شبكة النبأ: لا شيء مستغرب في العراق،
ولا شيء يدعو للعجب حتى لو وقعت فيه احداث تدخل في ابواب العجب
العجاب... لا شيء لا يمكن تصديقه اذا ترافق وقوعه مع كلمة العراق،
والتي يقال على بعض الاراء انها مشتقة من العراك، او من العروق، وربما
الراي الاول هو الاصح ونحن نشاهد عراك السياسيين في ما بينهم، بالالفاظ
اغلب الاحيان وبالايادي وتكسير الاسنان احيانا اخرى.
ظهر حزب الجمير وكانت عضويته تتطلب حسن النهيق والرفس، وكان رئيسه
قد امتعنا بالكثير من حركات الحمير في احدى البرامج الحوارية التي
احتفت به. في الانتخابات ونحن على ابوابها، كل شيء جائز ومسموح به.
ولنا اسوة في تجارب عالمية عديدة.
احدى المرشحات الايطاليات وكانت نجمة للافلام الاباحية تتعرى في
الترويج لدعاياتها الانتخابية، احد المرشحين في انتخابات جنوب افريقيا
يوزع العازل الطبي لممارسة جنسية امنة.
في العراق شهدنا الكثير من الدعايات والترويج للاحزاب والكتل
السياسية في انتخابات سابقة، فهناك من وزع الهيترات الكهربائية،
والبطانيات ، ولفات الكباب المشوي. ولا تقتصر الغرابة على الدعايات
الفعلية، بل تتجاوز ذلك الى الشعارات الانتخابية او الرموز التي تمثل
المرشحين.
ففي مصر مثلا وفي انتخاباتها الاولى بعد الثورة، ظهر عدد من الرموز
الغريبة، مثل ماكنة الحلاقة، وخرطوم المطافىء، وفرشاة الأسنان، إلى
جانب الرموز التى أطلق عليها المرشحون (سوق الخضار) مثل رمز البصلة
والمانجو والجزر، كما لم تترك اللجنة العليا للانتخابات (الدولاب) دون
الخروج منه ببعض الرموز مثل (الفستان وقميص البدلة)، وايضا هناك إطار
السيارة.
وقد حصلت الأحزاب الكبيرة على أفضل الرموز الذين انتقوها مثل رمز (الميزان)
لحزب الحرية والعدالة ورمز (الفانوس) لحزب النور السلفي، ورمز النخلة
الذي حصل عليه حزب الوفد، وغيرها.
في العراق لا يختلف الوضع كثيرا، ولو اني لم احتفظ بالرموز
الانتخابية للدورة السابقة لمجالس المحافظات او لمجلس النواب، الا ان
الانترنت اعانني في القبض على الشعارات الانتخابية للدورة الحالية
لمجلس النواب العراقي.
تترافق الشعارات عادة مع صور المرشحين، وتكشف تلك الصور عن الكثير
من المعاني والدلالات المبطنة. كانت اغلب الصور للمرشحين فيها الاصبع
الممدود للمرشح باتجاه الناظرين اليه، وهذه الحركة عادة ما تفسر في علم
النفس والدراسات السلوكية بانها اشارة تهديد ووعيد وتحذير، ولم تنفع
تلك الاشارة في تحذيرنا من انتخاب صاحبها، وربما هي التي جعلتنا نخشى
من تهديد عدم انتخابه وكان ما كان. وكذلك كان اغلب المرشحين مرتديا
القاط السياسي، ولا اذكر اني رايت صورة لمرشح ما وهو يرتدي (التي شيرت)
مما يشير بوضوح الى ان المرشح يميل الى الاجواء المكتبية المكيفة وعدم
الخروج الى الاماكن العامة، وهو يتمسك بالمظاهر على حساب الملابس
العملية. اشير فقط الى ملاحظة حول القاط السياسي، حيث منعت الحكومة
اليابانية موظفيها قبل اشهر من ارتداء ربطة العنق والقاط لانه يزيد من
استهلاك الطاقة الكهربائية بسبب الاحساس الزائد بالحرارة الذي يحس به
الموظف الذي يرتديه.
ومما يمكن تسجيله حول الشعارات السابقة هو احتوائها على الكثير من
ادوات النهي والنفي والجزم. وهذه طائفة من تلك الشعارات السابقة:
- ما أجمل ان تكون عراقي.
- كلمة شرف انطيك وعد وعدي اني ... خادم اصير وعون للي نخاني.
- أعمل لأقول ... ولا اقول لأعمل.
- لنواصل المشوار.
- من أجل ثقافة ثورية وابداع حقيقي.
- سنشد عضدك بعضدي.
- دمعة المحرومين خناجر في قلوب الاعداء.
- إني وجدت النخل يشحذ تمرة ... هي ملكة لكن لدى الجيران.
- سلاما ايها الأوفياء.
- جئنا بالدماء ولن نقصر بالبناء.
- الى الجحيم كل عمل سياسي لا يخدم الوطن.
- سأبقى صوتكم.
- صوت الحق ولسان الشعب.
-سنفوز بالسيادة.
- من يريد ان يخدم الناس يعيش همومهم.
- منكم واليكم.
- من اجل الدفاع عنكم وعن عراق قوي موحد انتخبوا.
- قوة بلدنا في قوة شعبنا.
- العراق يجب ان يكون افضل وبصوتك يتحقق الافضل.
- لأنك منا.
- هموم المحرومين امانة في اعناقنا.
- وسنفوز بالامان.
- حياتك معنا لها قيمة الى غيرها الكثير من الشعارات دون برامج.
ونحن الان على ابواب انتخابات مجالس محلية قادمة، بدأت الدعايات
الانتخابية مبكرا، وربما كان التيار الصدري هو الاسبق بالدخول في هذه
الدعايات التي كنت اراها قبل شهور قليلة.
اعضاء القائمة العراقية في كربلاء، اختاروا رمزا غريبا لحملتهم
الانتخابية، وهي المكناسة، تحت شعار (كربلاء انظف وانزه) وهو برنامجنا
الذي نسعى لتحقيقه لابناء محافظتنا على حد تعبير رئيس القائمة العراقية
في محافظة كربلاء. واضافت احدى عضوات القائمة (قررنا وباجتماع مع رئيس
القائمة العراقية اياد علاوي ان نرفع شعار المكنسة، لامتلاك الشعار
الكثير من المعاني منها تنظيف مدينتنا ومنها كنس الفاسدين الذين لم
يخدموا هذه المدينة ولم ينفذوا برنامجهم الذي اوعدوا به الجماهير سواء
كانت في كربلاء او غيرها واخلوا بوعودهم لهذه المدينة.
وبينت انهم قرروا ان يكون شعارهم المكنسة لتنظيف ما اسموه بالمفسدين
والاوساخ والقذارة التي خلفوها بعدهم حسب تعبيرها.
ترتبط المكناسة بكل ماله علاقة باعمال التنظيف، في المنازل او
الشوارع او الدوائر والمؤسسات، ومن يزاول هذه المهنة يطلق عليه تسمية
كَنّاس، او زبّال، وهي صيغة مبالغة من كنَسَ وهو مَنْ تكون حرفته الكنس
أو التنظيف.
والكنس والمكناسة ليست غريبة عن تاريخ العراق الزاخر بكل الاعاجيب،
فقد كان في بغداد اواسط العشرينات من القرن الماضي جريدة باسم (كناس
الشوارع)، وهي جريدة ساخرة وبلغة ذلك الزمن فكاهية انتقادية، كانت متعة
القراء ، ومبعث فرحهم لانها كانت تتناول الاوضاع الداخلية للعراق
بالنقد اللاذع والسخرية المريرة وكانت تصف احوال المجتمع وصفا يثير
الفكاهة.
وكان الكناس عنوانا لمسرحية قدمتها فرقة اسماعيل ياسين المسرحيه
حملت اسم كناس في جاردن سيتى.
وهو ايضا لقب يطلق على (ثاني أوكسيد التيتانيوم) حيث تأكد أنه
بالإمكان تنظيف الهواء من ملوثاته وبخاصة تلك التي تتسبب فيها عوادم
السيارات وأدخنة المصانع من خلال مادة تطلى بها الجدران والملابس مثلا
لتنقية الهواء بالاعتماد أساسا على مادة لثاني أوكسيد التيتانيوم حضور
هام في مكوناتها.
وهو ايضا يطلق على برنامج (الجاسوس الكناس) الحائز على جائزة
لمكافحة برمجيات التجسس
بشكل فعال وآمن والذي يكتشف ويزيل برامج التجسس من جهاز الكمبيوتر.
في الصور التي رافقت خبر المؤتمر الصحفي لاعضاء القائمة العراقية في
كربلاء، لم يحمل الاعضاء الذين يرتدون العقال والعباءة المكناسة،
واقتصر حملها على الافندية وعلى احدى النساء العضوات والذين كانوا
يحيطون بالشيوخ، وهي دلالة ارجو من الناخبين الانتباه اليها، فشيخ
العشيرة لا ينظف، بل هناك خدم يقومون بهذه المهمة بدلا عنه، اضافة الى
انها وظيفة
المراة حصرا في المنزل.
الصور تكشف عن عقلية ذكورية تستمد قيمها من واقع مجتمعها الذي تنشأ
فيه وتتعلم ابجدياتها منه. هل تكون مكناسة العراقية هي من تقوم بتنظيف
بيت القائمة اولا؟ |