دولة العدالة والتوزيع العادل للثروات

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: الثروات الموجودة في ارض البلد، أي بلد كان، ومهما كانت قيمتها وانواعها، هي ملك الشعب، هذا الامر يتفق عليه الجميع، لأنه لا خلاف عليه، لا في الاديان ولا الاعراف ولا الاخلاق ولا الشرائع، من هنا كان الصراع غالبا ما يحدث بين الحكام والشعوب، نتيجة لاستئثار الحكام بثروات الشعب، والتجاوز عليها وعد تحقيق شرط العدالة في توزيعها، الامر الذي يجعل من الدولة بعيدة عن تحقيق هدف المساواة الاساسي في بناء دولة ناجحة.

لذا من المستحيل بناء دولة العدالة في ظل حكومة لا تعدل في توزيع الثروات الوطنية على شعبها، وقد عانى المسلمون والعرب في دولهم، من الانظمة المستبدة التي لم تحقق شرط العدالة في اعطاء المواطنين حقوقهم، وغالبا ما يبدأ الخرق القانوني من رأس الدولة (رئيس الدولة او الامير او الملك) وعائلته وحاشيته ومعاونيه، حيث يحكمون الناس بالحديد والنار، وكل من يطالب بحقه العادل بثروته، يجد نفسه امام وسائل عديدة للقهر، منها الاعدام والنفي والتشريد والتعذيب والاقصاء وما الى ذلك.

سياسة العطاء والعدل

ان التاريخ مليء بالتجارب السياسية التي تؤكد على اهمية العدالة في توزيع الاموال على الشعب، ومنها ما كان موجودا فعليا في حكومة الدولة الاسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حيث كانت سياسة العطاء تشمل الجميع دونما استثناء، فلا فرق بين الناس على اساس العرق او الدين او العشيرة او المنطقة، اذا الكل سواسية في هذا الامر، بل حتى اعداء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كانوا يستلمون حقوقهم مثل غيرهم من المناصرين او المسلمين.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتابه القيم الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام) في هذا المضمار: (كان رسول الله صلی الله عليه و آله مضرب المثل في العطاء والكرم والجود، حتى قيل عنه: إنّه يعطي عطاء من لا يخاف الفقر. فكان يعطي للمهاجرين. ويعطي للأنصار. ويعطي لأهل المدينة. ويعطي لأهل القرى والأرياف. ويعطي للمسلمين. ويعطي للمنافقين. ويعطي للكفّار أيضاً، تأليفاً لقلوبهم وردعاً لهم عن المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين).

وقد كسبت الحكومة الاسلامية تحالف حتى اعدائها بسبب سياسة العطاء التي كانت تشمل حتى الاعداء، واتباع الاعداء ايضا، فليس هناك ضير في ان تكسب اعداءك حتى لا تتعرض لضغوطهم وتحدياتهم التي قد تضعف من الدولة وتقف حجر عثرة امام تقدمها، لهذا كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: إن (السياسة الإسلامية في تأليف الأعداء، وأقوام الأعداء، وأتباع الأعداء .. يجب أن يتبعها كل من يسير على خط رسول الله صلی الله عليه و آله).

ديون القادة العظام

مؤكد اننا نستغرب عندما نسمع أو نقرأ بأن قاءد الدولة الفلانية العظمى، الدولة التي هزّت الدول والامم الاخرى، يموت وهو مديون للآخرين!!، إن أبسط التفسيرات عن هذه الحالة، تؤكد عظمة هؤلاء القادة، وتخلي ذمتهم تماما من اي حالة تجاوز على ثروات الشعب او المال العام، وهو امر نادر الى درجة الصفر في حكومات اليوم التي تسمي نفسها اسلامية، حيث اثبتت الوقائع البعيدة والقريبة ان الحاكم الاعلى هو السارق الاعلى لثروات الفقراء في الدولة، كما لاحظنا مع القذافي وبن علي التونسي وحسني مصر وغيرهم لا يوالون اليوم في عرش السلطة وهم يسرقون شعوبهم، ويبتعدون كليا عن سياسة العطاء الصحيحة، فتبدو الدولة التي يحكمونها بعيدة كل البعد عن العدالة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (من جزيل عطائه صلی الله عليه و آله ما حفظ التاريخ عنه، أنه صلی الله عليه و آله عند ما مات كانت درعه مرهونة على نفقة أهله). ويضيف سماحته قائلا ايضا في السياق نفسه: (فقد روي في - قرب الأسناد- عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه أبي جعفرٍ الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: إن رسول الله صلی الله عليه و آله لم يورث درهماً ولا ديناراً، ولا عبداً ولا وليدة، ولا شاة ولا بعيراً، ولقد قبض صلی الله عليه و آله وإن درعه مرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعاً شعيراً استلفها نفقة لأهله).

وغالبا ما يقوم قائد الدولة الاسلامية الاعلى الرسول صلى الله عليه وآله، بتوزيع جميع ما يتوافر من اموال في بيت مال المسلمين وينسى ذويه وعائلته، وهو امر يدل على غياب الاستئثار تماما، بل التنازل حتى عن الحق الطبيعي بثروة البلد للعائلة، وهذا مثال نوجهه لقادة اليوم الذين لا يتورعون قيد انملة عن سرقة اموال شعوبهم ولا ينتهجون من بعيد او قريب سياسة عادلة في توزيع الثروة على الناس.

يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (كان صلی الله عليه و آله يعطي كل ما يحصل لـه من أنعام، وذهب، وفضّة، وطعام.. وغير ذلك، حتى لا يجد ما ينفقه على عياله). ويضيف سماحته قائلا: (كان رسول الله صلی الله عليه و آله بالرغم مما كان يجبى إليه من الغنائم والهدايا بالملايين والملايين، مع ذلك كان مديوناً غالباً، وكثيراً ما كان يستدين لهذا وذاك). الامر الذي يدل بصورة قاطعة على ان قائد الدولة الاسلامية العظمى، ينتهج العدالة في توزيع الاموال لكي يحافظ على الدولة الاسلامية من الضعف ويبقي عليها قوية متماسكة من خلال سياسة العطاء التي لا تستثني حتى الاعداء، وما اثبت هذه السياسة المديونية التي لازمت الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم مع انه قائد الدولة. لذا سقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب: (حتى إنّ أمير المؤمنين عليه السلام جعل أناساً ينادون في أيام الحجّ في الشوارع والطرقات ويعلنون للناس بحثاً عن ديون رسول الله صلی الله عليه و آله ليؤدّيها).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/تشرين الثاني/2012 - 30/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م