ما المبتكر في المبادرة التركية؟!

عريب الرنتاوي

لا أدري ما هو الجديد "المبتكر" في المبادرة التي سلمها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أثناء زيارة الأخير لأنقرة.. صحيفة "راديكال" التي كشفت عن مضمون المبادرة قالت أن بوتين وصفها بـ"المبتكرة"، وأنها تنص على تنحي الأسد خلال الأشهر الثلاث الأولى من السنة المقبلة (2013)، على أن يتولى "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، تشكيل حكومة جديدة وإدارة المرحلة الانتقالية.

الكشف عن "المبادرة التركية"، غير المبتكرة، تزامن عن تجديد إيران لمبادراتها ذات النقاط الست لحل الأزمة السورية سياسياً، وهي مبادرة تخلو من أي حديث عن مصير الأسد السياسي والشخصي.. تتحدث عن وقف العنف ورقابة دولية وإجراءات بناء ثقة ولجنة مصالحة تمهد لحكومة انتقال، تشرف على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.. كلام قديم لم يفلح من قبل، لا في وقف العنف ولا في حل المشكلة سياسياً.

والراهن أن ثمة "زحمة" في المبادرات التي تنشد حلاً سياسياً للأزمة السورية.. فقبل يومين، كان فاروق الشرع يدلي بتفاصيل مبادرة من موقعه، تلتقي وتفترق عن بعض ما هو مطروح من مبادرات.. فيما الأخضر الإبراهيمي يعاود جولاته الواسعة على عواصم القرار الإقليمي والدولي، لتسويق "آخر طبعة" من مبادرته، المبنية على "جنيف 2" أو "جنيف +".. أما على الأرض، فالأزمة تزداد تعقيداً، وشلال الدم ما زال يتدفق بغزارة.

مع اقتراب لحظة الحقيقة والاستحقاق في الأزمة السورية، تبدو مختلف الأطراف، معنية بحل مشكلاتها في سوريا ومعها، وليس بحل المشكلة ذاتها، وبما يحفظ سوريا وينفع السوريين جميعاً.. إيران بمبادرتها، تسعى في إدراك ما يمكن تداركه من مصالح وحلفاء وقواعد ارتكاز لها في دمشق... تركيا تريد لـ"الانتقال السياسي" في سوريا، أن يصبّ الحل صافياً في طاحونة مصالحها ونفوذها ودورها الإقليميين.. إيران مدعومة بحلف "متواضع" يتشكل من نصف العراق ونصف لبنان وما تبقى من النظام السوري، فيما تركيا تستند إلى "هلال سنيّ / إخواني"، تدعمه قطر ومصر (مرسي)، وبعض الأوساط الغربية.

بالعودة إلى المبادرة التركية، يتضح أن أنقرة تريد أن "تمرر" اليوم، ما عجز المجلس الوطني السوري عن تمريره قبل سنة، عندما أقر في القاهرة وثائق تُعطيه والجيش الحر، "وكالة حصرية" في إدارة مرحلة الانتقال.. المجلس الوطني غاب (بقرار أمريكي) عن موقع الصدارة في المعارضة السورية، لكنه ما زال لاعباً مهماً في أوساطها.. سيما بعد أن نجحت قطر وتركيا في الالتفاف على الدعوة الأمريكية لتوسيع إطار المعارضة وإعادة هيكلتها... ما فعلته "الدوحة" وبدعم من أنقرة، أنها أبقت على الإخوان المسلمين في موقع مهمين على المجلس الوطني، وجعلت من المجلس الوطني قوة "حاسمة" في إطار الائتلاف الجديد، تماماً مثلما هو حال "الشركات القابضة" التي تمسك إحداها بدفة الإدارة والسيطرة على جملة واسعة من الشركات، بمجرد امتلاكها قسطاً كافياً من الأسهم... هنا تتعاظم الفائدة والسيطرة والقدرة على التحكم.

لم تأت المبادرة التركية "المبتكرة" على ذكر "من لم تتلوث أيديهم بالدماء من أركان النظام ومؤسساته"، أخرجت كل النظام من معادلة الحل... وهي تجاهلت قوى وازنة في المعارضة السورية التي تتوافق مع "المواصفات والمقاييس" التركية: هيئة التنسيق، المنبر الديمقراطي، تيار بناء الدولة، المجلس الوطني الكردي، ومئات الشخصيات والجماعات والمجموعات والحراكات والتنسيقيات والكتائب التي ظلت خارج الائتلاف.

نحن إذن، أمام مشروع هيمنة تركي "مبتكر" على "سوريا ما بعد الأسد"، قناته الرئيسة وأداته الفاعلة "الإخوان المسلمين".. وهو مشروع يذكر بما كان نقل على لسان الملك عبد الله الثاني في لقاءاته الأخيرة مع شخصيات ونشطاء أردنيين: تركيا تتصرف طائفياً، وهي لا تدافع عن كل الشعب السوري، بل عن جزء منه، أو بالأحرى عن مصالحها وأطماعها في سوريا.

بعد كل "الانزلاقات" في المواقف والسياسات والتحالفات التي اتخذتها تركيا وأقدمت عليها، أصبحت أنقرة، كطهران، طرفاً ليس ذي صدقية عند مختلف الأفرقاء في الأزمة السورية، وهنا لا أقصد بالأفرقاء "النظام وحده، بل وأطياف واسعة من الشعب والمعارضة السورية.. وفي أحسن الأحوال، فإن تركيا يمكن، بل ويجب أن تكون جزءاً من آليات الحل السياسي في سوريا، ولكنها بالتأكيد ليست الطرف المناسب لإطلاق المبادرات، دع عنك المبادرات التي يمكن أن تمتلك أقداماً تسير عليها.

ومثلما فقدت طهران قدرتها على لعب دور "تجسيري" في الأزمة السورية، بفعل انحيازها الكامل للنظام، فإن أنقرة بدورها، فقدت هذا الدور، بفعل انحيازها التام، لفريق من المعارضة، وعدائها الواضح لقطاعات من الشعب السوري، وهو عداء لم تفلح التصريحات "الأخوية" في تبديده، بدلالة ما نسمعه ونقرأه عن قادة وممثلي هذه المكونات السورية، وبخاصة الأكراد والعلويين.

في حمأة السباق المحموم بين الحرب والدبلوماسية، والتنافس المحتدم بين "المبادرات" المتطايرة من كل حدب وصوب، يبدو الأمل معلقاً فقط، على توافق روسي - أمريكي، يعمل الأخضر الإبراهيمي على "تظهيره" في مبادرة ممهورة بخاتم مجلس الأمن الدولي.. وهي وإن كانت لا تمتلك الكثير من الفرص والآمال بسبب إصرار النظام والمعارضة على خيار "الحسم العسكري"، إلا أنها المبادرة الوحيدة التي يمكن أن تحدث فرقاً.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/كانون الأول/2012 - 6/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م