كيف يصنع مرسي قراراته!؟

قراءة بعيون مستشاريه

علاء بيومي

تراجع الرئيس المصري محمد مرسي مؤخرا عن عدد من أهم قراراته المثيرة للجدل وعلى رأسها الإعلان الدستوري الصادر في 22 نوفمبر والذي حصن قراراته قضائيا، وقرار زيادة الضرائب الصادر في 9 ديسمبر والذي تم سحبه في نفس اليوم بعد اعتراضات من حزب الرئيس.

وتثير هذه التراجعات - والتي تكررت في السابق مع قراري إعادة البرلمان المنحل ومحاولة نقل النائب العام - تساؤلات مشروعة عن عملية صناعة القرار داخل إدارة الرئيس وإذا كان يحصل على الدعم والخبرات الكافية.

مستمع جيد

وهنا يشير عدد من مستشاري مرسي المستقيلين مؤخرا بسبب أزمة الإعلان الدستوري الأخير إلى أن الرئيس ينصت جيدا لمستشاريه ويعاملهم بقدر كبير من التقدير والاحترام ويحرص على السماع لدائرة واسعة من الخبراء، ولكنهم يشتكون في نفس الوقت من أنهم لا يعرفون كيف يصنع الرئيس قراراته النهائية ولا الدائرة الصغيرة من المستشارين المقربين الذين يعتمد عليهم في اتخاذ القرار.

ويقول الكاتب أيمن الصياد ومستشار الرئيس الذي استقال مؤخرا أن "الرئيس يستمع جيدا، لم يحدث مرة أن طلب مني أن أقول كذا، أو لا أقوله... دائرة الاستماع واسعة جدا، ولكن إلية اتخاذ القرار مختلفة".

ويشتكي الصياد قائلا: "القرارات الأخيرة (الإعلان الدستوري) التي أثارت كل الأزمة، لا نائب الرئيس ولا مساعدي الرئيس ولا مستشاري الرئيس استشيروا فيها".

وكتب سمير مرقص - مساعد الرئيس مرسي لشئون التحول الديمقراطي والذي استقال من منصبه - في خطاب عن أسباب استقالته: "إنني فوجئت بهذا الإعلان الدستوري والقرارات اللاحقة، حيث لم أُستشر بشأنه مطلقا، مما يعكس إشكالية حقيقية حول جدوى الفريق الرئاسي".

فكرة الفريق الرئاسي

وكان الرئيس مرسي قد أعلن بعد توليه السلطة عزمه تغيير أسلوب صناعة القرار الرئاسي عما كان سائدا خلال عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك حيث سيطرت على صناعة القرار دائرة من المستشارين المقربين في جو من السرية وعدم الشفافية.

لذا وعد مرسي بفريق رئاسي وبصناعة القرار بشكل مؤسسي وقام بتعيين نائبا وأربعة مساعدين و17 مستشارا بالإضافة إلى مستشار قانوني ومتحدث رسمي ورئيس للديوان وعدد من الموظفين الكبار الذين اعتمد عليهم في حملته الرئيسية.

وقد ذكر سمير مرقص في مقابلة تلفزيونية أجراها مع قناة سي بي سي المصرية بعد استقالته أنه "تحمس جدا" لفكرة الفريق الرئاسي ولمنصبه وأن الرئيس كلفه بمتابعة كل ما يتعلق بالتحول الديمقراطي وبأن يكون حلقة الوصل بين القوى السياسية والرئاسة.

ويقول مرقص أن الرئيس ترك له "حرية الحركة" وتواصل معه جيدا في الفترة الأولى بعد تعيينه، ولكن تراجع التواصل فيما بعد، ويشتكي قائلا: "حتى على مستوى التواصل لن نكن قادرين على الوصول للرئيس".

ويجد الكاتب محمد عصمت سيف الدولة وأحد المستشارين المستقيلين عذرا للرئيس في بيئة صنع القرار، ويقول أن مؤسسة الرئاسة في مصر تعيش تجربة جديدة بحكم أن مرسي أول رئيس منتخب بعد ثورة ويواجه مشاكل هائلة وتحديات ورثها من عصر مبارك وقيود دولية وضغوط من القوى السياسية ومن قوى الثورة المضادة.

ويشبه سيف الدولة صناعة القرار "بالسير في حقل ألغام بدون خارطة"، ويقول أيضا أن الرئيس المرسي لم يحصل على فرصة كافية لصناعة إستراتيجية واضحة وتحويلها إلى أهداف محددة، ويضيف "نحن الآن في مرحلة الاستكشاف أكثر منها في مرحلة إدارة".

ويؤكد المستشارون الثلاثة على دعمهم لفكرة الفريق الرئاسي المتنوع الخلفيات السياسية وعلى تقديرهم للرئيس وعلى أهمية توحيد صف القوى السياسية الداعمة للثورة وخطورة تقسيمها بين تيار ديني وأخر منافس له، ويقولون أن مشاكل البلاد هائلة ولن يستطيع أن يتحملها أي فصيل سياسي أو تيار بمفرده.

إنقسام المستشارين

أما د. أحمد عمران - مستشار الرئيس للتنمية المجتمعية والقيادي في حزب البناء والتنمية الجناح السياسي للجماعة الإسلامية - فيرى أن عدم الاستقرار في المجلس الاستشاري يعود إلى أن المجلس مازال في "إطار التنقيح وتوصيف المهام بشكل جيد"، ويقول أن الرئيس ليس ملزما باستدعاء مستشاريه في كل قضية، وأن "بعض المشكلات قد تكون من السرية والأهمية للأمن الوطني"، وأن "الرئيس من حقه أن تكون لديه دائرة مغلقة".

ويتفق د. خالد علم الدين مستشار الرئيس لشئون البيئة والقيادي في حزب النور السلفي مع الرأي السابق، ويقول أن الرئيس "أجبر على اختيار مستشاريه" بعد انتخابه بسبب الضغوط السياسية وانتهى الأمر باختيار فريق مستشارين منقسم بين التيار "الإسلامي" والتيارات "غير الإسلامية"، وكانت النتيجة دخول أعضاء المجلس الاستشاري في "خلاف مع بعض" خاصة حول الدستور والجمعية التأسيسية ومواد الدين في الدستور.

ويقول علم الدين "كان واضح أن الانسحاب من التأسيسية والفريق الرئاسي ليس بسبب إجراءات معينة، ولكن كان بتوجهات معينة"، ويقول "القضايا التي تناقش في المجلس الاستشاري كانت تخرج للإعلام بمجرد الخروج من الاجتماعات"، ويرى أن على الرئيس اختيار فريق رئاسي "متجانس".

أما د. أيمن علي مستشار الرئيس لشئون المصريين في الخارج والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين، فينفي وجود صراع بين المستشارين في الهيئة الرئاسية، ويقول أن "المستشار هو مجرد مستشار يقدم مشورة في موضع تخصصه إذا طلب منه، وأن المسئولية المادية والأدبية تقع على الرئيس، وأن بعض المستشارين تعرضوا لضغوط وفاتورة سياسية بسبب النخب التي ينتمون إليها".

لذا يرى أن على الرئيس أن يحافظ على فريقه الرئاسي مفتوحا أمام خبراء من تيارات سياسية مختلفة على أن يتم تطوير فكرة الفريق السياسي وإنضاجها حتى يعمل المستشارون بدون ضغط.

مخاوف

ويبدو د. مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أكثر قلقا بخصوص ما يحدث داخل مؤسسة الرئاسة، ويقول "نمط اتخاذ القرار يكشف أن الرئيس لا يحيط نفسه بمستشارين على مستوى المسئولية"، ويقول أن بعض القرارات التي تم التراجع عنها قامت على نصائح قانونية وسياسية خاطئة بشكل واضح.

ويقول أن فريق مرسي الرئاسي يفتقد للخبرات ويعتمد بالأساس على مستشارين مقربين من نفس التيار السياسي الذي ينتمي إليه الرئيس.

أما د. عمرو هاشم ربيع رئيس وحدة التحول الديمقراطي بمركز الأهرام للدراسات فيقول أن الرئيس مرسي يعاني "قلة الخبرة والممارسة" ومن الصراع بين مستشاريه "الرسميين" ومستشاريه "غير الرسميين" ومن محاولة إرضاء الجميع، ولكنه يبدو أكثر تفاؤلا بالمستقبل مشيرا إلى أن مبارك عانى من قلة الخبرة خلال العامين الأولين من حكمه، ولكنه تعلم بمرور الوقت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/كانون الأول/2012 - 2/صفر/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م