بعد أن تصمت المدافع في غزة

عريب الرنتاوي

أين ستتجه حماس بعد أن تصمت المدافع في قطاع غزة؟.. أين ستتموضع سياسياً وكيف ستُقيم وتُقيّم صداقاتها وتحالفاتها؟...هل ستعود للالتحام بما كان يُعرف بـ"محور المقاومة والممانعة"، أم أنها ستكرس اقترابها من المحور القطري – السعودي – التركي؟...وماذا عن موقفها من المصالحة الفلسطينية، هي تكتيك تمليه اللحظة السياسية المشحونة، أم أنه توجه أصيل قابل للترجمة بخطوات عملية وملموسة؟...أسئلة وتساؤلات، تشغل اهتمام المراقبين السياسيين، أقله منذ خرجت إسرائيل إلى حربها المفتوحة على القطاع المحاصر.

الإجابة على هذه التساؤلات، تبدأ بالإقرار أولاً، بأنه ما كان لحماس أو غيرها من فصائل المقاومة، أن تتوفر على هذه الترسانة من السلاح، وأن تحظى بكل هذا القدر "المفاجئ" من الخبرة والتدريب، لولا اصطفافها لسنوات طوال في محور طهران – دمشق – حزب الله، وهو اصطفاف لم يكن يعني لحماس، ولو ليوم واحد، إدارة الظهر لدول ومحاور وعواصم أخرى في الإقليم، وفرت بدورها للحركة، شبكة دعم سياسي ومعنوي ومالي، ما كان لها من دونه أن تكون ما هي عليه اليوم.

محور الاعتدال العربي، الذي بدا أن حماس قد تموضعت في صفوفه في السنة الأخيرة على وجه التحديد، يريد حماس من دون أنياب ولا أظافر، يريد إعادة صياغتها وتشكيلها كحركة سياسية، مرشحة لأن تكون "بديلاً" أو "شريكاً في عملية التفاوض والسلام، مع أن هذه العملية تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتقترب من مشاريع حلول وصفقات، لا تلتقي مع الحد الأدنى من الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.

إن اختارت حماس المضي في "خيارها المقاوم"، فلن تجد "البضاعة المطلوبة" عند "عرب الاعتدال"، بل ولن تجدها حتى عند "مصر الجديدة" بزعامة الإخوان المسلمين...وستجد نفسها مضطرة لاستعادة علاقاتها مع هذا المحور، أقله مع طهران وحزب الله، بعد أن أحرقت السفن والجسور التي طالما ربطتها بدمشق ونظامها.

دول الاعتدال سئمت من "مراوحة" حماس بين محورين.. السعودية كانت أكثر من واضحة وقاطعة في هذا المجال: إما نحن وإما إيران...أما قطر، فقد اتبعت دبلوماسية أكثر ذكاءً ودهاءً، هي تقترب من حماس من دون شروط مسبقة، ولكنها تسعى في جرها للخروج تدريجياً من تحت العباءة الإيرانية السوداء، بل وتسعى في خلق "بنية تحتية" في قطاع غزة، لتأبيد التهدئة، وإنهاء هذا خيار المقاومة المسلحة، ولعل زيارة أمير قطر للقطاع، هي العنوان الأبرز لهذا المسعى.

تركيا، لها أجندة أوسع نطاقاً من دول الخليج، هي تريد لحماس أن تظل في "إطار مجالها الحيوي"، وتسعى من خلالها للعب دور في قطاع غزة والقضية الفلسطينية والمصالحة، وهي لا تشترط القطع والقطيعة مع إيران لتطوير علاقاتها مع الحركة الإسلامية، ولكنها لن تكون يوماً، مصدراً أو ممراً أو مقراً لأي جهد عسكري لحماس، تسليحاً أو تدريباً أو إعداداً، هذا خارج الحسابات التركية، وإن كانت أنقرة قد تورطت من الرأس حتى أخمص القدمين، في تسليح وتدريب وتهريب السلاح والمسلحين للمعارضة السورية.

حماس تبدو في وضع صعب...هي بحاجة لإيران وحزب الله، لإدامة خيار المقاومة التي نشأت عليه، واستمدت منه عناصر قوتها ونفوذها، وهي تفاخر به اليوم، بعد المواجهة الباسلة مع العدوان على قطاع غزة.. لكنها في المقابل، ستجد صعوبة في إقناع المحور الآخر بالاستمرار في احتضانها ودعمها، لاسيما في ضوء تفاقم حالة الفرز والاستقطاب بين محورين إقليميين، الأول بقيادة السعودية وتنخرط فيه قطر بقوة، والثاني بزعامة إيران، وتنخرط فيه سوريا وحزب الله بقوة.

سوريا هي العقبة الكبرى التي تعترض طريق حماس لحفظ التوازن والاتزان في علاقاتها بين المحورين..لحظة الصدام في سوريا وحولها، تجعل خيارات حماس محدودة للغاية..هي لا تستطيع أن تدير ظهرها للحركة الإخوانية في سوريا والعالم العربي عموماً، هي لا تستطيع أن تتنكر لهويتها كحركة ذات مرجعية دينية (سنيّة)، ولكنها في المقابل، ستجد صعوبة في ترميم علاقاتها مع إيران وحزب الله، طالما بقيت على موقفها المناهض لنظام الأسد والمؤيد للمعارضة السورية، الإخوانية منها بخاصة.

عند هذا المفترق، تجد حماس في مصر ما بعد مبارك، ملاذاً آمناً، يمكنها من مقاومة الضغوط التي تتعرض لها من هنا وهناك، لجذبها إلى هذا المعسكر أو ذاك، وهي إذ تدرك الحدود المتواضعة التي تستطيع مصر أن تقدمها لها في ظل انشغالاتها الداخلية، فإن حماس تجنح للتهدئة "بشروط معقولة"، وتميل للمصالحة الوطنية، التي باتت مطلباً مصرياً حتى تتفرغ مصر لمواجهة تحدياتها الداخلية، وتسعى في إعادة التوازن لعلاقاتها مع العواصم والمحاور العربية، وهذا في ظني الطريق الذي ستسلكه حماس، بعد أن تضع المواجهات الدامية في غزة، أوزارها.

* مركز القدس للدراسات السياسية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/تشرين الثاني/2012 - 6/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م