عندما تشن اسرائيل الحرب على السجن

على الأسدي

قصفت الطائرات الحربية الاسرائيلية المدنيين في غزة، وسقط عشرات الضحايا بينهم أطفالا ونساء ورجالا، وهو أمر طبيعي جدا في المعايير الأخلاقية الاسرائيلية والأمريكية، لذلك ايدت الولايات المتحدة الهجوم الاسرائيلي دون تحفظ حتى قبل أن يبدأ. نعم، الهجوم الكامل لم يبدأ بعد، فقتل العشرات خلال اليوميين الماضيين هو قتل ناعم، لكن ليس بنعومة الطائرات الورقية التي كنا نصنعها في درس الرسم والأعمال ونطلقها في الهواء عنما كنا صغارا. القتل الناعم الاسرائيلي هو اعادة تمثيل تجربة النازيين في القتل بالغاز، لكن بوسائل أحدث بكثير، أحدث من القتل بالغاز والأكثر اثارة لنشوة السجان. الحصار الذي تفرضه اسرائيل على غزة يعذب المواطنين في غزة كما عذب النازيون اليهود في أوشفيتز وأكثر هولا. فتجويع الأطفال والمرضى أمام أمهاتهم وذويهم هو موت بالتعذيب، الحرمان من الدواء بالنسبة للمرضى هو قتل بالتعذيب، الحرمان من حليب الأطفال موت بالتعذيب، الحرمان من مساعدات الجمعيات الخيرية وتأخير وصول مساعدات الدول المانحة موت بالتعذيب، تقييد حرية المواطنين من والى السجن الكبير في غزة هو موت بطيء بالتعذيب.

لقد اغتالت اسرائيل مواطنا فلسطينيا من غزة للاشتباه بمشاركته بأعمال ارهابية في اسرائيل، الرجل من غزة لم يحاكم، لم يتهم من قبل مؤسسة قضائية، ولم تطالب به أي دولة لمحاكمته والاقتصاص منه. لقد قتل الرجل بعملية اسرائيلية مخطط لها منذ فترة، لا تريد اسرائيل أن يحتج أحد على القتل الذي ذهب ضحيته المغدور وسائقه وجرح آخرين جراح بعضهم خطيرة. عبر الفلسطينيون عن غضبهم لقتل أحد مواطنيهم، ألم تتوقع اسرائيل ذلك وهي التي تتحكم بكل دقائق حياتهم، أليس من حق اي انسان حر الاحتجاج على الاعمال العدوانية وغير الشرعية ضد حياته. ان قتل مواطن لمجرد الشك يشكل خرقا لكل قيم العدالة في كل الدول والديانات، لأنه لم يمنح فرصة للدفاع عن نفسه ضد التهمة الموجهة له، فلماذا فعلت اسرائيل ذلك وهي تتوقع الغضب الشعبي، أليست هي عملية استفزازية مخططة مسبقا؟

لقد قامت بهذا الفعل باعتبارها قاضيا ومدعيا عاما وجلادا، لا يوجد شيئا من هذا في الشرعية الدولية، لكنه شائعا في الغابة بين الوحوش والبهائم لا بين البشر، انه شائع في غابة الولايات المتحدة واسرائيل.

لا أحد غير الولايات المتحدة من منح اسرائيل تلك الحقوق، وليس ذلك فحسب، بل تعهدت دائما بدعمها في عملياتها المستقبلية المماثلة. قيام الفلسطينيين بإبداء مشاعر الغضب على قتل مواطنيهم أمر مشروع وضروري، لأنه ليس للفلسطينيين وسيلة أخرى يدافعون بها عن كرامتهم، فليس لهم جيشا أو قواعد عسكرية برية أو بحرية، ليس لهم طائرات حربية أو أسلحة ثقيلة، ليس لهم حتى فرقة من الخيالة تستخدم السهام والسيوف دفاعا عن حياتهم وحياة أطفالهم ، بحوزتهم فقط طائرات ورقية، وألعابا نارية تلك التي أجبرت مليوني اسرائيلي للاختفاء تحت الأرض ذعرا. لقد اعلن عن ذلك نتنياهو الذي يسعى للفوز بالانتخابات القادمة ويحتاج الى تسجيل نصر ما في حرب ليقول للإسرائيليين ها آنذا قد ردعت عدوكم وانتصرت فامنحوني أصواتكم. لقد أرعبتهم الطائرات الورقية، فكيف سيكون الحال لو أطلقت عليهم طيور الأبابيل حجارات من سجيل، صواريخ اليوم الاكثر تدميرا ؟

القادة العسكريون الاسرائيليون يستعدون للزحف على عدوهم التاريخي الأعزل من السلاح، ولا يستطيعون الانتظار من شدة الحماس لبدء العمليات العسكرية فهم منذ سنوات لم يشموا رائحة الدماء نتيجة عمليات حربية ولا يستطيعون العيش بدونها. الطائرات العسكرية غير كافية لصد العدو المتحصن في السجن الغزي وكسر شوكته، ولهذا فأن الزحف ستشارك به القوات البرية والبحرية والجوية لضمان النصر على السجناء الذين القوا بأعقاب السجائر على السجانين. لكن أليس مضحكا ومخزيا أن تحشد الجيوش الجرارة لتهاجم سجنا، نعم سجنا محاصرا من البحر والبر والجو منذ سنوات، حتى الكهرباء والمياه تقطع عنه كجزء من الحصار. العالم كله يعلم أن في غزة أطفالا جوعى، وأكثر من نصف الشباب عاطلون عن العمل، وأمهات هدهن الفقر والحرمان اضافة الى الحرمان من الماء الصالح للشرب.

لكن الحرب على السجن لابد أن تبدأ، وقد تأخرت أكثر من اللازم، فقادة الجيش الاسرائيلي الكبار لا يتقاعدون قبل تسجيل بطولات حتى بدون سبب، ليشار اليهم لاحقا بأبطال يهود اسرائيل. وهناك عددا لا بأس به من الضباط الكبار الذين حان اوان احالتهم على المعاش. فقد سجل أيهود بارك وزير الدفاع الحالي بطولات كثيرة في حروب اسرائيل على الفلسطينين واللبنانيين العزل، وهكذا فعل بن غوريون واسحاق رابين ومناحيم بيغن وموفاز واريل شارون، فلماذا يضيعون فرصة ذهبية كهذه التي يمكن تسجيل البطولات فيها بناء على أرقام القتلى، وأن القتل فيها بدون حساب، ودون اية خسائر في أرواح الجنود الاسرائيليين. حربا مضمونة النتائج فالعدو في معارك غزة هو خلف القضبان لايحمل حتى اقلام الكتابة ليدافع بها عن كرامته.

اليس مخزيا في التاريخ العسكري أن تستعمل السلاح الثقيل لقتل من يرميك بأعقاب السكائر، نعم بأعقاب السكائر، فأشباه الصواريخ التي أطلقها المراهقون الفلسطينيون من غزة على اسرائيل هي أعقاب سكائر بالمقارنة مع سلاح اسرائيل الحديث. فياللعار لقادة عسكريين ينالون الأوسمة في حرب مع عزل من السلاح محاصرين خلف أسوار السجن، جوعى ومرضى منهوكي القوى بسبب عناء واذلال سياسة الفصل العنصري والحرمان من الحياة بكرامة وسلام. ليعلنوها حربا مقدسة، لكنها ومهما ابتكروا لها من اسماء تبقى وصمة عار تلاحقهم مدى التاريخ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/كانون الأول/2012 - 19/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م