ماذا يجري في سوريا؟!

عريب الرنتاوي

فقد النظام السوري سيطرته الفعلية على مساحات واسعة من البلاد.. الشمال والشمال الشرقي بات في قبضة غيره.. ريف دمشق ودرعا يكاد يكون خارجاً عن السيطرة.. دمشق ذاتها مقطعة الأوصال.. التواصل بين أحيائها يكاد يكون "مجازفةً مهلكة".. الوصول منها إلى بيروت أسهل وأكثر أماناً من السفر عبر مطارها.. أما من يسيطر على هذه المناطق، فتلكم حكاية أخرى.. فهم هنا جنود "الجيش الحر"، وهم هناك تحت سيطرة الإخوان المسلمين.. وهم في مكان آخر تحت سلطة السلفيين والجهاديين.

باستثناء الساحل والسويداء، لا يبدو أن هناك منطقة لم تشتعل بالمواجهات الدامية بين النظام ومعارضيه.. والنظام الذي انكفأ إلى المدن منذ بعض الوقت، يواصل إنكفاءه إلى قلب هذه المدن و"قصباتها"... حلب على سبيل المثال منقسمة بين الجيش ومعارضيه، ودمشق تدور معاركها في قلب أحيائها الراقية والشعبية، وحال بقية المدن، لا يختلف حالاً.

هل يعني ذلك أن النظام السوري بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة.. هل يعني هذا أن النظام قد انهار أو هو على وشك الانهيار؟.. المؤكد أن النظام في حالة دفاع انكفائية ظاهرة للعيان، فقد قدرته على المبادرة والمبادءة.. معنويات جنوده وضباطه كما تقول مصادر متطابقة ليست في أحسن حالاتها... صحيح أن الانشقاقات في صفوفه لم تعد كما كانت عليه من قبل، من حيث العدد و"النوعية"، لكن حالات الفرار من الجيش السوري في المستويات القاعدية ما زالت مستمرة، بل ومتصاعدة.

هل سيشجع ذلك مختلف الأطراف واللاعبين على غذّ الخطى صوب "الحسم العسكري" للإجهاز على النظام.. أم أن ضعف النظام سيشجع الأطراف على البحث عن بدائل وحلول سياسية، بالاستناد إلى فرضية أن ضعف النظام سيجعل مثل هذه التسوية ممكنة؟!.

إن الخلاف بين هذين الاتجاهين ينبع في الأساس من خلاف حول معنى انهيار النظام، وما إذا كان ذلك سيفضي إلى "انهيار الدولة" في سوريا.. الإبراهيمي يفترض أن انهيار النظام سيفضي إلى انهيار الدولة.. وثمة تيارات في المعارضة السورية ترى شيئاً مماثلاً.. لكن آخرين في المعارضة السورية وبعض حلفائهم في المنطقة والعالم، يرون أن الطريق إلى انقاذ الدولة، يمر حكماً بتسريع عملية إسقاط النظام وترحيله.

خلال الأسابيع القليلة الفائتة، شهدت الأزمة السورية سباقاً محموماً بين الدبلوماسية و"العسكرة"... وهذا السباق يحتدم هذا الأيام، ميدانياً على الأرض بين النظام ومعارضيه من جهة، ودبلوماسياً في مختلف المحافل والأروقة الدولية والإقليمية من جهة ثانية.

على الأرض، يبدو أن النظام قد فقد زمام المبادرة، وبدأ يخسر المعركة بالنقاط والجولات، وليس بالضربة القاضية الحاسمة... أما دبلوماسياً، فما زال المجتمع الدولي على تردده وحيرته، خطوة للأمام وأخرى للوراء.. روسيا وحلفاؤها يستعجلون التسوية و"الصفقة الشاملة".. الولايات المتحدة تدير الملف بالوكالة الإقليمية (تركيا وقطر) والدولية (فرنسا)، أما المحور التركي - القطري - السعودي، فيستعجل الحسم العسكري و"التسليح" و"التدخل الدولي".

في مطلق الأحوال، لا يبدو أن الأزمة السورية ستضع أوزارها قريباً.. فالنظام وإن انكفأ إلى المدن وقصباتها، بل وحتى إن فقد حلب ودمشق، سيلجأ للدفاع عن "خط دفاعه الثاني"، وخط الدفاع الثاني، سوف يأخذ طابعاً مذهبياً "أقلوياً"، وستكون كلفته البشرية باهظة، حتى أن مراقبين باتوا يحذرون من الآن، من مذابح كبرى، يدفع السوريون عامة، وبخاصة "الأقليات" ثمنها غالياً.

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/كانون الأول/2012 - 18/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م