دول الخليج ترتمي بأحضان ابيها!

الربيع العربي والعودة الانكليزية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: في خضم سباق غربي محموم لملئي الفراغ السياسي الذي اعقب ما اصطلح عليه بالربيع العربي، تسعى بريطانيا الى احلال موطئ قدم لها يتناسب وحجم تطلعاتها المستقبلية في المنطقة، بعد عقود قضتها مستكنه بدور التابع لسياسات الولايات المتحدة الامريكية التي تصدرت المشهد.

وبدت لندن مندفعة بقوة خلال الفترة الحالية لاستعادة النزر القليل من نفوذها في الخليج، سيما مع انكفاء الولايات المتحدة على نفسها، مما فسره الكثير من المتابعين على انه تبادل ادوار محتمل.

وكانت معظم دول الخليج والعراق مستعمرات بريطانية حتى سنوات قليلة من انقضاء الحرب العالمية الثانية، عندما اضطرت بريطانيا الى ارخاء قبضتها عن معظم المستعمرات التي كانت تحتلها عسكريا وسياسيا.

وبات مشايخ الدول الخليجية يستشعرون خطر ارتدادات الربيع العربي الاخيرة، فيما عززت مخاوفهم سياسة الولايات المتحدة المتمثلة بقلب المجن بوجه حلفاءها عند الضرورة، وهو ما تجسد في موقفها ازاء بن علي ومبارك... الامر الذي دفعهم كما يبدو الى الارتماء في احضان بريطانيا مجددا، باعتبارها الاب غير الشرعي لتلك الانظمة.

ويؤكد معظم المراقبين ان رئيس وزراء بريطانيا الحالي ديفيد كاميرون تدفعه الرغبة في معالجة الازمة المالية التي تعيشها بلاده من خلال المستعمرات الخليجية السابقة، عبر عقد صفقات تسليحية وابرام اتفاقات استراتيجية ستعود على بريطانيا حصرا بالفائدة، مع مراعاة عدم تجاوز الخطوط الامريكية الحمراء او التمادي في لعبة تبادل الادوار.

صفقات سلاح

فقد وصل كاميرون الى الإمارات العربية المتحدة والسعودية قبل الانتقال إلى وجهة أخرى في الشرق الأوسط. ويتصدر جدول اعماله بيع المقاتلة يوروفايتر تايفون التي تصنعها شركة بي.أيه.إي سيستمز. ويقول مسؤولو الشركة إن الإمارات أبدت اهتماما بطلب قرابة 60 مقاتلة من هذا الطراز. كما سيتحدث مع المسؤولين في الإمارات بشأن سبل إقامة "علاقة استراتيجية في مجال الدفاع الجوي" بما في ذلك التعاون في مجال المعدات العسكرية الجوية.

وقال مكتب كاميرون إن السعودية أشارت أيضا إلى أنها قد تقدم طلبية كبيرة أخرى من المقاتلات تايفون بالاضافة إلى 72 طائرة حصلت عليها بالفعل.

لكن قضايا حقوق الإنسان تعقد رحلة رئيس الوزراء البريطاني حيث تسعى دول الخليج جاهدة لاحتواء احتجاجات تستلهم الربيع العربي وتضع الدول الغربية مصالحها الاستراتيجية والتجارية نصب أعينها.

اذ يسعى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لتحقيق توازن بين بواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان في دول الخليج العربية والفوز بصفقات سلاح مربحة لبريطانيا مستهلا جولة في المنطقة.

وقال كاميرون انه يؤيد الدعوات لمزيد من الديمقراطية في الشرق الأوسط وان الحكومة البريطانية تتحاور مع دول الخليج بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان لكن المناقشات تظهر "الاحترام والصداقة".

ورفضت السعودية والإمارات انتقادات البرلمان البريطاني ووسائل الإعلام وجماعات حقوق الإنسان التي تتهمهما بالافتقار الى الديمقراطية والتضييق على أي معارضة.

ويتعرض كاميرون نفسه لانتقادات في الداخل تتهمه بالحد من انتقاد دول الخليج المؤيدة للغرب ومحاولة بيعها أسلحة مقارنة بدعمه القوي للمعارضة في صراعات أخرى في العالم العربي مثل الصراع في ليبيا وسوريا.

وقال كاميرون في لقاء مع طلاب في أبوظبي "أنا من مؤيدي الربيع العربي فأنا أعتقد أن فرصة التحرك نحو مجتمعات أكثر انفتاحا وديمقراطية أكثر انفتاحا مفيدة للشرق الأوسط ولشمال أفريقيا."

وفي وقت لاحق قال في دبي معلقا على زيارته للسعودية "فيما يتعلق بحقوق الإنسان لا موضوعات محظورة في هذه العلاقة. فنحن نناقش كل هذه الأمور لكننا نبدي أيضا الاحترام والصداقة لحليف وشريك قديم جدا." وقال ايضا ان من المشروع ان يقوم بالترويج للاعمال التجارية البريطانية فالغرض من رحلته هو "مساعدة بريطانيا في ان تنافس وتتقدم في السباق العالمي".

وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية في الامارات أنور قرقاش الذي كان برفقة كاميرون وهو يعرض الطائرة تايفون في مطار ان العلاقات التجارية لم تتاثر بالسياسة. وسئل بشأن احتمالات فوز بريطانيا بطلبية فقال ان هذه الأمور معقدة وتستغرق وقتا.

وقال قرقاش أيضا إن الغرب يجب ان يتوخى الحذر في دعم جماعات المعارضة التي نشأت من احتجاجات الربيع العربي. واضاف ان كثيرا من الناس ما زالوا يعيشون في نشوة الربيع العربي لكن الواقع أن ما يبدو من الربيع العربي حاليا هو من حيث الاساس تمكين لأحزاب دينية محافظة تفرض سيطرتها.

ويشعر حكام الخليج بالقلق من الأحزاب المرتبطة بجماعة الاخوان المسلمين التي وصلت الى السلطة في مصر بعد الانتفاضة الشعبية العام الماضي. وتخشى الحكومات الغربية أيضا من امكانية ان يأتي الربيع العربي بحكم اسلامي متشدد يحل محل حكومات استبدادية لكنها موالية للغرب.

وتعرضت الإمارات للانتقاد بسبب رد فعلها ازاء الربيع العربي. وعبر البرلمان الأوروبي الشهر الماضي عن "القلق البالغ بشان الاعتداءات والقمع والترهيب" ضد نشطاء حقوق الانسان. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان ان سجل الإمارات "ساء بشكل كبير" في الشهور الاخيرة.

وقال قرقاش ان الانتقادات لدولة الإمارات العربية المتحدة كثيرا ما تتسم بالمبالغة وعدم الدقة مضيفا ان الامارات لديها برنامج تقدمي وعلماني ومنفتح.

وألقت الامارات القبض على نحو 60 اسلاميا محليا في الشهور الاخيرة متهمة اياهم بالانتماء إلى جماعة الاخوان المسلمين المحظورة والتآمر لقلب نظام الحكم. ولبريطانيا علاقات تاريخية مع دول الخليج العربية التي كان كثير منها من قبل محميات بريطانية.

ومن بين القضايا التي تهم البلدين معارضة ايران ومكافحة الارهاب وتأمين إمدادات النفط. وتقول وزارة الخارجية البريطانية إن صادرات بريطانيا للمنطقة تبلغ قيمتها 17 مليار جنيه استرليني (27.44 مليار دولار) وهو ما يساوي قيمة صادرات الصين والهند مجتمعتين.

الغضب والتوتر

وقال مسؤولون سعوديون لهيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) الشهر الماضي انهم يشعرون "بالاهانة" بسبب تحقيق برلماني من المتوقع ان يفحص سجل حقوق الانسان في البلاد وإنهم ردا على ذلك "سوف يعيدون تقييم علاقات بلادهم التاريخية مع بريطانيا".

وعلى الرغم من ان التحقيق البرلماني لا يحمل اي صفة تشريعية ورغم ان جارديان لا تتحدث بلسان الحكومة البريطانية إلا أن الانتقادات جاءت لاذعة.

وقال كريس دويل من مجموعة كابو التي تأسست لتعزيز العلاقات العربية البريطانية "يهيمن قلق شديد على المنطقة وهذا القلق نتيجة عدد من الأزمات التي لم تحل .. التوتر مع ايران وبالطبع الانتفاضات العربية." واضاف "هذا يجعل الحفاظ على العلاقات في حالة سلسة ومتزنة أمرا صعبا جدا بالنسبة للحكومة البريطانية لأنها في الوقت الذي لا تتحمل فيه المسؤولية عما يكتب في وسائل الاعلام ينظر إليها دائما باعتبارها المسؤولة .. سواء أعجبها ذلك أم لم يعجبها." وتتعرض دول الخليج لانتقادات متكررة من الجماعات المدافعة عن حقوق الانسان التي تتهمها بالتعامل بقسوة مع المعارضة وبتبني نظام قضائي غامض وغياب الديمقراطية وضعف سجلها في سياق حرية المرأة وحقوق العمال الوافدين.

ولقيت دول الخليج في الآونة الأخيرة انتقادات لردها على احتجاجات على غرار الربيع العربي. وشنت السعودية حملة صارمة ضد الشيعة وغيرهم من النشطاء وأخمدت البحرين التي يحكمها السنة الاحتجاجات التي قادتها الاغلبية الشيعية.

ويخشى زعماء دول الخليج العربية أن تستغل ايران الاضطرابات الشيعية في دولهم لزعزعة استقرار حكمهم كما انهم لا يشعرون بالارتياح بعدما سارع الغرب للتخلي عن حلفاء سابقين في الشرق الاوسط في مواجهة المظاهرات المطالبة بالديمقراطية.

وفرضت البحرين حظرا لكل المظاهرات وهي خطوة وصفتها بريطانيا بأنها "مفرطة" وقالت انها "تأمل" ان تتراجع عنها البحرين. ولكن في حين أن الانتقادات البريطانية قد يعتبرها زعماء الخليج زائدة عن الحد إلا أنها غير كافية في عيون الجماعات الحقوقية وبعض المشرعين وهو ما يسلط الضوء على المعضلة التي تواجه بريطانيا.

وقال الان هوجارث رئيس قسم السياسة والشؤون الحكومية بمنطمة العفو الدولية في بريطانيا "نشعر أن بريطانيا لديها ميل ملحوظ لنفض يدها بشأن حقوق الانسان في دول الخليج ... الهجوم البحريني العنيف على حرية التعبير وحرية التجمع كان يستحق موقفا أشد قوة."

ومن الممكن أن يؤدي أي توتر بين بريطانيا وحلفائها في الخليج إلى عواقب استراتيجية وتجارية. وتستضيف البحرين الأسطول الخامس الأمريكي وهي حليف مهم للغرب في جهوده للحفاظ على تدفق النفط عبر مضيق هرمز في مواجهة تهديدات لإيرانية بغلقه.

كما أن السعودية حليف مهم لبريطانيا في جهود مكافحة الإرهاب. وبشكل أعم تتمتع بريطانيا بعلاقات وثيقة مع دول الخليج وكثير منها محميات بريطانية سابقة طالما ذهب مواطنوها إلى بريطانيا لشراء المنازل والتسوق والدراسة.

وتقول وزارة الخارجية البريطانية ان نحو 160 الف بريطاني يعملون في الخليج وإن قيمة الصادرات البريطانية إلى المنطقة تبلغ 17 مليار جنيه استرليني (27.44 مليار دولار) سنويا أي ما يوازي صادرات الصين والهند مجتمعة.

وقالت الوزارة ايضا ان الاستثمارات الخليجية في بريطانيا بلغت نحو 2.25 مليار دولار العام الماضي وتشمل حصصا في بعض أرقى البنايات والمتاجر والمنشآت الرياضية.

وتقول شركة بي.اي.ايه سيستمز عملاقة الصناعات العسكرية البريطانية ان فرصتها في تحقيق نمو في الارباح هذا العام معلقة على محادثات تهدف إلى وضع اللمسات النهائية على بيع صفقة طائرات مقاتلة للسعودية كما تعمل الشركة بجد من اجل إبرام صفقة كبيرة لبيع مقاتلات للامارات. ولسوء حظ بي.ايه.اي فإن الانتقادات البريطانية لدول الخليج لا تخدم مساعي الشركة. وقال المشرع البريطاني بيتر لوف "قسم كبير من المنظمات غير الحكومية ... يستفز البرلمانيين عمدا لاتخاذ مواقف ليست متفقة بشكل غير ضروري مع الظروف على الأرض في الشرق الاوسط وهو ما يتسبب في أضرار حقيقية بصادراتنا من السلاح."

وقال لوف الذي كان حتى التغيير الوزاري الذي اجري في سبتمبر ايلول وزيرا للدولة لشؤون العتاد العسكري إن الحلفاء الخليجيين لا يفهمون دائما السبب في أن بريطانيا مصرة على الإضرار بمصالحها. وأضاف "لا أتغاضى عن انتهاكات حقوق الانسان .. بالطبع لا .. لكن أحيانا يجب عليك أن تكون عمليا." بحسب رويترز.

وفي أغسطس اب قالت مصادر خليجية وصناعية ان شركة بي.بي النفطية البريطانية العملاقة قد استبعدت على ما يبدو من المنافسة على ادارة حقول نفط اماراتية وهو ما يرجع جزئيا إلى "التوتر" الذي ادى اليه دعم بريطانيا للربيع العربي وتقرير أذاعته بي.بي.سي بشأن الحملة الحكومية ضد الإسلاميين.

وتقول وزارة الخارجية البريطانية إنها تدعم حقوق الانسان باستمرار بما في ذلك في دول الخليج "بناء على ما هو عملي وواقعي ويمكن تحقيقه".

وتقول لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان ان الاعتبارات الاستراتيجية يجب الا تؤثر على التقييمات الخاصة بانتهاكات حقوق الانسان واتهمت الحكومة بأنها ناقضت نفسها في تعاملها مع البحرين مقارنة بدول اخرى.

ولم يتسن الوصول إلى مسؤولين خليجيين للحصول على تعليق. لكن دبلوماسيين ومصادر مقربة من السلطات الخليجية قالت ان الانتقادات البريطانية من الممكن ان تعتبر ساذجة وتنطوي على نفاق وخطيرة.

ويشير مسؤولون خليجيون إلى حرب العراق بقولهم إن محاولات تسريع مسار الديمقراطية يمكن أن تأتي بنتائج عكسية وإن الغرب كثيرا ما لا يفهم التركيبة الطائفية والقبلية المعقدة للمنطقة.

ولم تتخذ دول الخليج خطوات تذكر باتجاه مزيد من الانفتاح في السنوات الماضية لكنها تحذر من أن التغيير المتسرع من شأنه أن يهدد بتفاقم الاضطراب في منطقة مضطربة بالفعل.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/تشرين الثاني/2012 - 25/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م