العولمة أو الكوكبة هي: (التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع
والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات
السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون حاجة إلى إجراءات
حكومية). يعني هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي وانتشاره بعمق لا بل هيمنة
النمط الأمريكي، سيما بعد الإقرار بأن الرأسمالية كنمط إنتاج تتغير
ملامحها وأساليبها في الاستغلال عبر الزمن.
بكل وضوح أصبحت (برغماتية العولمة) هي القوى الخفية التي تتحكم
بالعالم، القوى الخفية التي أشار إليها برتراندرسل بقوله: (ونحن نعاني
من القوى غير الشخصية العظمى التي تسيطر على حياتنا اليومية، فتسبب
بقاءنا عبيداً للظروف ولو أننا لم نعد عبيداً بحكم القانون)، فكيف حدث
ذلك؟ بعد أن أصبح من تعرف أهم من ماذا تعرف لتوافر المعرفة بأدق الأمور
للكل اليوم، ومن عكس فلسفة هذا المناخ لأول مرة وعرف به؟
حين انتشرت الحواسيب وصارت هي التي تتكلم مع الإنسان أو يتكلم معها
الإنسان بدلاً من المحاضرة والكتاب والمجتمع، سقطت سلطة الدولة، مثل
سقوط سلطة إعلامها على الناس بالأقمار الصناعية، وسقوط سلطاتها على
المصارف الدولية التي تقرر قيمة إنتاجها؛ وسعر صرف عملاتها، فلم يبق
سوى السقوط السياسي والحربي بسيطرة سياسة القطب البرغماتي الواحد على
العالم، وهو الولايات المتحدة الأمريكية، فما هي هذه القوة التي انتقلت
إلى التقديس الأداتي، إلى البرغماتية الفلسفية التي تنتقل اليوم
بالعولمة إلى كل منزل بالكون، دون أن يشعر سكانه بمناخها الاقتصادي
الذي يطال لقمة عيشهم، قبل مناخها السياسي الذي يفرض نفسه على دولهم
وهي صاغرة!.
إذا صدرت الدعوة إلى العولمة من بلد أو جماعة فإنها تعني إعمام نمط
من الأنماط التي تخص ذلك البلد أو تلك الجماعة وجعله يشمل العالم كله،
وإنه طالما صدرت هذه الدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الأمر
يتعلق بالدعوة إلى توسيع النموذج الأمريكي، ليشمل العالم كله. مما يعني
أن العولمة ثقافة راحت تصل إلى أي مكان على وجه كرتنا الأرضية عبر
وسائل الإعلام التي تتحكم الولايات المتحدة الأمريكية بخمسة وستين
بالمائة من مجموع المادة الإعلامية في العالم، ستقود بالنتيجة المتوخاة
إلى قطع الصلة شيئاً فشيئاً بين الإنسان ومجتمعه ووطنه، والقفز فوق
الوطن عبر صيغة العولمة هذه، وهذا ما يجب أن يرفضه العرب، بعد أن رفضه
المثقفون الأوروبيون قبلهم انطلاقاً من فكرة تقول بتعارض العولمة مع
التعددية الحضارية ومع صلة الإنسان بوطنه وضرورة توحد المجتمع الأوروبي
ضد العولمة بصيغتها الأمريكية.
ما هي العوامل التي أدت إلى بروز ظاهرة العولمة في الوقت الراهن:
• هل هذا يرجع إلى انهيار نظام الدولة ذات الحدود المستقلة؟
• هل العولمة تتضمن زيادة التجانس أم تعميق الفوارق والاختلافات؟
• هل العولمة تنطلق من مصادر رئيسية واحدة، أم تنطلق من مصادر
متنوعة ومتداخلة؟
• هل تنطلق من عوامل اقتصادية وإبداع تقاني أم من خلال الأزمة
الايكولوجية؟
• هل العولمة تتميز بوجود ثقافات عامة أم مجموعة من الثقافات
المحلية المتنوعة؟
• هل هي استمرار لنمو الفجوة بين الفقراء والأغنياء على جميع
المستويات؟
• هل العولمة تتطلب وجود حكومة عالمية؟
إن جوهر عملية العولمة يتمثل في تسهيل حركة الناس وانتقال المعلومات
والسلع والخدمات على النطاق العالمي. وتشمل الحركة والانتقالات التي
تنتشر عبر الحدود ست فئات رئيسة وهي: البضائع، الخدمات، الأفراد، رأس
المال، الأفكار، والمعلومات والمؤسسات).
لكن العولمة بالمفهوم المعاصر (الأمركة) ليست مجرد سيطرة وهيمنة
والتحكم بالسياسة والاقتصاد فحسب، ولكنها أبعد من ذلك بكثير، فهي تمتد
لتطال ثقافات الشعوب والهوية القومية والوطنية، وترمي إلى تعميم أنموذج
من السلوك وأنماط أو منظومات من القيم وطرائق العيش والتدبير، وهي
بالتالي تحمل ثقافة (غربية أمريكية) تغزو بها ثقافات مجتمعات أخرى، ولا
يخلو ذلك من توجه استعماري جديد يتركز على احتلال العقل والتفكير وجعله
يعمل وفق أهداف الغازي ومصالحه. وأكد ذلك الرئيس الأمريكي السابق جورج
بوش حين قال في مناخ الاحتفال بالنصر في حرب الخليج الثانية: (إن القرن
القادم سيشهد انتشار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي).
- أوضاع الدول العربية في ظل العولمة:
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتجارب الاشتراكية في دول أوروبا
الشرقية وهيمنة القطب الواحد، وظهور الرحلة الجديدة من النظام العالمي
(العولمة) لابد لنا من التعرف على ما آل إليه الوضع في الوطن العربي:
• فقدت الدول العربية منفردة أو مجتمعة كل أهمية إستراتيجية وتحولت
إلى ملعب يتلقى الأهداف.
• فقدت الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة وبخاصة النفط أهميتها
وتراجع، بعد تطوير التكنولوجيا التي تؤدي إلى تخفيض مكون الطاقة
والمواد الأولية ما يسمى: (Energy and Material Saving Technologies).
• لم تحقق التنمية الشاملة في العقود الأربعة المنصرمة ما كان
مأمولا فيه في معظم الدول العربية، بل لقد تراجعت أوضاع عدد من البلدان
إلى اقل مما حققته في الستينات من معدلات نمو. وتراجعت الأوضاع في
بلدان أخرى نتيجة الحصار المفروض على بعض الدول العربية.
• مازال الفقر والجهل والمرض سمة عدد كبير من السكان في بعض الدول
العربية. والفقر لا يخلق الطلب الفعال. لهذا لا تعد أسواق معظم الدول
العربية أسواقا كبيرة تغري الشركات المتعدية الجنسية.
• تراجع معونات التنمية الرسمية وهي في طريقها للاختفاء فيما عدا
المعونات الإنسانية التي ستقدم في ظروف بالغة القسوة ومؤقتة. وبسبب
زيادة التضخم، والبطالة في الدول الصناعية المتقدمة اخذ عدد من
المفكرين والسياسيين يندد بما يسمونه تبديد الموارد في الخارج وحجتهم
في ذلك فشل التنمية في البلدان النامية رغم كل ما قدمته دول الشمال من
معونات. وان الجماهير الفقيرة لم تنل من تلك المعونات إلا الرذاذ في
حين استقر الجزء الأعظم في حسابات الفئات الحاكمة لدى البنوك الأجنبية.
• تراجع المصالح العليا للدولة بتعبيرها السياسي أمام المصالح
الاقتصادية للشركات متعدية الجنسية المعولمة. وأضحى النفوذ السياسي
والاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية هو المفتاح إلى الأسواق
العالمية بما يحقق الربح للشركات الأمريكية متعدية الجنسية والمعولمة.
• أصبحت الشركات متعدية الجنسية والمعولمة تنظر إلى مجتمعاتنا
العربية على أنها مجتمعات عاجزة عن إنتاج غذائها أو شرائه بعائد
صادراتها الصناعية مثلاً، وأنها لا تستحق البقاء وهي حاليا عبء على
البشرية يمكن أن تعرقل تقدمها الذي يحكمه دائماً قانون (البقاء
للأصلح)، وبالتالي يجب إسقاط البلاد التي تعيش رغم كل المساعدات في حال
فقر الأغلبية من سكانها، من حساب هذه الشركات، وان تترك وشأنها ولا
تمنح أي معونات تنمية اكتفاء بالمنح الإنسانية في الظروف الاستثنائية.
كما نلاحظ غياباً كاملاً لبرامج عربية فردية أو جماعية للارتقاء
بإنتاجية عوامل الإنتاج خاصة العمل، وتعظيم الاستفادة من القدرات
التنافسية خاصة السوق، وتسريع التقدم الصناعي التكنولوجي عبر التخصص،
فضلا عن قصور أو حتى غياب التنسيق والتعاون بين الدول العربية لمواجهة
نزعات الحمائية والتهميش والتكتلية التي أنتجتها العولمة.
* كلية الاقتصاد - جامعة دمشق
alkafry@scs-net.org |