النوموفوبيا!

مهند حبيب السماوي

هل تشعر بالاضطراب حينما يصبح هاتفك النقال بعيدا عنك؟

هل يؤذيك مجرد شعورك بفقدان هاتفك؟

هل تحمل معك اكثر من هاتف؟

هل تقوم بفحص هاتفك عدة مرات في اليوم وبشكل يزيد عن المعدل الطبيعي؟

اذا كانت الاجابة على الاسئلة التي تم طرجها اعلاه نعم.. فانك تعاني من النوموفوبيا Nomophobia (No-Mobile-Phone-Phobia) وهي الشعور بالخوف من ان تكون بدون هاتف نقال او يكون الاخير بعيدا عنك والتي ستكون مدار موضوع مقالنا البحثي في جزئه السادس من هذه السلسلة.

فمع النمو المذهل المتصاعد لوسائل الاتصال التكنولوجية، ظهرت أمام الانسان العديد من التحديات الجديدة أملتها عليه طريقة تعامله مع اجهزة الكترونية حديثة رافقته في حياته وممارساته اليومية الاعتيادية واصبح لايستطيع، تحت ضغوط الحياة ومتطلباتها، ان يتخلى عنها او حتى ان يجد بديلا عنها يمكن ان يؤدي دورها ومهامها.

ولذا تجسدت هذه التحديات في خلق العديد من الظواهر التي رافقت تطور وسائل الاتصالات الحديثة والاجهزة التقنية التي تعمل من خلالها، والتي أضحت تؤدي عدة عمليات تعود بالفائدة المباشرة على الانسان حيث يمكن اجراء اتصالات هاتفية كما يمكن متابعة البريد الالكتروني للشخص وكتابة ملاحظات فورية بالاضافة الى سماع مقاطع من الموسيقى ومشاهدة الفديوات واستعمال الانترنيت وغيرها من الامور التي استطاعت تلك الهواتف النقالة توفيرها لحاملها.

ولذا رافق قيام هذه الاجهزة بتأدية مئات المهام والواجبات ظهور اعراض بعض الامراض ومنها الخوف من البقاء بدون هاتف وهي حالة النوموفوبيا Nomophobia التي يعرّفها المختصون بانها حالة من الخوف او القلق تعتري الانسان حينما لايكون جهازه النقال قريبا منه وتحت مرأى عينيه وهي الحالة التي اعتبرتها صحيفية الديلي ميل البريطانية، في دراسة نشرتها في 4 مايو عام 2012، بقلم ايدي مورين، بانها " اكبر فوبيا في العالم"،

المصطلح ظهر الى الوجود قبل اربع سنوات وتمت صياغته من قبل مؤسسة SecurEnvoy التي اشارت، وعلى لسان رئيس هذه المؤسسة اندي كيمشل، الى ان اول دراسة عن هذا الموضوع كانت قبل اربع سنوات وكانت نسبة من يقع تحت تأثير النوموفوبيا هو 53% بينما الدراسات الحالية اشارت الى ان النتيجة قد وصلت الى نسبة 66%، كما وجدت دراسة اخرى لباحثين من جامعة ماريلاند ان نسبة 74% من الناس يمكن ان ينطبق عليها النوموفوبيا.

يشخّص الباحثون الذين درسوا هذه الظاهرة، وهم بالمناسبة قلائل بسبب ان هذه الظاهرة حديثة جدا، الاعراض التي تجعل من الشخص يمكن ان يوصف بهذه الظاهرة بما يلي:

- عدم اغلاق الهاتف النقال.

- فحص الهاتف والنظر له لمعرفة الاتصالات الفائتة والايميلات بصورة مفرطة.

- عدم الانتقال من غرفة الى غرفة اخرى من غير حمل الهاتف معه.

- شحن الهاتف النقال بصورة مستمرة.

- استخدام الهاتف وحمله في اماكن غير ملائمة كالحمام.

- الامساك بالهاتف حالما يستيقظ صاحبه من النوم وحتى قبل ان يقوم من فراشه.

- امتلاك عدة هواتف نقالة.

- يصبح الهاتف وتطبيقاته مدار للحديث في العمل والمدرسة واللقاءات.

وبسبب هذه الظاهرة المستشرية بصورة كبيرة في المجتمع المعاصر تجد بعض الباحثين مثل جي ري بيرن يشير الى السؤال الاستفزازي الذي طرحه موقع " يورتانكو" الذي تساءل " هل يمكن ان تواعد شخصا لا يمتلك هاتفا ذكيا؟ ووصل الحد بالكاتب رون دويل الى البحث عن سبب حب جهاز الايفون بدرجة كبيرة جدا وتساءل: هل من الممكن ان نحب هذا الجهاز اكثر من والدتنا؟ في حين نرى ان الباحثة شيري بورج كارتر وجهت اسئلة مهمة تقول فيها:

كم مرة رأيت شخصين جالسان لكن كل منهما مهتم بهاتفه اكثر من الاخر؟

 كم مرة كنت تتحدث مع شخص ثم فجأة قلت عفوا وتركته لتجيب على هاتفك؟

 كم مرة رأيت انسان ما يهرول مثل كلب بافلوف حالما يدق هاتفه او يهتز او يأتيه مسج؟

بالطبع هي اسئلة ليس استفهامية بل استنكارية وغرائبية تخفي ورائها انتقاد هيام الانسان بهذه الاجهزة وولعه به ولبرامجها وتطبيقاتها على حساب العلاقات الاجتماعية التقليدية التي تقهقرت في مقابل تنامي وصعود علاقات الــ " أون لاين".

بعض الباحثين يربط بين مرض النوموفوبيا والادمان على استعمال الهواتف المحمولة، اذ يوكد السايكولوجي جي وينج في دراسته حول موضوع النوموفوبيا ان نصف من تم اختبارهم في جامعة ستانفورد عام 2010 قد وجد لديهم نوعا من الادمان على هاتف الايفون، اما الدراسة التي قامت بها جامعة ريتجورج في نيو جيرسي فقد دلت على ان جهاز البلاك بيري قد ادى الى زيادة الادمان على استعمال البريد الالكتروني والانترنيت حتى أن الرئيس اوباما قد قال سابقا انه مدمن على البلاك بيري !، بل ان بعضهم من فضل ان يتخلى عن ممارسة الجنس اسبوعيا على ان يتخلى عن هاتفه النقال !.

نعم هنالك بعض الباحثين مثل مارتن لندستوررم يرفض وجود علاقة ادمان بين الشخص وهاتفه النقال ويؤكد ان ماهو موجود هو علاقة حب وليس علاقة ادمان!، وقد استخدم لندستوررم جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي FMRI، واشار في مقالته" انت تحب الايفون في الواقع" التي حصلت على وصف اكثر مقال تم ارساله في الايميل، الى ان الناس عندما يفكرون في تلفوناتهم فان منطقة في الدماغ تدعى insula تصبح اكثر فاعلية، وفاعلية هذه المنطقة تشير الى شعور بالألفة، وانت اذا اردت ان تُقبل الهاتف او تحضنه فانت لست بمدمن، الا ان الدكتورة كيلي مكجونيكال، وهي باحثة في مجال علم النفس، ترى عكس ذلك وتؤكد ان العلاقة بين بعض الناس وبين هواتفهم هي علاقة ادمان.

وقد بحثت السايكولوجية اليزابيث واترمان في ظاهرة النوموفوبيا وعقدت جلسات علاج في مركز مورننج سايد في كاليفورنيا وحاولت ان تجد تفسيرا لهذه الظاهرة، حيث اوضحت " هنالك عدة اسباب لربط الناس مع هواتفهم...اذ يكون الهاتف لدى بعضهم مثل غطاء الامان...فهو يشعرهم بالامان حينما يعرفون ان بإمكانهم الاتصال لطلب المساعدة وقتما شائوا..وبالنسبة للأخرين. فان فحص تلفوناتهم باستمرار وبصورة مفرطة يُسكن ويخفف عنهم قلق الظن بانهم يفتقدون شيئا ما او هنالك طارئ ما يحتاجون ان يتحضروا له".

وقد وجدت واترمان ان المصابين بالــ" نوموفوبيا" يخافون من فقدان اتصالهم مع العالم الخارجي لذلك نحاول، كما تقول واترمان، ان نجعلهم يفهمون بان الاخرين لن ينسوهم حينما يقطع بهم الاتصال لعدة ايام...وانت ايضا لن تنقطع عنهم".

والحل لهذا الخوف والقلق المترتب على فقدان الهاتف يكمن في تفكيك المشكلة وتقسيمها على النحو الذي يمكن ان يكون هنالك حل لكل مشكلة على حدة وكما طرحها موقع (nomophobia.com ) اذ ان الخوف من اضاعة الهاتف له حل غير مشكلة شحن الهاتف او مشكلة عدم البقاء متصلا اثناء السفر او فقدان ن الشبكة وغيرها من المشكلات.

فبالنسبة للخوف من اضاعة الهاتف فيمكن النظر الى حلها من خلال عدم وضع الهاتف في اي مكان عام او حمله بمكان يمكن ان يقع بدون ان تشعر، ناهيك عن حل اخر مهم وهو القيام بعمل Back up لكل العناوين ومحتويات الهاتف حتى يمكن الحفاظ على هذه المعلومات ان تعرض الهاتف للسرقة او الضياع، كما نجد انه،بالنسبة للخوف من انتهاء شحن الهاتف، فيمكن حلها عبر التأكد من شحن الهاتف قبل الخروج من البيت او وضع شاحن اخر في مقر العمل او شراء بطارية اخرى احتياطية، وتبقى هنالك مشكلات اخرى اقل أهمية وضحها تفصيلا موقع nomophobia.com على الشبكة العنكبوتية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/كانون الأول/2012 - 4/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م