الدستور المصري... معركة تكسير العظام

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يظهر المشهد السياسي الحديث في مصر صراع سياسي محموم بين الإسلاميين والليبراليين حول كتابة الدستور الجديد، وخصوصا الموضوعات التي تتعلق بدور الاسلام في السياسة والحريات المدنية وحقوق المرأة، مما ادى الى  تأجيل التصويت على هذه المواد في مسودة الدستور، والمكلف بكتابته الجمعية التأسيسية المصرية، فقد كشف هذا الصراع عن خطوط الصدع في المشهد السياسي الجديد في مصر، مما يعني أن هذه الجمعية ستواجه مُهمة صعبة لتحقيق التوافق بين النسيج السياسي المصري، حيث تصاعدت حدة المواجهة والصراع بين الإطراف المتخاصمة بشكل خطير، نظرا لأهمية الدستور باعتباره ركن أساسي في عملية انتقال مصر إلى الديمقراطية بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي. وبدون الدستور الجديد لا يمكن إجراء انتخابات لاختيار برلمان جديد بدلا من البرلمان السابق الذي تم حله بعدما قضت محكمة ببطلان القانون الذي أجريت الانتخابات على أساسه، إذ تفاوتت آراء المحللين حول دوافع هذه المعركة السياسية المتفاقمة بين هدف تهدئة الأزمة وتفجير أزمة جديدة، فمنهم من يقول بأن هذا النزاع يسعى لتحقيق أجندة خاصة من لدن السلفيين لوضع دور أكبر للشريعة في مصر الجديدة وهو ما يزعج النخبة العلمانية التي تخشى من قيامهم بفرض رؤيتهم مما يؤدي في النهاية الى تقويض الديمقراطية الوليدة في البلاد، في حين يرى محللون آخرون ان هذا النزاع إجرائي أكثر منه أيديولوجي نظرا لأن أعضاء اللجنة في الجمعية التأسيسية من الإسلاميين والليبراليين، فربما تعلن معركة الدستور في مصر عن تحدي وصراع جديد يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات في الآونة المقبلة، مما اثار مخاوف كبيرة داخل الشعب المصري من انزلاق مصر في وحل الفوضى مجددا، خصوصا وانها تمر باضطراب سياسي وانفلات أمني وتراجع اقتصادي منذ إسقاط مبارك، لكنها شهدت استقرارا نسبيا منذ انتخاب الرئيس الإسلامي محمد مرسي، وخلاصة القول يعكس هذا الخلاف بين الإسلاميين والليبراليين، صراعا أوسع بشأن الهوية في البلاد التي ظلت لعقود من بين أكثر الدول علمانية في العالم العربي.

معركة الدستور

فقد تصاعدت حدة المواجهة بين عدد من القوى الإسلامية والقضاة في مصر، بعدما هدد رئيس نادي القضاة، بتعليق العمل في المحاكم، وعدم الإشراف القضائي على مشروع الدستور الجديد، الذي يعتبر القضاة أنه ينتقص من استقلال وصلاحيات السلطة القضائية، كما يحدد مدة زمنية لمنصب النائب العام، وشنت الجماعة الإسلامية هجوماً حاداً على تصريحات رئيس نادي القضاة، المستشار أحمد الزند، بخصوص موقف النادي من المواد المتعلقة بالسلطة القضائية في مسودة الدستور الجديد، مؤكدة في الوقت نفسه دعمها لاستقلال القضاء، وحق المجلس الأعلى للقضاء في إبداء رأيه في المواد التي تخص السلطة القضائية بالمسودة.

وأعربت الجماعة، في بيان عن دهشتها إزاء ما وصفته "مجاراة" بعض القضاة للمستشار الزند في تهديده بتعليق العمل في المحاكم، وعدم الإشراف على الاستفتاء والانتخابات القادمة، "ما لم يتم إلزام الجمعية التأسيسية بما يقرره الزند بشأن وضع السلطة القضائية في الدستو"، وأشار البيان إلى أن ذلك الأمر يثير "علامات من الاستفهام والعجب"، بالإضافة إلى أن هذا التهديد يعد "جريمة مكتملة الأركان"، يجب أن لا تصدر من رجال القضاء، لأنه يفتح الباب أمام كل الجهات والهيئات المختلفة إلى سلوك ذات المسلك، والتهديد بالامتناع عن العمل، إذا لم يؤخذ برأيها فيما يخصها بالدستور، وهو ما يؤدي إلى إشاعة الفوضى، وتقويض أركان الدولة"، كما انتقدت الجماعة، في بيانها الذي أورده موقع "أخبار مصر"، نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط، ما وصفته بـ"المحاولات المستميتة" للمستشار الزند، لتثبيت وضع النائب العام، المستشار عبد المجيد محمود، في الدستور الجديد، و"فرضه على الشعب الذي خرج بالملايين يطالب برحيله."

وقالت الجماعة الإسلامية إنها "إذ تؤكد على حق أي فصيل أو هيئة في تقديم اقتراحاتها للدستور الجديد للجمعية التأسيسية، فإنها تذكر بأن القضاء سلطة ينشئها الدستور، ويوافق عليها الشعب"، ودعت الشعب المصري إلى أن "يقف وقفة حازمة، ضد من يفتئت على سلطته، وحقه في تحديد الدستور الذي يريده، أو من يريد أن يفرض عليه نفس الوجوه، التي كانت جزءاً أصيلاً في نظام مبارك"، وكان رئيس نادي القضاة قد قال في كلمته أمام الجمعية العمومية الطارئة لقضاة مصر، إن "القضاة لن يسمحوا بأن يتضمن الدستور عبثاً بمقدرات الشعب المصري، لأن قضاة مصر لا يرضون لأنفسهم أن يكونوا خنجراً مسموما في ظهور المصريين والشعب المصري" من جانبها، أعلنت "الحملة الشعبية للتوعية بالدستور" تضامنها الكامل مع مطالب القضاة في رفضهم لمسودة الدستور الجديد، وعدم الإشراف على الاستفتاء على هذه المسودة، التي وضعها من أسمتهم "التيار الإسلامي السياسي" بالجمعية التأسيسية للدستور. بحسب السي ان ان.

وأكد المنسق العام للحملة، حسن كمال، تأييده الكامل لما طرحه المستشار أحمد الزند، واعتراضه على وضع السلطة القضائية بمسودة الدستور، لاسيما ما يتعلق بالنائب العام، وعدم النص على كيفية تعيينه، لتكون من سلطة رئيس الجمهورية بتنظيمها للقانون، وشدد كمال، في تصريحات أوردها موقع التلفزيون الرسمي، على تأييده الكامل لجعل سلطة التحقيق والادعاء من سلطات النيابة العامة، وليس فصل الإدعاء عن التحقيق، كما جاء في المادة 178 من مسودة مشروع الدستور الجديد، وقال إنه "يجب النص في الدستور، على استقلال السلطة القضائية، كضمانة لدولة القانون، ومطلب أساسي في التحول الديمقراطي، وتحقيق العدل بين الناس، وحماية الحقوق والحريات، وعدم انتهاكها من قبل السلطة التنفيذية"، وأشار إلى أن كثيراً من القوى الشعبية ترفض مسودة الدستور، نتيجة عدم مشاركتها في كتابتها، وعدم وجود حوار مجتمعي حقيقي، محذراً من أن "هذا الدستور، الذي تصر عليه الجمعية التأسيسية، لا يعبر عن الشعب، ولن يحظى بالشرعية لقبوله وبقائه وتنفيذه على الشعب"، بحسب قوله.

الوفاء بالمهلة

فيما قال مسؤولون إن الخلافات بشأن مواد مثيرة للجدل في الدستور الجديد الذي تجري صياغته حاليا في مصر تثير شكوكا بشأن ما إذا كان أعضاء الجمعية التأسيسية المكلفة بكتابته سيتمكنون من إنجازه بحلول مهلة تنتهي في 12 ديسمبر كانون الأول، وقال محمد الأزهري وهو عضو سلفي شارك في الاجتماعات "نحن في الأمتار الأخيرة من الماراثون. التوافق بين الفصائل السياسية أخذ وقتا طويلا" وعطل العملية، والسيناريوهات الممكنة في حالة فشل الجمعية في الوفاء بالمهلة غامضة وسيكون الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين تحت ضغط لاستخدام سلطاته التشريعية لايجاد مخرج، وقال محمد البلتاجي العضو البارز في حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين والعضو في الجمعية التأسيسية إن الجميع مسؤولون عن تحقيق توافق بشأن دستور مناسب لمصر وينتظره المصريون وذلك خلال ثلاثين يوما دون تأخير.

وفي إطار الجهود الرامية للتغلب على الخلافات التقى مرسي مع زعماء أحزاب وسياسيين ذوي نفوذ من الإسلاميين والليبراليين لمحاولة التوسط للتوصل إلى توافق بشأن الدستور، واجتمع أعضاء بالجمعية واتفقوا على إلغاء مادة اثارت خلافات بينهم وكانت تنص على أن بعض مظاهر حقوق المرأة بما فيها الزواج والميراث ينبغي تحديدها وفقا للشريعة الإسلامية كما عدلوا مواد أخرى، ويهدف الأعضاء لإجراء مناقشات نهائية ثم التصويت على المواد بحلول منتصف نوفمبر تشرين الثاني قبل طرح المسودة للاستفتاء الشعبي، وتشير المسودات التي أعدتها الجمعية حتى الآن إلى أن الدستور سيتضمن محتوى إسلاميا أكثر من الدستور السابق مما يثير قلق الليبراليين وكذلك المسيحيين الذين يشكلون نحو عشرة بالمئة من السكان البالغ عددهم 83 مليون نسمة إذ يخشون فرض قيود اجتماعية. بحسب رويترز.

وبقيت المادة الثانية من الدستور القديم التي تنص على أن "مباديء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" دون تعديل حتى الآن. لكن مادة أخرى توضح ما تعنيه تلك المباديء بمصطلحات إسلامية، لكن هذا ليس كافيا بالنسبة لكثير من السلفيين الذين يريدون نصا صريحا على تطبيق الشريعة وليس مجرد صياغة يقولون إن الليبراليين سيستخدمونها لتمييع المعنى، وقال البابا تواضروس الثاني بابا الكنيسة الأرثوذكسية القبطية الجديد في مصر إن الدستور لابد أن يراعي كل المصريين وإن الكنيسة ستعارض أي نص يراعي مصلحة جزء واحد فقط من البلاد، وقال بعض اعضاء الجمعية إن اللجنة المكلفة بإنجاز الصياغة النهائية للمواد غيرت المحتوى الذي توصلوا اليه وإن هذا ضيع وقتا كثيرا.

حل جمعية كتابة دستور

على الصعيد نفسه أحالت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة دعاوى أُقيمت أمامها لحل الجمعية التأسيسية المعنية بكتابة دستور مصر إلى المحكمة الدستورية العليا بما سيمنح على الأرجح للجمعية التي يسيطر عليها الاسلاميون وقتا كافيا لإنهاء عملها قبل الفصل في الدعاوى.

ويبدو ان الخطوة تزيل الشكوك القانونية التي خيمت على عملية ستشكل حقبة ما بعد حسني مبارك. لكن الجمعية ما زالت تواجه مُهمة صعبة لتحقيق التوافق بشأن نص فيما يكشف خطوط الصدع في المشهد السياسي الجديد في مصر، وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة والنشط السياسي حسن نافعة "القضية انتهت. التحدي الآن سياسي وليس قضائيا"، وأضاف "إذا لم يتحقق التوافق (على المسودة) ستكون هناك أزمة كبيرة"، ويقول الليبراليون واليساريون إن الإسلاميين الذين هيمنوا على مجلسي الشعب والشورى في أول انتخابات تشريعية بعد إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية مطلع العام الماضي غلبوا على تشكيل الجمعية التي تتكون من مئة عضو لكن الإسلاميين يقولون إنها متوازنة.

وقال رئيس المحكمة المستشار فريد نزيه تناغو إن المحكمة قررت "وقف نظر الدعاوى تعليقيا وإحالة أوراقها للمحكمة الدستورية العليا للبت في مدى دستورية ما تضمنته المادة الأولى من القانون رقم 79 لسنة 2012... (الخاص) بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع مشروع دستور جديد للبلاد"، وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أدار شؤون البلاد بعد إسقاط مبارك أصدر في مارس آذار العام الماضي إعلانا دستوريا كلف الأعضاء غير المعينين في مجلسي الشعب والشورى اللذين لم يكونا انتخبا بعد بانتخاب جمعية تأسيسية تكتب الدستور، وحلت محكمة القضاء الإداري في القاهرة جمعية تأسيسية سابقة في ابريل نيسان قائلة إن الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشورى فسروا نص الإعلان الدستوري المتعلق بانتخاب الجمعية التأسيسية على نحو خاطيء وانتخبوا بعضهم لعضوية الجمعية.

وحل المجلس العسكري مجلس الشعب بعد حكم أصدرته المحكمة الدستورية العليا في يونيو حزيران بحل المجلس النيابي لعدم دستورية مواد في قانون انتخابه، وكان المجلس النيابي أصدر القانون رقم 79 لسنة 2012 قبل يوم من صدور حكم المحكمة الدستورية العليا، وحصنت المادة الأولى من القانون قرارات الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشورى المتعلقة بانتخاب الجمعية التأسيسية من رقابة القضاء.

وقالت محكمة القضاء الإداري في أسباب حكمها بإحالة الدعاوى وعددها 43 إلى المحكمة الدستورية العليا "نص المادة الأولى من القانون 79 لسنة 2012 قد شابته شبهات عدم الدستورية... على نحو يقتضي إحالته إلى المحكمة الدستورية العليا"، وأضافت "وضع المادة المذكورة كان بهدف منع محكمة القضاء الإداري من نظر الطعون التي أقيمت لوقف تنفيذ وإلغاء القرار الجديد الصادر بتشكيل الجمعية التأسيسية (الثانية)."

وتابعت أن المادة المطعون عليها بعدم الدستورية تنطوي على "شبهة إساءة استعمال سلطة التشريع والانحراف في استعماله"، وبعد أن نطقت المحكمة بقرارها تعالت هتافات إسلاميين حضروا الجلسة بالتكبير بينما هتف مطالبون بحل الجمعية "الشعب يريد إسقاط التأسيسية"، وقال محامي جماعة الإخوان المسلمين عبد المنعم عبد المقصود "المحكمة استعملت صلاحية من صلاحياتها وهي إحالة نص (المادة الأولى من) القانون 79 لسنة 2012 للمحكمة الدستورية وهذا يفتح الباب واسعا أمام الجمعية التأسيسية لاستكمال عملها وعرض مشروع الدستور على الشعب للاستفتاء عليه. بحسب رويترز.

وأضاف أن مما يؤيد ذلك أن "المحكمة الدستورية العليا أمامها 45 يوما قبل بدء نظر الطعن"، وقال رئيس المكتب الفني لمحاكم القضاء الإداري المستشار عبد المجيد المقنن إن استمرار أو وقف أعمال الجمعية التأسيسية لحين صدور حكم المحكمة الدستورية العليا وحكم محكمة القضاء الإداري بعده "متروك للجهات المعنية بعملها"، لكن المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق ورئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس الشعب المحلول وعضو الجمعية التأسيسية قال "الجمعية ستستمر إن شاء الله وتنجز عملها... إذا حكم بالبطلان بعد الاستفتاء يكون الاستفتاء فوق كل شيء"، وقال أستاذ القانون والمستشار السابق للمجلس العسكري محمد نور فرحات "إذا تأخرت المحكمة الدستورية العليا في نظر الطعن ثم أصدرت حكما بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 79 لسنة 2012 وكان الدستور قد صدر سيحكم القضاء الإداري بإسقاط الدعاوى لانتفاء السبب في إقامتها (وهو وجود الجمعية)"، ويقول البعض إن المحكمة الدستورية العليا قد لا تنتهي من نظر القضية قبل مرور ستة أشهر بينما يجب أن تنتهي الجمعية التأسيسية من كتابة مسودة الدستور في ديسمبر كانون الأول،

وأبرز اتفاق بين حزب الدستور الذي يقوده السياسي محمد البرادعي وهو حزب ليبرالي والتيار الشعبي الذي يقوده السياسي اليساري والمرشح السابق البارز للرئاسة حمدين صباحي مخاوف غير الإسلاميين إزاء الجمعية التأسيسية، وقال متحدث باسم التيار الشعبي إن الحزبين اتفقا على شن حملة لحل الجمعية التأسيسية، وقال أحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار وهو حزب ليبرالي إن على الرئيس محمد مرسي أن يتدخل لتشكيل جمعية أكثر توازنا. وأضاف أن احتجاجات الشوارع هي الاختيار الوحيد الآن أمام المطالبين بتغيير الجمعية.

الوقت ضيق لتحقيق توافق حقيقي

من جهته قال خبير في القانون إن الوقت المتبقي لاستكمال الدستور المصري الجديد ربما لا يكفي لحل الخلافات التي تهدد شرعيته محذرا من أن الفشل في تحقيق التوافق على الدستور يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار الحكومة، ويمثل الدستور الجديد جزءا رئيسيا في العملية الانتقالية في مصر بعد عقود من الحكم الاستبدادي المدعوم من الجيش وينبغي أن يأتي بتغييرات تاريخية بما فيها ضمانات ضد حكم الفرد الذي شهدته المنطقة العربية لعقود، واعطيت الجمعية التأسيسية المكلفة بكتابة الدستور وتضم 100 عضو مهلة ستة أشهر لإعداد مسودة دستور تطرح في استفتاء مما يعني أن أعضاء الجمعية أمامهم حتى أوائل ديسمبر كانون الأول لاستكماله، وقال زيد العلي الذي قدم المشورة إلى العراقيين الذين صاغوا دستور بلدهم ويتابع الآن عملية إعداد الدستور الجديد في مصر "لا أعتقد أن شهرين كافيان ليس لأن الانقسام شديد لكن لأن غياب الثقة سيستغرق وقتا طويلا للتغلب عليه."

واجتمع ناشطون قلقون بشان حقوق المرأة والطفل في القاهرة للتعبير عن معارضتهم للجمعية التأسيسية والمسودة التي أعدتها، وقال العلي الذي يعمل في القاهرة بالمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية وهي منظمة دولية مقرها ستوكهولم "في العراق كانت شرعية الدستور مطعون فيها منذ البداية وهو حتى يومنا هذا يشبه مجموعة من إشارات المرور التي تحترمها فقط عندما تعتقد انها مناسبة لك"، واضاف العلي قائلا في مقابلة مع رويترز "الرسالة التي يجب أن تعيها مصر من ذلك هي أنه كلما استطعت أن تحظى باتفاق الناس على أن النص جيد أو مناسب بما يكفي للوقت الراهن كلما زادت فرصك في الحصول على دولة فعالة"، عمل العلي مع بعثة تابعة للأمم المتحدة جرى تشكيلها لتقديم المشورة للعراقيين بشأن الدستور الذي تمت صياغته في 2005، ولا يوجد مستشارون أجانب للجمعية التأسيسية المصرية. وقال العلي إن المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية ومنظمات أجنبية أخرى تلتقي بشكل غير رسمي مع الجهات المعنية.

ووصل الخلاف في مصر إلى ساحة المحاكم حيث قضت محكمة في وقت سابق هذا العام بحل مجلس الشعب، وفي حال اعتبرت الجمعية التأسيسية غير قانونية سيتولى الرئيس المصري محمد مرسي مسؤولية تشكيل جمعية جديدة مما يضعه في مشكلة بشأن تلبية مطالب غير الإسلاميين لدور أكبر، ويرى العلي أن هذه الخلافات يمكن التغلب عليها. وقال "في مصر يمكن أن تعتقد أن المواقف متباعدة للغاية لدرجة أن الأمور كلها باتت على شفا الانهيار في حين أن هناك في الواقع قدرا كبيرا من الاختلاط"، وأضاف قائلا "يمكنهم أن يفعلوها بالتأكيد لكنهم في حاجة لأن يثق كل منهم في الاخر، وقال العلي إن العيوب ونقاط الغموض التي تشوب مسودة نشرتها الجمعية التأسيسية هذا الشهر تعكس مدى السرعة التي كتبت بها.

ومن بين المواد التي تثير الجدل في الدستور المادة الخاصة بدور الشريعة الإسلامية، واحتفظت مسودة الدستور الجديد بصيغة الدستور القديم بشأن دور الشريعة الإسلامية حيث تنص على أن "مباديء الشريعة" هي المصدر الرئيسي للتشريع. ومع هذا فإن مادة جديدة تفسر مباديء الشريعة غير واضحة وكذلك مادة تعطي دورا غير محدد بشكل واضح للأزهر، وقال العلي "يفسر الناس ذلك بطرق مختلفة بالفعل... ستؤدي الصيغة الحالية بالتأكيد إلى الكثير من المشكلات القانونية في المستقبل. بحسب رويترز.

ويشعر ناشطون حقوقيون بالقلق من أن يستغل الإسلاميون المتشددون الاستناد إلى الشريعة الإسلامية في الدستور -بما في ذلك مادة تربط حقوق المرأة بالشريعة- للحد من حرياتهن وتبرير انتهاكات بحقهن مثل زواج القاصرات وختان الإناث، وقالت ميرفت التلاوي رئيسة المجلس القومي لحقوق المرأة أمام الحاضرين في اجتماع القاهرة إن وضع مصطلح "أحكام الشريعة الإسلامية" في المواد الخاصة بالمرأة يفسح المجال أمام بعض القضاة الإسلاميين لاجازة جرائم بحق النساء والأطفال، وأضافت أنهم يمكن أن يقدموا صورة مشوهة للشريعة مما يضعها في موقف عداء من المرأة في حين أن الشريعة بريئة من هذه الاتهامات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/تشرين الثاني/2012 - 30/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م