دولة العدالة بين دقة الانتخاب ووفاء المنتخَب

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: للعملية الانتخابية في أي بلد كان، أهمية قصوى كونها تتعلق بمصير الشعب وطبيعية حياته، ومدى اقترابه او ابتعاده عن الركب المتقدم، واذا قلنا المعادلة التالية: كلما كان الشعب متأخرا كلما ازدادت الانتخابات السياسية التي يمارسها الشعب في اختياره لحكامه أهمية، فإننا لا نخطئ في هذا القول، علما أن قضية وفاء المنتخَب للناخب ينبغي أن تتصدر أولويات النائب او المسؤول الذي يصل الى منصبه على اكتاف الناخبين.

حساسية المرحلة الراهنة

وكلنا نعرف طبيعة المرحلة التي يمر بها العراق الآن، لاسيما خلال السنوات العشر الماضية، لذا يجب أن يصر الشعب والنخب التي تتصدى لقيادته، على أهمية الحفاظ على الحقوق والحريات، والزام النائب على الوفاء بتعهداته وواجباته تجاه الناس الذين انتخبوه.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتابه القيم الموسوم بـ (اضاءات): (إن العراق الجريح يمرّ بفترة صعبة، وفي نفس الوقت مصيريّة، قد يتحدد على ضوئها مستقبله لفترة طويلة، وإنّ أي تفريط في الحقوق في هذه الفترة سيكون له نتائج مؤلمة على الأجيال القادمة ـ لا سمح الله ـ).

ولهذا لابد أن تتصدر قيمة وفاء المسؤول المنتخب للناخب، كل المهمات الاخرى الملقاة على عاتقه، كونها السبيل الذي يقول الى دولة عادلة ترعى مصالح الجميع وفق سياقات وضوابط مستلة من عمق النهج القويم للعدالة، لذا فمسؤولية الوفاء عامة وهي ذات طابع تشاركي يشمل الجميع، على ان يتقدمهم وفاء المسؤول للناخب وللشعب عموما.

يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (ينبغي على الجميع، تحملّ المسؤلية الشرعيّة والتاريخية الملقاة على عواتقهم، والمساهمة الجادة الإيجابية في الإنتخابات المترقبة).

ولكي يتم ضمان نتائج سليمة، وصعود شخصيات واحزاب تستحق ان تحظى بشرف قيادة الشعب، يجب أن تتم عملية الانتخاب في اجواء سليمة، وآليات منضبطة، وأن لا يشوب الانتخابات اي عارض او شبهة تدل على عدم صدقها ونزاهتها وشفافيتها، وينبغي أن يتصدى لهذه المهمة خبراء من ذوي الاختصاص عراقيين قادرين على حفظ الامانة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المضمار بكتابه المذكور نفسه: (كما يجب توفير المناخ السليم كي لا تتمكن الجهات المشبوهة من التلاعب والتزوير في الإنتخابات، وينبغي الإستفادة من أحدث التقنيات والأساليب التي تمنع من التزوير ـ كل ذلك بإشراف الخبراء العراقيين والدوليين النزيهين ـ).

المنتخَب ومراعاة المصلحة العامة

من الواضح ان طبيعة المسؤولية التي يتصدى لها الانسان لها درجات واهمية متباينة، فكلما كانت درجته ومنصبه اعلى ستكون مسؤولياته اخطر واكثر واعلى، وهذا ما يجعل المسؤول أهم واكثر قدرة وايجابية في مراعاة مصلحة عموم الشعب ودولة العدالة نفسها، اذا التزم بمنهج الوفاء بعهوده ووعوده للناخبين وهو يدير عمله كقائد او مدير او نائب برلماني او اي مسؤولية اخرى، لهذا فإن مراعاة المصلحة العامة تؤدي الى دولة العدالة حتما.

يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (إن مراعاة المصلحة العامة ستضمن المصالح الشخصية أيضاً في النظرة البعيدة المدى).

ان احترام المنتخَب لوعوده، تعني الوفاء لناخبيه بكل ما وعدهم به من مكتسبات ومنجزات وسواها، وهو امر يصب في صالح الشعب عموما، وهو ما يحمي حقوق الناس في دولة العدالة، لقد كان الامام علي عليه السلام يرعى حقوق الافراد جميعا بغض طبيعة الانتماء العرقي او الديني او سواهما، لذا كانت دولته دولة عدالة بمعنى الكلمة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: )روي في أحوال الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه، أنه خلال الأربع سنوات وبضعة أشهر، وهي مدّة حكومته الظاهرية سلام الله عليه، حدث أمر لمرّة واحدة فقط، لم يذكر التاريخ غيره، ولا يوجد في سائر الكتب ما يشير إلى أن تلك الحادثة تكرّرت في زمان حكومة الإمام سلام الله عليه .تقول الرواية: إنه ذات بوم كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه يجتاز في أحد شوارع الكوفة, فرأى شخصاً يتكفّف، فقال: ما هذا؟ فأجابه بعض من لا يعرف حقيقة الإسلام، قائلاً: هذا نصراني.. قد هرم وصار لا يقوى على العمل، فهو يتسوّل!! وربما تصوّر ذلك المجيب أن الأمر يختلف عند الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، إذا كان المتسوّل غير مسلم، والحال أنه في القانون الإسلامي لا يختلف الأمر من هذه الجهة.. والناس اليوم لا يعلمون هذه القضايا، وقد لا يصدّقون بها، وسيقولون: فلماذا المسلمون اليوم ليسوا على هذه الشاكلة؟! فجعل الإمام أمير المؤمنين يلوم أصحابه على ما رأى من حال ذلك النصراني، وقال: «استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال.(

انتخاب الفرد الجيد

بقدر ما نطالب بقضية الوفاء والتزام المنتخَب بها، فإن هناك مسؤولية قد لا تقل اهمية، وهي مسؤولية الناخب الذي يعطي صوته لهذه الشخصية او تلك، هنا ينبغي أن يعرف الناخب قيمة صوته وأن يمنحها بدراية ومعرفة وتدقيق متواصل عن الشخص الذي ينتخبه، هل هو يستحق هذا الصوت أم لا، وهل سيفي بوعوده أملا ؟ وهل سيسهم في بناء دولة العدالة أم، فاذا كانت الاجابات بالايجاب فبها، وإن لم تكن كذلك فلا يجوز أن تعطي صوتك لمن لا يستحقه لانه لن يفي بوعوده للشعب، إنما هو يبحث عن مصالحه وامتيازاته ومنافعه المادية والمالية، لذا يجب أن يكون الناخب ايضا بحجم المسؤولية في هذه المرحلة الحساسة التي يقطعها العراق.

يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد: )في هذا الظرف الحسّاس المصيري من تاريخ العراق المعاصر، يلزم على الجميع المشاركة الفعّالة في الإنتخابات التي آمل ـ بإذن الله تعالى، أن تكون خطوة للعراق الجريح والعراقيين المظلومين، لإسترداد أمنهم وسيادتهم وعزّهم ورفاههم. كما أؤكد على ضرورة الإهتمام بانتخاب الأفراد الصالحين الذين يكون همّهم الإسلام وخدمة العراق مركز أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم(.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/تشرين الثاني/2012 - 23/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م