لو كنت أنت محرر هذه الصفحة، واستلمت هذا الإعتراف، فماذا تفعل؟
وهو اعتراف من شخص منزه عن هذه الرذائل. لأنه مدرس. ماذا تفعل؟
تحول كل القصة، وبها تفاصيل هذا الرجل النادم، إلى النيابة؟
تستشير مرجعا دينيا وتتصرف حسب نصيحته؟
تنشر كل تفاصيل الرسالة القبيحة، وليتحمل هذا المرتشي مسؤولية فعله.
لكن هناك عشرات القصص من هذا النوع عن أشخاص إرتكبوا مثل هذا الجرم.
بل أكثرها لا تتوقع إرتكابها من الشيطان نفسه. وهم كثيرون...
بعضهم يقف الآن في قفص الاتهام ينتظر حكم القاضي.
وبعضهم إكتشفت مؤسسة للشفافية حقيقته هذا الأسبوع وهي في سبيلها
لتبليغ الشرطة عنه. فقد تسبب في تبديد خمسمائة ألف دينار على خزينة
وزارة التعليم في بلد عربي قريب، بينما المدارس لم تجد المال الكافي
لصيانة نوافذها قبل وصول الشتاء الزاحف نحونا.
وبعضهم عرض رجال الفساد الرشوة عليه منذ أيام، وسيقرر موقفه هذا
اليوم.
هذه الصور الدرامية هي التي دفعتنا لنعلن الحرب على عدو الشعب
الأول الفساد.
كيف؟
نطلع على آخر أخبار المفسدين وما يلاقوه من عقاب تخجل منه النفوس
السوية.
نقرأ آراء الخبراء في معناه، وأسبابه وعلاجه.
ثم نسأل أنفسنا... ماذا علينا أن نفعل؟ ماهو وجبنا تجاه ديننا
وقيمنا ومجتمعنا. وماذا نقول لأولادنا لو سألونا هذه الأسئلة؟
وماذا فعل الناس الخيرون قبلنا. في البلاد العربية والاسلامية
وغيرها.
فتعالوا أولا نتصفح أخبار الفساد والمفسدين من حولنا:
أخبار الفساد:
تقول وكالة رويترز للأنباء إن الحكومة الليبية أوقفت البرنامج
الخاص بتعويض المحاربين الذين خاضوا معركة الثورة التي أطاحت بالنظام
السابق الفاسد لأن هذه الخطة كانت مليئة بالمعلومات الفاسدة، مثل دفع
مبالغ لأشخاص لا يستحقوها.
وآخرين لم يحاربوا، وغيرهم ممن لم يكونوا أحياء أصلا.
وقد كلف هذا البرنامج خزينة الدولة حتى الآن 1800 مليون دينار ليبي.
وكانت الحكومة قد اعلنت في بداية هذه السنة انها ستمنح 4000 دينار
ليبي للمحاربين المتزوجين، و2200 دينار للعزاب، لمساندتهم وتقديرا
لشجاعتهم.
جمدت وزارة الخارجية السويسرية حوالى بليون فرنك سويسري من
الأموال والممتلكات المسروقة من قبل الحكام الدكتاتوريين في دول الربيع
العربي ومنها ليبيا، التي جمدت لها 100 مليون فرنك سويسري من حسابات
النظام المنهار.
كشفت صحيفة الجارديان البريطانية أن هناك أفرادا وجماعات عراقية
تعتقل السجناء والمفقودين بشكل ممنهج، بتهم ملفقة وتخضعهم للتعذيب ثم
تبتز عائلاتهم من أجل إطلاق سراحهم. وتقول الجارديان: " إن عقيدا في
الأمن يقول:
المرء يحتاج إلى دفع 3000 دولار لشراء منصب رئيس في الأمن أو الجيش
لمدة عام، لذلك نحتاج إلى إستعادة المال عن طريق الإبتزاز. فالأمر ضرب
من الاستثمار. ".. لا حول ولا قوة إلا بالله...
كشف تقرير رسمي عن هيئة مكافحة الفساد أن وزراء ونواب باليمن قد
استحوذوا على 173 مليون دولار نتيجة تشاركهم في رئاسة عضوية مجالس
إدارات الوحدات المالية والاقتصادية البالغ عددها 85 وحدة. رغم أن
الدستور يمنع الجمع بين وظيفتين.
ألقت الشرطة القبض على عميد بلدية السليمانية بالعراق بتهمة
إختلاس ما يقارب نصف بليون دولار. لكنهم وجدوه مقتولا في غرفة إحتجازه
بمركز الشرطة، بعد أسبوع. وقد قالت الحكومة إنه إنتحر، بينما تعتقد
عائلته وكثير من الناس بالعراق أن أشخاصا ذوى مصلحة قتلوه بسبب تهديده
بالكشف عن أسماء كبيرة أخرى متورطة بالتهمة.
تم القبض على رئيس جمارك أبوظبى، عبيد صقر، وهو أيضا رئيس المنظمة
الدولية للجمارك، لإتهامه مع إثنين من كبار مساعديه بتكديس ثروة تبلغ
عشرات الملايين من الدولارات، بوسائل محرمة فاسدة. وكانت الحكومة قد
وضعت هؤلاء تحت المراقبة السرية، لمدة سنتين.
عين مجلس الوزراء العراقي رئيسا مؤقتا للمصرف المركزي بعد إيقاف
رئيسه السابق بينما كان يقوم برحلة خارج العراق. ويتعلق الأمر بتحقيق
جار في تهمة بالتلاعب في سعر العملة العراقية بالنسبة للدولار.
أظهرت دراسة ميدانية بالكويت أن نسبة إنتشار الرشوة بالكويت تزيد
في القطاع العام عن الخاص بنسبة 15%. وهي أيضا ترتفع مع إرتفاع الدرجة
الوظيفية. وهذا يؤكد العلاقة بين زيادة سلطة الموظف والإغراء بقبول
الرشوة. ومن أسباب تفشى الرشوة حسب هذه الدراسة: تدنى دخل الموظف،
تساهل المجتمع مع المرتشين، الجهل بالحقوق، تعقيد إجراءات العمل، وعدم
وجود رقابة رادعة وغياب الوعى الديني.
كشفت إحدى المحاكم الأمريكية أن العقيد أحمد على عبد الله صالح
نجل الرئيس اليمنى المخلوع متورط بتلقي رشى من شركة إتصالات أمريكية
التي قدمت له رشاوى تبلغ 106 مليون دولار مقابل الحصول على أجور عالية
نظير الخدمات التي تقدمها. وحكمت المحكمة بتغريم الشركة الامريكية
مبلغا يزيد عن 2 مليون دولار لتقديمها رشى لموظفين في دول أجنبية.
ستدفع شركة تايكو الأمريكية مبلغا قدره 26 مليون دولار كغرامة عن
تقديم رشاوى لمسؤولين في شركة أرامكو السعودية مقابل بيع معدات صناعية
والحصول على عقود عمل من الشركة العربية.
والآن، أيها المواطنون:
ماذا نستشف من هذه الأخبار المؤلمة المحزنة؟
1 أننا يجب أن نستوعب معنى الفساد، بوضوح.
تقول مؤسسة الشفافية الدولية:
" كل عمل يتضمن إستخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفس
الموظف أو جماعة مهمة له. وهذا يعنى:
الرشوة والمحسوبية والمحاباة والواسطة والابتزاز.
كذلك يجب أن نركز على عامل هام آخر: أن المفسد يتجاهل الضرر الكبير
الواقع على مصلحة الشعب والوطن. وأحيانا يكون ضررا كبيرا يؤثر على حياة
الملايين.
2 أن الفساد سينتشر لا محالة إذا لم تتوفر العوامل التالية:
سيادة القانون واستقلال القضاء. الشفافية. تقوية هيئات الرقابة
والمحاسبة والمساءلة. فاعلية وكفاءة الصحافة والمجتمع المدني. التأكيد
على الحق الديموقراطي الصريح في الاطلاع على المعلومات المتوفرة للجهات
الرسمية.
إذن ما العمل؟
يقول الدكتور صلاح عبد النبي:
" يمكن أن تقوم الحكومة الجديدة باتخاذ جملة من الإجراءات الهيكلية
لمكافحة الفساد ومنع ظهوره في النظام الديموقراطي الجديد، أهمها:
ربط عملية التغيير الديموقراطي ببناء هياكل تنافسية في الاقتصاد
وضرورة خلق جهاز فعال لمكافحة الإحتكار.
إعتماد الشفافية في ميزانيات الحكومة وأوجه الصرف.
تقوية أجهزة المحاسبة القانونية الشرعية والبعد عن الإجراءات
الإستثنائية.
تشجيع الإعلام على تناول قضايا الفساد بمسؤولية.
منع الشركات الأجنبية من تأسيس إحتكارات داخل ليبيا.
ويقول رئيس الجمعية الليبية للشفافية، إبراهيم أبو إصبع:
الشعب الليبي لابد أن يعرف ما تدره عليه صناعة النفط والغاز ولابد
أن يكون له رأى في جميع العقود والإتفاقيات خاصة في:
ترسية العقود على شركات بعينها.
وضع هذه العقود وما بها من شروط.
تسويق النفط والغاز والعمولات والخصومات المترافقة معها.
تسعير النفط والغاز.
حصر العائدات ولمن تذهب والفارق بين قيمة ما يباع وما يورد للخزانة
العامة.
وحتى يقتنع ذوو النفوس الشكاكة بضرورة توفر هذه المتطلبات نورد فقط
رأى الأستاذ إبراهيم محمد، المتخصص بالشؤون الاقتصادية، الذى ورد في
جريدة الحياة، والذى يقول:
" إن ثلث الدخل القومي العربي ضحية للفساد. "
لذلك لابد من إتخاذ إجراءات حاسمة وتطبيقها بكفاءة وشفافية حتى نجنب
شعبنا الواثق بنا دفع هذه التكلفة الباهظة. خاصة في زمن التحولات
الكبيرة كما يجرى عندنا في ليبيا.
ختاما: لنا الآن عودة إلى الرجل الذى أحس بما وقع فيه من خطأ فادح
في حق الناس، وما يمثله عمله السيء من إعتداء على قيمه الدينية
والاجتماعية والتربوية. المدرس، مربى الأجيال الذى صارحنا جهارا:
" أنا أخذت رشوة بألف دينار. "
مرة أخرى، نقول: هنا لابد أن يكون لنا وقفة أمام أنفسنا.
لماذا نحن نستعرض هذه الأخبار المؤسفة؟ ولماذا نستحضر آراء ونصائح
الخبراء في استكشاف طبيعة، وطرق مكافحة الفساد، والخروج من عهد
الدكتاتورية المظلم إلى زمن الديموقراطية المضيء الذى تمنيناه لسنوات
طويلة؟
نقول بكل بساطة:
حتى لا تتكرر في بلادنا مثل هذه الجرائم الاقتصادية والإجتماعية
البشعة.
لذلك أرسلت تلك الرسالة المذنبة إلى النيابة حتى يلاقى صاحبها
جزاءه العادل.
فما رأيكم أنتم؟
mansourdernawi@yahoo.com |