أن ادارة أوباما بالتأكيد ستكون منشغلة في الاشهر الاولى بتغيير
طاقم البيت الابيض واعادة خطة عمل ادارته لذا من المتوقع بان التغيرات
ستكون في النصف الثاني او الربع الاخير من عام 2013، ماعدا الحالة
السورية التي تحتاج خطوات سريعة. بات معروفا في السياسة الاميركية، ان
رؤساء الولايات المتحدة عادة يكونوا اكثر شدة باتخاذ قرارات جريئة في
الفترة الثانية داخل البيت الابيض، لذا يتوقع المراقبون السياسيون
وخاصة معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى في ندوة حوار عقدت في
8.11.2012 بإشراف روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي وجيمس جيفري سفير
اميركا السابق في بغداد والخبير روبرت دنيس بان الرئيس الاميركي اوباما
سيكون اكثر حزما خاصة انه لا يحتاج الى اعادة ترتيب الاجراءات الخاصة
بتنصيبه.
الاشهر الاولى سوف تكرس الى المشاكل الاقتصادية للولايات المتحدة
كجزء من تعهد الرئيس الى الراي العام الاميركي، هذا الراي بالتأكيد
يحتاجه الرئيس مستقبلا، رصيدا الى سياسته القادمة في تنفيذ سياسات
الولايات المتحدة الداخلية والخارجية.
ان سياسات الولايات المتحدة واستراتيجياتها لا تضع من قبل الرئيس بل
من خلال دوائر صنع القرار الاميركي المتعددة ومنها الشيوخ والنواب.
الرئيس الاميركي رغم فوزه فانه مازال يواجه مشكلة سيطرة الجمهوريين
على مجلس النواب التي تمثل عقبة في طريقه، لأنها البوابة التي تخرج
منها مشروعات القرار الى الشيوخ.
ابرز التحديات
ايران
تواجه الولايات المتحدة التحدي الايراني منذ نهاية عقد السبعينيات
ولحد الان، مع الاخذ بالاعتبار، انها احدى مصادر الطاقة. التحدي
الايراني قد يهدد هيبة الولايات المتحدة في العالم والمنطقة ويكلفها
ماء الوجه، فأي محاولة من قبل ايران للحصول على السلاح النووي او قربها
من الحصول على السلاح النووي سوف يكون عارا على اميركا، ويفقدها
حلفائها ايضا. لذلك على الادارة الاميركية ان تكون اكثر حزما خلال هذه
الفترة وخاصة في عام 2013 لفرض سياساتها في مواجهة ايران. الولايات
المتحدة ينبغي عليها استخدام كل الخيارات ومنها الخيار العسكري لإيقاف
ايران من التقرب او انتاج الاسلحة النووية وسيكون مخزيا بحق ادارة
اوباما ان يكون هو الرئيس الاميركي خلال احتمالات حصول ايران على
السلاح النووي، وهذا بالتأكيد لم يحصل مع اي رئيس أميركي سابقا.
ورغم ذلك، فان الولايات المتحدة سوف تعمل على تجنب المواجه العسكرية
مع ايران ويفترض بإيران تجنب ذلك ايضا، عكس ما حصل خلال عقد الثمانينات
من مواجهات عسكرية بالخطاء. لذا يترتب على أدارة اوباما استخدام كافة
السياسات لصد ايران: اولها استخدام السياسة الاقتصادية وسياسة الطاقة
والسياسة الاستخبارية باستخدام عملاء اكثر نشاطا وتوظيف السياسة
العسكرية والدبلوماسية مع التنسيق بين هذه السياسات.
ومهما كانت القضايا والاولويات فان ايران ستحتل الاولوية في
السياسات الاميركية بدون شك، من بين عشرات الاولويات. أما مساندة ودعم
ايران الى نظام الاسد فتعتبر هي المشكلة الاكبر.
هذه الاولية يعني ان الدول المجاورة الى ايران وخاصة العراق ستشهد
اهتماما اميركيا اكثر وبالإضافة الى لبنان المجاورة الى سوريا، حليفة
ايران.
وبالتأكيد ستشهد المنطقة خلال الاشهر القريبة القادمة، حمى الجواسيس
وشبكات العمل بالوكالة اكثر من النشاط العسكري او العمليات العسكرية
الواسعة في المنطقة. وسوف تستغل ايران هذه المرحلة، يعني الاشهر الاولى
من ادارة اوباما لتصعيد خطابها وتهديداته التي اصبحت اكثر جعجعة في
المنطقة، مستغلة انشغال ادارة اوباما بإعادة ترتيب أوراق البيت الابيض.
ادارة اوباما تراهن على السياسة الناعمة في اسكات ايران وتأكلها من
الداخل وسط سياسة جمع الحلفاء وفرض عقوبات دولية تحجم قوتها لتصل تلك
العقوبات الى المصارف والبنوك والاعلام الايراني، هي سياسة قضم الاظافر،
التي ستؤدي الى ارتفاع سخونة الشارع الايراني من الداخل لتغيير النظام
الايراني او اجباره الى طاولة المفاوضات.
القاعدة والحركات الجهادية
لم تعد القاعدة خطرا على اميركا فحسب بل خطرا للمنطقة اي الشرق
الاوسط، لقد نصبت القاعدة نفسها بطلا طائفيا ضد الشيعة في العراق، رغم
رفض السنة في العراق على سبيل المثال لا الحصر، لتنظيم القاعدة والتي
عانت كثيرا من قبضة الارهاب على اولادها وكانت الصحوات العراقية في
الفلوجة والانبار افضل رد فعل. حيث كانت احداث عام 2005، اي مرحلة
الاقتتال الطائفي اشعلتها القاعدة والزرقاوي آنذاك وكانت خلال فترة
السفير الاميركي جيفري في بغداد، المشارك في ندوة حوار المعهد الاميركي
لسياسات الشرق الاوسط مستفيدا من تجربته على الارض.
ونفس السيناريو تطرحه القاعدة في سوريا الان لتأجيج ونبش خلاف
الطائفية. في الوقت التي تواجه اميركا القاعدة على الارض في منطقة
الشرق الاوسط، فأنها لا تغفل عن الاوضاع في منطقة البلقان وخاصة
البوسنة وكوسوفو بسبب وجود نشاط للقاعدة هناك.
لقد أجمع الامريكان بان القاعدة تمثل عدو لأميركا فلماذا لا تحاربها
اميركا بأساليب اكثر حزما من عمليات (الدرون) اي طائرات بدون طيار
ومحاكمة قياداتها؟. لم يحصل اجماع في الراي العام الاميركي قبل 11
سبتمبر 2001 على ان القاعدة عدو اميركي لذا كانت سياسات الولايات
المتحدة ضعيفة ومتذبذبة اما الان فهنالك اجماع في الراي العام الامريكي،
فينبغي على ادارة اوباما الاستفادة منه شريطة أن تكون اكثر حزما في
مواجهة القاعدة.
توجد القاعد دائما في الدول التي تشهد ضعف قبضة وسيطرة الحكومات او
مع فراغ السلطة وهذا ما موجود مع حكومة السلطة الفلسطينية وفي الصومال
واليمن وفي مالي و العراق.
وهذا ما يعكس فعلا ان قبضة اوباما في الشرق الاوسط خلال فترته
الاولى شهدت الكثير من التراخي، هذا التراخي لم يكن من فراع بل بسبب
ضغوطات تقليص الميزانية واعادت نشر القوات الاميركية. هذه السياسات
وتحدي الصين للولايات المتحدة في اسيا وافريقيا ومناطق اخرى جعلت
الولايات المتحدة ان تجد نفسها عالقة في الشرق الاوسط، هكذا جاء انسحاب
اميركا من العراق اواخر 2011 والتخلي عن الاتفاقية الامنية مع العراق
لتنفض الولايات المتحدة يدها من العراق خاسرا امام السيطرة الايرانية.
وهي ذات الاسباب التي دفعت ادارة اوباما اعلان انسحابها المشروع من
افغانستان عام 2014 بل الحوار مع طالبان في مفاوضات الدوحة.
السياسة الاميركية لم تكن بمأمن من المطبات غير المحسوبة بين الحين
والاخر ومنها الافلام والتصريحات المسيئة للإسلام والتي تدار من قبل
مجموعات ضغط و دول لا تريد الا ارباكا للعلاقات الاميركية في المنطقة
وهذه التحديات والمفخخات عالجتها أدارة اوبا بمنتهى الدبلوماسية لإطفاء
الحرائق وتجنب حرائق اكثر في المنطقة.
لقد استطاع اوباما تحقيق ما لا يستطيع سلفه باصطياد اسامة بن لادن
في مايس 2011 في عملية قوات النخبة في بلدة (ابوت أباد) الباكستانية،
كذلك عملية اصطياد العولقي في اليمن 2012 وغيرها من قيادات القاعدة في
باكستان وافغانستان واليمن والصومال. ادارة اوباما هي تلك السياسة
الناعمة في مواجهة التحديات الكبيرة.
وحدة العراق
لم يحتل العراق اهتماما كثيرا في الحملة الانتخابية الاخيرة ولم
يشكل الاولوية في السياسة الاميركية. ينبغي على الادارة الاميركية
مساعدة ودعم العراق بسبب موقعه الجغرافي ما بين ايران وسوريا بالإضافة
الا انه مصدر للطاقة. أن الوضع المتدهور في سوريا ممكن ان يسحب العراق
الى التقسيم والتفرقة. فما زال هنالك التقسيم القومي: العربي والكردي
واقليات اخرى وتقسيم طائفي في العراق على اساس الدين والمذهب، وهذا ما
يجعل السيناريوهات المحتملة في العراق اكثر خطورة مع استمرار الاوضاع
المتدهورة في سوريا.
الحل في العراق او الحفاظ على وحدة العراق لا تأتي من خلال فرض
القوات بقدر ما تكون من خلال السياسة والدبلوماسية والديمقراطية
والسياسات الناجحة.
التحدي الاخطر في العراق هو: الخلافات ما بين حكومة بغداد المركز
والكرد في شمال العراق. وما يزيد المشهد تعقيدا في هذا الخلاف هو مصادر
الطاقة النفطية وهي قضية معقدة وشائكة جدا. ومن المتوقع ان تكون
استيرادات اميركا من النفط والطاقة بنسبة 45 % من العراق اي من جنوب
ووسط العراق وشماله، وبعبارة اخرى فان السياسات الخاصة بالنفط داخل
العراق هي التي تحدد وحدة العراق. وبدون شك فان الكرد لهم دورا في
تصدير النفط العراقي.
ان أدارة أوباما لم تتمسك بتعهداته الاخلاقية في العراق بعد ان تركت
مصير العراق مفتوحا على كل الاحتمالات مع ابقاء عدد من الملفات معلقة
ابرزها اموال العراق المجمدة، اخراج العراق من البند السابع
والتعويضات.
أما الخلاف ما بين بغداد والمركز فقد اصبحت اوسع من زيارات بايدن
التي ممكن وصفها جرعات تهدئة او حلول ترقيعية، كانت تهدف الى اسكات
الوضع او تسكينه حتى الانتخابات الاميركية. لذا كان ملف العراق مركونا
في البيت الابيض، فلم تعد اخبار العراق تتعدى الصراعات والخلافات بين
الفرقاء وهي تدور في ذات الدوامة او نقطة ما قبل البداية بعيدا عن اي
انجاز او مشروع وطني ليتحول ساسة العراق فعلا الى امراء طوائف وحرب
ليست بالبعيدة عن نموذج قندهار ومقاديشو.
شرق اوسط وفق المذاهب الاسلامية
ان اعتماد استراتيجية اميركية خلال فترة اوباما السابقة بنقل اهتمام
الولايات المتحدة من الشرق الاوسط الى اسيا كانت خطأ لان اميركا لا
يمكن لها التخلي عن التزاماتها وتحديات وتهديدات الشرق الاوسط وابرز
هذه التهديدات هي طموحات ايران بالتوسع وانتشار المجموعات الراديكالية
المتطرفة التي اصبحت ابرز المعالم التي تميز خارطة الشرق الاوسط ومنها
المواجهات الدموية في تونس وليبيا. رغم ان الدراسات تشير الى احتمال
تقسيم الشرق الاوسط الى أوسطين وفق المذاهب الاسلامية.
اما الصراع الفلسطيني الاسرائيلي فقد كان اقل اهمية ايضا، انه من
المصادفة ان يكون انعقاد الندوة مع تاريخ اعلان ميثاق وخطاب روزفلت
الرئيس الاميركي قبل سبعون عاما عندما قال: "نحن جئنا الى الشرق الاوسط
لتحرير الشعوب." لذا ينبغي على الولايات المتحدة ان لا تتخلى عن دعم
اصدقائها وحلفائها في الشرق الاوسط.
وابرز حلفائها في المنطقة هي: مملكة البحرين والمملكة الاردنية
الهاشمية والمملكة المغربية والمملكة السعودية. أن ما يحصل في مملكة
البحرين من تطور في الاوضاع تعالجه السعودية باعتبارها شريك كبير
للولايات المتحدة، والمغرب، يبدو انه نجح في معالجة مشاكله اما المملكة
الاردنية الهاشمية فهي التي تحتاج الى دعم اميركي اكبر لأنها الاكثر
تضررا في المنطقة وهي تعتبر حجر زاوية وسداد امان المنطقة لما تحيطها
من مساحات ساخنة.
السؤال: من هم الرؤساء الذين يحتاجون دعما اميركيا؟
بالتأكيد سيكون نتنياهو رئيس الحكومة الاسرائيلية اكثرهم حاجة للدعم
الاميركي، لقد اتسمت الفترة الاولى من حكم اوباما في البيت الابيض
بفتور علاقته مع نتنياهو، لذا ينبغي على اوباما ان تكون علاقته مع
نتنياهو خلال هذه الفترة حميمية اكثر وتقوم على العمل المشترك والتنسيق.
ثم المالكي رئيس الحكومة العراقية حاليا، فهو الاخر بعد نتنياهو
يحتاج الى الدعم الاميركي مع الاخذ في الحسابات الموقع الجغرافي للعراق
مع سوريا وايران.
أما الدولة الثالثة التي تحتاج الى الدعم فهي السعودية، اي بناء
علاقة جيدة مع الجيل الثالث من الاسرة السعودية الحاكمة، خاصة بعد
تعيين الامير محمد بن نايف من الجيل الثالث وزيرا للداخلية بدلا عن
ألأمير أحمد بن عبدالعزيز والاول شغل مساعدا الى وزير الداخلية السعودي
السابق منذ عام 1999 وكان له دورا مباشرة في مكافحة الارهاب وهو الذي
تعرض الى عملية اغتيال مباشرة من قبل تنظيم القاعد خلال استقباله عدد
من المهنئين في قصره 2009، وهي اشارة ورسالة سعودية الى الولايات
المتحدة بإيجاد تفاهم وتعاون وتنسيق مشترك مع اميركا افضل من الجيل
الاول والثاني السعودي، خاصة ان الجيل الثالث درس وتعلم في الولايات
المتحدة الاميركية والغرب.
معالجة احتجاجات الربيع العربي
هناك ايضا قضايا يجب ان تعالجها السياسات الاميركية في المنطقة
وتحافظ عليها من التراجع او الانهيار ومنها: اعادة النظر بالعلاقة مع
الاسلاميين في مصر وبالتحديد العلاقة مع الاخوان المسلمين في مصر
والذين اصبحوا في سدة الحكم. كذلك ينبغي على ادارة اوباما اصلاح
العلاقة السيئة ما بين تركيا واسرائيل وهي جميعها تصب في مصلحة
الولايات المتحدة الاميركية.
أن الولايات المتحدة يترتب عليها، ان تكون اكثر استعدادا في مواجهة
تظاهرات الاحتجاج في المنطقة وخاصة في مملكة البحرين والمملكة السعودية،
هذه الاحتجاجات باتت موضع خطر وتهديد لا يمكن تأمينها وممكن ان تشعل
النيران في اي وقت، بعيدا عن كل الحسابات.
فقد كانت حمى التظاهرات في ليبيا قد نتجت الى مقتل السفير الاميركي
اما الاحتجاجات في مصر فقد كان المتظاهرون قريبا من باب السفير
الاميركي داخل السفارة الاميركية في القاهرة.
أما اتفاقية السلام ومخاطر انهيارها والتي اصبحت بالفعل قريبة من
الانهيار وليس التراجع، فتستحق اهتماما بل نجاد انقاذ من ادارة اوباما.
السلاح الكيمياوي داخل سوريا ومخاطرة بعد انهيار نظام الاسد يتطلب
التدابير والتحضيرات والمعالجة من قبل السياسة الخارجية لإدارة اوباما
لتلافي اي احتمالات خطرة قد تهدد الجنود الامريكان في المنطقة ايضا.
فيما اشار الدكتور (ستالوف) المدير التنفيذي لمعهد واشنطن: "أعتقد
أنه من غير المرجح أن تتبع الإدارة الأمريكية - في فترة ولاية أوباما
الثانية - نمطاً مشابهاً لذلك الذي اتسمت به فترته الأولى، وسوف لا
تسير على نهج تبشيري كما كان فيما يتعلق بتحقيق السلام بين العرب
وإسرائيل، بل ستتبع نهجاً ظرفياً يفوق بكثير عن السابق.
مرجحا: ان تكون ولاية ثانية للرئيس أوباما من شأنها أن تخفض من
نظرته، تخفض من آفاقه نحو حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ولكني أعتقد
أنه سيفعل ما هو ضروري مع الإسرائيليين والفلسطينيين لضمان عدم انهيار
السلطة الفلسطينية، لأن ذلك من شأنه أن يفتح صندوق باندورا سيجعل
أمريكا تواجه صعوبات جمة وهو الحال بالنسبة لإسرائيل ولشركائنا في جميع
أنحاء المنطقة".
لذا من المتوقع ان تكون سياسة اوباما خلال فترته الثانية قريبة من
الصقور والذي لا يستغنى عن مواقفهم في مجلس النواب الذين باتوا يشكلون
الاغلبية فيه، رغم فوز الديمقراطيون بالرئاسة، أما ايران والقاعدة
فبدون شك مازالا يمثلان صداع مزمن لأميركا والمنطقة.
.......................................
الدراسة قائمة على فكرة ندوة معهد واشنطن لسياسة
الشرق الادنى، وانضم الدكتور ساتلوف إلى السفيران جيمس جيفري ودينيس
روس في منتدى حواري لبحث سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة حول الشرق
الأوسط. |