مرة أخرى عن الإخوان والخليج

عريب الرنتاوي

يحدثك الأصدقاء من دول الخليج العربية، عن "عودة الروح" لتنظيمات الإخوان المسلمين في هذه المنطقة.. حتى في الدول التي ضربت عليهم حظراً ممتداً وقاسياً لسنوات.. هم اليوم أكثر جرأة على البوح بانتماءاتها وهوياتهم الحزبية وأهداف حركتهم السياسية والدعوية.. ما عادوا يلتجئون لـ"التقية" وما عادوا يستعينوا بالكتمان لقضاء حاجاتهم.. لقد استمدوا من رياح الربيع العربي "روحاً" جديدة.. ومع وجود نظراء لهم في سدة الحكم في دول وازنة كمصر وتونس وليبيا (نسبيا)، ومع اتجاه دول أخرى نحو مصائر مماثلة (سوريا ربما)، يشعر "إخوان الخليج" بمزيد من الثقة بالنفس، ويجتاحهم السؤال: وهل نحن الاستثناء الوحيد للقاعدة العربية؟!.

أول درس من دروس الربيع العربي تجلى في سقوط "نظرية الاستثناء".. لا أحد استثناء في هذه المنطقة، حاكماً وحكومة ونظاما.. لا أحد محصن في وجه رياح التغيير التي تهب على معظم الوطن العربي، وإن بسرعات متباينة، وأثار جانبية متفاوتة... لكنها تهب، وتهب على الجميع، والخليج ليس استثناءً.

في بعض دوله (الكويت والبحرين) يحظى الإخوان بوجود رسمي أو شبه رسمي، لهم أسماء وجمعيات ورموز وكتل برلمانية.. في دول أخرى (الإمارات) يُطارَدون كما طاردت الصين كمفوشيوس في زمن "الثورة الثقافية" لماو تسي تونغ... في السعودية، تزداد العلاقة التباساً وغموضاً يوماً بعد يوم، لكن وجهها الظاهر والغالب، هو العداء والمنافسة وانعدام الثقة..

في عُمان، ثمة حدود لما يمكن للإخوان أن يحظوا به من قوة ونفوذ، تمليها غلبة الأباظية على ما غيرها من مذاهب إسلامية في هذا البلد... قطر التي تقوم بدور "الراعي الرسمي" وأحياناً "الناقل الرسمي" للإخوان في المنطقة، ليس لديها ما تخشى منه، بوجود فائض من المال وندرة من السكان.

لكن دول الخليج الست، بعضها على الأقل، تبدو في أشد حالات الاضطراب في التعامل مع "ملف الإخوان"، حتى في الدول الأعلى صوتاً في نقد الإخوان وشيطنتهم وتجريمهم: الإمارات العربية المتحدة.. فهذه الدول التي لا تخفي قلقها من "التنظيم الدولي" و"الطابع التآمري" لجماعة الإخوان، بل وتتحسب لليوم الذي تنقلب فيها الجماعة على حكام الخليج، طمعاً في السلطة والثروة... نراها تمهد الطريق لحكم الإخوان في دول عربية أخرى.. وهناك على الأقل خمسة دول خليجية، ضالعة في أعمال لن يترتب عليها سوى تمكين الإخوان وتعبيد طريقهم للحكم في دولهم.. حتى الإمارات الأكثر قلقاً من الإخوان في "الداخل"، نراها الأكثر حماسة لدعم حركتهم في "الخارج"، بدلالة الموقف الإماراتي من الأزمة السورية.

سبب هذا الاضطراب و"التناقض" في سلوك هذه الدول حيال الإخوان يعود لتعدد مصادر "التهديد" التي ترى عدة دول خليجية، أنها تجابهها اليوم وفي المدى المنظور.. فإذا كانت إيران هي "العدو الأول" و"المهدد الرئيس" لأمنها واستقرارها، فمن غير "الإخوان" و"السلفيين" يمكن أن يكون حليفاً أو "مشروع حليف" في مختلف ساحات المواجهة مع محور طهران و"هلالها؟!.

لكن هذه الدول، التي نظر غالبيتها إلى "الربيع العربي" بوصفه تحدٍ ومصدر تهديد، تدرك في الوقت ذاته، أن "الإخوان"، هم قوة محركة رئيسة لرياح التغيير التي تضرب في معظم العواصم العربية.. وأن نجاحهم في عدد من الدول العربية، سيشجعهم على زيادة نشاطهم في دول "التعاون" ذاتها... أي باختصار شديد، فإن من يمكن أن يعدّ حليفاً قوياً في مواجهة التهديدات الخارجية، هو ذاته الذي قد يصبح ذات يوم (ليس ببعيد)، التهديد الأكبر داخلياً، لاسيما في ظل غياب أية بدائل وازنة ومنظمة لحركة الإخوان والسلفيين في معظم الدول والمجتمعات العربية.

وحقيقة أن دول الخليج ليست على موقف "رجل واحد" من الإخوان المسلمين، باتت بحد ذاتها عامل قلق ومصدر تحسب.. وبعيداً عن "اللغة البرتوكولية" أو "الخشبية" المستخدمة في اجتماعات "التعاون" على مختلف المستويات، لا تخفي دول خليجية قلقها من بعضها البعض.. فالسعودية وقطر تجمعها علاقة معقدة، فيها من التنافس والحذر، أكثر مما تتكشف عنه من تعاون وتكامل... والإمارات تخشى بلا شك، "الرعاية القطرية" للجماعة الإخوانية، تخشى من انتقال هذه الرعاية إلى إخوان الخليج أنفسهم بعد أن تكون "المهمة" قد أنجزت في عدد من دول العربية... أما البحرين فتبدو أقل خشية، طالما أن "الشيعة" هم مصدر التحسب وليس الحركات الإسلامية السنيّة بجناحيها الإخواني والسلفي، التي تقف غالباً إلى جانب النظام في مواجهته مع المعارضة الشيعية واليسارية والقومية.

وستجد دول الخليج نفسها قريباً أمام الأسئلة الصعبة، وربما بعد أن تضع الأزمة السورية أوزارها، ذلك أن قطار التغيير، سيبحث عن محطة أو محطات جديدة ليتوقف عندها.. والأرجح أن سكته ستكون سالكة صوب عدد من المحطات الخليجية التي لم تفلح سطوة المال والإعلام والأمن، في حجب ما يدور بداخلها خلال السنتين الفائتتين، ومن ينتظر ير.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/كانون الأول/2012 - 3/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م