الانتخابات الأمريكية.. دروس وعبر

زاهر الزبيدي

على الرغم من قدم الأنظمة الانتخابية في العالم ولكوننا في العراق لم نمارسها بصورتها الصحيحة إلا قبل سنين معدودة ولمرتين فقط، وعلى الرغم من أنه لا سبيل للمقارنة بين الانتخابات العراقية وتلك الأمريكية على الإطلاق وفي كل جوانبها التنظيمية وتلك العائدة للأحزاب المشاركة فيها.. فنتائجها التي ظهرت خلال ساعات فقط تعيدنا الى نتائج انتخاباتنا الأخيرة والتي استمرت لفترة طويلة جداً وما تخللتها من تهم بالتزوير والتلاعب بنتائجها انتهاءاً بإعادة الفرز !

الجميع يتذكر ما جري في انتخاباتنا حيث كانت التجربة الأولى التي مارسنا فيها تجربة الحبر البنفسجي الذي افتقدت إليه الانتخابات الأمريكية لكونها تتمتع بنزاهة بالغة ومتبادلة بين المقترعين والجهة المنظمة للانتخابات فما من سبيل في النظام الانتخابي أن ينتخب مواطن أمريكي مرتين أو ثلاث.

كذلك فأن ظهور نتائج الانتخابات بتلك السرعة البالغة لهو دليل على نزاهة النظام الانتخابي الأمريكي وحكمته البالغة وعدم وجود خلل يرافق علمية الإنتخاب، وهذه السرعة مهمة جداً في حياة الشعوب التي تأبى أن تضيع ايامها وأشهرها بلا حكومة كما حدث معنا عندما حطمنا الرقم القياسي في بلد بلا حكومة أستمرت تلك الفترة من تأريخ الانتخابات كانون الثاني 2010 وحتى مصادقة البرلمان على الحكومة في كانون أول 2010.

أما عن نظام الانتخاب الذي تم من خلاله انتخاب مجلس الشيوخ والكونغرس ومنها الرئيس أيضاً بسلة واحدة.. فلا محاصصة ولا تكتلات ولا طائفية.. لا شيء من ذلك مطلقاً.. المواطن الأمريكي يدرك بصورة جلية من سينتخب.. سينتخب بلده وسينتصر لبلده أمريكا ومنها لمصالحه الشخصية بما يحقق له الحرية والعدالة والحياة الحرة الكريمة.. سينتخب الرئيس أو الحزب تبعاً لبرنامجه الانتخابي وما يحققه من ضمانات صحية واقتصادية وأمنية له ولأسرته.. لم يفكر أحداً من الأمريكيين أن ينتخبوا مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً. ولم يخرج أحد ما ليلزمهم بانتخاب أحزاب من طائفة ما.. أنه الوعي الانتخابي التي يمتلكه الشعب الأمريكي الذي سهل الكثير من مشاكلهم الحياتية لكون إنتخابهم للأحزاب شكل لديهم فارقاً كبيراً أنعكس على حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.

ومن الملاحظ أيضاً أننا نرى أي علم يرفع أو صور توزع أو هدايا أو أن تكون جدران البنايات الحكومية قد شوهت بفعل صور المرشحين بملصقاتهم الكبيرة التي، وحتى يومنا هذا، لا زالت صور الانتخابات ماقبل ستة أعوام تأبى أن تغادر تلك الواجهات وركائز الجسور وحتى الكتل الكونكريتية.. أنه علم واحد هو علم أمريكا الذي رفع ولا علم غيره ولم نرى أحدهم وقد أقحم صورة قِسّ أو الصليب في ملصقاته.. أنهم يدخلون الإنتخابات بأعمالهم لا بملصقاتهم.. وتلك الحالة سنعاني منها في العراق لعشرات السنين القادمة.. فذاتهم السياسيون اليوم من منا لا يعرفهم ؟ ولكن حينما يأتي موعد الإنتخابات سترى صورهم وقد امتلئت بها وجوه المدن وكأنه لم يكونوا معنا منذ عقد من الزمن !!

وحتى إعلان النتائج لم نسمع كلمة "تزوير" أو "طعن في النتائج" أو طلب احدهم " إعادة الفرز" ولا حتى أدنى درجات الاعتراض على نتائجها بل على العكس من ذلك أعترف الخاسر بنتائج هزيمته وهنأ الفائز الذي أحتفل مزهواً بنصره الذي أتى عن طريق الانتخابات.. على الرغم من أن الخاسر سوف لن يحصل على شيء مطلقاً باستثناء أن يكون معارضاً في الكونغرس أما في حكومتنا فالذي لم يفز بالحكومة يحصل على مناصب إضافية، إضافة الى عضويته ورجال حزبه في البرلمان، مناصب حكومية وسيادية كبيرة إلا إن ذلك لن يفت عضده في الاعتراض على نتائج الانتخابات الذي تظهر بعد حين رائحة التزوير فيها وتكشف الأيام اللاحقة عن خفايا لم تستطع كل الوسائل إخفائها.

لقد اجتمعت أخيراً عائلتي المتنافسين، الفائز والخاسر، وتبادلا التهاني والقبل.. مقدمين صورة رائعة عن تلاحم الشعب الأمريكي وحضارته وهم بذلك يغسلون عن قلوب منتخبيهم أدنى الآثار النفسية لما يخلفه التنافس في قلوبهم وبذلك ينتقل إحترام إختيار الآخر الى جميع ابناء الشعب.. أنها ثقافة مهمة نفتقر بشدة الى مقوماتها في مجتمعنا والدفاع عنها ليس ترفاً بل هي مهمة وطنية علينا إشاعتها بين كل شرائح شعبنا.

نحن مستمرون حتى يومنا هذا ونحن داخلون على عام 2013 في الاعتراض واصطناع الأزمات التي خلفتها الانتخابات الأخيرة والنظام الانتخابي.. وسيحين موعد الانتخابات القادمة وسنعود الى وسائلتنا التي اعتمدناها في الانتخابات السابقة ومع أول مقترع يضع ورقته الانتخابية في صناديق المفوضية سيصرخ أحدهم من بعيد قائلاً.. هناك تزوير فما أشد وطأة ذلك علينا.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/تشرين الثاني/2012 - 23/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م