من راقب وسائل الأعلام العربية بمختلف أشكالها، سيدرك بالدليل
القاطع أن شعوبنا لم تتابع او تكترث كثيرا لنتائج الانتخابات الأمريكية
فهم يدركون تماماً وبالتجربة المريرة عبر سنوات طوال، أن وصول أوباما
أو اياً من منافسيه للبيت الأبيض لن يغير من إستراتيجية تعامل الإدارة
الأمريكية مع قضايا الشرق الأوسط.....
فأربع سنوات من ولاية أوباما وتلك الوعود التي راح يصرح بها
والابتسامة تعلو وجهه في القاهرة إبان نجاحه في انتخابات عام ٢٠٠٩م
ذهبت وكالعادة أدراج الرياح وقد تم إهمال ملفات عديدة وأوكل بعضها ومن
باب التراخي والمماطلة وعدم الجدية لنائب الرئيس الأمريكي في حينه
ومنها الملف العراقي والسوري واليمني.....
حتى حيال الملف الإيراني وصفوه بعض المحللين السياسيين المتابعين
للأمر بأنه رئيس بلا مواقف حاسمة !
وبجهل مطبق نجد أن جماعة الإخوان المسلمين وتحديدا بمصر تمنوا مع
فوز اوباما أن تقبل وتحترم الإدارة الأمريكية الجديدة إرادة شعوب
الربيع العربي الذي هو بالأصل برأي الكثيرين، فيلم من إعداد وسيناريو
وإخراج الأمريكان وبامتياز!
ومع أمنيتهم تلك وهم قوم عشاق للتسلق والتملق للوصول الى التمكين
المزعوم غفلت أعينهم أو أنهم يقظون ويعون الدور المنوط بهم راحوا
يخدعون شعوبهم بالحروف المزركشة من قبيل العدالة والتغيير والمساوة.....الخ،
هذه المنظومة من قائمة الكذب والحقيقة أنهم ليسوا سوى اختراع أمريكي
جديد في المنطقة سيقوم وقام سابقاً بالدور المكلف به !!
فالولايات المتحدة الأمريكية تريد ضرب الإرهاب الإسلامي المتشدد
ولتحقيق هذا الهدف على المدى الطويل، يجب ان تخلق قوى إسلامية معتدلة
فتمثل الأمر بدعم الإخوان المسلمين ليصلوا الى سدة الحكم والأخيرة فرحة
بالأمر ونفذته على أكمل وجه، وهي اليوم أو غداً ستثبت لأمريكا بأنها
أفضل من سابقاتها في قمع الشعوب، وتصلح أن تكون الحليف الأبدي لأمريكا
!
والممعن في السياسة الأمريكية وموقفها من الربيع العربي سيعلم ان كل
ما حدث لا يتعدى عن كونه استبدال طاغوت بطاغوت من لون جديد، فالجوهر
واحد والمهام كذلك واحدة، ومن يراقب نتائج الثورات العربية والتخبط
الحادث سيعي ما نقول.....
ولينظر القارئ أيضاً و بإمعان في حديث اوباما بعد فوزه بالولاية
الثانية حين قال نريد الولايات المتحدة الأمريكية عظمى اقتصادياً كما
هي عظمى عسكرياً وهذا لمن يفهم الأمر يعني في جانب من جوانبه، استغلال
فوضى الربيع العربي فمن جهة ستقوم الأحزاب الدينية المعتدلة بضرب
الإرهاب الإسلامي كما يسمونه بدلاً من التدخل الأمريكي المباشر على
الأرض، وكذلك الحفاظ على حالة الاستقرار بين مصر وإسرائيل !
ومن جهة أخرى تفوز أمريكا اقتصاديا بعقود إعادة أعمار ليبيا مقابل
الحصول على خزان النفط الهائل في أراضيها والحفاظ على استقرار الوضع
الحالي بدول الخليج من خلال دعم النظم الحاكمة هناك للقضاء على
الإرهاب، واما سوريا فلا مصلحة للأمريكان بالتدخل فيها، فهي بلد بلا
ثروات نفطية وعلى العكس قد يأتي وقت وتدعم النظام القائم حاليا من باب
الإبقاء على حالة اللاسلم واللاحرب بين دمشق وتل أبيب !!
فحري بنا نحن العرب ان نفهم الدرس والا نعول على فوز اوباما ولا
نلهث وراء خطاباته، فالولايات المتحدة الأمريكية لا يحكمها رئيس ينتخب
اليوم أو غداً بل تحكمها إستراتيجية وضعها من قديم الزمان اللوبي
الصهيوني وهو من يمتلك كل الخيوط التي تحرك الدمى العربية !
نعم أيها العرب.... واهم من اعتقد سواءً كان ليبرالي أو إسلامي أو
يتبع أي نهج، ان ظن ان الإدارة الأمريكية الجديدة ستسعى لنسترد حقوقنا
في فلسطين أو تساهم في رخاء بلادنا العربية، ومن لا يريد ان يصدق ما
نقول، عليه أن يستمع من جديد لحديث اوباما عام 2009 م بجامعة القاهرة
وليجرى مقارنة بين الأمس وحديثه اليوم !! |