ظاهرة الكذب... الواقع والدراسة والتأثير

 

شبكة النبأ: يعد الكذب من الظواهر القبيحة والمرفوضة لدى الجميع دون استثناء لما لها من أثار سلبية قد تسهم بهدم وتدمير الفرد والمجتمع، ويرى بعض المتخصصين ان هذه الظاهرة الخطيرة قد انتشرت بشكل كبير بين الناس وبمختلف الأعمار وهو ما أسهم بفقدان الثقة بينهم، ورغم أن الكثير من الناس يرى أن الكذب آفة اجتماعية يجب تجنبها، حذر العالم النفسي الأمريكي روبرت فيلدمان من أن الكذب بات صفة سائدة إلى درجة أن البشر باتوا يخادعون ويخاتلون دون وعي منهم، وكأن مثل هذا الأمر بات طبيعيا. ومن ضمن أسباب الكذب برأي فيلدمان، أن الكثير من الناس عاجزون عن التقاط أكاذيب الآخرين، وبالتالي يقعون فريسة سهلة لهم، وذلك لأنهم يحكمون على الشكل الخارجي وعلى الإيماءات التي ترتسم على وجوه البعض دون التدقيق فيها ومحاولة تفسيرها بشكل دقيق.

وبيّن فيلدمان أنه لا توجد علاقة متبادلة بين ما يبدو على ملامح الشخص ودرجة صدقيته، إذ قد يبدو مبتسما، وهو في الواقع مشغول بأمر آخر غير المحادثة التي يجريها مع الآخرين، مؤكدا على مقولة أن "المناظر خادعة." إضافة إلى ذلك، رأى فيلدمان أن الكثير من الناس لا يكلفون أنفسهم عناء التفكير والتحليل الدائم لما يقوله لهم الآخرون، مما يفتح بابا واسعا أمام الكذابين والأفاقين كي يقولوا ما يشاؤون.

ورأى فيلدمان أننا نعيش في زمن بات فيه الكذب والخداع من الأمور التي يمكن التجاوز عنها بصورة أكبر بكثير من السابق، بحيث بات يعتقد الكثيرون أنه لا بأس في الكذب، طالما لا ينكشف الشخص المخادع، إذ ظهر في البحث أن القليل من الناس الذين وجهوا بأكاذيبهم أبدوا الكثير من الأسف على الإقدام على مثل هذا التصرف. وحذر فيلدمان من أضرار الكذب، إذ رأى أنه كثرة مديح الناس بعضها البعض من شأنه أن يحجب حقيقة الأشياء بينهم ويعيق تكوين صورة دقيقة عن أنفسهم وإنجازاتهم ومحيطهم، كما أنه يفتح الباب أمام الإقدام على كذبات من العيار الصقيل، مثل النصب والسرقة والاحتيال.

وأكد فيلدمان أنه لا توجد أدلة علمية تؤكد أن الكذب يأتي ضمن الجينات والطبيعة البشرية، مبينا أن الناس يتعلمون خصلة الكذب والخداع من ضمن محيطهم بالدرجة الأولى منذ نعومة أظفارهم. وعلاجا لهذه المسألة رأى أنه من الضروري على الناس بأن يقوموا بتقييم فعال للمصداقية، وذلك عبر الوعي بإمكانية أن بعض الناس سيكذبون عليهم، مما يتوجب الإصرار والضغط عليهم كي يكونوا صادقين، وإلا سيقع الكثير من الأشخاص فريسة للأكاذيب والخداع. بحسب CNN.

ولا تنحصر المسألة في أن يفترض الناس الصدق لدى الآخرين، وينسون أنفسهم، ويصفون ما يقولونه بـ"أكاذيب بيضاء"، لأنهم إن فعلوا ذلك فسيقدم الناس على فعل الشيء نفسه وتدور الأمور في نفس الحلقة المفرغة التي يحاولون الفكاك منها.

جهاز يكشف الكذب

الى جانب ذلك يبدو أن الآلات في طريقها لكشف الضمائر أيضا، إذ يعمل باحثون في المملكة المتحدة على تسخير تكنولوجيا التصوير الحراري في خدمة كشف الكذب على الفور. وتجري تجارب على جهاز جديد لكشف الكذب من قبل جامعة برادفورد في شمال انجلترا، ورغم أنها لا تزال في مرحلة مبكرة، لكنها حققت بعض النتائج الواعدة حتى الآن. ويقول حسن أوغيل مدير مركز الحوسبة البصرية في الجامعة "لقد قمنا بتطوير نظام يمكننا من خلاله تحليل وجوه الناس لكشف الكذب خلال مقابلة شخصية، عبر كاميرا للتصوير الحراري تلتقط التغيرات في درجات الحرارة في الوجه." وأضاف أوغيل "عندما يختلق شخص ما كذبة معينة، فإن نشاط الدماغ يتغير، ويمكنك اكتشاف ذلك من خلال الكاميرا الحرارية،" مشيرا إلى أن المناطق حول العين والخدين حساسة للغاية لارتفاع درجة الحرارة.

والتصوير الحراري عبر الكاميرا يرصد لفتات الوجه، صورة بصورة، ثم يتم تحليلها باستخدام نظام يسمى "وحدة تعابير الوجه،" الذي يرصد حركات الوجه، والذي طوره عالما النفس الأمريكيين بول إيكمن ووالتر فريسين. وبعد ذلك، يتم تجميع المعلومات وإدخالها في جهاز كمبيوتر أنشئ خصيصا ببرمجة معينة يمكنها التعرف على نسبة الحقيقة فيما قاله الشخص موضوع الاختبار. بحسب CNN.

وقد تم اختبار نحو 30إلى 40 موضوعا حتى الآن مع نسبة النجاح تصل إلى 2 من 3. ويقول أوغيل "ما زال هناك الكثير من العمل، والتحسينات المستمرة،" مشيرا إلى أنه بالتعاون مع جامعة أبيريستويث في ويلز، يأمل في أن يكون الجهاز قابلا للتطبيق الفعلي قريبا.

التدرب والممارسة

ذكر باحثون أميركيون، أن التوصل إلى «الكذبة المثالية» ممكن، غير أنه يحتاج إلى التدرّب والممارسة ليس إلا. وذكرت جامعة نورثوسترن الأميركية، في بيان، أن باحثيها أجروا دراسة أظهرت أن احتراف الكذب ممكن من خلال الممارسة. وقام الباحثون في الجامعة بدراسة على مجموعة من الأشخاص بهدف معرفة ما إذا كان بإمكانهم التدرب لجعل كذبتهم أكثر تلقائية، ويتفادوا بالتالي الإشارات التي تفضح خدعتهم.

واستنتجوا أن الوقت الذي يستغرقه المشاركون في الدراسة لاختلاق إجابتهم الكاذبة والتفوه بها يمكن تخفيضه بشكل كبير مع الممارسة. وقال الباحث الأساسي في الدراسة، الاختصاصي في علم النفس في الجامعة، جياوكينغ هو، في بيان للجامعة «وجدنا أن الكذب مطواع، ويمكن تغييره من خلال الممارسة». وأضاف أن المشاركين بالدراسة مُنحوا وقتاً قصيراً لتحضير أكاذيبهم، غير أنه أشار إلى أنه «في الحياة الواقعية تفصل فترة زمنية بين ارتكاب الجريمة وعمليات الاستجواب التي تجريها الشرطة». ولفت الباحث إلى أن «معظم الأشخاص سيكون لديهم متسع من الوقت لتحضير أكاذيبهم والتدرب عليها قبل خضوعهم للاستجواب». وأشار إلى أن نتائج هذه الدراسة لها تداعيات على عناصر الشرطة، لا سيما الذين يديرون اختبارات كشف الكذب.

الرجل يكذب أكثر

في السياق ذاته كشف استطلاع بريطاني للرأي نفذه "متحف العلوم" في بريطانيا أن الرجال يكذبون أكثر من النساء، وأشار الاستطلاع إلى أن الرجل البريطاني يكذب ثلاث مرات في اليوم، بينما تكذب المرأة البريطانية مرتين يومياً. الغريب في الأمر أيضاً ان 82 في المائة من النساء البريطانيات يشعرن بالذنب وتأنيب الضمير بعد قيامهن بالكذب، في حين أن 70 في المائة من الرجال يشعرون بذلك، ما يعني أن 30 في المائة من الرجال ليسوا كذابين فقط، وإنما "بلا إحساس" تجاه ممارستهم الكذب، وخصوصاً على شريكات حياتهم.

أما أكثر كذبة يسردها الرجل البريطاني فهي " لم أتناول الكثير من المشروبات الروحية"، وتليها "لا يوجد شيء.. أنا بخير" و"أنا في طريقي إلى البيت (أو العمل)" وكذلك "لقد فقدت الكثير من وزنك." أما بالنسبة لكذب المرأة، فجاءت كذبة "لا يوجد شيء.. إنني بخير" و"لا أعرف أين هي.. فأنا لم ألمسها" و"لم تكن غالية جداً" ضمن الكذبات العشر الأوائل، بحسب ما ذكرته مجلة "التايم."

ومن الطبيعي أن يكون المتقدمون للاستفتاء صادقين، وأي شخص يقول لك غير ذلك فهو كذب صريح. على أن هذا ليس بالضرورة حكراً على الشعب البريطاني، إذ يبدو أن الأمر منتشر بين معظم شعوب الأرض، رغم أن الكثير من الناس يرى أن الكذب آفة اجتماعية يجب تجنبها. وكان العالم النفسي الأمريكي، روبرت فيلدمان، قد حذر من أن الكذب بات صفة سائدة إلى درجة أن البشر باتوا يخادعون ويخاتلون دون وعي منهم، وكأن مثل هذا الأمر بات طبيعياً.

ومن ضمن أسباب الكذب برأي فيلدمان، أن الكثير من الناس أصبحوا عاجزين عن التقاط أكاذيب الآخرين، وبالتالي يقعون فريسة سهلة لهم، وذلك لأنهم يحكمون على الشكل الخارجي وعلى الإيماءات التي ترتسم على وجوه البعض دون التدقيق فيها ومحاولة تفسيرها بشكل دقيق. بحسب CNN.

 ورأى فيلدمان أننا نعيش في زمن أصبح فيه الكذب والخداع أموراً يمكن غض الطرف عنها وتجاوزها بصورة أكبر بكثير من السابق، مشيراً إلى أن كثيراً من الناس باتوا يعتقدون أنه لا بأس في الكذب، طالما لا ينكشف الشخص الكاذب. ويدل على ذلك من خلال نتيجة أظهرها البحث تتمثل في أن قليل من الناس ممن ووجهوا بأكاذيبهم أبدوا الكثير من الأسف على الإقدام على مثل هذا التصرف.

على صعيد متصل وجدت دراسة جديدة أن درجة حرارة الأنف، وعضلة المحجر، في الزاوية الداخلية للعين ترتفع عند الكذب. وذكر موقع "ساينس ديلي" العلمي الأميركي، أن الباحثين في جامعة "غرناطة" الإسبانية، وجدوا أنه عند القيام بجهد عقلي، مثل إنجاز مهمة صعبة، أو إجراء مقابلة، أو الكذب، فإن حرارة الوجه تتغيّر. ولفتوا إلى أن درجة حرارة الأنف ترتفع عند الكذب بشأن المشاعر، حين ينشط عنصر دماغي اسمه القشرة الدماغية المعزولة، وتشارك هذه القشرة الدماغية في التقاط وتنظيم درجة حرارة الجسم. وقال العلماء إن هناك تداخل قوي سلبي، بين نشاط القشرة الدماغية المعزولة، وارتفاع درجة الحرارة، فكلما نشطت هذه القشرة مع ازدياد المشاعر، كلما انخفض التغيّر في حرارة الجسم، والعكس صحيح.

لصحة أفضل

من جانب اخر قال باحثون أميركيون إن التقليل من الكذب مفيد للصحة. ونقل موقع «هيلث داي نيوز» الأميركي، عن دراسة أجرتها جامعة نوتردام في ولاية فلوريدا الأميركية، أن التقليل من الكذب مفيد للصحـة، ويساعد على التخفيف من آلام الرأس والحلق والضغط والقلق.لاوشملت الدراسة 110 أشخاص من ذكور وإناث راوحت أعمارهم بين 18 و71 عاماً وطلب من نصف عددهم الكف عن سرد الأكاذيب الكبيرة و«البيضاء» لمدة 10 أسابيع، في حين ترك للنصف الآخر الذي أطلق عليه «مجموعة الضغط» حرية التصرف.

واستنتجت الدراسة أن المجموعة الأولى خفّضت عدد الأكاذيب البيضاء ثلاث كذبات، ما انعكس على صحة المجموعة التي بات المشاركون فيها يشكون بشكل أقل من آلام الرأس والحلق والضغط والقلق ومشكلات أخرى، بالمقارنة مع المشاركين في المجموعة الثانية. وقالت معدة الدراسة البروفيسورة في علم النفس أنيتا كالي، إن «الرابط بين (التقليل من الكذب وتراجع حدة الآلام) جلي جداً»، مضيفة أنه «يمكن الربط بشكل واضح بين تخفيف هؤلاء الأفراد لكذبهم وبالتالي تحسن صحتهم.. أظن أنه لا يمكن النظر إلى الأمر بأية طريقة أخرى».

وأكدت كالي أن الأشخاص الـ110 كانوا يذهبون في كل أسبوع إلى مختبر ينجزون فيه استفتاء عن صحتهم وعلاقاتهم، ويجرون اختباراً للكذب يهدف إلى تقويم عدد الأكاذيب الكبيرة والبيضاء التي سردوها طوال الأسبوع. وأشارت الى أن بعض الأفراد لجأوا إلى وسائل ذكية لتفادي الكذب، فقاموا بإخبار الحقيقة بشأن إنجازاتهم، عوضاً عن اللجوء إلى المغالاة، في حين قام بعضهم الآخر بتجاهل سؤال أقلقهم بالإجابة عن سؤال آخر يهدف إلى إلهاء طارح السؤال، وتوقفوا عن إعطاء أعذار واهية لتأخرهم عن مواعيدهم أو امتناعهم عن أداء واجباتهم. بحسب يونايتد برس.

وقال رئيس مجلس الإدارة في قسم الطب النفسي في جامعة لينكس هيل بمدينة نيويورك الطبيب براين برونو إنه يتعقد أن «الكذب قد يسبب ضغطاً كبيراً للناس، مؤدياً بالتالي إلى القلق والاكتئاب، والتقليل من الكذب ليس مفيداً لعلاقاتك فحسب، بل لك أيضاً كفرد». ويحذّر برونو من أن «الناس قد يعرفون الأثر المدمّر للكذب على العلاقات، غير أنهم يجهلون على الأرجح مدى الضغط الداخلي الذي يمكن للكذب أن يسببه».

التعرف على الإرهابيين

من جهة اخرى بدأ علماء في جامعة نورثوسترن بمدينة شيكاغو الأمريكية بتطوير جهاز قالوا إنه قادر على كشف العمليات "الإرهابية" و"الإرهابيين المحتملين" من خلال قراءة موجات أدمغتهم، وصولاً إلى التدقيق بمعلومات قد تكون على صلة بالهجمات التي يخططون لها، مثل مكان وموعد العمليات. وبحسب ملخص حول البحث نشر في مجلة "علم النفس" قام الطبيب جون ميكسنر ومعاونه بيتر روزنفيلد بالطلب من مجموعة تلاميذ في الجامعة الإعداد لخطة إرهابية وهمية، كما جرة الطلب من مجموعة أخرى إعداد خطة لرحلة صيفية ترفيهية، وأظهرت عمليات المسح الدماغي وجود فوارق كبيرة في طبيعة الموجات الدماغية بين المجموعتين.

وقالت الدارسة إن المجموعة التي خططت للعملية الوهمية قررت تنفيذها في مدينة هيوستن، وقد تمكن جهاز مسح الموجات الدماغية من رصد نشاط فائق لدى أفراد هذه المجموعة عندما قام الأطباء بعرض قائمة تحمل أسماء مدن أمريكية عليهم، تضم مدينة هيوستن. وذكرت الدراسة أن العلماء ركزوا على موجة دماغية تحمل اسم P300 لأنها تنطلق في الدماغ مرة كل 300 ميلي ثانية، وهي عادة ما ترتبط بتذكر المرء لأمور خطيرة، وقد تمكنوا بالفعل من رصدها في أدمغة المجموعة "المتآمرة."

وشرح ميكسنر أهمية الكشف قائلاً: "بفضل رصد الموجة P300 تمكنا من تحديد 10 من بين 12 إرهابياً محتملاً، كما تمكنا من الحصول على 20 من أصل 30 تفصيل يتعلق بموعد وكيفية تنفيذ الهجوم." وأشار ميكسنر إلى أن هذا الأسلوب في تحديد الإرهابيين المحتملين أفضل من أجهزة كشف الكذب، لأن بوسع المجرمين المتمرسين أو الجواسيس التلاعب بمعطيات هذا الجهاز والحفاظ على هدوء أعصابهم، بينما قد يرتبك الأبرياء وتظهر عليها علامات تدفع المحققين للشك بتورطهم في الجرائم.

غير أن ميكسنر لفت إلى أن أسلوب قراءة موجات الدماغ يعاني من عيب أساسي، وهو ضرورة أن يكون لدى المحققين رأس خيط في التحقيقات أو بعض الحقائق لعرضها على المشتبه بهم ورصد ردود أفعال أدمغتهم، أما إذا افتقدوا تلك الحقائق الأولية فسيكون عملهم صعباً للغاية لأنه سيكون عليهم الاعتماد على الحظ. بحسب CNN.

كما أن موجة P300 قد تكون خادعة في بعض الأحيان، إذ أنها تظهر انفعال المرء لدى ذكر أمر معين، ولكنها لا تشرح بالضرورة سبب ذلك، فقد تظهر لدى ذكر مكان ما أمام المشتبه به، ولكنها لا تعني بالضرورة تخطيطه لعملية تستهدف المنطقة، بل قد تؤشر إلى وجود ذكريات سيئة له من الماضي مرتبطة بها. لكن ميكسنر قال إنه رغم النقص الذي يعاني منه النظام حالياً، إلا أنه يبقى أفضل من أجهزة كشف الكذب، كما أن الإمكانيات المستقبلية لتطويره وجعله أكثر دقة متوفرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/كانون الأول/2012 - 26/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م