تصدع مجموعة دول بريكس

وخرافة التقارب الاقتصادي العالمي

حاتم حميد محسن

نشرت مجلة الشؤون الخارجية Foreign Affairs في عددها الحالي لشهري نوفمبر/ديسمبر2012 موضوعاً للكاتب Ruchir Sharma، عرض فيه تحليلاً مفصلاً لتاريخ ومستقبل مجموعة دول بريكس ملقياً الضوء على التحديات التي تواجهها. توصّل الكاتب الى استنتاجات جديدة وملفتة، سنحاول الوقوف على مجمل المسائل التي وردت في المقال.

 حينما تأسست مجموعة دول بريكس (BRICs) كانت تضم البرازيل وروسيا والهند والصين، وهي الدول الأسرع نمواً ضمن الدول النامية والقادرة على إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي. الآن اضيفت الى المجموعة اندونيسيا وأعضاء اخرين. غير ان السؤال هو ما اذا كانت هذه القوى الجديدة قادرة على مواجهة التحديات امامها وهل انها ستتقبل النظام العالمي بشكله الحالي ام انها ستغيره.

في غضون السنوات الماضية كانت اكثر المواضيع عرضةً للنقاش والمتعلقة بنزعة الاقتصاد العالمي هو ما سمي (صعود المتبقي)، وهي العملية التي تلتقي فيها اقتصاديات العديد من الدول النامية وبسرعة مع الاقتصاديات الاكثر تطوراً. المحرك الرئيسي وراء هذه الظاهرة كان اربعة اقتصاديات سوق للدول الصاعدة سميت بمجموعة بريكس. كان العالم يشهد ولأول مرة تحولاً فيه تمكن اللاعبون الرئيسيون في العالم النامي من اللحاق بل وتجاوز نظرائهم في الدول المتطورة.

هذه التنبؤات تأخذ أعلى نسبة نمو للعالم النامي منذ منتصف العقد الماضي والامتداد بها مباشرة نحو المستقبل، مقارنةً اياها مع تنبؤات النمو المتباطئ في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الصناعية المتقدمة. هذا التمرين أثبت، على سبيل المثال، ان الصين كانت على وشك التغلب على الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم، وهي المسألة التي استرعت انتباه الامريكيين، حيث اكثر من 50% منهم وفق استبيان غالوب قالوا انهم يعتقدون ان الصين هي سلفاً كانت قائدة الاقتصاد العالمي، حتى وان كان الاقتصاد الامريكي لازال اكبر مرتين من اقتصاد الصين (وان نسبة الدخل الفردي أعلى بسبع مرات).

وكما حصل في السابق بالنسبة للتنبؤات الخطية للميول الاقتصادية، لاحظنا كيف ان تنبؤات أعوام الثمانينات بشأن الاقتصاد الياباني وانه سيكون الرقم الاول، غير ان التقارير اللاحقة أثبتت حجم المبالغة والتهويل في تلك التنبؤات. اذا نظرنا الى الاقتصاد العالمي وهو يتجه نحو اسوأ مراحله منذ عام 2009، سنلاحظ الانخفاض الحاد في النمو الصيني من 10% الى اقل من 7%. اما المتبقي من مجموعة دول بريكس فهي تضطرب ايضا. منذ عام 2008 انخفض النمو السنوي للبرازيل من اربعة ونصف بالمائة الى 2%، وروسيا من 7% الى 3 ونصف%، والهند من 9% الى 6%.

ليس هناك اي غرابة في ذلك لأنه من الصعب المحافظة على النمو السريع لأكثر من عقد واحد. ان الظروف غير العادية للعقد الماضي تجعل من السهل تفسير ذلك: فالاسواق الصاعدة وبعد خروجها من ازمة التسعينات واستغلالها للتدفق العالمي للنقود السهلة، نراها أقلعت في تموج متصاعد كبير جعل عملياً كل واحد من الاقتصادات هو الرابح. وفي عام 2007 حينما كانت هناك فقط ثلاث من دول العالم تعاني من نمو سالب، كان الركود الاقتصادي على وشك الانحسار.

ولكن الآن، هناك القليل جداً من النقود المتدفقة الى الاسواق الصاعدة. الاقتصاد العالمي يعود الى حالته الاعتيادية الاولى مع إبقاء عدة دول في حالة تقاعس وعدد محدود آخر من الرابحين الصاعدين في اماكن غير متوقعة. دلالات هذا التحول مدهشة، ذلك لأن زخم الاقتصاد يتجسد بالقوة، الامر الذي يعني ان تدفق النقود على النجوم الصاعدة سوف يعيد تشكيل الميزان العالمي للقوى.

الصعود الابدي

 ان فكرة التقارب الواسع النطاق بين العالمين النامي والمتطور هي اشبه باسطورة. من بين 180 دولة تقريباً جرى التحقيق فيها من جانب صندوق النقد الدولي، كانت هناك فقط 35 دولة متطورة. اما اسواق المتبقي من تلك الدول هي صاعدة ومعظمها كانت تصعد منذ عدة عقود وسوف تستمربهذا المنحى لعدة سنوات اخرى. الاقتصادي من هارفرد (داني رودرك) أدرك هذه الحقيقة جيداً. هو اوضح انه قبل عام 2000 كان اداء الاسواق الصاعدة بمجمله لم ينسجم مع العالم المتطور ابداً. في الواقع، فجوة نصيب الدخل الفردي بين الدول المتقدمة والنامية اتسعت تدريجيا من عام 1950 وحتى عام 2000. كانت هناك القليل من الدول التي لحقت فعلا بالغرب، ولكنها كانت محدودة بدول الخليج النفطية، ودول اوربا الجنوبية بعد الحرب العالمية الثانية، والنمور الاقتصادية في شرق اسيا. فقط بعد عام 2000 بدأت جميع الاسواق الصاعدة باللحاق، ولكن في عام 2011، عاد الفرق في الدخل الفردي بين الدول الغنية والنامية الى ما كان عليه في أعوام الخمسينات.

هذه ليست قراءة سلبية للآسواق الصاعدة بقدر ما هي حقيقة تاريخية مبسطة. في اي عقد منذ الخمسينات، وكمتوسط، كان فقط ثلث الاسواق الصاعدة قادرة على النمو بنسبة 5% سنويا او اكثر. كذلك كان اقل من ربع الاسواق الصاعدة حافظت على ذلك المسار لعقدين، وعُشر الاسواق لثلاثة عقود. فقط ماليزيا وسنغافورة وجنوب كوريا وتايوان وتايلند وهونك كونك حافظت على نسبة النمو هذه لمدة اربعة عقود. لذا رأينا حتى قبل اشارات الهبوط الحالي في مجموعة بريكس، كانت البرازيل ولأكثر من عقد سجلت نسبة نمو تجاوزت 5% تلتها روسيا في المرتبة الثانية.

في تلك الاثناء فشلت العشرات من الاسواق الصاعدة في تحقيق اي زخم للنمو الدائم، ولا تزال دول اخرى ترى ان تقدمها توقّف بعد بلوغها مرتبة الدخل المتوسط. ماليزيا وتايلند بدتا كأنهما في طريقهما للبروز كدولتين غنيتين، غير ان رأسمالية الصداقة والديون الثقيلة والعملات ذات الاسعار التضخمية ادت جميعها الى نشوب الازمة المالية في اسيا عام 1997- 98. ومنذ ذلك الوقت اصيب النمو فيهما بالاحباط.

في اواخر الستينات، كانت بورما (حاليا تسمى منيمار)، الفلبين، وسريلانكا توصف باعتبارها النمور الاسيوية القادمة، لكنها تراجعت حتى قبل ان تتمكن من بلوغ مرتبة الدخل المتوسط الذي هو حوالي 5000 دولار امريكي بسعر الدولار السائد. الفشل في المحافظة على النمو كان هو القاعدة العامة، وان هذه القاعدة يُحتمل ان تعيد تأكيد ذاتها في العقد القادم.

في العقد الاول من القرن الحادي عشر، اصبحت الاسواق الصاعدة قطباً مهماً في الاقتصاد العالمي لدرجة اصبح من السهل تناسي كم هو جديد مفهوم الاسواق الصاعدة في العالم المالي. اولى الاسواق الصاعدة تعود في تاريخها الى اواسط الثمانينات عندما بدأ وول ستريت تشخيصها كمجموعة اصول متميزة. في البدأ سميت بـ "الغريبة" او الشاذة، حيث رأينا عدة دول صاعدة فتحت اسواقها المالية للآجانب لأول مرة: تايوان فتحت اسواقها عام 1991، الهند في عام 1992، جنوب كوريا في عام 1993، روسيا في 1995.وبذلك اندفع المستثمرون الاجانب مطلقين العنان لطفرة في اسعار سوق الاسهم في الدول الصاعدة بلغت نسبة 600%(بسعر الدولار) بين عامي 1987 و 1994. خلال هذه الفترة ارتفعت النقود المستثمرة في الاسواق الصاعدة من اقل من 1% الى ما يقرب من 8% من اجمالي سوق الاسهم العالمية.

هذه المرحلة اختُتمت بالازمة الاقتصادية التي ضربت العالم من مكسيكو حتى تركيا في الفترة بين 1994 و 2002. اسواق الاسهم في الدول النامية فقدت تقريبا نصف قيمتها وانخفضت الى 4% من القيمة الكلية العالمية. وفي الفترة بين عامي 1987 و 2002، انخفضت حصة الدول النامية من إجمالي الناتج العالمي من 23% الى 20%. الصين كانت هي الاستثناء، حيث تضاعفت اسهمها الى 4 ونصف بالمائة. ان قصة تألق الاسواق الصاعدة كانت في الواقع تتعلق بدولة واحدة.

التطور الثاني بدأ مع الطفرة العالمية في عام 2003 عندما بدأت الاسواق الصاعدة الاقلاع كمجموعة. حصة هذه المجموعة من الناتج الاجمالي العالمي GDP بدأت ترتفع بسرعة من 20% الى 34% (وهو بمفهومنا الحالي يعود سببه الى ارتفاع قيمة عملات تلك الدول)، بينما ارتفعت حصة الاسواق الصاعدة في سوق الاسهم العالمية من اقل من 4% الى اكثر من 10%. الخسارة الهائلة التي حصلت في الازمة المالية العالمية لعام 2008 جرى استردادها تقريبا في عام 2009، ولكن منذ ذلك الوقت بدأت مسيرة التباطؤ.

التطور الثالث هو الفترة التي تُعرّف بالنمو المعتدل في العالم النامي، حيث تميزت بعودة مرحلة دورات الرواج – الكساد، وانحسار سلوك القطيع لدى الدول الصاعدة. فلو لم تكن في العقد الماضي تلك الوفرة من النقود السهلة ولم يوجد ذلك التفاؤل الذي حفز الاستثمارات، فان اسواق الاسهم في الدول النامية يُحتمل ان تعطي مردودات متقلبة وغير منتظمة. المردود الذي بلغ كمعدل 37% سنويا بين 2003 و 2007 يُحتمل ان يتراجع ليكون في افضل الاحوال 10% في العقد القادم لأن نمو المردود وقيم سعر الصرف في كبريات الاسواق الصاعدة لها مجال محدود من التحسن الاضافي بعد اداءها القوي في العقد الماضي.

تنبؤات متجاوزة لتاريخ الصلاحية

لا توجد هناك فكرة أكثر تشوشاً للاقتصاد العالمي من مجموعة بريكس. مع ان الاقتصاديات الاربعة الصاعدة هي الاكبر ضمن اقليمها الا انها ليست بينها اية مشتركات اخرى. هي تخلق نمواً بطرق مختلفة ومتضادة. البرازيل وروسيا مثلاً، هما من كبار منتجي الطاقة الذين يستفيدون من اسعار الطاقة العالية، بينما الهند كمستهلك رئيسي للطاقة تعاني من تلك الاسعار. واذا وضعنا جانباً الظروف الاستثنائية التي حصلت في العقد الاخير، فلا يُحتمل لهاتين الدولتين ان تنموان بانسجام. ولو استثنينا الصين، فلا نجد بينهما الكثير من الروابط التجارية ولا اهتمام مشترك في الجوانب السياسية او شؤون السياسة الخارجية.

ان مشكلة التفكير بالمختصرات الدالة مثل (بريكس) هي حالما يتم تناولها، تميل الى حشر المحللين ضمن رؤية عالمية ستصبح فوراً خارج الصلاحية. في السنوات الاخيرة، كان الاقتصاد وسوق الاسهم الروسيين من بين الأضعف في الاسواق الصاعدة، تسيطر عليهما طبقة من البليونيرات من اثرياء النفط الذين لديهم من الاصول ما يساوي 20% من الناتج المحلي الاجمالي، وهي اكبر حصة يمتلكها اثرياء في اي اقتصاد رئيسي. وعلى الرغم من بُعدها الشديد عن التوازن، تبقى روسيا عضواً في مجموعة بريكس ربما فقط لأن المصطلح يبدو افضل شكلاً بوجود حرف الراء(روسيا). وسواء استمر الخبراء ام لم يستمروا باستعمال المختصر، فان المحللين المنصفين والمستثمرين يحتاجون ليبقوا مرنين. تاريخياً كانت الدول التي نمت بنسبة 5% او اكثر طوال عقد مثل فنزويلا في الخمسينات وباكستان في الستينات والعراق في السبعينات وجدناها تعثرت بتهديد او بآخر(حروب، ازمات مالية، الرضا، القيادات السيئة) قبل ان تتخطى العقد الثاني من النمو.

الموضة الحالية في التنبؤ الاقتصادي هي التصور بعيداً في المستقبل لدرجة لا يمكن لأحد ان يعرّضه للمسائلة. هذا الاتجاه يعود الى القرن السابع عشر عندما كانت الصين والهند تمثلان نصف الناتج المحلي العالمي، ثم صعوداً الى "القرن الاسيوي"الذي اعيد فيه مثل هذا التفوق. في الواقع، ان أطول فترة يمكن العثور فيها على نماذج واضحة للدورة الاقتصادية العالمية هي في حدود العقد. دورة الاعمال النموذجية تستمر حوالي خمس سنوات، من قعر احد المنحنيات الى قعر المنحنى اللاحق، وان معظم المستثمرين الممارسين يحددون رؤيتهم بدورة واحدة او دورتين للأعمال. بعد ذلك، ستصبح اية تنبؤات ميتة بفعل الظهور غير المتوقع لمنافسين جدد والبيئات السياسية الجديدة او التكنلوجيا المتقدمة. معظم مدراء الاعمال وكبار المستثمرين يحددون رؤيتهم الاستراتيجية بثلاث او خمس سنين او سبع كاقصى حد، وهم يحكمون على النتائج ضمن نفس المدى الزمني.

النظام الاقتصادي الجديد والقديم

في العقد القادم يُحتمل ان يكون النمو بطيئاً في الولايات المتحدة واوربا واليابان. ارتخاء هذه الدول هو أقل قلقاً مقارنةً بغيرها من دول الاقتصاد العالمي كالصين التي ستكون نسبة انخفاض النمو فيها بمقدار 3 الى 4% وهو انخفاض يجري حالياً، مترافقاً مع هبوط حاد في مخزونات العرض بسبب استمرار حالة النضج في اقتصادها. عدد سكان الصين كبير جداً وينمو بسرعة اكبر من نمو اقتصادها. 50% من سكان الصين يعيشون في المدن، والبلاد تقترب مما يسميه الاقتصاديون"نقطة تحول ليوس" وهي النقطة التي يُستنزف فيها فائض البلد من العمال في المناطق القروية. وهذا هو نتاج لكل من الهجرة الثقيلة الى المدن خلال العقدين الماضيين وانكماش قوة العمل بفعل سياسة الطفل الواحد. ان شعور العديد من الامريكيين اليوم بان العمالقة الاسيويين سيتغلبون بسرعة على الاقتصاد الامريكي سيتم تذكرهُ كاحدى نوبات جنون العظمة للبلد، وهو اقرب الى الضجيج الذي رافق صعود اليابان في الثمانينات.

ان بطء النمو في الصين وفي الدول الصناعية المتقدمة يعني ان هذه الدول سوف تشتري القليل من نظرائها وهي الدول الرائدة في التصدير، كالبرازيل وماليزيا ومكسيكو وروسيا وتايوان. وفي اثناء طفرة العقد الماضي، تضاعف متوسط الميزان التجاري في الاسواق الصاعدة كحصة من الناتج الاجمالي المحلي الى ما يقرب 6%. ولكن منذ عام 2008، انخفضت التجارة مجدداً الى حصتها القديمة دون نسبة 2%. الاسواق الصاعدة الموجهة للتصدير سوف تحتاج الى ايجاد وسائل جديدة لتحقيق نمواً قوياً، والمستثمرون يدركون ان العديد من تلك الدول ستفشل في تحقيق ذلك: في النصف الاول من عام 2012 ارتفع الفرق بين افضل اداء واسوأ اداء في سوق اسهم الدول الصاعدة من 10% الى 35%. وخلال السنوات القادمة سيكون النمو في الاسواق الصاعدة شبيهاً بنمو الخمسينات والستينات حين كان بنسبة 5% بينما ترك السباق العديد من الدول الى الخلف. هذا لا يعني إعادة ظهور عصر السبعينات لدول العالم الثالث. حتى في ذلك الوقت، بعض الاسواق الصاعدة مثل جنوب كوريا وتايوان كانتا تبدأان الطفرة، ولكن نجاحهما كان معتماً بسبب البؤس في الدول الاكبر كالهند، ذلك معناه ان الاداء الاقتصادي في الدول الصاعدة سيكون مختلفاً جداً.

ان التباين الحاد في الاسواق الصاعدة سوف يؤثر على السياسات العالمية في عدة وجوه. بالنسبة للمبتدئين سوف ينعش لديهم الثقة الذاتية في الغرب ويُخفت من التوهج الاقتصادي والدبلوماسي لآخر النجوم مثل البرازيل وروسيا - لا حاجة لذكر الدكتاتوريات النفطية في افريقيا وامريكا اللاتينية والشرق الاوسط.

احدى الكوارث ستكون فكرة ان نجاح الصين يُظهر تفوق السلطوية الرأسمالية في ادارة الدولة. هناك 124 دولة صاعدة نجحت في الحفاظ على نسبة نمو بمقدار 5% لعقد كامل منذ عام 1980، كان من بينها 52% هي دول ديمقراطية و 48% منها دول شمولية. ما يهم هو ليس نوع النظام السياسي للبلد وانما هو حضور القادة الذين يفهمون ويستطيعون تنفيذ الاصلاحات المطلوبة للنمو.

المغالطة الاخرى هي فكرة ما يسمى المردود الديموغرافي نظراً لأن قفزة الصين كانت بسبب الجيل الكبير من الشباب الداخلين لسوق العمل. الخبراء الآن يبحثون عن بيانات تعداد لنفس التضخم السكاني كمؤشر للمعجزة الاقتصادية القادمة. ولكن مثل هذا العامل السكاني يفترض ان العدد المتوفر من العمال ستكون لديهم المهارات الضرورية في السوق العالمي، وان الحكومات ستضع السياسات المناسبة لخلق الوظائف. لاحظنا العالم في العقد الماضي، عندما ادى ارتفاع المد لصعود جميع الاقتصاديات، كانت هناك اهمية ضئيلة للمردود السكاني. غير ان ذلك العالم قد ولّى.

ان دور النماذج (الموديلات) الاقتصادية في الفترة الاخيرة سيفتح الطريق امام نماذج جديدة او ربما لا نماذج لأن مسارات النمو تفرعت في عدة اتجاهات. في الماضي، كانت النزعة لدى دول آسيا هي النظر الى اليابان كنموذج، اما الدول الممتدة من البلطيق الى البلقان نظرت الى الاتحاد الاوربي، بينما جميع الدول تقريباً اتخذت الولايات المتحدة كنموذج. ولكن ازمة عام 2008 قللت من مصداقية جميع هذه النماذج. آخر اخطاء طوكيو جعلت جنوب كوريا التي لازالت تتميز كمنتج لمحطات الطاقة نموذج اسيوي اكثر جاذبية من اليابان. الدول التي كانت تتلهف في السابق للدخول لمنطقة اليورو مثل جمهورية الجيك وبولندا وتركيا، بدأت تعيد حساباتها وهي ترى العديد من الاعضاء يكافحون للوقوف على اقدامهم. وكما بالنسبة للولايات المتحدة، بدا اجماع واشنطن للتسعينات – الذي دعا الدول الفقيرة لتقليص الانفاق وتحرير اقتصاداتها – امراً يصعب تسويقه حينما نرى واشنطن ذاتها لا تستطيع القبول بخفض ما لديها من عجز هائل.

بما انه من السهل النمو بسرعة من نقطة ابتداء واطئة، فلا معنى للمقارنة بين الدول وفقاً لشرائح مختلفة من الدخول.

الاختراق النادر للدول يحصل عندما تتفوق على منافسيها في فئة دخولهم وتتجاوز التوقعات الواسعة لتلك الفئة. مثل هذه التوقعات سوف تعود مجدداً الى ما كانت عليه وهو ما يجعل تلك الدول تشعر بالاحباط.

ان الدول التي يتراوح فيها دخل الفرد بين 20 الف دولار الى 25 الف دولار، من ضمنها فقط دولتين لديهما امكانية كبيرة في تحقيق او تجاوز 3% نسبة نمو سنوي خلال العقد القادم وهما جمهورية الشيك وجنوب كوريا. وضمن المجموعة الكبيرة التي يبلغ فيها متوسط الدخل بين 10 الاف الى 15 الف دولار، فيها فقط دولة واحدة هي تركيا لديها القدرة على مسايرة او تجاوز نسبة 4 او 5% من النمو رغم ان بولندا لها ايضا تلك الامكانية.وفي فئة الـ 5 الاف الى 10 الاف دولار تأتي تايلند الدولة الوحيدة ذات القدرات الفعلية في النمو. واذا كانت هناك اسواق صاعدة جديدة في السنوات القادمة فهي من المحتمل ان تكون من سمات الدول التي دخلها الفردي دون الـ 5 الاف دولار مثل اندونيسيا ونيجيريا والفليبين وسريلانكا وغيرها من المنافسين في شرق افريقيا.

 رغم ان العالم يتوقع صعود المزيد من الدول من أدنى درجات الدخل ومن القمة والوسط، الا ان النظام الاقتصادي العالمي الجديد سيبدو اكثر شبهاً بالنظام القديم وفق تنبؤات اغلب المراقبين. المتبقي من الدول سيستمر بالصعود الا انها ستصعد ببطأ شديد وغير منتظم.القليل جداً سيصل دائما الى مستويات الدخل في العالم المتطور.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/كانون الأول/2012 - 16/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م