البحث عن العلة الأساس وراء هذه الأحداث
الدرس الأول الذي تعلمناه في عالم الطب عندما يفحص الطبيب المريض
ويلاحظ مجموعة من الأعراض، عندها يتعين عليه أن يبحث عن علة مشتركة
تفسر كل هذا الشتات، بدلا من أن يعزو كل عرض إلى مرض مستقل وقائم بذاته.
نهاية سبتمبر الماضي كشف سيف عبد الفتاح مستشار مرسي الذي استقال
بعد ذلك من موقعه عن النية لإرسال الجيش المصري للقتال في سوريا.
في ذات التوقيت وبتاريخ 1-10-2012 كشف الرئيس مرسي عن ذات التوجه
أثناء مثوله بين يدي الباب العالي في تركيا قائلا: (لن نهدأ ولن نستقر
حتى تتحقق إرادة الشعب السوري في نيل حريته وأن تزول هذه القيادة)،
وأضاف: (نحن معه.. بجانبه.. نؤيده ونؤازره ونقف ضد الظالم الذي يقتله،
وسوف ينال بإذن الله حريته قريبا؛ وما ذلك على الله ببعيد).
لم يكشف مرسي بالطبع عن نوع المؤازرة التي سيقدمها للشعب السوري (من
أجل إزالة هذه القيادة) وهل ستقتصر هذه المؤازرة على الدعم السياسي
وصولا إلى تسوية يرضى عنها السوريون بشتى أطيافهم أم أن الهدف هو إسقاط
القيادة السورية وهو ذات الهدف الذي تسعى أمريكا وتركيا لتحقيقه لا
يبغون عنه حولا، مهما كلف ذلك سوريا وشعبها من دمار وخراب!!.
ولأن السيد/ مرسي شرع الأبواب للحديث عن (مؤامرة) فنحن نؤكد أن ثمة
مؤامرة كونية يجري تنفيذها الآن لإعادة رسم خارطة العالم العربي
والإسلامي أو (الشرق الأوسط الجديد) الذي تحدثت عنه الآنسة كوندي علنا
قبل ستة أعوام بالتمام والكمال والذي يلخصه جان عزيز في مقاله اليوم في
الأخبار اللبنانية (الغرب كله يفكر الآن وعشية مئوية سايكس بيكو، بأن
قرناً واحداً يكفي. إما أن نعيدهم إلى اسطنبول وإما أن نحيلهم كلهم
اسرائيليات).
من الواضح أن الجماعة الوحيدة لها مكانها المحدد في الخطة التي يجري
تنفيذها على قدم وساق: إما إعادة استلحاق العرب مرة أخرى بالباب العالي
أو تفتيتهم إلى كيانات إثنية ومذهبية أصغر تتلهى بحروبها البينية والتي
لا يقف عائق أمام تنفيذها إلا إعادة ترسيم الحدود أو خطوط النار
والمطلوب كونيا أن يقوم نظام الإخوان بدوره المرسوم وأن يدخل المواجهة
والمقابل معلوم: تثبيت دولة الإخوان وإسقاط الديون، تماما كما حدث في
حرب الخليج الثانية عام 1991.
فجأة أصدر مرسي إعلانه الدستوري يوم 22 نوفمبر ليمدد عمل لجنة
الدستور شهرين إضافيين إلى أول فبراير 2013 وفجأة صدرت الأوامر بسلق
الدستور أو (تشميمه) نارا ليصبح جاهزا ويجري تمريره قبل منتصف ديسمبر.
ما هي العلة الجامعة بين التمديد ثم التعجيل؟!.
العلة وراء هذه اللهفة من أجل تمرير الدستور هو إيجاد سلطة تشريعية
حتى ولو جاءت من العدم تمرر قرار إرسال القوات إلى سوريا عبر إيكال هذه
المهمة لمجلس الشورى الذي سيجري منحه سلطة التشريع وإعلان قرارات الحرب
التي يريد الرئيس الإخواني تمريرها وهو القرار الذي يمنح سلطة الإخوان
قبلة الحياة ويخرجها من مأزقها المالي المتصاعد عبر إلغاء أو تخفيض
الديون وهو أمر له سابقة في التاريخ المصري المباركي.
الرغبة العارمة في الدخول إلى (نزهة الحرب) في سوريا هي أيضا التي
أملت وضع خطط لاغتيال أو اعتقال بعض المعارضين الذين لا يجمع بينهم خط
فكري واحد وليسوا جميعا ممن يؤيدون بقاء النظام الحاكم في سوريا وفيهم
من عارضه بشدة، إلا أن الجامع المشترك بين أغلبهم هو رفض الزج بمصر
وجيشها في مغامرة لن يستفيد منها إلا أمريكا وإسرائيل والباب العالي في
اسطنبول.
لم يأت تحليلنا هذا من فراغ أو تخمينات، فهاهي حاملة الطائرات
الأمريكية أيزنهاور تقف قبالة سواحل سوريا وهاهي صواريخ الباتريوت تنصب
في تركيا وهاهم الروس يرسلون بمنظومة صواريخ متطورة للغاية إلى سوريا
ويأمرون أسطولهم بالبقاء قريبا من سوريا معلنين عن تغير المعطيات
العملياتية حتى إشعار آخر كما بدأت المواقع الخبرية الإسرائيلية تتحدث
عن غزو وشيك لسوريا تشارك فيه الولايات المتحدة وبعض الأطراف العربية.
الأمر إذا يتعلق بمؤامرة يدبرها الغرب يساق من خلالها العالم العربي
ليقبع مرة أخرى تحت قيادة الباب العالي أو يجري تفكيكه وبعثرته مرة
أخرى وإلى الأبد، ومقامرة إخوانية للفوز بالرضا الأمريكي السامي
والبقاء في السلطة إلى يوم يبعثون.
(تَذِلُّ الْأُمُورُ لِلْمَقَادِيرِ حَتَّى يَكُونَ الْحَتْفُ فِي
التَّدْبِيرِ) علي بن أبي طالب. |