بغداد واربيل... مأزق متأرجح وفجوة تتسع

 

شبكة النبأ: تظهر ألازمة السياسية المشتعلة بين الجانبين الكردي والعراقي في الاونة الأخيرة، خلافات سياسية عدة عميق الجذور بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية على خلفية هوية مدينة كركوك وملف النفط، لتندلع بعد ذلك أزمة جديدة ملتهبة، على خلفية المواجهة بين قوات البيشمركة وقوات دجلة في المناطق المتنازع عليها، لتكون جبهة جديدة في الخلاف بينهما، وقد انعكس الخلاف توترا على الارض حيث قام كل من الطرفين بحشد قوات قرب مناطق متنازع عليها خصوصا في محافظة كركوك الغنية بالنفط، وعلى الرغم من وجود اتفاق أبرم في عام 2009 وقضى بتوافق الطرفين على إدارة أمنية مشتركة للمناطق المتنازع عليها ريثما يتم حل مشكلة هذه المناطق وفقاً للمادة 140 من الدستور، الا ان الجدل حول هذه المادة والتشكيك بدستوريتها أدى إلى تعطيل تنفيذها عملياً.

إذ يرى المحللون أن المشكلة الراهنة تكمن ورائها دوافع سياسية نتيجة الخلافات المتراكمة بين الحكومة المركزية وحكومة كردستان أبرزها مدينة كركوك والميزانية وموارد النفط وتمويل البيشمركة، فضلاً عن دعم رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني مساعي نزع الثقة من المالكي، وكما توجد دوافع أخرى تتجلى بالحسابات والاستقطابات الإقليمية والدولية، التي لا تزال تتحرك بصورة واضحة في الساحة السياسية وتترك تأثيراتها عليها بوضوح كبير.

فبعد مناوشات سياسية عديدة ساعدت على ديمومة هذه الأزمة، توصلت الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان الى اتفاق مبدئي بين بغداد واربيل لإنهاء الخلافات حول المناطق المتنازع عليها، لكن هذا الاتفاق لم يكشف عن كل مكنوناته بعد.

فيما رأى بعض المحللين بان المالكي استطاع كبح جماح الأكراد ووضع حداً لمشروع امتدادهم،

مما قد يسهم بتصاعد حدة تشنج العلاقة بين بغداد واربيل، وهكذا تدور هذه القضية في حلقة مفرغة، لكنها تثير مخاوف جدية لدى الشارع العراقي عربا وكردا، وقد تجر البلد الى فوضى في غنى عنها، لكن هذه الفوضى تبقى مستبعدة بحسب المعطيات الراهنة على الأقل، غير أن توالي الأزمات سيبقى قابلاً للانفجار في أي لحظة، في حين يرى مراقبون أن الانضباط والحكمة والخضوع للقانون هو الحل الامثل لهذه المواجهات، وفي حال استمرار غياب الحلول التوافقية والخلاّقة، سيظل العراق تحت وطأة الأزمات المستدامة، التي تعيق مسيرته نحو مستقبل أفضل.

اتفاق عسكري مشترك

في سياق متصل اتفقت الحكومة المركزية في بغداد مع سلطات اقليم كردستان العراق على تفعيل اللجان الامنية بينهما والبحث في سحب القطع العسكرية التي احتشدت مؤخرا قرب مناطق متنازع عليها بين الطرفين، وذكر بيان صادر عن مكتب القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء نوري المالكي ان اجواء "مهنية وشفافة" طبعت اجتماعا عقد في بغداد ضم مسؤولين عسكريين وامنيين من الجانبين بينهم مستشار الامن الوطني فالح الفياض، كما ضم الاجتماع رئيس مكتب التعاون الامني العراقي الاميركي الفريق روبرت كازلن، واوضح البيان ان المجتمعين اتفقوا على "تفعيل اللجان العليا للتنسيق المشترك بين القوات المسلحة وقوات حرس" اقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي "والمباشرة بتهدئة الاوضاع"، واتفق المجتمعون ايضا على "البحث في آليات سحب القطعات التي تحشدت بعد الازمة الى اماكنها السابقة". بحسب فرانس برس.

وفي وقت سابق دعا رئيس حكومة اقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني الحكومة المركزية في بغداد الى عدم اللجوء الى القوة لحل المشاكل المتفاقمة بين الجانبين، وقال في مؤتمر صحافي في اربيل عاصمة الاقليم الشمالي "اريد التأكيد على نقطة واحدة وهي ان مشاكل العراق لن تعالج بالقوة وان بغداد يجب ان تصل الى قناعة بان المشاكل لن تعالج بالدبابات"، واضاف "لدينا دستور ويجب ان نجلس ونتحاور"، معتبرا ان "تجارب العراق اثبتت ان مشاكل البلاد لن تعالج الا بالحوار"، وذكر بازراني في مؤتمره الصحافي انه "بعد اجتماع اليوم للجنة، سنرسل اللجنة العليا الى بغداد للاجتماع معهم (لغرض) الوصول الى اتفاق"، كما ايد بارزاني دعوة رئيس الوزراء نوري المالكي الى اعادة عمل اللجان الامنية المشتركة بين قوات كردية واخرى من الحكومة المركزية في المناطق المتنازع عليها التي سبق وان تولت مسؤوليات مماثلة خلال فترة الانسحاب العسكري الاميركي.

الدستور لا يمنع تشكيل قوة مشتركة

فقد قال الخبير القانوني طارق حرب، إن الدستور لم يمنع تشكيل قوة مشتركة من الجيش وحرس الاقليم في المناطق المتنازع عليها، يأتي تصريح حرب تعليقا على قول احد النواب إن تشكيل قوة مشتركة من قادة عمليات دجلة وحرس الاقليم مخالف للدستور، حيث اوضح أن "الدستور لم يرد به نص يقرر هذا المنع ولم يرد فيه حكم يورد هذا الحظر والدستور لم يمنع تعاون الجيش الاتحادي والشرطة الاتحادية مع حرس الاقليم لتحقيق الامن والاستقرار في المناطق (المتنازع عليها)". بحسب أصوات العراق.

وأضاف "يؤكد ذلك ان المادة الاولى من الدستور قررت ان هذا الدستور ضامن لوحدة العراق وان المادة التاسعة من الدستور قررت ان واجب القوات المسلحة والاجهزة الامنية هو الدفاع عن العراق في جميع اقاليمه ومحافظاته لذلك فان التعاون والتنسيق والعمل المشترك واداء الواجبات المشتركة بين قيادة عمليات دجلة والاسايش في هذه المناطق تطبيقا لاحكام الدستور وليست مخالفة له".

استفزاز المالكي

فيما حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي القوات الكردية (البشمركة) بعد إرسال حكومة كردستان العراق تعزيزات إلى مناطق متنازع عليها. ويأتي تحذير المالكي بعد أمر وجهه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني بإعلان حالة التأهب في صفوف البشمركة في المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي بعد حادث مع جنود عراقيين، وجاء تحذير المالكي في بيان بعد ان ارسلت حكومة اقليم كردستان الآلاف من المقاتلين الاكراد الى المناطق المتنازع عليها وقبل ان تسحب جزء منهم، كما ذكر مسؤول كبير في قيادة البشمركة، وطالب البيان الصادر عن مكتب القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي "قوات حرس الاقليم (كردستان) بعدم تغيير مواقعها او الاقتراب من القوات المسلحة" الحكومية، وقال ضابط في البشمركة ان الاف القوات ارسلت الى محيط مدينة طوز خرماتو لتعزيز مواقعها العسكرية، لكن اعدادا كبيرة منها انسحبت بعد ذلك. بحسب فرانس برس.

وكانت الحكومة المركزية في العراق شكلت في الاول من ايلول/سبتمبر قيادة عسكرية تحمل اسم "قيادة عمليات دجلة" تتولى مسؤوليات امنية في محافظات تضم مناطق متنازع عليها في الشمال هي كركوك وديالى وصلاح الدين. واثارت هذه الخطوة غضب القادة الاكراد الذين رأوا فيها "نوايا واهدافا" ضد الاكراد، وحذر رئيس الوزراء العراقي في بيان قوات البشمركة من استفزاز القوات الحكومية، واكد المالكي ان القيادة "لا تستهدف مكونا او محافظة او قومية"، وشدد على ان تشكيل هذه القيادة يندرج في اطار "الصلاحيات الدستورية" التي يتمتع بها، ورأى رئيس الوزراء العراقي انه "لا يحق لمحافظة او اقليم الاعتراض عليها لان واجبها هو حماية السيادة الوطنية.

بارزاني: الكرد شكلوا الجيش العراقي

في المقابل قال رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، إن القيادة الكردية هي من شكلت الجيش العراقي بعد سقوط النظام السابق، مشيرا الى أن الكرد لا يخافون من توقيع صفقات الأسلحة للجيش العراقي، لكنهم "متخوفون" من العقلية التي تستأثر بتلك الأسلحة، جاء ذلك خلال جلسة حوار اقامها رئيس الإقليم بمبادرة منه، ودعا اليها مندوبي الصحافة العربية العاملة بكردستان وعددا من الكتاب والمثقفين الكرد، للتحدث حول مجمل التطورات الحالية التي تشهدها المناطق المتنازعة، والعلاقة بين إقليم كردستان والحكومة المركزية، على خلفية الأزمة الناشبة حول تشكيل قيادة عمليات دجلة، وعرض بارزاني خلال اللقاء أسس ومسببات الأزمة من خلال حديثه عن بدايات "ظهور ملامح الموقف السلبي من المالكي من الشعب الكردي وقيادته"، مشيرا إلى "الأحداث التي وقعت بمدينة جلولاء ومنطقة خانقين عام 2008 عندما أرسل قوات الجيش إلى هناك، لكن قوات البيشمركة حرصت على عدم الدخول في مواجهة مع الجيش حرصا منها على عدم إسالة دم أي عراقي، ومنذ تلك اللحظة بدأت المشاكل تتراكم حتى انفجرت في اللحظة الأخيرة مع إعلان تشكيل قيادة عمليات دجلة"، وأعاد رئيس اقليم كردستان إلى الذاكرة المراحل الأولى لإعادة تشكيل الجيش العراقي قائلا "إنه بعد سقوط النظام السابق سارعت القيادة الكردية إلى إعادة تشكيل الجيش في وقت لم يكن فيه الشيعة ولا السنة في العراق يجرؤون على بحث هذه المسألة، لكننا كنا نعتقد أن العراق يحتاج إلى جيش قوي ليدافع عن نفسه، خاصة مع ظهور التهديدات الإرهابية ضد العملية السياسية وبناء العراق الديمقراطي الجديد، لكن الأحداث اللاحقة للأسف أدت إلى حدوث هذه الأزمة مع الجيش، في وقت يفترض أن يكون فيه هذا الجيش لكل العراق ومدافعا عن جميع أراضيه"، وأضاف رئيس اقليم كردستان "أنا لست ضد تقوية الجيش أو تطوير قدراته، ولكني ضد أن يكون لأي شخص أو جهة جيشه الخاص، ويكون ولاؤه لغير الوطن والدستور العراقي".

وأشار بارزاني إلى مرحلة الانسحاب الأميركي، وقال "إنه كانت هناك بعض المخاوف لدى البعض من القيادات الكردية من تأثير الانسحاب الأميركي من العراق على الوضع الكردي، خاصة تداعياته على المناطق المتنازعة، لكني كنت أؤكد دائما أن الشعب الكردي باق على أرضه، وأن هذا الجيش أو ذاك يأتي ويذهب، ويبقى الشعب ملتصقا بأرضه مهما كان الثمن"، وأكد رئيس اقليم كردستان "أنا لست مؤمنا ولا معولا على وجود الجيوش الأجنبية في أي بلد، لأنه بمجرد صدور برقية لها من مراجعها ستجمع أغراضها وتذهب، والباقي هو الشعب، وكنا نأمل من السيد المالكي أن يكون هو المدافع عن الشعب الكردي في المحافل السياسية والدولية، بحكم العلاقة القديمة التي تربطه معنا، ولكن للأسف كل هذه المشاكل التي ظهرت أثناء فترة حكمه قد تراكمت وأدت إلى هذه الأزمة الكبيرة". بحسب اصوات العراق.

وتطرق بارزاني إلى بعض المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد وموقفه منها، في مقدمتها موضوع العقود النفطية، وقال "في عام 2007 التقى مسؤولون في حكومة الإقليم مع مسؤولين في وزارة النفط العراقية، وجرى الاتفاق على مسودة لقانون النفط والغاز، وكان يؤمل عرضه على البرلمان، وجاء في تلك المسودة أنه بعد مرور فترة معينة على الاتفاق الذي جرى إذا لم يقدم مشروع القانون إلى البرلمان، عندها يحق لكل طرف أن يمضي بعقوده النفطية، ولذلك أستطيع أن أؤكد بشكل قاطع أن جميع عقودنا النفطية تتماشى مع الدستور ولا تخالفه".

وحول صفقات الأسلحة جدد رئيس اقليم كردستان موقف قيادة الإقليم بأن الكرد "لا يخافون من توقيع صفقات الأسلحة للجيش العراقي، لكنهم متخوفون من العقلية التي تستأثر بتلك الأسلحة، هناك اليوم توتر كبير في العلاقة بسبب أزمة الثقة بين الكتل السياسية، وأن شراء الأسلحة المتطورة يعزز هذه المخاوف في ظل هذه الأزمة"، وتطرق بارزاني إلى مسألة سحب الثقة من المالكي، وقال إن "مشروع سحب الثقة منه لم يكن مقترحي، بل إن جميع الأطراف التي شاركت في اجتماعاتنا رأت أنه الخيار المطلوب في هذه المرحلة وأنا لم أمانع".

وحول قيادة عمليات دجلة التي عقدت الأزمة السياسية بشكل كبير قال بارزاني "إن تشكيل تلك القيادة لم يكن دستوريا، وهذا ما يؤكده الكثير من القانونيين، وتصور المالكي أن الاختلافات التي حصلت في موضوع سحب الثقة ستتيح له فرصة للمناورة، فأعلن عن تشكيل قيادة دجلة، ورغم أن المالكي وعد الأخ الرئيس مام جلال بوقف تشكيل تلك القيادة فإنه مضى في تشكيلها، ونحن رفضنا ذلك، فهذه المسألة ليست مسألة شخصية حتى أتصرف فيها وحدي، هذه مسألة تهم الشعب وعليه فلا أستطيع المساومة عليها، فمهما كانت النتائج نحن لن نتنازل عن موضوع هذه القيادة ولا بد أن تتوقف".

الجبهة التركمانية

الى ذلك دعت الجبهة التركمانية العراقي، بغداد وأربيل إلى التحلي بالصبر واللجوء إلى التهدئة وضبط النفس للحيلولة دون توسيع فجوة الخلاف بينهما، مبينة أن مبدأ الحوار هو "الفيصل" بعيداً عن لغة التهديد "حقناً لدماء" العراقيين وحافظاً على الوطن والشعب من "التشتت والتفرقة"، وقالت الجبهة التركمانية العراقية، في بيان أصدرته أن هنالك معلومات تفيد بـ"تمركز قوات حرس إقليم كردستان (البيشمركة) حول مدينة كركوك"، مشيرة إلى أن مثل هذه الخطوات "تتقاطع مع المساعي الحميدة للخيرين من السياسيين العراقيين لاسيما المساعي الأخيرة لرئيس مجلس النواب العراقي الذي استجاب له رئيس نوري المالكي، ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني معاً واتفقا على أن يكون الاجتماع الأول في وزارة الدفاع في بغداد.

وكان رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، قال في وقت سابق إن قوات البيشمركة ستنسحب من مواقعها في حال تم التوصل إلى اتفاق بشأن قيادة عمليات دجلة مع حكومة بغداد، داعياً الأخيرة إلى الابتعاد عن لغة السلاح والدبابات، مستبعداً في الوقت ذاته "حدوث صدام عسكري بين الطرفين"، وقال بارزاني، في مؤتمر صحفي عقده بمبنى مجلس الوزراء وسط عاصمة الإقليم أربيل، إنه في حال تم التوصل إلى اتفاق بشأن عمليات دجلة بين حكومتي أربيل وبغداد، فستنسحب قوات البيشمركة من مواقعها، مشدداً على أنه يمكن للمحكمة الدستورية أن تفصل في قرار تشكيل عمليات دجلة، وتعتبر محافظة كركوك، 280 كم شمال العاصمة بغداد، التي يقطنها خليط سكاني من العرب والكرد والتركمان والمسيحيين والصابئة، من أبرز المناطق المتنازع عليها، والمشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي وتشهد خلافات مستمرة بين مكوناتها فضلاً عن أعمال العنف شبه اليومية التي تطال المدنيين والقوات الأمنية على حد سواء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/تشرين الثاني/2012 - 13/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م