مصر والتحرش... ظاهرة تتفاقم أمام أعين الإخوان

عبد الأمير رويح

 

شبكة النبأ: تخشى الكثير من المنظمات الإنسانية والحقوقية من استفحال ظاهرة التحرش الجنسي في مصر التي تفاقمت بشكل مخيف في الفترة الأخيرة  حيث أصبحت هذه الظاهرة  خطرا يهدد حرية النساء في احد أهم البلدان الإسلامية المحافظة، ويرى بعض المراقبين ان هذه الظاهرة الإجرامية الخطيرة قد أصبحت أكثر شيوعاً في المجتمع المصري الذي تحكمه جماعة الأخوان المسلمين والتي أصبحت أقوى تيار سياسي يحكم البلاد بعد ثورة التغير التي أطاحت بنظام مبارك معللين ذلك بعدة نقاط مهمة منها ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي، حيث أسهمت الخلافات السياسية المستمرة والصراع المتجدد لأجل السيطرة على أداء القوى الأمنية التي فقدت هيبتها السابقة وأصبحت ضعيفة أما توجهات ومطالب تلك الأحزاب والتيارات، يضاف الى ذلك غياب الوعي التربوي لدى بعض الشباب بسبب ضعف المؤسسة التربوية والتعليمية التي باتت تعاني الكثير من الإهمال والتخلف هذا بالإضافة الى ارتفاع معدلات البطالة التي أصبحت من اخطر المشاكل في مصر وهو ما يدفع بعض الشباب الى ارتكاب مثل هكذا أفعال، مؤكدين في الوقت على ان تجاهل مثل هكذا جرائم ستكون له عواقب وخيمة يصعب معالجتها او القضاء عليها، وفي شوارع القاهرة يعتبر التحرش بالنساء، سواء أكن محجبات ام لا، ظاهرة مستشرية، وهو يتراوح من مخاطبة الفتاة او المرأة بعبارات تخدش الحياء وصولا الى تصرفات مشينة اكثر بكثير. ولكن مؤخرا كثرت روايات الشهود التي تتحدث عن حالات اعتداء جنسي حقيقية حصلت في ميدان التحرير وصلت حتى الى حالات اغتصاب. وخلال الثورة التي اطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في شباط/فبراير 2011 تعرضت نساء كثيرات، من مصريات وصحافيات اجنبيات، لتحرشات في ميدان التحرير، وقفت في اغلب الأحيان عند حدود الملامسات.

ولكن في 11 شباط/فبراير 2011 وبينما كانت الجموع الغفيرة المحتشدة في الميدان تحتفل بتنحي مبارك، تعرضت مراسلة شبكة "سي بي اس" الاميركية لارا لوغان لاعتداء جنسي عنيف عندما انقض عليها جمع من الرجال يتراوح عددهم بين 200 الى 300 رجل و"اغتصبوها بايديهم"، على حد تعبيرها. وفي تشرين الاول/اكتوبر 2011 روت الصحافية في القناة الفرنسية الثالثة كارولين سينز لوكالة فرانس برس كيف انها، واثناء وجودها في ميدان التحرير، تعرضت لضرب مبرح ولاعتداء جنسي وحشي من قبل "شبان صغار في الرابعة عشرة او الخامسة عشرة اخذوا يتحسسون جسدي"، قبل ان ينقض عليها "حشد من الرجال"، واضافت "تعرضت للضرب من مجموعة من الشباب والكبار الذين قاموا بنزع ملابسي وبالإمساك بأعضاء جسدي بشكل يعد اغتصابا"، مؤكدة ان "بعض الاشخاص حاولوا مساعدتي لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. تعرضت للضرب لنحو ثلاثة ارباع الساعة الى ان امكن سحبي. اعتقدت انني ساموت".

وهذه الاعتداءات حظيت بتغطية اعلامية واسعة وسلطت الاضواء على التحرشات الجنسية التي تتعرض لها النساء في مصر ولكنها لم تحرك ساكنا لدى السلطات او تؤدي الى تراجع هذه الظاهرة لا بل انها على العكس في تزايد على ما يبدو. ففي 2 حزيران/يونيو روت شابة اجنبية لجمعية نظرة للدراسات النسوية وهي منظمة غير حكومية كيف ان "كل الرجال الذين كانوا حولنا بدأوا فجأة بتحسس اجسادنا لقد انزلوا سروالي واغتصبوني بأصابعهم. كانوا كالأسود وهي تنهش قطعة لحم".

وبعد ايام تم الاعتداء جنسيا على مجموعة صغيرة من النساء كن يتظاهرن ضد التحرش الجنسي. ومن ثم كان دور الطالبة البريطانية في الصحافة ناتاشا سميث التي اكدت بدورها تعرضها لاعتداء جنسي. وبالنسبة الى الكثيرين فان اوجه الشبه في هذه الاعتداءات وكون معظمها يقع في المكان عينه قرب مطعم للوجبات السريعة في ميدان التحرير، يعطي الانطباع بانها اعتداءات تحصل عن سابق تصور وتصميم.

وبحسب جمعية نظرة فان هذه الاعتداءات "محسوبة وتم الاعداد لها لكي تزرع الخوف في صدور النساء وتبعدهن عن الحياة العامة وتعاقبهن على مشاركتهن" في التظاهرات. اما احمد نيازي الذي شارك في التظاهرة ضد التحرش الجنسي في ميدان التحرير فيقول ان "النظام، الذي لم يسقط ابدا، يستخدم التحرش الجنسي لقمع حرية التعبير. بالنسبة اليهم فان النساء يشكلن الحلقة الاضعف وهذه طريقتهم في الضغط علينا. وقد نجحوا في تشويه سمعة الميدان".

وفي هذا تقول نانا الحريري (22 عاما) "كم من مرة لم انزل الى ميدان التحرير لأنني لم ارد ان اشعر بأياد بين فخذي". واليوم تتسلح الكثير من الفتيات والنساء بمسدسات مائية يملأنها بمحلول ميركوروكروم (الدواء الاحمر المستخدم لتطهير الجروح) وذلك بقصد ابعاد المعتدين عنهن وايضا بقصد صبغهم بلون يسهل للجموع التعرف عليهم والقاء القبض عليهم.

وبوصول التظاهرة النسائية الى ميدان التحرير محاطة بالمتطوعين الرجال الذين ارتدى معظمهم سترات فوسفورية اللون، تحولت انظار الكثير من الفضوليين اليها في حين لم يوفرها بعضهم من تعليقاته الساخرة. ولكن التظاهرة النسائية جذبت اليها ايضا رجالا اتوا لاستيضاح الهدف منها. وقال احد المارة مخاطبا احدى المتظاهرات: "عذرا ولكن ما هو التحرش الجنسي؟". بحسب فرنس برس.

وقلل آخر من شأن هذه الظاهرة وقال بينما كانت احدى المتظاهرات ترمقه بنظرة ملؤها خليط من الغضب والاسف: "هذا ليس بالأمر الخطير، انهم مراهقون، هذا عمرهم، عندما يقولون لك يا حلوتي فهذا غزل". وبحسب مسؤول امني فان احدا لم يعتقل على خلفية الاعتداءات الجنسية التي وقعت في الميدان. وتؤكد الشرطة، الغائبة تماما عن الميدان، ان هناك استحالة لالقاء القبض على المعتدين من بين عشرات الاف المتظاهرين.

65% من نساء مصر

في السياق ذاته أصدر مكتب الشكاوي بالمجلس القومي لحقوق الإنسان بياناً أكد فيه أن 64 % من نساء مصر يتعرضن للتحرش في ظل وقوع 20 ألف جريمة اعتداء جنسي وتحرش سنوياً . وقال البيان أن تلك الظاهرة الوافدة على المجتمع المصري والتي تحولت لأزمة يمر بها المجتمع وتسببها العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتمثلة في البطالة وتأخر سن الزواج و انتشار ثقافات سلبية تزيد معدلات العنف ضد المرأة وتنظر لها نظرة جنسية دونية لا ترتق بمكانتها المجتمعية كذلك المسببات المتعلقة بضعف المنظمة العقابية لمثل تلك الجرائم وخلوها من تعريف واضح ومحدد لجريمة التحرش إلي جانب ضعف الموقف الأمني في التعامل مع تلك الجرائم .

جاء ذلك بعد أن قام مكتب الشكاوي بإيفاد بعثة تقصي حقائق لمصاحبة المبادرات المدنية الهادفة لمنع وقوع جرائم التحرش خلال عيد الأضحى ، وقد شملت زيارات البعثة مناطق التحرير والعتبة ومحطات مترو الأنفاق وغيرها من أماكن التجمعات . وتابعت البعثة الميدانية الجهود التي قامت بها المبادرات المدنية وعدد من المنظمات الحقوقية والمجموعات الشبابية ، كذلك ما قامت به الأجهزة الأمنية من مجهودات لتأمين الأماكن الحيوية وأماكن التجمعات من مشكلات التحرش والتي أسفرت عن ضبط الأجهزة الأمنية 502 واقعة بمحافظة القاهرة، وتنوعت بين وقائع للتحرش اللفظي، وأخرى للتحرش جنسي، وثالثة وقائع فعل فاضح ، لكن عكست أراء بعض المجموعات المدنية و مشاهدات البعثة الميدانية تراخي من بعض أفراد الشرطة سواء بالإهمال في تأدية واجبهم أو بالتقاعس عن حماية بعض النشطاء والعاملين بتلك المبادرات وهو ما أسفر عن تعرض بعض المجموعات المنتمية للمبادرات المدنية للإعتداء من قبل بعض البلطجية والمتحرشين.

واستقبل المكتب شكوى عن تعرض الناشطان نديم ياسر عبد الجواد، ومهند ياسر عبدالجواد، وأخرين أثناء مشاركتهم فى حملة منع التحرش " المعروفة بأسم التحرش بالمتحرشين " للاعتداءات والمضايقات من قبل بعض البلطجية من المتحرشين بالفتيات بشوارع وسط القاهرة ومنهم المدعو قوطة المعروف لدى الجهات الأمنية بمنطقة وسط البلد ، علماً بتعنت أحد رجال الشرطة " رائد بنقطة شرطة مترو العتبة مدخل 4 " مع فريق الحملة وتركهم للبلطجية والمتحرشين لإلحاق الضرر بهم و قام المجلس على إثرها بإرسال بلاغ لوزارة الداخلية حمل رقم صادر 3544 بتاريخ 30 أكتوبر .

وتلخصت اعمال البعثة الميدانية الي عدة حقائق مفادها أن الشارع المصري يمر بأزمة حقيقية تتمثل في تعرض المواطنين لجرائم التحرش الفردي والجماعي بشكل وبائي وبصورة تعكس ضرورة تكاتف كافة مؤسسات الدولة المدنية والحكومية لبحث المشكلة بشكل دقيق و تفعيل الشراكة من أجل طرح بدائل وحلول جزرية لتلك الجريمة التي تهدد المجتمع على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية.

وطالب المكتب بضرورة تفعيل التعاون بين الجهات الأمنية والمنظمات المدنية بهدف تنفيذ جهود مشتركة تهدف لردع المتحرشين وحماية المجتمع من تلك الجريمة ، كذلك كافة المؤسسات التعليمية والتثقيفية بضرورة العمل على بناء ثقافة تحترم المرأة و تحمي المواطنين من الإنزلاق في هوة إرتكاب مثل تلك الجرائم ، مؤكداً علي إتخاذ إجردور الدولة في اتخاذ إجراءات فورية للقضاء على تلك الجرائم التي تهدد المجتمع المصري وتنتقص من كرامة مواطنيه و أمنهم و حقوقهم .

وترى نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصري لحقوق المرأة، أن هذه المبادرات تعكس تطورا في الوعي داخل المجتمع المصري تجاه قضية كانت حتى وقت قريب من المحرم الحديث عنها.

وأضافت "هذا التغير يأتي ثمرة جهود سعت من خلالها بعض منظمات المجتمع المدني لكسر محظورات وتشجيع البنات على الحديث عما يتعرضن له من تحرش".

ويوضح رشدي سيد وهو احد المتطوعي أن اختيار حملته لخطوط المترو يرجع إلى كثرة حالات التحرش فيه مشيرا إلى ان المواطنين استقبلوا الحملة بترحاب كبير لكن ذلك لم يحل دون حدوث مشاكل مع المتحرشين الذين يعتدون عليهم في كثير من الحالات. ويقول سيد "فضلت الاحتفال بالعيد من خلال المشاركة في عمل تطوعي يجعل الآخرين يشعرون بالسعادة". ويقول عبد الفتاح محمود أحد المسؤولين عن الحملة إن "صعوبات كثيرة واجهتهم خلال سعيهم للحصول على تصريحات للقيام بـدورياتهم في عربات المترو". ويقول محمود إن حركته اتفقت مع الحملات الأخرى على تنسيق وتوحيد الجهود خلال المرحلة المقبلة.

وركزت حملة "كما تَدٍين تُدان" نشاطها على شوراع وسط القاهرة التي تعج بالمارة خلال الاحتفالات بعيد الفطر. وفي محاولة لردع المتحرشين قامت الحملة بنشر صور على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لمن قالت إنهم متحرشين ضبطهم متطوعو الحملة بالتعاون مع أفراد الشرطة أثناء أحداث تحرش جماعي وقعت وسط القاهرة. بحسب بي بي سي .

ورفضت غالبية المتحرش بهن الذهاب إلى الشرطة لتسجيل الواقعة خوفا من نظرة المجتمع ولعدم إدراكهن لحقوقهن والإجراءات التي يمكن اتباعها عند تعرضهن لهذه الممارسات. وتشير ابو القمصان إلى أن قانون العقوبات المصري به ثلاث مواد تتناول بعض أشكال التعدي الجسدي لكنها ليست كافية في ظل انتشار ظاهرة التحرش. وتوضح: "بعض ممارسات التحرش لا تأتي ضمن الجرائم التي تضمنها قانون العقوبات، وذلك توجد حاجة لإجراء تعديل تشريعي يشمل مختلف أشكال التحرش."

دوريات لمكافحة التحرش

من جانب اخر اعد بورزو داراغاهي تحقيقا عن التحرش بالنساء في مصر بعنوان "دوريات لحماية النساء المصريات" في صحيفة فاينانشال تايمز. ويستهل داراغاهي التحقيق قائلا إن مجموعات من المتطوعين تصدرت الحملة ضد "وباء" التحرش الجنسي. ويقول داراغاهي إن مجموعات من الشباب يرتدون سترات صفراء انتشرت في محطات المترو للحيلولة دون ركوب الرجال في العربات المخصصة للنساء.

ويضيف داراغاهي أن مساعي هؤلاء الشباب جاءت لتمثل نوعا من الشرطة العلمانية الليبرالية للحفاظ على الاخلاقيات العامة، وجاءت كرد على "التحرش اللفظي والجسدي الصارخ والمتزايد ضد النساء في الاماكن العامة في مصر مما يؤدي إلى ثنيهن عن المشاركة في الحياة العامة". ويقول داراغاهي إن دراسة اعدت عام 2010 بتمويل من الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة خلصت إلى ان معظم حالات التحرش تجري بين السابعة صباحا والثانية عصرا، وبينما تذهب النساء والفتيات إلى مدارسهن وأعمالهن. ويرى داراغاهي أن هذه الدوريات تأتي متماشية مع ومدفوعة بروح ثورة العام الماضي، التي يخشى البعض أنها تسببت في حالة من الفوضى ينظر إليها على انها اسهمت في زيادة وتيرة التحرش الجنسي.

وقالت نهال سعد زغلول، وهي ناشطة في جمعية "بسمة" التي بدأت مبادرة دوريات مكافحة التحرش، لداراغاهي إن "المشكلة تكمن في ان 50 في المئة من المصريين يخافون من الـ 50 في المئة الاخرى مما يمنع النساء من الخروج للعمل". ويقول داراغاهي إنه وفقا لدراسة "غيوم في سماء مصر" التي اعدت سنة 2010 وشاركت فيها الف امرأة وفتاة مصرية، فإن 83 في المئة من المستطلعة آراؤهن قلن إنهن تعرضن للتحرش اللفظي او الجسدي، وأن 46.1 منهن قلن إنهن يتعرضن للتحرش بصورة يومية.

ووفقا للدراسة ذاتها، فإن ثلثي الرجال المستطلعة آراؤهم قالوا إنهم تحرشوا بالنساء، والقى معظمهم اللوم على ارتداء النساء ثيابا مثيرة. ويقول داراغاهي إنه على النقيض مما يقوله الرجال، اوضحت الدراسة أن اغلب من تعرضن للتحرش كن يرتدين ملابس فضفاضة والحجاب. ووفقا للدراسة ايضا يتراوح عمر أغلبية المتحرشين بين 19 و24 سنة، ولكن بعضهم اقل عمرا من ذلك بكثير.

وقال محمد الخطيب، وهو ناشط في مشروع "هاراسماب" (خريطة التحرش)، وهو موقع على الانترنت توجد فيه خريطة ترصد التحرش والمناطق التي يكثر بها، لداراغاهي إن "التحديق في النساء والغمز والصفير ولمس بعض اجزاء جسم المرأة تعد من الانشطة التي يقوم بها الصبية كي يشعروا انهم رجال". ويقول داراغاهي إن معظم المتحرشين ينكرون ان ما يقومون به يعد تحرشا وينفون ان قول كلمات نابية او ذات إيحاءات جنسية للنساء وهن يمشين أو لمسهن يعد خطأ و منافيا للقانون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/تشرين الثاني/2012 - 21/ذو االحجة/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م