هل ستقول بريطانيا وداعاً للاتحاد الاوربي؟

حاتم حميد محسن

في عام 1988 صرحت مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة ان بريطانيا لا ترغب بوجود منعزل على هامش المجموعة الاوربية. اما اليوم هي ترغب بذلك وبشكل متزايد. استطلاعات الرأي بيّنت ان معظم البريطانيين يفضلون الخروج من الاتحاد الاوربي. حزب تاتشر المحافظ الذي اخذ بريطانيا الى اوربا قبل اربعة عقود هو منقسم الآن بين اولئك الراغبين بالإبقاء على مسافة في علاقاتهم مع اوربا وبين منْ يرغب بالانسحاب فوراً. انصار الفريق الاخير في تزايد.

من الملاحظ ان أشد المنتقدين البريطانيين للاتحاد الاوربي هم ايضا مندهشين من السرعة التي تسير بها الاحداث. حملات البرلمانيين المضادة لاوربا اصبح تنظيمها اسهل بكثير، بينما تتصاعد الشكوك بالاتحاد الاوربي في اوساط حزب المحافظين بطريقة مشابهة كثيراً للمحافظين الاجتماعيين حين تحولوا من كونهم تياراً قوياً في الحزب الجمهوري الامريكي الى ارثودكسية متعصبة. حزب المملكة المتحدة المستقلة الذي ينادي بمغادرة الاتحاد الاوربي، انتقل فجأة من الهامش السياسي الى تيار رئيسي. الإستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوربي يبدو الآن مجرد مسألة وقت.

ان الاوربيين مندهشين ومنزعجين في آن واحد. هم يشعرون بالحيرة ازاء ما يتحدث به البريطانيون عن مغادرتهم النادي الاوربي الذي يعتبره البعض غيّر وبشكل جذري الاتجاه الانكلوسكسوني في التجارة الحرة خلال العقدين الماضيين. هم مستاؤون ايضا من الطريقة التي تستعملها بريطانيا بالتهديد في الخروج من النادي كأداة مساومة، خاصة في الاوقات التي يعاني فيها اليورو من أزمات. هم يرون ان بريطانيا تريد الاحتفاظ لنفسها بموقع متميز في النادي الاوربي، حيث تستطيع التمتع بحرية التجارة دون الالتزام باي من القواعد الاخرى للعضوية. في برلين وروما ، جادل القادة السياسيين بان على بريطانيا ان تقرر وعلى نحو حاسم اما البقاء او المغادرة؟

ان خروج بريطانيا سيشكل تراجيديا مزدوجة. حيث ان البريطانيين سيعانون اكثر مما يتصورون حاليا. اما اوربا ستصاب بالضرر ايضا. بما ان بريطانيا طالبت بحرية التجارة وبقواعد مخففة فان الاتحاد الاوربي بدون هذه سيكون اكثر كسلاً وسيبقى متخلفاً عن امريكا والدول الصاعدة.

ان أسرع طريقة لخروج بريطانيا ستكون بإجراء الاستفتاء بالبقاء او الخروج وفق ما دعا اليه رئيس الوزراء البريطاني مدفوعاً بالخوف من تصاعد الشعور المضاد لاوربا في البرلمان وفي المملكة ككل. ديفد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني حاول مقاومة هذا الاتجاه، ملمحاً بدلاً من ذلك الى ان بريطانيا ستُعطى الخيار بين الوضع الراهن او اقامة علاقات اكثر استقلالية. لكن ذلك لم يقنع الا القليل. النواب المحافظون ينظرون الى يمينهم نحو حزب بريطانيا المستقلة ويصرخون مطالبين بضرورة اتخاذ خيار أشد قوةً.

اما الطريق الاخر فهو يتطلب تحركاً دبلوماسياً. المشككون في اوربا، بما فيهم كاميرون، لايريدون ترك اوربا، هم يريدون فقط استعادة بعض السلطات من بروكسل. لكن جهودهم في هذا الجانب جعلت الموقف اكثر سوءاً. في السنة الماضية، اصطف تقريبا كل اعضاء الاتحاد الاوربي ضد كاميرون الذي كان يحاول منع ابرام اتفاقية مالية لحل مشكلة اليورو.

 البريطانيون الآن يأملون بان تضييق مجالات التكامل ضمن منطقة اليورو سيوفر الفرصة لكاميرون للتفاوض على روابط رخوة، وهم قد يكونون مخطئين في ذلك. وهناك دول اخرى تشعر بالاحباط من مطالب بريطانيا. العديد من الدول بضمنها المانيا، تفضل عدم خروج بريطانيا، لكن تلك الدول ليست متهورةً جداً للإبقاء على كاميرون وبطريقة يتنازلون فيها لبريطانيا عن المزيد من قواعد سوق العمل واللوائح الاجتماعية. بعض تلك الدول مثل فرنسا، ربما ترحب بحرارة بخروج أخطر اعضاء النادي. المفاوضات الانفعالية الحساسة سوف تزيد من احتمال التصويت بنعم للخروج من الاتحاد في الاستفتاء المرتقب.

سيادة قليلة، بتكاليف كبيرة

ولكن ماذا لو خرجت بريطانيا؟ هي ربما تحصد وبسرعة بعض المنافع، لأن ذلك سيوفر لها 8 بليون باوند (13 بليون دولار) سنويا في المساهمات الصافية للموازنة. التحرر من السياسة الزراعية المشتركة سيوفر الغذاء للملكة بأسعار منخفضة. واذا انسحبت بريطانيا من السوق الموحدة سوف تتخلص من ضوابط وسياسات العمالة الثقيلة، وسوف لن تقلق اسواقها من الاجراءات الضريبية والقواعد المالية الاوربية.

غير ان هذه المكتسبات سوف تتضائل امام كلفة الخروج البريطاني، لأن ذلك سوف يقلص التجارة مع السوق الاوربي الذي يستقبل نصف الصادرات البريطانية. صانعو السيارات الذين يستخدمون بريطانيا كقاعدة عمليات اوربية سوف يبتعدون تدريجيا، بالاضافة الى جزء كبير من قطاع الخدمات المالية. سيتوجب على بريطانيا إعادة التفاوض حول العشرات من الصفقات التجارية ومن موقف تكون فيه أضعف بكثير مما كانت عليه وهي عضو في الاتحاد الاوربي. هي ربما تنال بعض السيادة لكنها ستدفع مقابل ذلك كلفة هائلة لها ولشركائها.

اولئك الراغبين بخروج بريطانيا يجرون حاليا محادثات للتوصل الى تسوية تترك بموجبها بريطانيا الاتحاد الاوربي لكنها تستمر في المتاجرة معه بحرية (كما لو ان احداً يتناول طعامه في مطعم دون ان يدفع كلفة ذلك). بعض المشككين في اوربا الموحدة يرون امكانية التحاق بريطانيا بالنرويج ضمن المنطقة الاقتصادية الاوربية. ذلك سيتركها ملزمة للخضوع لقواعد الاتحاد الاوربي– وهو الموقف الذي يصعب القبول به من جانب البريطانيين وخاصة المشككين منهم.

البعض الاخر يأمل ان تحصل بريطانيا على نفس التعامل مع سويسرا التي هي ازيحت ايضا ولكن مع الابقاء على امكانية دخولها السوق الموحد. غير ان ذلك لن يحصل لأن الاتحاد الاوربي أسف على إعطاء سويسرا ذلك الخيار، ومن غير المحتمل ابداً منح التعامل ذاته لمن هو اكبر واكثر ازعاجاً.

هل بالإمكان فعل اي شيء لمنع حلول الكارثة؟ ربما ذلك ممكن. من الغرابة ان يسعى كاميرون لمحاكاة البارونة تاتشر التي يتم تذكّرها اليوم كمرأة حديدية حين أمرت بروكسل بالانسحاب، لكنها عرفت ايضا كيفية ايجاد سبب مشترك مع القادة الاوربيين لآخرين. لسوء الحظ، ان سياسة بريطانيا تجاه الاتحاد الاوربي تدهورت في السنوات الاخيرة. ان بريطانيا نظراً لخضوعها لهاجس القوة ولكي تظهر بمظهر القوي امام جمهورها المحلي ، نسي قادتها الحاليون فن إبرام الصفقات. كاميرون في موقف جيد حين يجادل لتوسيع السوق الموحد لأجل تعزيز النمو. هو ايضا لديه متعاطفون في اوربا بما فيهم انجيلا ماركل في المانيا، ولكنهم نادراً ما يبقون حلفاء مخلصين لأن بريطانيا يُنظر اليها كابتزازي متعصب.

الافضلية الاخرى يجب ان تكون توعية البريطانيين بما يتطلبه الخروج البريطاني. الشركات الكبيرة التي تكمن مصالحها بقوة في داخل الاتحاد الاوربي تحتاج الى اتخاذ موقف. حزب العمال الذي كان يلعب لعبة خطيرة و ساخرة، يحتاج ايضا لتغيير منهجه. في اكتوبر صوّت أعضاء حزب العمال مع المحافظين المعارضين لاوربا حول الموازنة الاوربية، مسددين للحكومة اولى واكبر الهزائم.

ان حزب العمال حين عمل على تقوية الراغبين بمغادرة اوربا يكون خلق فرصة اكبر امام حكومة المحافظين للمضي قدماً في تنظيم الاستفتاء بالبقاء او المغادرة. فلو قامت الحكومة بذلك ، فان حزب العمال ربما يندفع للقيام بالشيء ذاته.

ان الشطر الاكبر من المهمة الثقيلة سواء في الداخل او في بروكسل يجب ان يقوم به كاميرون ووزير خزانته جورج اوسبورن. هما يحتاجان لتذكير البريطانيين بالانتصارات التي تحققت ضمن الاتحاد الاوربي وتوعيتهم بخطر الافتراق عنه. وفوق كل ذلك، هما يحتاجان لإعادة اكتشاف مزايا التقدم البطيء وابقاء الخيارات مفتوحة. الاستفتاء هو مثال جيد. الاندفاع نحو التصويت يبدو واضحا وحاسما. ولكن التوقف لفترة ما هو الافضل. الحكومة يجب ان ترفض طلبات التصويت ريثما يتضح اي نوع من اوربا يُصوّت لأجلها بالبقاء او المغادرة. هذا النوع من سلوك – انتظر لترى - ربما يبدو غير مقنع، لكنه هو الذي جعل بريطانيا خارج اليورو.

ان موقف بريطانيا من اوربا ربما يصبح من الصعب الدفاع عنه لو ان سُبل حل الازمة الاقتصادية تجبر دول منطقة اليورو للارتباط مع بعضهم اكثر واللحاق بهم من جانب جميع دول الاتحاد الاوربي الاخرى. غير ان ذلك غير مؤكد ولا ينسجم مع الموقف الهامشي البطيء لبريطانيا. ان افضل خيار، رغم انه صعب ومذل هو البقاء قريبا من اوربا مع السعي في محاولات استقطابها باتجاه بريطانيا.

................................................

* عن الايكونومست البريطانية عدد 8 ديسمبر الحالي 2012.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/كانون الأول/2012 - 3/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م