جبهة النصرة
بات واضحا، بان الحركات الجهادية والمجموعات الاصولية تقاتل في
سوريا، البعض منها كان اصلا من داخل سوريا والبعض الاخر من الخارج. أما
مجموعاتٌ الخارج فهي تتألّف من خليط عربي إسلامي هم يمنون انفسهم
بالنصر في معركة بلاد الشام الكبرى وقيام إمارة اسلامية، فيما يبدو
واضحاً أن الجيش السوري الحر باتت لديه هواجس من هذه المجموعات لتتحول
أرض الشام الى مركز استقطاب للجهاديين القادمين من الخارج.
جبهة النصرة لأهل الشام هي منظمة سلفية جهادية تم تشكيلها أواخر سنة
2011 خلال أحداث سوريا. تبنت المنظمة عدة هجمات انتحارية في حلب ودمشق.
لا يعرف بالضبط ما أصل هذه المنظمة غير أن تقارير استخبارية أمريكية
ربطتها بتنظيم القاعدة في العراق. دعت الجبهة في بيانها الأول الذي
أصدرته في 24 يناير/كانون الثاني 2012 السوريين للجهاد وحمل السلاح في
وجه النظام السوري. تقوم "جبهة النصرة" بنشر بياناتها وإصداراتها بشكل
حصري من خلال "مؤسسة المنارة البيضاء للإنتاج الإعلامي".
من مصادر سلفية أن المقاتلين ضمن تنظيم جبهة النصرة لأهل الشام هم
سعوديون ولبنانيون وعراقيون وجنسيات اخرى. [1] و[2]
الجهاديون
يكثر الحديث عن الجهاديون وسلاحهم في سوريا، وهي أحاديث تأتي من
جهات مختلفة، ينتظم في عدادها النظام ومعارضوه وكذلك أنصارهما ليس في
داخل سوريا فقط، وإنما في الخارج عبر المستويين الإقليمي والدولي، وفي
كل الأحوال، يظهر البعض تخوفه من الجهاديين وسلاحهم، خلافا لما يقوم به
البعض من تخفيف أثر حضور الجهاديين وسلاحهم وتأثيرهما على الوضع السوري
واحتمالاته.
ويقصد بالجهاديين الذين تتم الإشارة إليهم، مجموع المسلحين الوافدين
من البلدان العربية والإسلامية مع تركيز خاص على المقبلين من أفغانستان
والعراق ولبنان والجزائر وليبيا واليمن، وهي البلدان التي شهدت في
العقد الماضي حضورا لتنظيم القاعدة، وتنظيمات شقيقة تماثله في تبني
الخط الآيديولوجي والعسكري مثل الجيش الإسلامي في العراق وفتح الإسلام
في لبنان. وفي أهم الإشارات التي تناولت مجيء هؤلاء إلى سوريا، قالت
لجنة التحقيق الدولية حول سوريا التابعة للأمم المتحدة، إن مئات منهم
وفدوا من إحدى عشرة دولة إلى البلاد، وفي الحالات العملية التي تم فيها
ضبط بعض هؤلاء، وهم يعبرون من دول الجوار، كانت مجموعاتهم لا تتعدى عدد
أصابع اليد الواحدة، وكانت أسلحتهم فردية مؤلفة من بنادق ومسدسات،
وقدرت مصادر الأمم المتحدة أن دور هؤلاء الرئيسي يتمثل في تأثيرهم
الآيديولوجي على المعارضين المسلحين وخاصة على جنود الجيش السوري الحر.
[2]
إلى ذلك قال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية لـ "الشرق":
إن تنظيم جبهة النصرة لأهل الشام، يتكون في أغلبه من جهاديين كانوا
يقاتلون في العراق ضمن تنظيم القاعدة في " دولة العراق الإسلامية "،
أكثرهم من الصف الثاني هناك، وهم ينفذون في سوريا نفس التكتيكات
العسكرية التي كانوا ينفذونها في العراق، وأبرزها العمليات الاستشهادية،
مضيفا أن المقاتلين في التنظيم هم من والعراق وليبيا وتونس والسعودية،
كما بدأ ينضم إليهم مقاتلون سوريون وجنسيات عربية اخرى. وقال أبو هنية:
إن التنظيم هو الأكثر وجوداً وسرعة في النمو الآن، حيث اعترفت به
القاعدة وأصبح يتبنى أدبياتها، وأصدر العشرات من البيانات التي لقيت
رواجاً كبيراً في أوساط الجهاديين. [2]
الظهير اللبناني والعراقي
تكاد تكون جبهة النصرة أكثر التنظيمات الاسلامية المسلحة نشاطاً على
الأراضي السورية، رغم حداثة عمرها وهي تتغذى على ظهيرها في لبنان:
تنظيم فتح الاسلام، وانتزعت مباركة تنظيم القاعدة، بعدما كانت
لقيادييها علاقة بالمخابرات السورية والأميركية وكذلك على مقاتليها
القادمون من العراق.
وقد تبنّت جبهة النصرة الإسلامية الهجوم المزدوج على مبنى هيئة
الأركان العامة للجيش السوري في قلب دمشق. عقب ذلك، أعلن الجيش السوري
الحر أن العملية نفذتها أربع مجموعات من فصائل المعارضة المسلحة، خصّ
منها بالذكر تجمّع أنصار الإسلام لدمشق وريفها. [3]
وهي ترفض القتال تحت لواء الجيش الحر، التزاماً منها بمفهوم الراية
الذي يحتم على المجاهدين العمل تحت راية التوحيد لإضفاء الشرعية
الدينية على جهادهم. وتوضح معلومات مختلفة المصادر أن جبهة النصرة
حقّقت قفزتها النوعية، في هذه الفترة القصيرة، بفضل دعم في العدد
والعتاد وصلها من لبنان والعراق. وتكشف الوقائع حقيقة مغادرة عدد من
رموز القاعدة وفتح الإسلام، مخيم عين الحلوة وشمال لبنان إلى سوريا.
حيث نجح القيادي البارز في القاعدة توفيق طه، وأربعة من قياديي فتح
الإسلام، (هيثم الشعبي، زياد أبو النعاج، محمد الدوخي الملقب بخردق،
واللبناني عبد الرحمن القراعي)، في مغادرة عين الحلوة إلى سوريا. [3]
شرعنة جبهة النصرة اعلاميا
جبهة النصرة هي المجموعة الوحيدة من الثوار السوريين التي تنشر
أخبارها على منتدى شبكة الإنترنت الذي يستخدمه زعيم تنظيم القاعدة أيمن
الظواهري، وتابعون معروفون للشبكة الإرهابية. ويشير هذا إلى وجود علاقة
بين الجبهة وتنظيم القاعدة الرئيسي، على الأقل من خلال الجناح
الإعلامي. وتضفي هذه العلاقة على الجبهة بين الجهاديين المصداقية التي
تفتقر إليها الجماعات الأخرى، على حد قول آرون زيلين، الزميل في معهد
واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. ويقول زيلين: إنها التنظيم الجهادي
الأبرز في سوريا حاليا. ولا يوجد ما يشير إلى امتلاك جبهة النصرة إلى
أي أسلحة متطورة أو ثقيلة، لكن تبدو بنادق إيه كيه 47 التي يحملها رجال
ألنصرة أحدث من تلك التي يحملها المقاتلون في المجموعات الأخرى التابعة
للجيش السوري الحر التي تقاتل في حلب. [4]
تصدر مؤسسة "المنارة البيضاء" الإعلامية التابعة للجماعة بيانات
ومقاطع فيديو تُنشر بصورة منتظمة على مواقع جهادية ووسائل تواصل
اجتماعي ومواقع تبادل مقاطع الفيديو.
لكن لم يظهر زعيم الجماعة أبو محمد الجولاني شخصيا في أي مقطع فيديو،
حيث يفضل الحديث عبر مقاطع صوتية. وتمتد هذه الرغبة في إخفاء الهويات
إلى المسلحين والمدنيين الذين يظهرون في مقاطع الفيديو. [5]
تكتيك جبهة النصرة
أن الجيش الحر يقلص من وجود قوات النظام وتأثيرها (خاصةً في المناطق
الريفية وفي المناطق الحضرية الهامة) وذلك عن طريق الاستيلاء على
المواقع العسكرية أو إجبار الحكومة على تركها تحت ضغط منهم. وحتى في
المناطق التي تكون فيها قوات النظام قوية نسبياً، تقاتل قوات الثوار من
أجل السيطرة عليها. وتقطع قوات الثوار شبكات الطرق الرئيسية خاصة في
محافظتي إدلب وحلب، وعلى نحو متزايد في محافظة الرقة. ويعيق هذا التصرف
من قدرة النظام على نقل قواته إلى المناطق المهددة ويجبرها على حماية
مواقعها. ويسهم هذا بدوره في عزل مواقع النظام في المناطق المتنازع
عليها بما في ذلك قواعد إطلاق المدفعية والمطارات الجوية.
تقوم قوات الثوار بمهاجمة مواقع قوات النظام ومنشآته للحصول على
الأسلحة والذخائر. وكل موقع يستولون عليه يمدهم ببعض منها وأحياناً
بكميات كبيرة. وتشكل نقاط التفتيش ومنشآت الدفاع الجوي الأهداف المفضلة
لهم. وبشكل إجمالي، تواصل العمليات العسكرية التي تشنها قوات الثوار
الضغط على النظام في العديد من الجبهات. وربما لا يكون هذا جزءاً من
إستراتيجية كبيرة ولكن مجموع هذه العمليات له تأثير مشابه. وقد أدى
القتال في العديد من الأماكن إلى إنهاك القوات النظامية مما حرمها من
القدرة من شن هجمات واسعة. [6]
تدفق الجهاديين
يعود تدفق الجهاديين على سوريا الى جملة عوامل أبرزها:
الحرب البالغة الشراسة التي يشنها النظام على المعارضين والمدنيين
وتلحق الدمار والخراب الهائلين وتوقع عشرات الآلاف من القتلى وتنقل
وقائعها الفضائيات ووسائل الاعلام المختلف.
لقد تحولت سوريا قاعدة سرية للجهاديين العرب والأجانب طوال ست سنوات
بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ذلك ان النظام إستقبل المئات منهم
وأرسلهم الى الساحة العراقية من أجل تنفيذ عمليات إنتحارية فيها ضد
المواطنين العراقيين في الدرجة الأولى بذريعة إحباط المشروع الأميركي.
الواقع أن نظام الأسد إستخدم "الورقة الجهادية" من أجل محاولة عقد
صفقة مع الإدارة الأميركية تعزز الدور السوري في لبنان والمنطقة عموماً،
لكن هذه المحاولة باءت بالفشل لأن القيادة السورية أصرت على التمسك
بتحالفها الوثيق مع إيران. [6] [7]
الخلاصة
دور الحركات الجهادية المحدود
أن فلسفة التيارات التي تتبنى فكر وايدلوجية القاعدة والجهاد، لا
تؤمن بانتفاضات شعبية أو مطالب مثل الحرية والعدالة، وإن كانت كما حدث
في تجارب سابقة فانه تريد استغلال الفوضى وإيجاد موطئ قدم.
مع الاشارة إلى أنه ليس جميع المقاتلين الأجانب المشاركين في الصراع
هم جهاديون والكثير منهم لم تكن تجربتهم الاولى بل سبق لهم ان قاتلو في
ساحات جهادية اخرى.
لكن رغم ذلك فان الجهاديون لا يمثلون الثورة السورية وليسوا القوة
الأساسية الفاعلة فيها وليس لهم دور قيادي في التخطيط للعمليات
العسكرية بل انهم يشكلون جزءاً محدوداً إذ يبلغ عددهم أقل من ألفي
مقاتل ينتمون الى جنسيات عربية وأجنبية وينشطون في مناطق عدة وخصوصاً
في الشمال. والجهاديون لن يشاركوا تقرير مصير سوريا ومستقبلها ولن
يكونوا في أي حال شركاء في السلطة مع الثوار والمعارضين بل انهم شركاء
في الحرب ضد النظام.
ولم يكن لهم حضور فاعل في اجتماعات المعارضة ومجالسها اخرها اجتماع
الدوحة في 14 نوفمبر 2012 وقد اعترفت باريس بشرعية الائتلاف الوطني
السوري المعارض، كما فتحت فرنسا الباب امام ارسال اسلحة الى المعارضة
بطرح احتمال الغاء الحظر المفروض حاليا على ارسال السلاح الى هذا البلد
بقرار صادر عن الاتحاد الاوروبي. واعتبرته الجامعة العربية عضوا مراقبا
في اجتماعاتها بدلا من نظام الاسد. وفي حال استمرار الصراع في سوريا
أكثر فإن الظروف ستسمح لذلك التنظيم بالنمو أكثر فأكثر، والإعلان عن
نفسه، وربما تحت مسمى تنظيم القاعدة في بلاد الشام، على غرار تنظيم
القاعدة في بلاد الرافدين.
ويقول أكثر المحللين إن دور المجموعة في حركة المظاهرات والاحتجاجات
السلمية المطالبة بالحرية التي شهدتها سوريا العام الماضي، كان صغيرا
نسبيا. وأي شعبية تتمتع بها جبهة النصرة بين السوريين هي شعبية نفعية،
سببها الرئيسي هو خيبة الأمل الناتجة عن غياب الدعم الدولي، على حد قول
إيميلي هوكايم، المحللة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره
لندن. وتوضح من بيروت قائلة: "لن يكونوا هم العامل الأساسي. ربما
يعجلون بالنهاية العسكرية للنظام، لكنهم لن يكونوا أهم عامل أساسي هنا
".
تحول القتال من الاستنزاف الى الهجوم
يبدو أن الحرب الداخلية في البلاد تقترب من مرحلة حاسمة. فمنذ أوائل
تشرين الأول/أكتوبر أصبحت قوات الثوار في موضع الهجوم في المناطق
الرئيسية بينما أصيبت قوات النظام بالإجهاد والإرهاق وأصبحت في موضع
الدفاع بشكل متزايد فضلاً عن فقدانها السيطرة على بعض المناطق. وقد أخذ
الصراع يتطور من حرب استنزاف إلى حرب مواقع استطاعت فيها قوات الثوار
الاستيلاء على نقاط تفتيش وتقليص وجود النظام في المحافظات وإغلاق
الطرق والضغط على المعاقل والمنشآت الرئيسية للنظام ومن المحتمل أن
يستمر الوضع العسكري للنظام السوري في التدهور.
وتدعم العمليات العسكرية التي يشنها الثوار عدة أهداف رئيسية. أولاً،
هم يلحقون خسائر متزايدة في الأفراد والمعدات التابعة للنظام بما في
ذلك الدبابات والمركبات المقاتلة والطائرات.
في المرحلة القادمة، من المحتمل أن يتحدد مصير النظام في ميادين
رئيسية للحرب. أولها القتال في إدلب وحلب الذي تتسارع وتيرته وتتحول
دفته أكثر فأكثر ضد النظام السوري. وقد فقدت قوات الأسد أراضي ومواقع
في إدلب وتم قطع خطوط السيطرة داخل المحافظة أو غلقها.
هناك مؤشرات على أن "جبهة النُصرة" بدأت تعزز قدراتها. فسرعة
الإصدارات من وقت الهجوم وحتى النشر على الإنترنت أصبحت أقل بكثير في
الأسابيع الأخيرة. وسابقاً كان الأمر يستغرق ما لا يقل عن أسبوع أو
أسبوعين بين حدوث هجوم وإصدار بيان عنه. أما الآن فيستغرق ذلك أقل من
12 ساعة.
مابعد نظام الاسد
من المتوقع ان تظهر حدة الخلافات بين المعارضة الرئيسية والجهاديين
بمجرد سقوط نظام الأسد. بيد أنه كلما طال أمد الصراع، تسارعت وتيرة
تطرفه وصبغته الطائفية جنباً إلى جنب مع تدفق المقاتلين الأجانب إلى
سوريا. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تعقيد التحول في مرحلة ما بعد الأسد.
والسؤال هو: هل سيتبعون نموذج تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية
واليمن ؟
وإذا كان هناك سبب للقلق من ظهور هذه الجماعات، فإنه يجب أن يدفع
إلى العمل بشكل أسرع وأكثر قوة من قبل المجتمع الدولي لتقديم الدعم
الكافي للمعارضة المعترف بها، واللجوء إلى جميع أشكال الضغط من أجل
الوصول إلى حل سياسي يؤمن انتقال السلطة، فالجميع يعرف أن النظام تخطى
نقطة اللاعودة، وإطالة وتيرة الصراع لا تعني سوى دفع تكلفة أكبر من
الدم والدمار، وجعل الإصلاح ووأد الأحقاد والثارات أصعب مستقبلا.
......................................
المصادر
( 1 ) ـ بي بي سي 13.05.2012
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2012/05/120513_nusra_syria.shtml
بي بي سي 13.05.2012
( 2 )ـ ميدل ايست 03.08.2012
http://middle-east-online.com/?id=138196
(3 ) http://www.al-akhbar.com/node/168946
وكالات
( 4 ) ـ الشرق الاوسط العدد، 21 اغسطس 2012
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=691811&issueno=12320
( 5 ) الواشنطن بوست. تناولته روسيا اليوم
10.10.2012
http://arabic.rt.com/news_all_news/news/596692/
( 6 ) ـ دراسة معهد واشنطن في 13 تشرين
الثاني/نوفمبر 2012
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/syrias-internal-war-
turns-against-the-regime
( 7 ) القدس اللندنية 01.09.2012، عودة الجهاديين
http://alquds.co.uk/index.asp?fname=today\10qpt470.htm&arc=data\2012\09\09-10\10qpt470.htm |