق على ذلك..؟

أسباب رفض اسرائيل للقرار رقم 181

لقد كان من الطبيعي أن لا نتوقع من ممثلي فلسطين في الأمم المتحدة أو ممثلي بقية الدول العربية برغم عمالة أكثرها لبريطانيا اعلان موافقتهم على قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947.

بل حتى الرئيس ترومان حاول التراجع عن موافقة بلاده على قرار التقسيم بعد أن انفجرت اعمال العنف بين المستوطنين والفلسطينيين، لكن ما لبث ان عدل عن ذلك فيما بعد تحت ضغوط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. كما أن قيام دولة في اسرائيل لم تحظى بتأييده أول الأمر، وبعد الضغط الصهيوني اضطر للتراجع عن موقفه أيضا وأيد فكرة قيام دولة اسرائيل. ويذكر أن عددا من مستشاريه ومساعديه بقوا معارضين لقيام دولة اسرائيل، ومنهم:

.Dean Rusk , Dean Acheson , George Marshal , Jems Forrestal

واعتقد أن الحادثة التي أودت بحياة دين أجيسون وزير الخارجية حينها لم تكن حادثا عرضية، بل مدبرة لاقصائه من التأثير على الرئيس ترومان الذي كان على صلة قوية به ويعتمد عليه في الكثير من صياغة قراراته السياسية.

 ومع انتهاء الوصاية البريطانية في صباح 15\5\1948 واعلان قيام دولة اسرائيل يكون أكثر الفلسطينيين من مواطني فلسطين الأصليين قد طردوا من أكثر الأراضي التي هيمن عليها اليهود بقوة السلاح، وأصبحوا وفق منظمة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للامم المتحدة اعتبارهم لاجئين UNRWA.

ومع أن صيغة قرار التقسيم قد اعتمد الخريطة الاسرائيلية المستقبلية لفلسطين التي ضمنت لها تحقيق أقصى رغباتها وأكثرها أهمية، لكنها رفضت القرار الدولي رقم 181. لقد كان الهدف من وراء رفض القرار واضحا، فهي تسعى لاحتلال كل فلسطين ولا تكتفي بما حصلت عليه. وهذه هي أسباب رفض اسرائيل للقرار رقم 181 كما أراها:

 أولا: التنصل من الالتزام بحدود دائمة لاسرائيل.

ثانيا: رفض الأمم المتحدة طلب اسرائيل أن تكون القدس عاصمة لدولة اسرائيل وهي مصرة على ضمها اليها.

ثالثا: ان رئيس الوزراء الاسرائيلي حينها ديفيد بن غوريون كان قد خطط لخوض حروب مع الفلسطينيين مستقبلا يستولي خلالها على اراضي جديدة لتوسيع مساحة الدولة اليهودية، ولذلك لم يكن يرغب باعتراف دولي بحدود دائمة معترف بها.

وبالفعل حصلت إسرائيل في حرب 1948 على 40% من أراضي الفلسطينيين التي تضمنها قرار التقسيم علما بأن جزء كبيرا من تلك الأراضي الجديدة قد حصلت عليها الحكومة الاسرائيلية بالتواطؤ مع ملك الأردن حينه. أما القدس فهي تزحف ببطء وأحيانا تتسابق مع الوقت لطرد الفلسطينيين منها، وهي الآن تحتل ثلاثة أرباع مدينة القدس، بينما تضغط حتى الموت على الفلسطينيين سكان الربع المتبقي في القدس الشرقية لمغادرتها بأي ثمن وبأسرع وقت.

لكن لماذا تفعل اسرائيل كل ذلك، فهي منذ تأسيسها عام 1948 تستولي على اراضي الفلسطينيين الذين اعترفت لهم هيئة الأمم المتحدة بها، وهي تفعل ذلك رغم معارضة هيئة الأمم المتحدة على ذلك الاستيلاء..؟

الولايات المتحدة وهي الدولة الأقوى في العالم لم تقم بالاستيلاء على جزء من أراضي المكسيك أو كندا أو من دول أمريكا الجنوبية وهي قادرة على ذلك في أي وقت لو أرادت.

بينما تفعل اسرائيل ذلك دون توقف.

لم تقم ايطاليا باقتطاع اراضي من سويسرا، ولم تقم سويسرا بالاستيلاء على اللوكسمبرغ وضمها اليها.

 لكن اسرائيل تقوم بذلك دون حرج.

 أهو الجشع اليهودي الذي عرفوا به عبر التاريخ، فقد اشتهروا بالجشع نحو المال والثراء، لكن ألا يشعروا بالاشباع، فحتى الحيوانات تشعر بالاشباع، الأسد اذا شبع لا يهاجم حتى حملا صغيرا.. فكيف ببشر يدعون التحضر..؟

 ألا يريدون العيش بسلام ورخاء لضمان الأمن لعائلاتهم وأطفالهم.. ؟؟

أيظلون يعيشون تحت طائلة الخوف من الصواريخ والعدوان من جيرانهم..؟ فهي تستطيع ضمان سلام دائم لشعبها اذا اعترفت بالحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني فلماذا ترفض السلام وتختار الحرب..؟

انها أسئلة مشروعة من مواطن لا يحمل أية كراهية للشعب اليهودي أوجهها الى أي مواطن يهودي في اسرائيل أو خارجها.

قبل حوالي 65 عاما حذر عالم الفيزياء الأمريكي البيرت اينشتاين من الخطر الفاشي وتصاعد العنصرية والارهاب والتعصب الديني بين أعضاء قيادة الدولة التي تم انشاءها اسرائيل.

لقد وجه البيرت أينشتاين وأكثر من عشرين من ابرز الاساتذة الجامعيين والمثقفين اليهود رسالة الى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عبر صحيفة نيويورك تايمز الواسعة الانتشار محليا وعالميا عبروا فيها عن مخاوفهم تلك. كان ذلك في عام 1948، وها نحن في العام 2012، فما الذي تغير من طبيعة تلك الدولة الاسرائيلية ومن شوفينية وعنصرية أحزابها وأعضاء حكومتها..؟

لقد ترجمت الرسالة المذكورة من الانكليزية لأتيح للقراء الأعزاء الفرصة ليقارنوا بانفسهم بين فاشية حكومة اسرائيل حينها وفاشية اسرائيل اليوم. وسيكون لي طبعا رأيي الخاص في نهاية الرسالة. وقد جاء في الرسالة:

من المظاهر المقلقة في وقتنا الحالي هو ظهور الدولة الاسرائيلية الجديدة وعلى رأسها حزب الحرية Hahuat Hahecrut " " التي تشابه طرقه وفلسفته السياسية والاجتماعية النازية والفاشية. لقد تشكل الحزب من اعضاء وتابعين من الجماعات اليمينية الارهابية والشوفينية في فلسطين. انه من غير المعقول ان أولئك الذين يعارضون الفاشية في العالم واذا كانوا على علم بسجل بيغن السياسي واهدافه أن يضعوا اسمائهم في قائمة المؤيدين لحركته.

وقبل حصول الخراب الغير قابل للاصلاح والدعم المالي الذي سيناله من المتبرعين يجب أن يكون الراي العام على علم بالخلفية السياسية لبيغن وما يمكن أن يحدثه الدعم المالي الامريكي للفاشية في اسرائيل فهم يتحدثون عن الحرية والديمقراطية وضد الامبريالية في حين يسعون لاقامة دولة فاشية.

المثال الفظيع عن تصرفاتهم هو ما قاموا به في دير ياسين هذه القرية كانت محاطة بأراضي يهود. لم يقوموا بدور في الحرب، بل دافعوا عن العرب عندما اراد الفاشست جعلها قاعدة لهم. في 9\4\1948 هاجم الارهابيون تلك القرية المسالمة التي لم تكن هدفا عسكريا في القتال فقتلوا أكثر سكانها وعددهم 240 رجلا وامراة واطفالا، واحتفظوا بالبعض منهم كأسرى والاستعراض بهم في الشوارع.

 اكثر السكان اليهود الفلسطينيون الأصلاء صدموا لما حصل واحتجوا، وقد أرسلت المنظمة الصهيونية برقية اعتذار الى الملك عبدلله ملك الأردن حينها، لكن الارهابيين أبعد ما يكونون عن الخجل من تلك الأفعال. لقد تفاخروا بالمذبحة وساعدوا على نشرها بشكل واسع ودعوا ممثلي الصحافة اللذين كانوا هناك ليطلعوا باعينهم على ما حصل.

حادثة دير ياسين أثبتت بالفعل أهداف وسمات حزب الحرية الذي نشر داخل المجتمع اليهودي الشعور القومي المتطرف والمشاعر الدينية المتعالية والتفوق تماما مثل الأحزاب الفاشية، ووقفوا ضد اتحادات العمال وكسروا اضراباتهم بالقوة، وضد قيام النقابات الحرة، وشجعوا على قيام نقابات متعاونة معهم على النمط الايطالي الفاشي.

في السنة الأخيرة من وجود البريطانيين قاموا بموجة من الأعمال الارهابية في المجتمع الفلسطيني واليهودي. المعلمون في المدارس تعرضوا للضرب لأنهم احتجوا عليهم، الكبار الذين منعوا أطفالهم من اللعب مع أطفال الارهابيين قتلوا في الحال. كانت العصابات الارهابية تجوب الشوارع وتهشم النوافذ، وتضرب الناس وتنهب السكان للاهانة والاذلال اذا لم يقدموا الدعم المالي والتأييد لهم.

لذلك فان الموقعين على هذه الرسالة يستعينون بهذه الوسيلة الاعلامية لتبيان بعض الحقائق ذات العلاقة بمناحيم بيغن وحزبه، ويحثون كل ذوي العلاقة بعدم تقديم الدعم لهذه الظاهرة الفاشية.

هذه كانت رسالة اينشتاين الى العالم عام 1948، وقد مرت عليها خمسة وستون عاما، هو بالضبط عمر دولة اسرائيل. لنتمعن جيدا في الخطوط العريضة لتلك الرسالة، وبعد النظر الذي عبرت عنه وجهة نظر عالم الفيزياء، ونتساءل فيما اذا حصل أي تغير في تركيبة وسياسة حكومة اسرائيل يختلف عن رؤية أينشتاين التي حددها في عام 1948..؟

عند المقارنة بين اسرائيل عام 1948 واسرائيل عام 2012، لا أجد غير اجابة واحدة " أن لا شيء تغير الى الأفضل مطلقا، بل التغيير يتطور من سيء الى أسوء. " لقد حذر اينشتاين حينها من حزب الحرية وزعيمه مناحيم بيغن بقوله: " من المظاهر المقلقة في وقتنا الحالي هو ظهور الدولة الاسرائيلية الجديدة وعلى رأسها حزب الحرية التي تشابه طرقه وفلسفته السياسية والاجتماعية النازية والفاشية. لقد تشكل الحزب من اعضاء وتابعين من الجماعات اليمينية الارهابية والشوفينية في فلسطين. "

فلو شطبنا اسم بيغن وحزبه من رسالة أينشتاين ووضعنا مكانه " نتينياهو وليبيرمان وحزبيهما " اللذان يقودان الحكومة الاسرائيلية اليوم فإن الصورة تبدو اكثر مأساوية من الوضع الذي كتب انشتاين رسالته تلك. خمسة وستون عاما مرت على قيام نموذج دولة فاشية، وما زالت لحد اليوم دولة فاشية، فمتى يستفيق مواطنيها لتعديل مسار سفينة تبحر في الاتجاه الخاطئ..؟

فنحن على ابواب انتخابات اسرائيلية جديدة وكل التوقعات تشير الى عودة الائتلاف الحالي بزعامة نتنياهو وليبيرمان المعروف بفاشية توجهاته تجاه الفلسطينيين.

ليبيرمان قد هدد أكثر من مرة باستخدام السلاح النووي ضد المقاومة في غزة، وبنقل مليون ونصف فلسطيني\اسرائيلي يحملون الجنسية الاسرائيلية الى غزة والضفة الغربية لتحقيق دولة العنصر اليهودي الخالص، وبأن تكون اسرائيل نظيفة من العنصر العربي.

ما نراه في حكومة اسرائيل اليوم أنها اكثر فاشية مما كانت عليه حكومة بيغن عام 1948. الاسرائيليون يستعدون لحروب لا حربا واحدة، فحربهم لم تنتهي مع الفلسطينيين الاسرائيليين داخل اسرائيل، ولا مع فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا مع فلسطينيي المهاجر الذين ينتظرون منذ أكثر من 65 عاما للعودة الى وطنهم. والاسرائيليون منخرطون حاليا في حرب عصابات في سوريا، وأخرى متوقعة مع حزب الله في لبنان. ويتهيئون لحرب أوسع وأخطر مع ايران، برغم عدم وجود مشاكل بينهما، فلا حدود مشتركة برية أو بحرية ولا مشاكل اقتصادية، لأنها لا ترتبط بعلاقات اقتصادية مع ايران منذ ثورة أيران الاسلامية.

مصلحة الشعب الاسرائيلي تكمن في السلام مع العرب وشعوب المنطقة، والتاريخ يشهد بذلك، فمثال ألمانيا النازية واليابان وايطاليا الفاشيتان ما زال حيا في الذاكرة وما على القادة الاسرائيليين الا اعادة قراءته واستيعاب دروسه.

.............................

لمزيد من الاطلاع يراجع:

1-Salim Nazzal, " Roots of Hatred in Zionist Ideology ", AL Ahram, 26\2\2009

2-Albert Einsteins , " Letter to The New York Times " 12\2\ 1948. The Hyper Texts (signed)

ISIDORE ABRAMOWITZ, HANNAH ARENDT, ABRAHAM BRICK, RABBI JESSURUN CARDOZO, ALBERT EINSTEIN, HERMAN EISEN, M.D., HAYIM FINEMAN, M. GALLEN, M.D., H.H. HARRIS, ZELIG S. HARRIS, SIDNEY HOOK, FRED KARUSH, BRURIA KAUFMAN, IRMA L. LINDHEIM, NACHMAN MAISEL, SYMOUR MELMAN, MYER D. MENDELSON, M.D., HARRY M. ORLINSKY, SAMUEL PITLICK, FRITZ ROHRLICH, LOUIS P. ROCKER, RUTH SAGER, ITZHAK SANKOWSKY, I.J. SCHOENBERG, SAMUEL SHUMAN, M. ZNGER, IRMA WOLPE, STEFAN WOLPE

New York, Dec. 2, 1948

3-Stephen Lendmen, A Review of Ilan Pape: " Ethnic Cleansing of Palestinians or, Democratic Israel at Work ". 7\2\2007

4- Gideon Levy, Haaretz, 12 \5\2011

5- Salim Nazzal, Palestine Chronical.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/كانون الأول/2012 - 8/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م