قتل البطاقة التموينية هل سينقذ العراق؟

عبد الأمير رويح

منذ عام 2003 وحتى الآن و البطاقة التموينية تعاني من أمراض مزمنة وخطيرة انتقلت عبر مسار الديمقراطية، والتي تسببت بحدوث مضاعفات خطيرة أدت الى فقدان وتسرب العديد من مواد تلك البطاقة التي رافقت المواطن الفقير لسنوات وسنوات، وأسهمت في انجاز الكثير من معاملات المواطن في الدوائر الرسمية ومن خلالها اثبتت وبالدليل القاطع انه عراقي حتى النخاع.

من أفضال تلك البطاقة أنها كانت تعين الفقراء وتحافظ على ستر الأرامل وتغني اليتامى عن الاستجداء وطلب المعونة، على الرغم من شح موادها لكنها كانت تسد جوع الجياع، فرغيف طحين الوجبة رغم سمرته الداكنة في بعض الأحيان هو أطيب وألذ من (الكاهي والكعك والكيك) البرلماني الذي اعتاد البعض على أكلة في أحدث وأفخم المطاعم والنوادي والكافيتريات فأنساهم هموم الفقراء وانين الجياع ولوعتهم.

خطوة قاسية قد تكون درست بشكل نظري من لدن بعض السادة المسؤولين لكن واقعها العملي سيكون مؤلما وخطيرا على عيش الفقراء خصوصا وان أكثر من 75% من الشعب العراقي يعتمد بشكل كامل على تلك المفردات البسيطة التي توفرها الدولة والتي عجزت عن إسعاد المواطن من خلال قراراتها السابقة التي كانت تمثل ثقلا إضافيا على كاهل المواطن، والتي منها زيادة أسعار الوقود وزيادة المبالغ للوحدات الكهربائية المستهلكة وغيرها من القرارات التي أسهمت بتوقف اغلب المشاريع والمؤسسات والمصانع التي تدعمها الدولة.

واليوم و بعد هذه الأعوام القاسية قررت الحكومة إلغاء البطاقة التموينية، بمبادرة قد ترضي مسؤولي صندوق النقد الدولي صاحب العطايا الضخمة الذي يعطي بمنّة وتكبر كي يستعبد الآخرين ويملي عليهم شروطه الخاصة.

مبلغ الـ (15 ألف دينار عراقي) الذي أقرَّ كبدل نقدي عن مفردات تلك البطاقة ليقتات بها المواطن طيلة 30 يوما، حيث يجب علية ان يشتري بهذا المبلغ الطحين والأرز والشاي والسمن والسكر والصابون وحليب الأطفال وووو.. الخ من المواد والاحتياجات الأساسية. يدفعنا الى التساؤل والاستفسار عن كيفية حساب هذا المبلغ، وبأي طريقة وعلى أي معيار، في سوق لايزال بعيدا عن سيطرة الحكومة وتتلاعب به عقول التجار وأصحاب الملايين؟ ربما قد يكون هذا القرار قد احتسب (على أساس لقمة هنيه تكفي ميه)، فبتقسيم هذا المبلغ على طيلة أيام الشهر يجب على المواطن العراقي ان يخصص (500 دينار عراقي) لكل يوم وهو مبلغ يكفي لشراء (صمونتين فقط) أما الثالثة فنرجو ان تكون مكرمة من لدن بعض السادة المسؤولين أصحاب الرواتب والامتيازات الضخمة لكي يستطيع توفير الوجبات الأساسية الثلاث.

(صمون حاف) ستكون أكلة مشتركة لجميع العراقيين وستذكرهم أيضا بأيام (الباذنجان صديق العائلة) الذي تخلى هو الآخر عن تلك الصداقة كما فعلت البطاقة التموينية اليوم، هذا هو قدر المواطن في زمن التغيير، فلن يدوم له صديق سوى الفقر، ذلك الصاحب الوفي الذي يلازمه حتى الموت والذي تعددت أشكاله وتنوعت بتنوع المواقف السياسية والمصالح الحزبية.

خطوة إلغاء البطاقة التموينية يجب ان تخضع الى  تخطيط مدروس ومركز تسبقه عدة إجراءات مهمة فهو قرار مصيري يتعلق بلقمة العيش وحياة وأمن المواطن خصوصا في مثل هذا الظرف العصيب الذي يعيشه، وقبل إعلان هذا القرار لابد من وضع برنامج حكومي متكامل قد يستغرق تنفيذه سنوات من العمل والتطبيق ويستند الى مجموعة أفكار ومنها:

إعداد دراسة مكثفة لاستيراد المواد المهمة عن طريق التعاقد المباشر مع بعض الشركات او المؤسسات العالمية التي ستعمل كبديل لوزارة التجارة من خلال فتح فروع لها في محافظات العراق كافة، مع إلزامها بضخ تلك المواد في السوق بحيث تؤدي لنجاح قرار الحكومة القاضي بأن يكفي المبلغ البديل لسد احتياج المواطن وعلى مدى شهر كامل.

1. سيطرة الدولة الكاملة على السوق العراقية وإعداد قوانين خاصة ورادعة لكل المتلاعبين بقوت الشعب.

2. تفعيل دور المؤسسات الرقابية وحمايتها بشكل قانوني يتيح لها ممارسة دورها المطلوب من دون أي ضغوط او تهديدات وهذا لن يكون بدون تفعيل قوة القانون وفرض الأمن في كل مناطق العراق بما فيها الحدود الإدارية مع كل دول الجوار لغرض السيطرة وعدم إعطاء الفرصة للمهربين بالاستفادة من فارق السعر الذي قد توفره الحكومة في تهريب المواد الى الخارج.

3. تكوين جهاز خاص على غرار الأمن الاقتصادي تابع الى وزارة الداخلية في كل محافظة يقوم بمتابعة أسعار المواد الغذائية والسوق بشكل يومي ومستمر ومحاسبة المخالفين وفق القانون.

4. إعادة وتأهيل وتوسيع عمل الأسواق المركزية ورفدها بالمواد والاحتياجات الضرورية وبأسعار مدعومة من قبل الحكومة لتصبح منافسا مهما وأساسيا للتجار والشركات.

5. السعي الى فتح مخابز حكومية في كل منطقة تقوم بتوفير مادة الخبز والصمون بأسعار مدعومة تكون بمتناول الجميع مع تقديم هذه المادة الأساسية بالمجان للعوائل المتعففة بعد إجراء جرد خاص بهم، كما ان هذه الخطوة ستسهم بتعيين العديد من الشباب العاطلين عن العمل.

6. الاهتمام  المباشر بالنشاط الزراعي في العراق وتوفير كل متطلبات الفلاح مع تقديم الدعم الضروري له، هذا بالإضافة الى تحسين الواقع الصناعي وإعادة تأهيل المصانع الحكومية لتكون عونا للمواطن ورفدها بكل ما هو جديد ومتطور في سبيل توفير سلع من أنتاج وطني (العودة الى تفعيل دعم القطاع العام) الذي سيسهم بقيام دولة قوية قادرة على تخطي كل الأزمات.

7. على الحكومة وقبل ان تتخذ قرارا كهذا، ان تسعى الى تخزين مفردات البطاقة التموينية في مخازن خاصة لطرحها في السوق او تعويض المواطنين في حالة حدوث أي أزمة قد تؤثر على المواطن نتيجة لاتخاذ قرار كهذا.

8. توزيع مفردات البطاقة التموينية على كافة المواطنين لعدة اشهر قبل اتخاذ القرار حتى يتكيف المواطن مع هذا القرار ويعتاد عليه هذا بالإضافة الى رفد الأسواق  بكل المواد المطلوبة خلال هذه الفترة لتضييع الفرصة على المحتكرين والمتلاعبين وإجبارهم على القبول بالأمر الواقع.

نقاط قد يراها البعض صعبة التنفيذ في بلد لايزال يعاني ويلات الصراع والحروب وعدم الاستقرار الأمني ويسعى الى بناء نفسه، لكن تلك الصعوبات قد تكون أسهل بألف مره  من قرار قتل البطاقة التموينية التي قد تكون نتائجها وخيمة، قرار نتمنى من الحكومة ان تعيد النظر به خصوصا في مثل هذا الظرف العصيب الذي ربما يستغل سياسيا من لدن بعض الأطراف والمتصيدين في الماء العكر الساعين الى استغلال المواقف للتأثير على الرأي العام وتحسين صورهم بعد تسخير وتجنيد وسائل التضليل الإعلامي المأجور لصالحهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/تشرين الثاني/2012 - 2/محرم الحرام/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م